د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» رواه مسلم.

الشرح والتعليق

  1. هذا الحديث يدل على أنواع الجهاد في سبيل الله وأهميته.
  2. قوله (ما من نبي) : زيادة (من) لاستغراق النفي، وهو يحمل على الغالب؛ لأنه جاء في حديث أن نبيا يجيء يوم القيامة ولم يتبعه من أمته إلا واحد.
  3. قوله (حواريون) : بتشديد الياء أي ناصرون، قال الطيبي: حواريّ الرجل: صفوته وخالصته الذي أخلص ونقي من كل عيب، وقيل: صاحب سره؛ وسمي بذلك لخلوص نيته وصفاء طويته من (الـحَــوَر) وهو شدة البياض، وقيل: الحواريّ القصَّار بلغة النبط، وكان أصحاب عيسى قصَّارين لأنهم يحورون الثياب أي يبيضونها فغلب عليهم الاسم، ثم استعير لكل من ينصر نبيا ويتبع هداه حق اتباعه تشبيها بأولئك.
  4. قوله (وأصحاب) الأصحاب غير الحواريين، وهم أعم منهم.
  5. قوله (يأخذون بسنته) ، أي: بهديه وسيرته.
  6. قوله (ويقتدون بأمره) ، أي: يتبعونه في أمره ونهيه.
  7.  (ثم) : إما على الحقيقة في التراخي الزماني وإما على معنى البعد في المرتبة.
  8.  قوله (تخلُف) : بضم اللام أي تحدث.
  9. قوله (من بعدهم خُلُوف) : بضم الخاء جمع (خَلْف) وهو الرديء من الأعقاب، أو ولد السوء كعدل، قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم: 59] (والخَلَف) بفتحتين يجمع على أخلاف كما يقال: سلف وأسلاف وهو الصالح منهم.
  10. قوله (يقولون ما لا يفعلون) : وصف الخُلُوف بأنهم متصفون وممتدحون بما ليس عندهم حيث يقولون: فعلنا ما أمرنا ولم يفعلوا شيئا من ذلك، بل فعلوا ما نهوا عنه وهو المعنى بقوله: (ويفعلون ما لا يؤمرون) : وهو إيماء إلى قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} [آل عمران: 188] وقوله عز وجل {ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون – كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2 – 3].
  11.  وأما السلف الصالح ; فإنهم لما اقتدوا بسنة سيد المرسلين، وسيرة إمام المتقين – صلى الله عليه وسلم – انخرطوا في سلك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
  12. قوله (ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن) ، أي: أنكر عليهم بقلبه : بأن يغضب عليهم ولو قدر لحاربهم باليد أو باللسان.
  13. قوله ( وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ) أي: وراء الجهاد بالقلب يعني من لم ينكرهم بالقلب بعد العجز عن جهادهم بيده ولسانه، فلم يكن فيه حبة خردل من الإيمان لأن أدنى مراتب أهل الإيمان أن لا يستحسن المعاصي وينكرها بقلبه، فإن لم يفعل ذلك فقد خرج عن دائرة الإيمان ودخل فيمن استحل محارم الله واعتقد بطلان أحكامه.
  14. وفي هذا الحديثِ يَروي ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّه ما من نَبيٍّ بعَثَه اللهُ في أُمَّةٍ قَبلَه، إلَّا كان له من أُمَّتِه حَواريُّون وأصحابٌ، وهم التَّابِعُون المُخلِصون لمَتبوعِهم، المناصِرون المُلازِمون له، ويَنفون عنه كُلَّ عَيبٍ، يَأخُذون بسُنَّتِه، فيَعمَلون بهَديِ ذلك النَّبيِّ وسيرَتِه، ويَقتَدون بأمرِه، أي: يَفعَلون مِثلَ فِعلِ نَبيِّهم، «ثمَّ إنَّها تَخْلُفُ من بَعْدِهم خُلُوفٌ»، أي: يَأتي بعدَ الحواريِّين ذُرِّيةٌ وأجيالٌ سيِّئةٌ، «يَقولون ما لا يَفعَلون، ويَفعَلون ما لا يُؤمَرون»، وهذه صِفةُ النِّفاقِ، والمَعنَى: أنَّهم أصحابُ شَرٍّ وفسادٍ، خالَفوا وعَصَوا ذلك النَّبيَّ، يَفعَلون ما لا يَأمُرُهم نَبيُّهُم، ويَمتَدِحون أنفُسَهم مُدَّعين اتِّباعَهم لهذا لهَديِه، ولا يَفعَلون بما يَقولون، بل يَفعَلون الفَسادَ. ووجَبَ على كلِّ مُؤمنٍ مُستَطيعٍ أن يُجاهِدَهم بما يُناسِبُ حالَه، فمَن جاهَدَهم بيَدِه بأن أزال المُنكَرَ فهو مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدَهم بلِسانِه فأنكَرَ عَليهِم بالقَولِ فهو مُؤمنٌ، ومَن جاهَدَهم بقَلبِه بأن غَضِبَ عَليهِم، ولو قَدَر لَحارَبَهم باليَدِ أو باللِّسانِ فهو مُؤمنٌ، «وليْس وَراءَ ذلك من الإيمانِ حَبَّةٌ خَرْدَلٍ»، فليس وَراءَ ما ذَكَرتُ من مَراتِبِ الإيماِن مَرتبةٌ قَطُّ؛ لأنَّ مَن لم يُنكِر بالقَلبِ فقد رَضيَ بالمُنكَرِ، والرِّضا بالمُنكَرِ كُفرٌ، وقد ظَهَر من هذا الحَديثِ وغَيرِه أنَّ من شَرطِ وُجوبِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ أمرَينِ: أحدُهُما: العِلمُ بكَونِ ذلك الفِعلِ معروفًا أو مُنكَرًا؛ لأنَّ ذلك لا يَتأتَّى للجاهِلِ. والثَّاني: القُدرةُ عَليهِ، وأنَّ غَيرَ المُستَطيعِ لا يَجِبُ عَليهِ، وإنَّما عَليه أن يُنكِرَ بقَلبِه.
  15. هذا الحديث الصحيح يعد من أمارات النبوة وأعلامها، فقد تحقق ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في زماننا هذا كثرت الفتن وقل الناطقون بالحق، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهذا ينطبق على جلوس الكثيرين في بيوتهم دون أن يحركوا ساكنا نصرة لأهلنا في غزة، فلا هم نصروهم ولا هم ساعدوهم بالمال أو الكلمة، ولا شاركوا بالفعاليات المختلفة التي تنصرهم، بل وللأسف صار البعض ينكر المعروف وينهى عنه، ويمنع الناس من فعله ويهددهم تارة بالاعتقال أو السجن ويمنعنهم من الوقوف مع أهلهم في غزة..حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 28/6/2024م

الموافق 22/ذو الحجة/1445هـ