د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
وعن ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى المَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ». رواه البخاري.
الشرح والتعليق
- في هذا الحديث دليل على جواز توزيع الغنائم من النساء على المقاتلين بعد أسرهم وسبيهم.
- (قال: كتبتُ إلى نافع فكتب إليّ) أي أنه كتب إلى نافع ليسأله عن الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، فكتب إليه نافع: إنما كان ذلك في أوّل الإسلام. وأنه بإمكانهم الآن الإغارة على الأعداء ومفاجأتهم قبل دعوتهم إلى الإسلام أو دفع الجزية أو القتال. واستدل على ذلك بما فعله رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق.
- قوله (على بني الـمُصْطَلِق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء، وبعد اللام المكسورة قاف، بطن من قبيلة خزاعة.
- قوله (وهم غارُّون) بتشديد الراء، جمع غارّ، أي غافلون أي أخذهم على غرّة.
- قوله (فقتل مقاتلتهم) أي الطائفة الباغية، وهي التي وصلت إلى سن البلوغ.
- (وسبى ذراريهم): بتشديد الياء (ذَرَارِيَّهم) وقد تخفّف (ذَرَارِيهم) أي أبناءهم ونساءهم.
- وفي رواية في صحيح مسلم: (وسبى سبيَهم) أي أخذ منهم من لا يصلح للقتال عبيدا وإماء.
- قال القسطلاني في كتابه (إرشاد الساري شرح صحيح البخاري) : وفي هذا جواز الإغارة على الكفار الذي بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة، ولكن الصحيح استحباب الإنذار وبه قال الشافعي والليث وابن المنذر والجمهور، وقال مالك: يجب الإنذار مطلقًا، وفيه جوازًا استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما مرّ، وهذا قول إمامنا الشافعي في الجديد وبه قال مالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة، وقال جماعة من العلماء: لا يسترقون لشرفهم وهو قول الشافعي في القديم.
- قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي؛
(أحدها) يجب الإنذار مطلقا قال مالك وغيره وهذا ضعيف.
(والثاني) لا يجب مطلقا وهذا أضعف منه أو باطل.
(والثالث) يجب إن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى بن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وبن المنذر والجمهور قال بن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه فمنها هذا الحديث
- قوله (جُوَيْرِيَة) بتخفيف المثناة التحتية الثانية وسكون الأولى، هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وكان أبوها سيد قومه، وقيل وقعت في سهم ثابت بن قيس وكاتبته نفسها (أي أن يحررها من الرق والعبودية بعد أن تدفع له مبلغا من المال) فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابتها (دفع المبلغ عنها) وتزوّجها فأرسل الناس ما في أيديهم من السبايا المصطلقية (أطلقوا سراحهم ومنوا عليهم بالحرية) ببركة مصاهرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا تعلم امرأة أكثر بركة على قومها منها.
- وأريد أن أوضح هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغدر ببني المصطلق ولم يخدعهم، ولا يعني أنه أخذهم على حين غرة منهم أنه كان ظالما لهم، فقد قال ابن إسحاق في بيان سبب الغزوة: (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس فاقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم عليه) وقد تواترت الأخبار أن بني صهيون أرادوا فعل ذلك في غزة العزة، فقام المجاهدون الأبرار بمباغتهم يوم 7 أكتوبر 2023م، فلهم في فعلهم هذا أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
- بلغ عدد قتلى بني المصطلق عشرة، وأُسِرَ باقيهم. واختلفت الروايات في عدد الأسرى، فذكر الواقدي أن الغنائم كانت من الإبل ألفي بعير، وخمسة آلاف شاة، وكان السبي مائتي أهل بيت. بينما ذكر الزرقاني في شرح المواهب أنهم أكثر من 700 أسير.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 14/6/2024م
الموافق 8/ذو الحجة/1445هـ