د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: ” إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا ” فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا.

رواه أحمد في المسند، وأبو داود في السنن، وإسناده حسن.

الشرح والتعليق

  1. في هذا الحديث دليل على جواز المنّ على الأسرى والإفراج عنهم دون مقابل، وقد ورد ذلك في قوله تعالى (فإمّا منًّا بعدُ وإمّا فداءً).
  2. أبو العاص بن الربيع: زوج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعرف عنه قط موقف في مقاومة الدعوة بأي لون من ألوانها، وقد كفَّ يده ولسانه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغلَه مالُه وتجارتُه وحياؤه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقف الشراسة القرشية في مقاومة الدعوة إلى الله.
  3.  في غزوة بدر كان أبو العاص من الأسرى الذين لم يسمع لهم في المعركة صوت، ولم يعرف لهم رأي، ولا شوهدت لهم في قتالٍ جولة، وبعد أن بدأت قريش تفدي أسراها، أرسلت السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجة أبي العاص بمال تفديه به، ومع المال قلادة كانت أمها السيدة خديجة رضي الله عنها أهدتها إليها فأدخلتها بها على زوجها للتحلي بها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة ابنته رقَّ لها رقة شديدة، إذ كانت هذه القلادة الكريمة مبعث ذكريات أبوية عنده صلى الله عليه وسلم، وذكريات زوجية، وذكريات أسرية، وذكريات عاطفية، فالنبي صلى الله عليه وسلم أب، له من عواطف الأبوة أرفع منازلها في سجل المكارم الإنسانية وأشرفها في فضائل الحياة, فتواثبت إلى خبايا نفسه الكريمة المكرمة أسمى مشاعر الرحمة، وتزاحمت على فؤاده الأطهر عواطف الحنان والحنين، فتوجه إلى أصحابه – رضي الله عنه – متلطفًا يطلب إليهم في رجاء الأعز الأكرم, رجاء يدفعهم إلى العطاء ولا يسلهم حقهم في الفداء لو أنهم أرادوا الاحتفاظ بهذا الحق وهو في أيديهم يملكون التصرف فيه، فقال لهم: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا».

وهذا أسلوب من أبلغ وألطف ما يسري في حنايا النفوس الكريمة، فيطوعها إلى الاستجابة الراغبة الراضية رضاء ينم عن الغبطة والبهجة.

  • إن هذا الموقف وما يظهر منه من مظاهر الرحمة والعطف منه صلى الله عليه وسلم على ابنته، يحمل في طياته مقصدًا آخر وهو أنه كان يتألف صهره للإسلام بذلك، لما عرف عنه من العقل السديد، والرأي الرشيد، فقد كان صلى الله عليه وسلم يثني عليه وهو على شركه بحسن المعاملة.
  • أبو العاص بن الربيع صحابي وصهر رسول الله، زوج ابنته زينب، وهو والد (أمامة) التي كان يحملها النبي في صلاته ووالد علي بن أبي العاص، أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد. كانت خديجة هي التي سألت رسول الله أن يزوجه بابنتها زينب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفها، وتم الزواج قبل البعثة.
  • اشترط النبي صلى الله عليه وسلم على أبي العاص مقابل المن عليه أن يرجع ابنته وزينب إلى المدينة المنورة، ففعل، وبقيت زينب بلا زوج إلى أن أسلم أبو العاص قبيل فتح مكة في قصة رائعة أنصحكم بقراءتها، فعادت زينب إلى زوجها.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 3/5/2024م

الموافق 24/شوال/1445هـ