د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ” رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح.

الشرح والتعليق

1-         في هذا الحديث النهي عن الشح والجبن، وأن على المسلم أن يكون كريما شجاعا.

2-         الشُّحُّ والجُبنُ مِنَ الأمراضِ القَلبيَّةِ التي تُودِي بِصاحبِها إلى الْمَهالكِ إنْ سلَّم نفسَه لها، وعلى المسلمِ أنْ يُجاهِدَ نَفْسَه؛ لِيَسْلَمَ مِن الجُبنِ والبُخلِ.

3-         قوله (شرُّ ما في الرجل) أي: مِن الأفعالِ المتَّصفةِ بالشَّرِّ الحاضَّةِ على نَقيضِ الخَيرِ المجنِّبةِ له.

4-         قوله (شُحٌّ) وهو أشدُّ البُخلِ؛ فبِه لا يَفعَلُ الحقوقَ التي علَيه، وقيل: البُخلُ يَصلُحُ وصفُه لأشياءَ بعَينِها، أمَّا الشُّحُّ فهو عامٌّ؛ فيَكونُ مثَلًا البخلُ في المالِ والشُّحُّ في كلِّ شيءٍ، فيَكونُ الشُّحُّ صفةً لازمةً للشَّخصِ، بخِلافِ البُخلِ؛ فيَكونُ صفةً لبَعضِ أفعالِ الشَّخصِ.

5-         قوله (هالع) أي: يَجعَلُ عندَ صاحبِه جزَعًا وخَوفًا إنْ فعَل ما بُخِّل به.

6-         قوله (وجُبنٌ خالع) أي: جُبنٌ في منتَهى الشِّدَّةِ يَخلَعُ قلبَه مِنه مِن شدَّةِ خوفِه.

7-         قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هنا أمران: أمر لفظي وأمر معنوي.

فأما اللفظي فإنه وصف (الشح) بكونه (هالعا) والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمّى هلوعا، ولا يقال: هالع له، فإنه لا يتعدى ففيه وجهان:

أحدهما: أنه على النسب كقولهم ليل نائم وسر كاتم ونهار صائم ويوم عاصف كله عند سيبويه على النسب أي ذو كذا كما قالوا تامر ولابن، ويكون المعنى (شح ذو هلع).

والثاني: أن اللفظة غُيِّرت عن بابها للازدواج مع (خالع) وله نظير. (يقصد أن كلمة (هالع) اسم فاعل، واسم الفاعل يكون لمن قام بالفعل، وفي قوله (شح هالع) ليس الشح الذي يهلع، إنما الذي يهلع صاحب الشح، ولذا لا يكون المراد اسم الفاعل، بل شيء آخر، وإنما ذكر اسم الفاعل حتى يتناسب مع قوله (جبن خالع)).

وأما المعنوي: فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد ولا سيما إذا كان شُحُّه (هالعا) أي ملق له في الهلع، وجبنه (خالعا) أي قد خلع قلبَه من مكانه فلا سماحة ولا شجاعة، ولا نفع بماله ولا ببدنه ،كما يقال لا طعنة ولا جفنة، ولا يطرد ولا يشرد، بل قد قمعه وصغّره وحقّره ودسّاه الشح والخوف والطمع والفزع.

8-         ويتابع ابن القيم فيقول: وإذا أردت معرفة (الهلوع) فهو الذي إذا أصابه الجوع مثلا أظهر الاستجاعة (الجوع الشديد) وأسرع بها، وإذا أصابه الألم أسرع الشكاية وأظهرها، وإذا أصابه القهر أظهر الاستطامة والاستكانة، وباء بها سريعا، وإذا أصابه الجوع أسرع الانطراح على جنبه، وأظهر الشكاية، وإذا بدا له مأخذُ طَمَعٍ طار إليه سريعا، وإذا ظفر به أحله من نفسه محل الروح، فلا احتمال ولا إفضال.

وهذا كله من صغر النفس ودناءتها وتدسيسها في البدن وإخفائها وتحقيرها والله المستعان.انتهى كلام ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)

9-         الشح والجبن يدلان على عدم الإيمان الحقيقي بالقضاء والقدر، لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فالآجال مقدرة، والأرزاق مقدرة كذا، والجبن لن يزيد في عمر الإنسان، والشح لن يزيد في رزقه.

10-       مما نحتاجه الآن فعليا السخاء والكرم والجود في الإنفاق دعما لأهلنا المرابطين في غزة،  وتقديم حاجتهم على حاجتنا، وإيثارهم على أنفسنا (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومن استطاع أن يحمل روحه على كفه فليفعل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 22/3/2024م

الموافق 11/رمضان/1445هـ