3/2/2025
د. مثنى حارث الضاري مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق.

مقدمة
كان الموقف العراقي متقدمًا شعبيًا ورسميًا في مواجهة الخطر الصهيوني، والدفاع عن فلسطين ودعم صمود أهلها ومقاومتهم، وكشف المخططات الصهيونية وفضحها، وقد كُتبت في هذا السياق دراسات كثيرة، بحثت جوانب متنوعة من جوانب هذا الموضوع الواسع الأطناب، فمنها: ما تناول الجانب الرسمي الحكومي، ومنها ما تناول الجانب الشعبي، ومنها ما جمع بين الأمرين في إطار زمني محدد، أو على وفق سياق بحثي خاص، أو بحث موضوعات أكثر تفصيلًا تتعلق بأصداء القضية الفلسطينية في العراق عامة، أو في بعض مناطقه، أو درس علاقة القضية الفلسطينية بملفات عربية أو إقليمية أو دولية([1]). وجرى أثناء ذلك الإشارة إلى جهود عدد كبير من رجال العراق وقادة العلم والفكر والعمل العام فيه في نصرة القضية الفلسطينية ومواجهة الخطر الصهيوني، فضلًا عن المعطيات التي تفيدها دراسة جهودهم الكلية وأعمالهم الشاملة كلٌ بحسب ما ينشط فيه.
وقد سبق لي أن تناولت هذا الموضوع في ندوة خاصة بـ (أسبوع القدس الدولي)، قبل عشرة أشهر في ورقة بحثية تناولت فيها: (جهود العراقيين في دعم القضية الفلسطينية) على المستوى الشعبي، وفي نطاق شريحة علماء الدين والمثقفين، وعرّفت فيها بعدة نماذج منهم؛ وأعود اليوم لبحث الموضوع نفسه من زاوية أخرى، أعرض فيها لجهود علماء العراق، والعلماء الفلسطينيين، الذين هاجروا إلى العراق وعاشوا فيه بعد النكبة سنة (1948م)؛ تلبية لمتطلبات ندوة: (الخطر الصهيوني على العراق، وواجب علماء العراق وفلسطين في مواجهته).
*******
تمهيد
تنوعت الجهود العراقية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتكاثرت، وتكونت من أجلها اللجان، وأقيمت التجمعات والملتقيات، وعقدت المؤتمرات، وأسست الجمعيات. وقد اتسمت هذه الجهود بصفات عدة، لعل من أبرزها: مشاركة مكونات الشعب جميعًا فيها، ونشاط قادة الفكر والثقافة الجاد والفاعل فيها، من: العلماء، والمفكرين، والأدباء، والشعراء، والصحفيين، والسياسيين، فضلًا عن الفئات والشرائح المجتمعية من الطلاب والشباب، والنساء، وشيوخ العشائر، والنقابات المهنية الممثلة: للمحامين، والمعلمين، والأطباء، والمهندسين والعمال، وغيرهم.
وشواهد الأعمال التي قام بها هؤلاء والجهود التي بذلوها كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، وبحسبنا أن ننوه في هذا التمهيد بنماذج من الأعمال الجماعية، نحو: (لجنة الشباب الموصلي) التي شكلها مجموعة منشباب الموصل سنة (1933م)([2])، و(لجنة الأحزاب العراقية للدفاع عن فلسطين) المشكلة بعد صدور قرار (لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية) في نيسان (1946م) ([3])، و(جمعية الدفاع عن فلسطين) التي شكلت في العراق بعد انعقاد مجلس جامعة الدول العربية في (بلودان) بسوريا في حزيران (1946م)، و(لجنة الاجتماع الجماهيري) المعلنة في الموصل سنة (1936م)؛ للتضامن مع ثورة الشعب الفلسطيني، و(جمعية إنقاذ فلسطين) سنة (1947م).
وقد أشاد بهذه الجهود عدد من الكاتبين لتأريخ فلسطين الحديث، ونوهوا بها، وعدوا ما قدمه العراق شعبيًا ورسميًا؛ من أبرز ما قُدِّم لنصرة فلسطين أثناء أزماتها المتتابعة؛ ومن هؤلاء: المفتي الشيخ (محمد أمين الحسيني) -رحمه الله- الذي يقول: “وصل قبلي إلى العراق مائتا مجاهد فلسطين؛ فأظهر لهم الشعب والحكومة العراقية كرمًا عظيمًا، فلقد كان الشعب العراقي أكثر الناس حماسًا للقضية العربية”([4]). ومنهم أيضًا الأستاذ (محمد عزة دروزة) -رحمه الله- الذي يقول عند حديثه عن موقف الدول العربية من قضية فلسطين: “لقد كان موقف الأقطار العربية وخاصة العراق والشام بما فيها الأردن ولبنان قويًا كريمًا في أزمة فلسطين، فاهتمت أوساطها الوطنية وصحافتها اهتمامًا كبيرًا، وتألفت لجان سمیت بلجان الدفاع عن فلسطين، وأخذت تجمع التبرعات وترسلها إلى فلسطين، كما أن مدنها أضربت أكثر من مرة وقامت فيها المظاهرات المتعددة تضامنًا معها. ووصل الأمر كما قلنا أن أخذ أبناء هذه الأقطار يتسربون إلى فلسطين ليجاهدوا إلى جانب إخوانهم، ويمزجوا دماءهم معًا في سبيل عروبة فلسطين وحريتها واستقلالها”([5]).
وخص العراق بالحديث، قائلًا: “لقد كان حماس العراق الأبي، الذي كان ينعم أكثر من غيره بالاستقرار وقوة النفس والحركة؛ عظيمًا سواء فيما أقامه من مظاهرات أو تبرع به من مال أو ساعد عليه من وسائل الكفاح، وتجهيز حملة القاوقجي وتيسير رحلتها، ثم بما كان من اهتمام حكومته ومبادرتها إلى الخطوات التي اتخذتها في صدد التدخل والوساطة على ما سوف نذكره بعد”([6]).
*******
المطلب الأول
جهود العلماء العراقيين في مواجهة الخطر الصهيوني
نتناول في هذا المطلب ذكر أمثلة للجهود التي قدمها علماء العراق لمواجهة الخطر الصهيوني، قيامًا منهم بواجب النصرة لقضية فلسطين عامة، وقضية القدس والمسجد الأقصى خاصة، باختصار يتناسب مع طبيعة البحث المطلوب في هذه الندوة ومساحته. وتنقسم هذه الجهود على قسمين: جهود جماعية وجهود فردية، وكما يأتي:
الجهود الجماعية
1- المؤتمرات: وهي كثيرة: داخليًا وخارجيًا، ونقتصر هنا على ذكر مشاركة علماء العراق في المؤتمرات الثلاثة المقامة في القدس سنوات: (1931، و1952، و1953م)، والمؤتمر الإسلامي العام في بغداد سنة (1962م):
أ. المؤتمر الإسلامي في القدس (1931م): انعقد هذا المؤتمر في القدس لعدة أيام (7-17/12/1931م)، وحضره ممثلون من غالب البلاد العربية –بحسب مسميات ذلك الزمان- وهي: الحجاز، وبرقة وطرابلس الغرب، ولبنان، واليمن، وتونس، والجزائر، وسورية، وشرق الأردن، والعراق، وفلسطين، ومصر، والمغرب الأقصى، وعدن، فضلًا عن ممثلين للمسلمين في العالم من: تركيا، وإيران، والهند، وسيلان، وتركستان الشرقية والغربية، والقرم والأورال والقفقاس، وإندونيسيا، ونيجيريا، وأوغندا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وأمريكا الشمالية، والأرجنتين([7]).
وحضر المؤتمر عشرة ممثلين من العراق، هم: الشيخ نعمان الأعظمي (مدير دار العلوم العربية والإسلامية)([8])، والشيخ محمد حبيب العبيدي (مفتي الموصل)، والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (المرجع الديني)، وعبد الرسول آل كاشف الغطاء وعبد الحليم آل كاشف الغطاء (من النجف)([9])، والعلامة محمد بهجة الأثري، وإبراهيم الواعظ (نائب في مجلس النواب)، وحسن رضا (رئيس جمعية الشبان المسلمين)، وسعيد الحاج ثابت (الوطني الموصلي المعروف)، وماجد شكري القرغولي (عضو مجلس بغداد).
وقد دعا الحاج (أمين الحسيني) رئيس (المجلس الإسلامي الأعلى) في فلسطين؛ إلى هذا المؤتمر من أجل “إثارة اهتمام الرأي العام الإسلامي العالمي بقضية فلسطين وتأليف جبهة إسلامية قوية في مواجهة الصهيونية العالمية وانحياز العالم الغربي -وعلى رأسه بريطانيا آنذاك- للفكرة الصهيونية” و”للبحث في حالة المسلمين الحاضرة، وفي صيانة الأماكن المقدسة الإسلامية من الأيادي الممتدة إليها الطامعة بها، وفي شؤون أخرى تهم المسلمين جميعًا”([10]). وصدرت عن المؤتمر قرارات تفصيلية متعلقة بفلسطين والقدس، منها: تأسيس مكتب رئيس ومكاتب فرعية للدعاية لمقاصد المؤتمر في أنحاء العالم، وتشكيل لجنة خاصة تطوف على جميع الملوك والأمراء والعظماء والأثرياء المسلمين لجمع التبرعات، وإنشاء جامعة في القدس باسم (جامعة المسجد الأقصى الإسلامية)، ومقاطعة جميع المصنوعات الصهيونية، وقرارات أخرى مهمة([11]).
وقد كان للشيوخ (نعمان الأعظمي) و(حبيب العبيدي) و(محمد حسين كاشف الغطاء) وصحبهم في هذا المؤتمر؛ أثر مهم ومشاركة نافعة، فضلًا عن سعي من بعض أعضاء الوفد العراقي بعد المؤتمر؛ لتنفيذ مقرراته عن طريق تشكيل لجان فرعية في العراق لمتابعة ذلك؛ إلا أن وزارة الداخلية وقتها لم توافق على طلبهم، متذرعة بأن (قانون تأليف الجمعيات) لا يسمح بفتح فروع لجمعيات خارج العراق([12]). وينقل أحد الباحثين عن عضو الوفد الشيخ (محمد بهجة الأثري)؛ أنهم قاموا بمقابلة الملك فيصل الأول “لغرض الحصول على الإجازة المطلوبة لتأسيس لجان أو فروع المتابعة، إلا أنه اعتذر عن تلبية طلبهم بسبب المانع القانوني المذكور”([13]).
ب. المؤتمر الإسلامي العام في القدس في سنتي: (1952م) و(1953م): كان الشيخ (أمجد الزهاوي) (1866-1967م)؛ معروفًا باهتمامه بقضايا المسلمين عامة، ومعنيًا بمتابعة أخبارهم ودعم قضاياهم، ولا سيما القضية الفلسطينية؛ حيث أولى عناية فائقة بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وحضر لأجل ذلك المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج سنة (1372ه-1952م)؛ للنظر في قضية فلسطين، وشؤون إسلامية أخرى. وشارك الشيخ (الزهاوي) في هذا المؤتمر ممثلًا لعلماء العراق و(جمعية إنقاذ فلسطين)، وصحبه فيه: الشيخ (محمد محمود الصواف) سكرتير الجمعية، والمحامي (عبد الرحمن خضر) محاسبها.
وقد تبنى الشيخ الزهاوي -رحمه الله- فكرة المؤتمر، وسعى بعد عودته إلى بغداد، إلى عقده مرة أخرى اعتمادًا على الجهود الشخصية والشعبية؛ فقررت (جمعية إنقاذ فلسطين في العراق) الدعوة إلى مؤتمر إسلامي في القدس بمناسبة المولد النبوي في المدة (27/ربيع الأول-3/ربيع الثاني/1373ه). واستطاع الشيخان الزهاوي والصواف ومن معهما جمع مبلغ من المال من الحكومة العراقية وعدد من التجار العراقيين؛ لهذا الغرض، ووجّهوا دعوة مكتوبة إلى أنحاء العالم الإسلامي، دعوا فيها: العلماء وقادة الفكر والدعاة والمصلحين وقادة الجهاد ونخب المجتمع ووجهاء البلدان للمشاركة فيه. ووقعت الدعوة باسم الشيخ الزهاوي عن جمعية إنقاذ فلسطين، وباسم الشيخ الصواف عن المكتب الدائم للإسراء والمعراج في القدس.
ولم يكتف الشيخان بذلك “بل طافا بمختلف الأقطار يحثان على تلبيتها، وستنفران الهمم إلى إجابة داعي القضية الفلسطينية”([14]). وهكذا سافر الشيخ الزهاوي والشيخ الصواف إلى مصر والسعودية؛ للقاء علمائهما وقادة الفكر والعمل العام فيهما، وحثهم على المشاركة في المؤتمر، وبعدها توجها إلى القدس قبل انعقاد المؤتمر بأيام عن طريق (الأردن) التي كان لهم فيها أيضًا جهود ولقاءات تحضيرية لانعقاده.
وعقد المؤتمر كما خطط له في: (3/12/1953م)، وحضره أكثر من (70) عالمًا ومفكرًا ومثقفًا وقائد عمل إسلامي، فضلًا عن شخصيات رسمية، نحو: الأستاذ علال الفاسي من المغرب، والشيخ علي الطنطاوي والأستاذ عصام العطار والشاعر عمر بهاء الدين الأميري من سوريا، والفضيل الورتلاني من الجزائر، والشيخ أحمد الشرباصي وسيد قطب من مصر، وغيرهم، ووصلت إلى المؤتمر برقيات كثيرة مؤيدة ومثنية عليه([15]). يقول الشيخ علي الطنطاوي: “من ست سنين، انعقد في القدس، مؤتمر إسلامي، للنظر في نكبة فلسطين، وطريق العمل على نصرتها، وفدت عليه الوفود من بلاد الإسلام كلها، من مراكش إلى إندونيسيا، وكان (برلمانًا شعبيًا) مثل كل بلد فيه زعماؤه وكبار أهله. وقد أوفدت بعض البلاد رجالًا لهم صفة رسمية… وأوفدت بعضها رجالًا يمثلون أحزابًا أو هيئات معروفة، كالأستاذ علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال في مراكش، والأستاذ الشيخ الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء في الجزائر، والأستاذ القليبي -رحمه الله- رئيس الحزب الدستوري في تونس، واللواء صالح حرب (باشا) الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين في مصر…”([16]).
ومن قرارات هذا المؤتمر وتوصياته: بطلان الوضع الذي أحدثه اليهود في فلسطين من تقسيم واحتلال وتشريد للفلسطينيين، وغصب لحقوقهم، وعد الصلح مع إسرائيل، أو التعامل معها خيانة عظمى، والتفكير في تدويل القدس مؤامرة استعمارية يقف العالم الإسلامي في وجهها([17]). وقد اختار المشاركون في المؤتمر الشيخ الزهاوي مع عدد من أعضاء المؤتمر في لجنة إعلامية سميت لجنة (الدعاية)، للتعريف بالقضية الفلسطينية، يقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- عنها: “انتخب المؤتمر لجانًا ثلاثًا، كانت إحداها لجنة للدعاية والإنعاش الروحي، شرفني برياستها، وكلفها أن تطوف العالم الإسلامي، تعرف بفلسطين وتدعو الناس لإمدادها بالمال… وكنا خمسة: اثنين من العراق الأستاذ الزهاوي والأستاذ الصواف، واثنين من الجزائر الأستاذ الإبراهيمي والأستاذ الفضيل الورتلاني -رحمه الله- وأنا”([18]).
وشملت رحلة الوفد التي استمرت عدة أشهر: الشام، والحجاز، ومصر، وباكستان، والهند، وشمال أفريقيا، وإندونيسيا، وماليزيا. ويصف الشيخ علي الطنطاوي جانبًا منها فيقول: “الذي صنعناه لفلسطين لم يصنعه أحد، فقد جعلنا حديثها بعون الله، ثم بفضل الشيخ أمجد والأستاذ الصواف حديث الناس والحكومة والإذاعة والصحف في كل بلد دخلناه، لقد ألقيت ثلاثًا وأربعين محاضرة وخطبة عن فلسطين، وعقدت ثمانية وعشرين مؤتمرًا صحفيًا، وشغلت بها ست إذاعات، وأكثر من أربعمائة جريدة ومجلة… ولقد تركنا لفلسطين لجانًا في كل من: كراتشي، وكلكتة، ولكنو، ودهلي، وبومباي، وسنغافورة، وجاكرتا، وجوکجا، وسورابايا…”([19]).
ج. المؤتمر الإسلامي العام في بغداد (1962م): عُقِد هذا المؤتمر في بغداد في المدة (25/ذو الحجة-1/محرم/ 1382ه-29/أيار-4/حزيران/1962م) استكمالًا لانعقاد المؤتمرات الإسلامية من أجل القدس؛ فبعد المؤتمر العام الأول سنة (1931م) في القدس؛ عقدت مؤتمرات: (كراتشي، 1949م) و(مكة، 1950م) و(كراتشي، 1951م) و(القدس، 1952م) و(القدس، 1953م). ثم عقدت لاحقًا مؤتمرات: (مقاديشو، 1964م) و(عمّان، 1967م)([20]).
وجرى في هذه الدورة للمؤتمر التي رأسها الشيخ (محمد أمين الحسيني) وحضرها عدد كبير من علماء العالم الإسلامي وعلماء العراق؛ إنجاز نظام المؤتمر ودستوره الدائم وإقرارهما، وتشكيل هيئات المؤتمر التنظيمية، وتسمية مكاتبه الإقليمية في أنحاء العالم الإسلامي([21]).
1- الجمعيات: ومثالها الأبرز والأشهر على الصعيدين العراقي والعربي؛ هي (جمعية إنقاذ فلسطين)، التي تأسست في كانون الأول سنة (1947م)، واتخذت لها مركزًا عامًا في بغداد، وكان هدفها المعلن ومقصدها الذي تعمل من أجله هو: العمل على إنقاذ فلسطين من الصهيونية، عن طريق: “جمع المال والتبرعات بالوسائل المشروعة” و”التعاون مع المؤسسات والهيئات التي تتفق مع هذه الجمعية في غايتها داخل العراق بجميع وسائل النشر والدعاية” و”بث الدعوة لنصرة فلسطين”([22]).
وانتمى للجمعية عددٌ كبيرٌ من الأعضاء من بغداد والمحافظات، وانتُخبت لها هيئة تنفيذية عليا، ضمت: الفريق الركن حسين فوزي إبراهيم رئيسًا، واللواء الركن إبراهيم الراوي نائبًا للرئيس، وعبد الرحمن محمد خضر محاسبًا، وإبراهيم عطارباشي أمينًا للصندوق، ومحمود فهمي درويش سكرتيرًا عامًا، واثنا عشر عضوًا، هم: العلامة الشيخ أمجد الزهاوي، والعميد الركن توفيق حسين، والعقيد طاهر محمد عارف، والعقيد عبد القادر العزاوي، والنائب جمیل الأورفلي، والدكتور إسماعيل ناجي، والشيخ فرحان العرس، والسيد جميل روحي، والسيد نور الدين داود، والشيخ محمد محمود الصواف،والمحامي عبد الباقي السعيدي، والمحامي إبراهيم مصطفى الأيوبي([23]).
وقد دعت الجمعية في فاتحة أعمالها العراقيين إلى التطوع للقتال في فلسطين؛ فلبى دعوتها قرابة خمسة عشر ألف شخص، سجلوا أسماءهم في سجل المتطوعين من أجل إنقاذ فلسطين، أغلبهم ممن سبق لهم أن خدموا جنودًا أو ضباطًا في الجيش العراقي والشرطة. واختير قسم كبير من هؤلاء للتوجه إلى فلسطين، وشكلت منهم عدة أفواج، منها: فوج الحسين، وفوج القادسية، فضلًا عن سرية من المغاوير (القوات الخاصة) ضمت ضباطًا متدربين على مثل هذه الأعمال. وأقيم لهذه التشكيلات العسكرية معسكر للتدريب في بغداد. وفي (7/1/1948م) غادرت بغداد أول وحدة من سرية المغاوير بغداد متوجهة إلى دمشق، يرافقها عضوان من أعضاء الجمعية، هما: عبد الرحمن محمد خضر، ومحمود فهمي درویش، للتنسيق بين الجمعية واللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية، التي كانت تتولى الإشراف على المتطوعين، ثم تبعها فوج (الحسين بن علي) في (15/1/1947م)، ثم فوج (القادسية) بعده بيومين، مع تجهيزاتهما من السلاح والعتاد، والبطانيات، والمواد الغذائية ولا سيما التمور، التي جمعتها الجمعية من مختلف مناطق العراق([24]).
وتوقفت الجمعية بعد مدة مضطرة عن إرسال المتطوعين على الرغم منها، مكتفية بجمع الإعانات والتبرعات المادية من مختلف المدن العراقية، وتوزيعها على المتطوعين في جيش الإنقاذ وعائلات الشهداء العراقيين([25]). وقد وثق سكرتير الجمعية (محمود فهمي درويش) جانبًا من أعمالها والعقبات والمشاكل التي واجهتها، في كتاب مشهور، بعنوان: (15 أيار 1948 كارثة فلسطين)([26])، الذي كان أشبه بتقرير تفصيلي توثيقي من (250) صفحة، تناول فيه أهم أحداث فلسطين وقتها، والمعارك في الجبهات المختلفة، والملاحظات التي سجلها على جيش الإنقاذ، وغير ذلك من موضوعات مهمة تجعل الكتاب وثيقة بالغة الأهمية عن أحداث فلسطين سنة (1948م).
3- التجمعات الجماهيرية: ومنها:
أ. لجنة الاجتماع الجماهيري: في الموصل سنة (1936م)؛ للتضامن مع الشعب الفلسطيني ودعم ثورته المتجددة في (نيسان/أبريل 1936م)، وضمت اللجنة عددًا من وطنيي الموصل، من المسلمين وغيرهم، نحو: سعيد الحاج ثابت، والمحامي سعد الدين زيادة، وفريد الجادر، وعبد الجبار الجومرد، ومحمد علي الحاج ذنون، وعبد المنعم الغلامي، ورؤوف المشهداني، وعبد المجيد حجاوي، ويعقوب قسطو، وعبد الأحد مراد، وناصر سرسم، وبشير مراد، وسيروب كندريا، وحبيب سرسم. وقد شارك في هذا اللجنة اثنان من علماء الموصل المعروفين، وهما: الشيخ بشير الصقال، والشيخ عبد الله الصوفي -رحمهما الله-([27]).
ب. التجمع الكبير: الذي دعت إليه (جمعية الشبان المسلمين) في الموصل؛ لمناصرة الشعب الفلسطيني، وأقيم في (الجامع النوري الكبير) في (6/5/1936م)، واحتشد فيه عدد كبير من الشباب، وألقيت فيه كلمات وخطابات قوية، وشكلت له لجان فرعية في مدن أخرى([28])، وكان من أبرز خطبائه الوطني والمؤرخ المعروف (عبد المنعم الغلامي) الذي ألقى فيه خطابًا بعنوان: (العرب وانفعال النفس) “ضمنه التذكير بأمجاد العرب وعزهم، وقدرتهم على اجتياز المصاعب، وحرّك مشاعر الحاضرين باتجاه مناصرة الشعب الفلسطيني وما يعانيه جراء المؤامرات الصهيونية تجاه الإسلام والعروبة”([29]).
4- الفتاوى والكتابات الشرعية: وهذه لها أمثلة عدة؛ لعل من أبرزها: فتاوى العلماء والجمعيات الإسلامية في مختلف المدن العراقية، وفتاوى وكتابات الشيخ (محمد حبيب العبيدي). ونقتصر هنا على ذكر أشهر هذه الفتاوى وأكثرها انتشارًا، وهي فتوى (رابطة علماء العراق) سنة (1967م)([30])، التي صدرت بعنوان: (نداء من جمعية رابطة العلماء في العراق إلى الشعب العراقي الكريم خاصة والعالم الإسلامي عامة)، وهذا نصها:
“قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)([31])، وقال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)([32]). وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)([33]). فنظرًا إلى اشتداد الأزمة الأخيرة بين اليهود الصهاينة المعتدين وبين الأمة الإسلامية بسبب الاعتداءات من هذه العصابة المجرمة بقتل الأنفس البريئة وهتك الحرمات ونهب الأموال؛ ولخطورة الموقف الذي أصبح يهدد البلاد العربية والإسلامية جمعاء؛ فإننا نؤكد للأمة أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل مسلم يطيق حمل السلاح عملًا بقوله تعالى: (وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ)([34])، وقوله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)([35]). وقد وعد -سبحانه- المؤمنين الصادقين بالنصر والظفر، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)([36]).
هذه عدة من الله تعالى وبشارة لعباده المؤمنين بالنصر مهما كانت الظروف، ولما كانت الأمة المحمدية هي المنتدبة من قبل الله تعالى لإقامة دينه وإعلاء کلمته؛ فقد أصبح لزامًا عليها أن تجاهد المعتدين بعربها وعجمها؛ لتتبوأ مكانتها التي أرادها الله لها إذ كل تقصير أو تهاون يقع منها في أمر الله يعدّ من الجرائم الكبرى التي لا يجازيها الله عليها إلا بالذل والهوان والدمار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)([37]).
والجمعية إذ تتقدم إلى أبناء الأمة بهذا النداء الشرعي معاهدة تقدمها للصفوف ببذل النفس والنفيس في سبيل استرجاع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ تناشد أبناء الأمة وعلى رأسهم قادة العرب والمسلمين أن يقفوا عند حدود الله ويأتمروا بأوامره ويوحدوا كلمتهم وينزعوا الأحقاد من صدورهم ويتذرعوا بتقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)([38]). وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا زلتم منصورين على أعدائكم ما دمتم متمسكين بسنتي فإن خرجتم عن سنتي سلط الله علیکم من يخيفكم فلا ينزع خوفه من صدورکم حتی تعودوا لسنتي)([39]). ولقد أحسن سیدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالی عنه- حين كتب إلى جنده وقادة جيشه يوصيهم بتقوى الله مذكرة إياهم بأن ذنوب الجيش أخوف عليه من سلاح عدوهم وإننا لا ننتصر على أعدائنا بكثرة العدد والعدة وإنما بتقوى الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً)([40]).
وختامًا: حسبنا الله ونعم الوکیل.. نعم المولى ونعم النصير.
أمجد الزهاوي
رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق
5- مذكرات الاحتجاج والرسائل والبرقيات: ومنها:
أ. مذكرة الاحتجاج: التي أصدرها عدد من العلماء أثناء الهبة الكبيرة لنصرة الشعب الفلسطيني في انتفاضته الكبيرة سنة (1933م)؛ حيث صاغ عدد من علماء العراق مذكرة احتجاج، وأرسلوها إلى (عصبة الأمم) عن طريق وزارة الخارجية العراقية، وأوصلوا نسخًا منها إلى مفوضيات الأقطار العربية والأجنبية في بغداد. وقد وقع على هذه المذكرة الشيوخ: (محمد حبيب العبيدي) و(إبراهيم الراوي) و(عبد الجليل آل جميل) و(أحمد الراوي) و(إسماعيل الواعظ) و(محمد رشید السعدي) و(بهاء الدين النقشبندي)([41]). وقالوا فيها: إن مشكلة فلسطين، لا تُحل إلا بالعدل والإنصاف، وأنه لا يوجد في الكتب المقدسة وحقوق البشر الطبيعية، وما يتطلب معنى الإنسانية؛ مثيلٌ للسياسة المطبقة في فلسطين الهادفة إلى تحقيق الأطماع الصهيونية فيها، عن طريق فتح باب الهجرة على مصراعيه، والضغط على حرية العرب هناك، ومقاومتهم بالحديد والنار، عند مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، وسفك الدماء وانتهاك الحرمات؛ مما أدى إلى تألم العالمين الإسلامي والعربي، وأن الكتب المقدسة أحق بالرعاية من وعد بلفور([42]).
ويشير (محمد دروزة) إلى الأوضاع العامة الهائجة في العراق نصرة لفلسطين وقت صدور مذكرة الاحتجاج هذه، قائلًا: “قامت مظاهرات صاخبة في بغداد؛ استنكارًا للتقسيم، منددة بكل من يرضى به واصفة إياه بالمروق من العروبة والدين، وأذاع علماء الدين في العراق: سنيون وشيعيون، نداءاتٍ بوجوب مؤازرة فلسطين دینًا؛ لحفظها للعروبة والإسلام، واستهجان خطة التقسيم وإنشاء دولة يهودية فيها… وقد كان للعطف والحماس العظيمين اللذين أظهرهما العراق حكومة وشعبًا؛ أثرٌ قوي في فلسطين وانتعاش آمال أهلها”([43]).
ب. الرسائل والبرقيات: التي دأب على إرسالها علماء العراق إلى الملوك والرؤساء العرب والمسلمين، والدول والمنظمات، ووسائل الإعلام، وهي كثيرة وأمثلتها لا يحصيها عد، ولعل أبرز من عرف بعنايته بذلك من علماء العراق هما: الشيخ (محمد حبيب العبيدي)، الذي أنفق مبالغ طائلة في هذا السبيل([44])، والشيخ (أحمد الراوي)([45]).
6- الكتب والمؤلفات العامة: وترد في هذا السياق كتب مختلفة، منها: (الفتوى الشرعية في جهاد الصهيونية) للعلامة المفتي (محمد حبيب العبيدي)، وسيرد تفصيل عنه لاحقًا؛ و)المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام(، للشيخ محمد محمود الصواف، وفيه فصل مهم عن فلسطين والمؤامرة على القدس بعنوان (المؤامرة الكبرى)، نقل فيه نقولًا مهمة عن آراء الشيخ (أمجد الزهاوي) في القضية الفلسطينية ونشأة الدولة العبرية([46])؛ وكتاب (معركة الإسلام، أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم) للشيخ الصواف أيضًا([47])؛ و(دراسات في التوراة؛ جذور العدوان لدى اليهود)([48]) و(اليهود والتحالف مع الأقوياء)([49])، وكلاهما للدكتور (نعمان عبد الرزاق السامرائي)، وغيرها.
*******
ثانيًا: الجهود الفردية
1- الشيخ محمد حبيب العُبَيدي
ولد الشيخ (محمد حبيب) في الموصل، في الثاني من شهر ذي الحجة من سنة (1296ه-1880م)، ودرس فيها في (المكتب الرشدي العثماني) ثم دخل (المكتب الإعدادي) ولم يكمل الدراسة فيه؛ مواصلًا تعليمه على يد الشيخ (ملا علي الحصيري) في علوم اللغة، التي أكملها على يد الشيخ (أحمد الفخري)، ثم درس علوم الشرع على يد أخيه الشيخ (محمد الفخري)، وحصل على الإجازة في فقه (الحنفية) وهو في سن الثامنة عشرة، وتعلم التركية والفارسية ونظم بهما مع العربية([50]).
وقد أخذ عنه عدد من طلبة العلم في الموصل، منهم: الشيخ الأديب والشاعر (شمس الدين الموصلي)، والشيخ القاضي (عبد القادر فائق الدبوني). واختير مفتيًا للموصل سنة (1923م)، ثم مدرسًا في جامعة (آل البيت) سنة (1926م)، ثم قاضيًا شرعيًا في بغداد سنة (1933م)، وقاضيًا شرعيًا في الموصل سنة (1934م). وانتقل بعد ذلك إلى التدريس في الجامع (النوري الكبير) في الموصل سنة (1945م)، وجامع (النبي يونس)، وبقي مدرسًا فيهما حتى وفاته([51]).
وللشيخ جهود كثيرة ومتنوعة: تدريسًا، وفتيًا، وتأليفًا، ودعوة، وسياسة؛ إذ تكاد حياته تكون حلقات متسلسلة من الجهود المضنية في سبيل ما يؤمن به من قضايا: الدين والأمة والوطن، ترك إرثًا علميًا وأدبيًا كبيرًا، وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام وعناية الباحثين والدارسين، وكتبت عنه وفيه رسائل علمية وبحوث ودراسات عدة([52]).
توفي (العبيدي) -رحمه الله- في الموصل في (19/10/1963م)، ودفن فيها، بعد أن شيعه أهلها من علماء ومثقفين وأدباء وغيرهم في يوم مؤثر وحزين([53]).
جهود الشيخ في مواجهة الخطر الصهيوني
أ. أصدر الشيخ (محمد حبيب العبيدي) سنة (1947م) فتواه المشهورة: (الفتوى الشرعية في جهاد الصهيونية)، وهي فتوى تدل على انتباهه الدقيق لمخاطر الصهيونية، واستشرافه لأطماعها في فلسطين والمنطقة منذ وقت مبكر؛ إذ إن فحوى هذه الفتوى قد سبق له ذكره في جهود عدة له في هذا السياق، ومنها: محاضرة ألقاها في (بيروت) بعنوان (ظلم وظلام) سنة (1915م)، يقول عنها وعن جهوده الأخرى نصرة لفلسطين وأهلها: “يعلم الله أنني طالما انتهزت الفرص لأداء واجباتي الدينية والقومية تجاه فلسطين، سرًا وجهرًا، منفردًا ومجتمعًا، وبدأ عهدي بمعالجة هذا الداء من سنة (1914م)… وإن أنسَ لا أنسَ تلك الحملة الشعواء، التي حملتها… وتلك المطيرة التي طيرتها لمصير فلسطين من دسائس الصهاينة في محاضرة ألقيتها في النادي الأهلي في بيروت بدعوة من جمعية الشبيبة النابلسية: وكفى بعنوانها مخبرًا عن مضامينها”.
و(الفتوى الشرعية) هي فتوى من حيث الاسم فقط؛ وإلا فهي في أصل وضعها دراسة موسعة، جاءت طبعتها الأولى في (167) صفحة([54])، أفتى فيها (العبيدي) ونبه وحذر، وحدد المخاطر وعرض المخاوف، وشرح سبل الحل، وناشد الناس وحثهم، ودعا الحكام ووجه لهم الرسائل للقيام بواجباتهم وأقام عليهم الحجج. وألحق (العبيدي) بالفتوى حديثًا مطولًا عن دسائس الإنكليز و(جناياتهم على البشر عامة وعلى المسلمين خاصة)، وهو حديث سبق له نشره موسعًا في كتاب بهذا العنوان، طبع في بيروت سنة (1916م).
ب. دعمه لثورة البراق: استمر العلامة (حبيب) على هذا المنوال في التفاعل مع الحوادث المستجدة في ربوع فلسطين عامة والقدس خاصة، وهكذا نجده يقف موقفًا مشرفًا أثناء (ثورة البراق)سنة (1929م)، يدفع جريدة البلاد ببغداد -وهي من الجرائد المعروفة وقتها- إلى نشر صورته مع تعليق يقول: “الأستاذ محمد حبیب العبيدي الذي بذل جهدًا في الدفاع عن عرب فلسطين العربية في الحوادث الأخيرة”([55]).
ج. مشاركته في (المؤتمر الإسلامي العام) في القدس سنة (1931م): وعن هذه المشاركة يقول الشيخ (محمد حسين كاشف الغطاء)، عضو وفد العراق للمؤتمر: “وكان في ذلك الجمع المحتشد فطاحل العلماء من سائر الأقطار وعيون الرجال من كافة الأمصار: كالتفتازاني، والنجار، ورشيد رضا صاحب المنار، والشيخ نعمان الأعظمي، بل ومثل العلامة السيد حبيب العبيدي مفتي الموصل…”([56]).
د. مشاركته مع عدد من علماء بغداد في إصدار مذكرة الاحتجاج -متقدمة الذكر- المرسلة إلى (عصبة الأمم) ومفوضيات الأقطار العربية والأجنبية في بغداد؛ نصرة للشعب الفلسطيني في انتفاضة سنة (1933م)([57])، فضلًا عن رسائله وبرقياته الاحتجاجية التي أشرنا لها في موضع سابق؛ حيث راسل في سبيل القضية الفلسطينية كثيرين، شارحًا لهم مخاطر الصهيونية على فلسطين، أو محذرًا من بعض المشاريع السياسية، أو متضامنًا ومساندًا للفلسطينيين في مراحل تصديهم للاحتلال البريطاني والمخططات الصهيونية، نحو: رسالته إلى إمام اليمن يحذره فها من فكرة الحلف العربي وخطورته على الأمة، ورسالته للملك غازي في العراق يشكره فيها على موقفه من فلسطين ودفاعه عنها بعد إعلان مشروع التقسيم، ورسالته إلى لجنة التحقيق الإنكليزية الأمريكية سنة (1946م). وكثير من رسائله هذه منشورة في الصحف البغدادية والموصلية وقتها، مثل: الاستقلال، وصدى الاستقلال، وفتى العراق، والبعث القومي، ونصير الحق([58]).
فضلًا عن شعره وأدبه المسخر؛ فضح الصهيونية وبيان مخاطرها، ونصرة فلسطين، ودعم جهاد أهلها وصمودهم، ومتابعة شؤون القضية الفلسطينية وهمومها، التي كان له في كل مفصل مهم منها؛ أثر وشعر ونثر([59]).
2- الشيخ أحمد الراوي
ولد الشيخ (الراوي) في مدينة (عَنَه) بالأنبار سنة (1300ه-1883م)، وأكمل فيها العلوم الابتدائية، ودرس على يد الشيخ (قاسم أفندي آل عريم) -رحمه الله- مفتي (عَنَه). ثم سافر إلى بغداد ودرس على عدد من علمائها، نحو: الشيخ (قاسم القيسي) والشيخ (إبراهيم الراوي) والشيخ (عبد الوهاب النائب) وغيرهم، ونال الإجازة العامة منهم.
وتقلب في مناصب الإمامة والخطابة والقضاء في مناطق مختلفة، وبعد الاحتلال البريطاني غادر العراق، واستقر في مدينة (دير الزور) التي كانت (لواءً) يتبع الحكومة العربية في دمشق، وعين قاضيًا فيها، ثم رجع إلى العراق بعد إعلان الملكية؛ فعُيّن قاضيًا. وبعد إلغاء مؤسسة القضاء الشرعي سنة (1926م) والاقتصار على القضاء المدني؛ تفرغ للتدريس وإدارة (مدرسة سامراء العلمية).
وللشيخ الراوي عدة كتب ورسائل، هي: (إظهار الصواب)، و(صوم رجب وشعبان) و(حياة السيد سلطان علي)، و(المدرسة العلمية الدينية في سامراء)([60]). والرسالة الأخيرة ضمنها آراءه في التربية والتعليم والإصلاح.
توفي -رحمه الله- في (13/ذي القعدة/1385ه- 5/3/1966م)، ودفن في الجامع الكبير بسامراء([61]).
جهود الشيخ في مواجهة الخطر الصهيوني
أ. مشاركته علماء بغداد والعراق في إصدار الفتاوى العامة المتعلقة بالقضايا المهمة في العراق وخارجه، ومنها: فتوى إعلان الجهاد لتحرير فلسطين، وانضمَّ إلى (لجنة الدفاع عن فلسطين) وأسس فرعًا لها في مدينة (سامراء) كان معه فيه السيدان: حسين العابد شيخ عشيرة (البو دراج)، والحاج جاسم الحجي، أحد وجهاء عشيرة (البو رحمان)، وغيرهما من وجهاء المدينة([62]).
ب. استضافته الحاج (أمين الحسيني) -رحمه الله- مفتي القدس ورئيس (المجلس الإسلامي الأعلى) في فلسطين في (سامراء) عدة أيام سنة (1940م) من أجل تأسيس صندوق تبرعات لمجاهدي فلسطين في قضاء سامراء؛ حيث لم يقتصر نشاط الشيخ في مجال جمع التبرعات على مدينة (سامراء) فقط؛ بل شمل النواحي التابعة لها، ولأجل ذلك عَمَّم قائمقام قضاء (سامراء) في وقتها كتابًا إلى النواحي التابعة للقضاء: (بلد وتكريت وبيجي والدور)؛ يحثهم فيه على التعاون مع الشيخ أحمد الراوي لتسهيل مهمته في جمع التبرعات.
وقد استمرت حملات التبرع التي أشرف عليها الشيخ الراوي عدة سنوات ولم تتوقف طوال العهد الملكي؛ حيث استعان بعلاقاته الوثيقة مع شيوخ العشائر والشخصيات المؤثرة في القضاء، واستثمر مكانته في نفوس أهالي سامراء، في توسعة عملية التبرع عن طريق انتداب ممثلين من شيوخ العشائر ووجهاء المدن كممثلين للجمعية كلٌ في منطقته، ومن هؤلاء: “الشيخ جاسم الجبوري -رحمه الله- في ناحية الضلوعية، والحاج شاكر الشيخ وهيب -رحمه الله- في ناحية الدور، والشيخ ندا الحسين شيخ البو ناصر، والسادة الأوالسة، والشيخ صابر الشيخ خلف الرفاعي في تكريت”، فضلًا عن مدينة سامراء التي كانت “مقر المركز الرئيس لجمع التبرعات فقد ساهم جميع شيوخ عشائر سامراء بذلك”.
ج. عنايته بتوجيه الرسائل والبرقيات إلى الجهات السياسية والشخصيات الرسمية ووسائل الإعلام، باسم فرع (جمعية الدفاع عن فلسطين) في سامراء، ومنها: رسالته إلى الوصي على العرش في العراق وقتها، ورئيس الوزراء، والسفير البريطاني في بغداد، وغيرهم، ورسائله إلى الصحف المعروفة حينها نحو: جريدتا (الاستقلال) و(البلاد).
وقد تضمنت هذه الرسائل والبرقيات بيان ما يجري في فلسطين وما يتعرض له الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال البريطاني، ومن ذلك قوله في إحداها: “إن أعمال السلطات البريطانية في فلسطين من قتل وتعذيب إخواننا العرب قد أساء جميع الناطقين بالضاد، وهم يستنكرون هذه الفظائع المخالفة للديمقراطية التي تدعيها انكلترا وتباعد بينها وبين حقوق العرب والمسلمين”، ودعا في هذه الرسائل إلى التوسط لإيقاف “هذه المظالم وإنقاذ إخواننا عرب فلسطين البواسل”([63]).
*******
المطلب الثاني
جهود العلماء الفلسطينيين في العراق في مواجهة الخطر الصهيوني
نزح كثير من أهل فلسطين بعد أحداث النكبة (1947-1948م)، ولا سيما سكان مدن الساحل: يافا، وحيفا، وعكا، واللد، وغيرها، ولجؤوا إلى عدد من البلدان العربية المجاورة لفلسطين، وانتهى الحال بقسم منهم في العراق، وتحديدًا النازحون من مناطق: حيفا، ويافا، ومثلث (جنين-طولكرم-نابلس) التي كانت تقاتل فيها قوات الجيش العراقي وقتذاك([64]). وقد سبق هؤلاء إلى العراق عدد من فضلاء الفلسطينيين في سنوات مختلفة، ولا سيما بعد ثورة القسام (1935-1936م)، وانخرط بعضهم في العمل الوطني، وأيدوا ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة (1941م)، أو شاركوا فيها، ومنهم: الشيخ (محمد أمين الحسيني)، والقائد الشهيد (عبد القادر الحسيني)، والقائد القسامي (أبو إبراهيم الكبير)، وغيرهم.
وقد نشط قسم كبير من هؤلاء اللاجئين في العراق وتفاعلوا مع الحياة العامة فيه في مختلف جوانبها، وبذلوا جهودًا محمودة في التعريف بقضية فلسطين في العراق والتحذير من الخطر الصهيوني، عن طريق الجمعيات التي شاركوا فيها، أو المدارس والمعاهد والكليات والمساجد التي عملوا فيها، نحو: (دار المعلمين العالية)، و(كلية الإمام الأعظم)، و(جمعية التربية الإسلامية)، وغيرها؛ فقد كان فيهم: علماء، ودعاة، ومثقفون، ومفكرون، وأدباء، وشعراء، ومؤرخون، فضلًا عن الضباط.
ومن العلماء والدعاة والمدرسين الذين عملوا في المجال العلمي الشرعي؛ نذكر: الشيخ (علي الحانوتي)، وابنه الشيخ (محمد الحانوتي)، والشيخ الدكتور (محمد نمر الخطيب)، والأستاذ (بسام صادق) والأستاذ (بشير صادق). وفي مرحلة لاحقة: الأستاذ الدكتور (رشدي عليان)، والشيخ الداعية (توفيق عبد الجليل الداود)([65]) -رحمهم الله جميعًا-، وأستاذنا الدكتور عبد الرحيم الزقا، وغيرهم.
وقد برز من هؤلاء عالمان أغنيا الحياة العلمية والدعوية في العراق، وانتشرت أخبار فضلهما وجهادهما كثيرًا؛ وهما: الشيخان: علي محمد الحانوتي، والدكتور محمد نمر الخطيب -رحمهما الله-. وفيما يأتي عرض لما تيسر من سيرتهما، وأخبار جهادهما، وتصديهما للخطر الصهيوني، في فلسطين وغيرها، ولا سيما في العراق، الذي اختاره أحدهما موطنًا له حتى وفاته، واستقر فيه الثاني مدة من الزمن، ولم يغادره إلا مضطرًا.
أولًا: الشيخ علي الحانوتي
هو الشيخ الفاضل علي بن محمد بن علي الحانوتي، ولد سنة (1908م) في قضاء (ترشيحا/ ترشيحة) في محافظة (عكا) بفلسطين، ودرس القرآن الكريم في مقتبل عمره على يد الشيخ (محمد المصري) في مدينة (حيفا)، ثم درس العلوم العربية والشرعية على عدد من علماء فلسطين، نحو: الشيخ (كامل القصَّاب)، والشيخ (صالح العشماوي)، والشيخ المجاهد (عز الدين القسَّام)([66]).
ثم أتم دراسته الابتدائية والثانوية، وذهب إلى مدينة (عكا)؛ للدراسة في (المعهد العلمي الأحمدي)، على يد كبار علمائه، ومنهم: الشيخ (عبد الله الجزار) مفتي عكا، ومدير المعهد الشيخ (محمد اللبابيدي)، ومفتي الشافعية الشيخ (محمود القبلاوي)، فضلًا عن الأخذ عن الشيخ (توفيق العنبتاوي)، و(الشيخ يوسف النبهاني)([67]). ثم سافر إلى مصر لإتمام دراسته بالأزهر الشريف، ومن شيوخه فيه: الشيخ (محمد أمين الكردي)، والشيخ (محمد بخيت المطيعي)، والشيخ (يوسف الدجوي) والشيخ (عيسى منون)، والشيخ (عبد المجيد اللبان) والشيخ (محمد الخضر حسين) والشيخ (محمد حبيب الله الشنقيطي)، فضلًا عن دراسته على يد المحدث الشيخ (محمد الحافظ التيجاني)([68]).
توفي -رحمه الله- يوم الأربعاء (5 جمادى الآخرة 1404ه- 7/3/1984م)، وشيع عصر ذلك اليوم بموكب حافل من (حي السلام) غربي بغداد، إلى مقبرة الشيخ جنيد البغدادي، التي أوصى أن يدفن فيها، وأن لا يقام له مجلس عزاء، ونفذت وصيته([69]).
جهود الشيخ الحانوتي في التصدي للخطر الصهيوني
1- جهوده في فلسطين
عند اندلاع ثورة الشيخ (عز الدين القسَّام) ضد الاحتلال الإنكليزي أواخر سنة (1935م)، وانتهائها -في مرحلتها الأولى- باستشهاده؛ قامت سلطات الاحتلال البريطاني بعمليات قمعية استهدفت قادة الثورة مع الشيخ القسَّام في حيفا ومحيطها، واعتقلت عددًا منهم، فضلًا عن اعتقال كثير من مؤيدي الثورة ومناصريها، ومنهم الشيخ الحانوتي، الذي سجن مدة سنة([70])؛ بحكم قربه من عدد من قادة الثورة ولا سيما أستاذه الشيخ (كامل القصَّاب) أحد مساعدي القسَّام المعروفين، فضلًا عن عمله في (لجنة الدعوة والثقافة) من تنظيمات الثورة، التي كان يتولى مسؤوليتها الشيخ القصَّاب، وكانت مهمتها “التثقيف العقائدي وتعبئة الجماهير والدعوة للجهاد ومقاومة الاحتلال” معتمدة على “حلقات التدريس والوعظ والإرشاد في المدارس والمساجد، في حلقات وخلايا سرية يجري فيها توجيه الشباب والأعضاء توجيهًا ثوريًا سليمًا، أساسه إفهام العضو معنى الجهاد في سبيل الله ومكانة المجاهدين عند الله تعالى…”([71]).
وفي سنة (1947م) عيَّن الشيخ الحانوتي مدرسًا في مدرسة قرية (جبع) بقضاء حيفا؛ فشارك مع أساتذتها في الدعوة إلى التصدي لليهود، وبث روح المقاومة بين الطلبة وأهالي المنطقة. ووقعت وقتها معركة معروفة في المنطقة مع اليهود في (14/9/1947م)؛ فأغلقت سلطات الاحتلال البريطانية المدرسة متهمة إياها بالتسبب بذلك، ثم اشترك الشيخ بعد ذلك في معركة أخرى في حيفا بتأريخ (18/7/1948م).
وبعد ما جرى من أحداث النكبة وهجرة كثير من أبناء فلسطين من مدنهم وقراهم واحتلال المستوطنين الصهاينة لها؛ هاجر الشيخ الحانوتي وكثير من أهالي حيفا وما حولها إلى العراق.
1- جهوده في العراق
استقر الشيخ الحانوتي -رحمه الله- في العراق بعد نكبة التقسيم، وعمل فيه حتى وفاته؛ إذ اختير أولًا إمامًا وخطيبًا في جامع مدينة (الشطرة) بمحافظة (ذي قار) جنوبي العراق، في مطلع سنة (1949م)، ثم نقل في نهايتها إلى بغداد مدرسًا في مدرسة (تعليم القرآن الكريم) في مديرية الأوقاف العامة، ثم مدرسًا في ثانوية الأوقاف الدينية المعروفة بـ (المدرسة النجيبية)، التي بقي فيها عشر سنوات مدرسًا للغة العربية، والتجويد والتفسير، والحديث، والفقه. وبعد إلغاء المدرسة النجيبية؛ عيَّن إمامًا وخطيبًا في جامع (المأمون) في الجانب الغربي من بغداد سنة (1960م)، ونقل في السنة نفسها إلى جامع (الحاج زيدان) في حي الطوبچي (السلام)، ومكث فيه أربع سنوات تقريبًا؛ حيث نقل في شهر آب/ أغسطس (1964م)، إلى جامع (فتاح باشا) المبني حديثًا في حي (البيَّاع)، واستمر عاملًا فيه ومدرسًا مدة عشرين سنة حتى وفاته -رحمه الله-([72]).
وكان جدول الشيخ مشحونًا طوال الأسبوع بالعلم والدعوة والإفادة: تدريسًا ووعظًا وإرشادًا؛ حيث كان يعقد حديث الوعظ العام بين المغرب والعشاء من كل يوم أربعاء، وحلقات الذكر في ليالي الجمع وبعد صلاة العصر من اليوم نفسه، ودروس الوعظ والتوجيه في المدن والقرى والأرياف، التي كانت تنظمها مجموعة من العلماء في بغداد أيام الاثنين من كل أسبوع، فضلًا عن نشاطه الاجتماعي وتفقده أحوال الناس، وزيارتهم في بيوتهم، وعيادته لمرضاهم وتشجيعه أهل اليسار والأموال على مساعدة الفقراء([73]).
يقول الشيخ يونس السامرائي -رحمه الله- عنه: “هو عالم فاضل، محدثٌ وخطيبٌ مفوه، ومدرسٌ متمكن، وعارفٌ بالمعقول والمنقول، مع تقى وصلاح واستقامة وتمسك بآداب الإسلام”([74]). ويقول الأستاذ (صادق الجميلي) -رحمه الله-: “كان الفقيد… مع ما عرف به من جرأة في الحق، يغار على الإسلام وأهله ويقارع المبطلين الذين يروجون الأفكار الهدامة، وتشهد له بغداد تلك الوقفة الجريئة التي لقَّن بها أحد دعاة الهدم والتخريب درسًا لا ينساه أبدًا، وذلك في الستينات يوم وفد إلى بغداد يدعو إلى ما يثير المسلمين ويستفزهم ويطعن في عقيدتهم، فقاد جموع المصلين في مساجدهم مع بعض إخوانه من العلماء في مظاهرة احتجاجية كبيرة متجهة نحو أحد النوادي التي أعلن عن إلقاء المحاضرة فيه، استعملت فيها القوة في منع هذا الوافد من ترويج أفكاره وفرَّ ناجيًا بنفسه وعاد من حيث أتى”([75]).
وكان الشيخ دائب التعريف في مجالسه وحلقات درسه؛ بفلسطين وهمومها وأهلها ونكبتهم، وراويًا لما رآه من أحداث وشارك فيه من وقائع، ومتفاعلًا مع كل حدث أو عمل يخدم هذا السياق.
وبعد غزو العراق واحتلاله سنة (2003م)؛ قتل اثنان من أفراد عائلة الشيخ الحانوتي، الأول: نجله الشيخ (حامد الحانوتي) من مواليد بغداد سنة (1961م)، الذي قتل على يد القوات الحكومية، التي اعتقلته بعد حملة مداهمات اشتركت فيها قوات أمريكية وطالته مع عدد آخر من الفلسطينيين، وشملت اقتحام مجمع سكن الفلسطينيين في منطقة (البلديات) شرق بغداد في (13/3/2007م)، ثم وجدت جثته في اليوم التالي ملقاة في أحد الشوارع([76])؛ والثاني: حفيده (أسامة إبراهيم الحانوتي) من مواليد بغداد سنة (1973م)، الذي اغتالته قوات الاحتلال الأمريكي في (8/4/2004م)، في منطقة (أبو غريب) غرب العاصمة بغداد، وكان وقتها يدرس في مرحلة الدكتوراه في (كلية العلوم الإسلامية) بجامعة بغداد([77]).
ثانيًا: الشيخ محمد نمر الخطيب
هو: محمد نمر بن عبد الفتاح بن سعيد الخطيب، ويرتقي نسبه إلى السيد أحمد الصيادي الرفاعي الحسيني، ولد سنة (1918م) في مدينة (حيفا) بفلسطين، في أسرة علمية معروفة، تتولى مهام الإفتاء والقضاء ونقابة الأشراف في المدينة، التي استقر فيها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي جد العائلة الشيخ (عبد الواحد أفندي بن محمد)، وتولى إمامة وخطابة الجامع الكبير (جامع النصر)، الذي بوشر ببنائه في المدينة باقتراح منه سنة (1775م)([78])؛ فعُرفت العائلة بوصف (الخطيب). يقول الشيخ (هاشم الأعظمي): “أسرته عريقة بالنسب عربية الأصل، تسلم أجداده نقابة الأشراف ومقاليد الإفتاء ومقام الإمامة وذروة المنابر”([79]).
أنهى الشيخ الخطيب تحصيله الأولي والثانوي في (حيفا) و(عكا)، وأخذ شيئًا من العلوم عن علمائهما، ثم انتقل إلى مصر للدراسة في الأزهر، ومكث فيه (12) سنة، حصل في السنوات الثمان الأولى منها على الشهادة العامة، وبعد إعادة تنظيم الأزهر على وفق نظام الكليات؛ اختار الشيخ الدراسة في كلية أصول الدين، واستمر فيها أربع سنوات، حصل في نهايتها على الإجازة العالية، وسجل في قسم الماجستير، ثم عاد إلى حيفا([80]). ودرس الشيخ في الأزهر على يد: العلاّمة (محمد بخيت المطيعي) مفتي مصر، والشيخ (محمد السملوطي)، والشيخ (يوسف الدجوي)، وغيرهم، وزامل في دراسته عددًا من الطلبة ممن أصبحوا فيما بعد من علماء بلاد الشام المعروفين، نحو: الشيخ عبد الله العلايلي، والشيخ مختار العلايلي، والشيخ أحمد العجوز، والشيخ محمد سوبرا الكبير، والشيخ محمد سوبرا الصغير، والشيخ محمد حرب، والشيخ محمد غزال، والدكتور مصطفى السباعي، وغيرهم([81]).
استهدف الشيخ الخطيب بالاغتيال على يد منظمة (الهاغاناه) في (19/20 شباط/فبراير 1948م)؛ حيث قام اثنان من عملائها بإطلاق قرابة (32) رصاصة على سيارة كان يستقلها شمال حيفا عائدًا من دمشق؛ فأصيب برصاصة في رئته وثلاثة في كتفه الأيسر، وقُتل راكب وأصيب آخر، ونقل مباشرة إلى مستشفى (المقاصد) في بيروت للعلاج الطارئ، ثُم إلى دمشق لاستكمال العلاج([82]).
وأقام الشيخ بعد ذلك مدة في دمشق، ثم في بغداد، وانتقل بعدها للإقامة في لبنان، وبقي فيه سنوات، والتقاه فيها الشيخ (أبو الحسن الندوي) -رحمه الله- ووصفه بالصديق القديم، وذكر أنه كان يرأس وقتها (جمعية الرابطة الإسلامية) في بيروت([83]). ثم عاد بعد ذلك إلى بغداد ومكث فيها مدرسًا وخطيبًا وداعية، ثم انتقل للتدريس في (معهدِ الدراسات والبحوث العالية) بتونس، فالجامعة الإسلامية بليبيا، واستقر أخيرًا في المدينة المنورة مطلع الثمانينيات الميلادية مدرسًا في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، ثم مدرسًا في كلية التربية.
وله -رحمه الله- مؤلفات كثيرة في العلوم الشرعية والدعوة والفكر والأديان والمنطق والفلسفة والتأريخ والرحلات، منها ما طبع وانتشر ومنها ما لم يطبع، وهي قرابة بضع وثلاثين كتابًا، فضلًا عن فتاويه المطبوعة، وكتبه المتعلقة بالقضية الفلسطينية، التي سيرد ذكرها لاحقًا([84]). وبعد تقاعد الشيخ “فتح داره ومكتبته العامرة لطلاب العلم ومُحبِّي المعارف على أنواعها، وكانت داره في المدينة المنورة منتدى لأهل العلم والفضل، وتربطه بعلماء العالم الإسلامي ورجال الدعوة الإسلامية روابط وثيقة وأواصر وشيجة”([85]). قال عنه الشيخ الدكتور (خليل ملا خاطر) قبل وفاته بخمسة عشر سنة: “وخلاصة القول: فالشيخ شخصية إسلامية كبيرة، جمعت صفات متعددة، كل صفة تصلح ليظهر بها متصفها، ومن هنا كان له التأثير الكبير في أغلب المجتمعات التي حل بها، وإذا كان الله تعالى قد أكرمه بطلب العلم ثم بالجهاد العسكري ثم السياسي، فإنه وما زال يتابع جهاده العلمي والفكري والسلوكي والاجتماعي”([86]).
توفي الشيخ الخطيب -رحمه الله- عن عمر ناهز المائة عام في المدينة المنورة، عشية عيد الأضحى المبارك في (9/ذو الحجة/ 1431ه- 16/11/2010م).
جهوده الشيخ الخطيب في التصدي للخطر الصهيوني
1- جهوده في فلسطين
توسعت ثورة الشعب الفلسطيني بعد استشهاد الشيخ عز الدين القسَّام -رحمه الله- في (20/11/1935م)؛ وقام كثير من أهل العلم بما ينبغي لهم أن يقوموا به من قيادة الجماهير وتوجيهها وتوعيتها بمخاطر الاحتلال الإنكليزي والهجرة اليهودية المستمرة، ومن ثم المشاركة في العمل المسلح، كل في المنطقة التي هو فيها. وممن كان لهم أثر كبير في ذلك وجهود مكملة لجهود الشيخ القسَّام؛ الشيخ محمد نمر الخطيب، الذي كان ممن تولوا زمام القيادة والتوجيه في مدينة (حيفا)، وعمل في (اللجنة القومية) فيها([87])، فضلًا عن إدارته الأوقاف والمعارف الإسلامية في (لواء) حيفا([88])، وعُرف بمناصرة توجهات الشيخ (محمد أمين الحسيني) مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى([89]).
وقد كان الخطيب قريبًا من الشيخ القسَّام بعد خروجه من (سوريا) واتخاذه (حيفا) مستقرًا له، فدرس عليه، وتشرب أفكاره ووعى أهدافه في مقاومة الاحتلال البريطاني والتصدي للتغلغل اليهودي، التي كان يبثها من على منبر جامع الاستقلال. وعند استشهاد القسَّام “كان محمد نمر الخطيب شابًا يافعًا وبالرغم من صغر سنه إلا أنه هو الذي تولى أمر الدفن ففي مساء اليوم ذاته، تم نقل جثامين الشهداء إلى حيفا؛ حيث تم تسليمها إلى المسؤولين عن اللجنة الإسلامية في جامع الاستقلال، الذي كان قاعدة عمل الشيخ القسَّام في حيفا منذ سنة (1925م)؛ حيث تولى إمامته وخطابته ورئاسة اللجنة الإسلامية فيه…”([90]).
وتولى الشيخ بعد استشهاد (القسَّام) قيادة العمل في حيفا بالتعاون مع قادة (العصبة القسَّامية) من مساعدي القسَّام، وبعد سنوات من ذلك واستشهاد عدد من هؤلاء القادة؛ اندلعت الحرب في فلسطين من جديد سنة (1947م)؛ فشارك الشيخ فيها مشاركة مؤثرة. يقول الدكتور خليل ملا خاطر: “ولما اشتد عود الشيخ قامت الحرب في فلسطين فنادى الشيخ بنداء الجهاد، والتف المسلمون حوله من لواء حيفا وغيرها وخاض المعارك قائدًا للمجاهدين لما حواه من صفات القيادة الدينية والاجتماعية والسياسية”([91]).
وأسندت للشيخ المهام الأمنية والدعائية في (الحكومة المحلية) التي شكلها أهالي حيفا بعد إعلان التقسيم في (29/11/1947م)، وما جرى بعد ذلك من أحداث ومعارك في السنة التالية إلى أن أصيب بالجراح سنة (1948م) إثر محاولة الاغتيال التي طالته وهو في طريق عودته من سوريا متقدمة الذكر. وكان الشيخ قد اعتقل قبل ذلك بسنوات، ثم أطلق سراحه، ولمّا عُين مدرسًا في (معهد البرج) في مدينة (عكا) اعتقل مرة أخرى ثم أطلق سراحه([92])، وشارك في عدة معارك سنة (1939م). يقول الباحث (عوني فارس): “يعدّ الشيخ محمد نمر الخطيب من الشخصيات الدينية والسياسية المعروفة في حيفا إبان الانتداب، وشارك بفاعلية في مختلف نشاطات الحركة الوطنية في تلك الفترة… وقد أصيب في معارك الدفاع عن حيفا”([93]).
وفضلًا عن الجهود المتقدمة؛ نشط الشيخ في أعمال ومهام دعوية وعلمية وتوجيهية عدة، عن طريق عدد من الجمعيات والمؤسسات التي شارك فيها أو أنشأها، وسخرها للدفاع عن حيفا، وهي:
أ. لجنة جامع الاستقلال: التي خلف فيها الشيخ الخطيب أستاذه الشيخ عز الدين القسَّام -رحمه الله-، وسار على نهجه فيه: إدارة وإمامة وخطابة وتدريسًا ودعوة، وواصل العمل في اللجنة الإسلامية التي كانت تدير الجامع ونشاطاته، وكان لها أثرها المحمود في سنوات الانتداب، وأثناء الثورة القسَّامية التي استمرت حتى سنة (1939م)، ثم في المرحلة التي تلتها حتى قرار التقسيم سنة (1947م) وما جرى بعدها.
ب. جمعية الاعتصام: أسس الشيخ الخطيب في حيفا سنة (1941م) (جمعية الاعتصام)، وأعانه في إدارتها نائبًا له الشيخ (تقي الدين النبهاني) -رحمه الله-([94]). وكانت هذه الجمعية معنيةً بالنواحي الثقافية والتوجيهية والتعليمية، ومكافحة الظواهر الاجتماعية السلبية في المجتمع، والعناية بـ (الكشافة)([95]). وقد أرسلت الجمعية عددًا من الطلبة للدراسة في الأزهر، وأنشأت مدرسة ليلية “تدرس التوجيهات الإسلامية، بهدف معين؛ لأن اليهود بدأوا بالانتشار والإنكليز صارت لهم الصولة والجولة؛ إذن لا بد من تربية جيل يتحمل التبعات التي ستلقى على كاهله”([96]).
واتخذ الشيخ وصحبه من الجمعية لاحقًا مقرًا لتدريب شباب حيفا على السلاح، وهو الأمر عينه الذي قامت به جمعية (التهذيب والمواساة الإسلامية)، التي أشاد الشيخ الخطيب بنشاطها في هذا المجال وأثنى عليه([97]).
ج. الجمعية الإسلامية: وهذه جمعية أخرى رأسها الشيخ الخطيب، ووصفت بأنه “كان لها دور مؤثر في جميع شؤون المدينة، وكان من أبرز الأنشطة التي قامت بها عملية محاربة الفساد…”([98]).
د. لجنة المقاطعة: ترأس الشيخ الخطيب (لجنة المقاطعة) في حيفا، التي تولت شؤون مقاطعة المستوطنين الصهاينة، وعدم التعامل معهم أو البيع والشراء منهم، وهي من اللجان النشيطة في عملها في المدينة وما حولها. يقول (عوني فارس): “أود الإشارة هنا إلى أن كثيرًا ممن أجريت معهم مقابلات من الفلاحين حول حياتهم في حيفا قبل النكبة يشيدون بدور الشيخ محمد نمر الخطيب، ويتذكرون أحداثًا تخص لجنة المقاطعة، على سبيل المثال: روی شحادة محمد حامد، وهو فلاح سكن حيفا أيام الانتداب البريطاني، أن بعض أهل (سلواد) نشطوا في لجنة المقاطعة مثل: الحاج داود أبو الشيخ سلمان ومحمود أبو حلقين، ويتذكر أن محكمة لجنة المقاطعة كانت تعقد أمام الجامع الجديد وبالقرب من عمود فيصل. وأنها غرمته ذات مرة مالية لأنه اشترى حديدًا لقريبه مصطفى أبو بركات من مصدر يهودي”([99]).
وأثناء انهماك الشيخ الخطيب بهذه المهام المتعددة؛ كان حريصًا على التنبيه على المخاطر الصهيونية التي تهدد فلسطين عامة وحيفا خاصة، ومعنيًا بنقل أخبار ما يجري في فلسطين إلى خارجها، وحث العاملين من أبناء الأمة على التنبه لهذه المخاطر والقيام بما يلزم للتصدي لها. يقول الأستاذ (عدنان سعد الدين) -رحمه الله-: “عندما وصل الشيخ نمر الخطيب دمشق قادمًا من حيفا عام (1943م)؛ زاره الشيخ السباعي في فندق (أمية)، وتدارس معه أحوال فلسطين، فتحدث الشيخ نمر عن استفادة اليهود من الحرب العالمية الأولى؛ حيث شكلت السلطات البريطانية لهم كتائب تتدرب على القتال أمدتهم بالأسلحة والذخائر، كما حدثه عن أساليب تهريب اليهود للسلاح… ثم قال الشيخ نمر الخطيب: إن الوضع في فلسطين خطير ونحن عرب فلسطين يحظر علينا حمل أبسط أنواع السلاح، والعرب والمسلمون غافلون عما يُبَيَّت لفلسطين من شر، فهل لك – يقول للسباعي-: أن تعلن صوت النذير والإيقاظ؟ يقول السباعي: وكان حديثًا له عينان، وعاهدنا الله على أن نبدأ العمل”([100]).
وكان الشيخ مهتمًا كذلك بتوثيق جرائم العصابات الصهيونية، وكتابه (من أثر النكبة) نموذج متقدم في هذا الصدد، ويذكر أحد الباحثين أن الشيخ -رحمه الله- هو أول من ذكر مجزرة (الطنطورة) في لواء حيفا في كتابه هذا “حسب ما روى عن مروان اليحيى أحد الناجين من المذبحة… ومن المؤسف أن الإعلام العربي لم ينتبه لها إلّا عام (2000م)، عندما ذكرها أحد الباحثين اليهود!!”([101]).
2- جهود خارج فلسطين
يقول (عاطف نور الله) في تقديمه لكتاب (من أثر النكبة): “خرج الشيخ نمر من حيفا محمولًا على نقالة، وكان أول جريح فلسطيني سنة (1948م). استقبله لبنان الشقيق بوجهين کريمين هما: سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد الله خالد، والمغفور له ریاض بك الصالح، اللذين اهتما به اهتمامًا بالغًا، وأمنا سلامته في مستشفى المقاصد الإسلامية”([102]). ويزيد ناقلًا بعض أحوال الشيخ: “وإني لأذكر جلده وشجاعته وصبره يوم كنا نتفقده في مستشفى المقاصد، وأذكر نصحه وإرشاده لإخوانه المجاهدين، الذين لم ينقطعوا عن زيارته، وفيهم أولئك الأبرار محمد بك الحنيطي قائد حيفا العسكري، والشهید الكبير أبو محمود برهم سرور، والشهيد الكشاف البطل فخري البرد، وغيرهم من الذين هبت عليهم رياح الجنة، وواكبوه وأحبوه…”([103]).
ولما بلغ خبر محاولة اغتيال الشيخ إلى رئيس الجمهورية السورية وقتها (شكري القوتلي)؛ أرسل إليه طبيبه الخاص لمعاينته؛ فقرر نقله إلى دمشق ليتولى علاجه فيها. وهكذا انتقل الشيخ -رحمه الله- من بيروت في رحلة علاج انتهت باستقراره في دمشق برهة من الزمن، استغلها في مواصلة جهوده ونشاطاته العلمية والسياسية والإنسانية؛ “فدرَّس في مدارس عنبر([104])، كما درَّس في الكلية الشرعية وفي المدارس الثانوية، واتخذ من إذاعة دمشق منبرًا فكان له برنامج يومي بعنوان: (من هدي القرآن)، وآخر عن نكبة فلسطين، وأسس لجنة للاجئين وكان رئيسها الفعلي…”([105]).
وشارك الشيخ في الوفد السوري للمؤتمر الإسلامي بكراتشي سنة (1949م)، وبقي خارج فلسطين بقية مدة الحرب، ناشطًا في كشف أخطار الصهيونية ومعرفًا بآثار النكبة في فلسطين، وطبع في هذه المدة كتابيه: (من هدي القرآن)، (ومن أثر النكبة). ثم انتقل إلى العراق لعدة سنوات، عاد بعدها إلى دمشق في طريقه إلى لبنان، الذي استوطنه لسنوات أخرى، وأسس فيه (جمعية الرابطة الإسلامية)، وأنشأ مدرسة الفتح الإسلامي، التي سميت لاحقًا (ثانوية الإمام الأوزاعي)([106]).
كتب الشيخ عن فلسطين
كتب الشيخ الخطيب عدة كتب عن القضية الفلسطينية، وهي: (من أثر النكبة) و(أحداث النكبة) و(الإيمان طريقنا إلى النصر) و(حقيقة اليهود والمطامع الصهيونية). وكانت كتبه هذه مصدرًا لكثير من الباحثين والكاتبين عن القضية الفلسطينية عامة، والنكبة وما جرى فيها خاصة([107])؛ بحكم كونه ممن “شاركوا في الأحداث، أو قادوا معارك في تلك الفترة…”([108]).
ويعد كتاب (من أثر النكبة) أشهر كتب الشيخ عامة، وأهمها في مجال دراسات القضية الفلسطينية، وكان له أثره الكبير وقت صدوره وما زال، وعُدَّ مصدرًا مهمًا ومرجعًا رئيسًا لتوثيق أسباب النكبة وما جرى فيها، وقد كتبه الشيخ أثناء تلقيه العلاج في دمشق بعد محاولة اغتياله، ويكشف في مقدمته عن سبب تأليفه وطريقته فيه، قائلًا: “كان أصل هذا الكتاب تقريرًا لا يتجاوز العشرين ورقة، رفعته لصاحب الفخامة السيد شكري بك القوتلي، على أثر تلك الرحلة الرسمية التي رحلتها مع نفر من إخواني، وواتانا الحظ فاطلعنا على حقائق ووثائق وأسرار وأخبار ما كانت لتتاح لغيرنا، وكان ذلك التقرير الرسمي أول تقرير من نوعه قدّم إلى المراجع الرسمية وإلى أمانة الجامعة العربية”([109]).
ويقصد الشيخ الخطيب بالرحلة؛ الجولة التي قام بها رفقة السيدين: (صبحي الخضراء) و(مؤيد العظم) إلى شرق الأردن وفلسطين في (آب/أغسطس/1948م)؛ من أجل التعريف بالقضية الفلسطينية كما هي، ونقل وقائعها الخطيرة وتداعياتها المستقبلية، وعدم اختزالها في قضية اللجوء واللاجئين فقط([110]).
ويذكر السيد (خليل الصمادي) أن سبب تأليف الشيخ الخطيب لهذا الكتاب هو العلاقة التي نمت بينه وبين الرئيس (القوتلي)، الذي كان مهتمًا بعلاج الشيخ ورعايته في دمشق؛ حيث ينقل عن الشيخ الخطيب: أنه اجتمع مع القوتلي في منزله عدة مرات بحضور زوجته، وطلب الرئيس منه أن يقص له أخبار فلسطين لتسمعها زوجته، وبعد عدة جلسات رأى أن يدون ما ذكره في كتاب؛ فكان الكتاب (من أثر النكبة)([111]).
3- جهود الشيخ في العراق
بعد وصول الشيخ الخطيب إلى العراق أول مرة سنة (1951م)؛ عُيّن مدرسًا في (كليه الشريعة)، ثم اختير خطيبًا في جامع الشيخ (عبد القادر الكيلاني) خلفًا للشيخ (قاسم القيسي) مفتي بغداد وخطيب الجامع بعد وفاته -رحمه الله- سنة (1955م)([112]). وانتقل الشيخ بعد سنوات إلى لبنان مبعدًا من السلطات الملكية وقتها؛ بسبب تنديده بالعدوان الثلاثي على مصر من على منبر الجامع([113]). ثم عاد إلى العراق ثانية بعد خروجه من لبنان وأقام فيه، وعُيّن أستاذًا في كلية الإمام الأعظم (الشريعة سابقًا)([114])، ثم خطيبًا في مساجد عدة في الجانب الغربي من بغداد: كجامع (رشيد دراغ) في حي المنصور، وجامع (البنية) في منطقة (علاوي الحلة)([115]).
وشارك -رحمه الله- فضلًا عن التدريس والخطابة؛ في العمل الدعوي العام، فقد كان يتجول مع عدد من دعاة العراق في المحافظات العراقية ويخطب فيها، ومن ذلك: رحلته إلى (الرمادي) مركز محافظة (الأنبار) سنة (1950م)، رفقة الشيخ محمد محمود الصواف، وعبد الرحمن خضر المحامي، وعدد كبير من الشباب، منهم الشاعر (وليد الأعظمي) -رحمه الله- للمشاركة في افتتاح المكتبة الإسلامية في المدينة، وألقى الشيخ الخطيب خطبة الجمعة في أحد مساجد المدينة([116]).
وكذلك شارك الشيخ بفعالية في سنة (1953م)، في مساعي الرد على ما سمي وقتها (أسبوع المرأة)، الذي تضمن دعوات خطيرة وإساءات لمشاعر العراقيين؛ حيث انبرى العلماء والجمعيات الإسلامية؛ لتوعية المجتمع وتنبيه الناس، ومنها (جمعية الإخوة الإسلامية) التي أقامت تجمعات يومية في عدد من مساجد بغداد الكبيرة بين صلاتي المغرب والعشاء، تلقى فيها الخطب التحذيرية والمحاضرات التثقيفية والقصائد المشيدة بمكانة المرأة في الإسلام والمعززة لقيم المجتمع، تحت عنوان: (أسبوع الفضيلة)، الذي كانت للشيخ محاضرة يومية فيه([117])، فضلًا عن مشاركته -رحمه الله- في الكتابة في الصحافة الإسلامية العراقية، ولا سيما في مجلة (الأُخوة الإسلامية)، التي كان أحد أبرز كتّابها حينئذ([118]).
*******
***
المصادر والمراجع
أولًا: الكتب والرسائل العلمية والصحف والمجلات:
- الإخوان المسلمون في سوريا؛ مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، عدنان سعد الدين، دار عمار، عمّان، 2006م.
- الشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: د. خليل إبراهيم السامرائي، ديوان الوقف السني، سلسلة إحياء التراث، بغداد، ط 1، 1426ه-2005م.
- أصداء القضية الفلسطينية في الموصل (1932-1948م)، وائل علي النحاس، مجلة المجمع العلمي العراقي، ج4، المجلد 4، بغداد، 2002م.
- أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني (1800-1918)، عادل منّاع، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ط 2، 1995م.
- الأعمال النثرية الكاملة، وليد الأعظمي، جمع وترتيب وتدقيق: عبد الله الطنطاوي، دار القلم، دمشق، 2008م.
- أوراق أردنية، الدكتور محمد المنقرة والدكتور لؤي بواعنة، دار الخليج، عمّان، ط 1، 2017م.
- تاريخ جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ هاشم الأعظمي، مطبعة الأزهر، بغداد، ط 1، 1391ه-1971م.
- تاريخ علماء سامراء، الشيخ يونس إبراهيم السامرائي، مطبعة دار البصري، بغداد، 1386ه-1966م.
- تاريخ علماء الموصل، أحمد محمد المختار، مطبعة الزهراء، الموصل، ط 2، 1404ه-1984م.
- التطهير الإثني في فلسطين، جيف سيمونز، مركز باحث للدراسات الفلسطينية، بيروت، ط 1، 2012م.
- التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد (1917-1948م)، الدكتور محسن صالح، مكتبة الفلاح، الكويت، 1988م.
- جمعية الأخوة الإسلامية في العراق (1949-1954م)، الدكتورة إيمان عبد الحميد الدباغ، (د.ن) (د.ت).
- الحاج محمد أمين الحسيني؛ دراسة في نشاطاته الإسلامية (1921-1937م)، د. تيسير جبارة، دار الفرقان، عمّان، 1415ه-1995م.
- حيفا على مر العصور؛ دراسة جغرافية تاريخية، نذير عبود، 1985م.
- رحلات العلامة أبي الحسن الندوي، عبد الماجد الغوري دار ابن كثير، بيروت، 2001م
- الدفاع عن حيفا في ذاكرة عباس الحاج صالح (1928-2008م)، عوني فارس، مجلة حوليات القدس، عدد صيف 2011م.
- الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين، مذكرات رشيد الحاج إبراهيم (1891-1953م)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2005م.
- صور من الشرق في إندونيسيا، الشيخ علي الطنطاوي، دار المنارة، جدة، ط 2، 1412ه-1992م.
- العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد؛ منظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، دار الشروق، القاهرة، ط 1، 2013م.
- عبد المنعم الغلامي (1899-1967م)؛ دراسة تاريخية في نشاطه الثقافي والصحفي والسياسي، رعد أحمد الطائي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الموصل، 2005م.
- العراق والقضية الفلسطينية (1932-1941م)، د. عباس عطية جبار، دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس، ط 1، 1438هـ-2017م.
- عقود حياتي؛ من العقد الأول إلى العقد الثامن، محمد الحسين آل كاشف الغطاء، تحقيق أمير شريف محمد حسين آل كاشف الغطاء، منشورات مدرسة ومكتبة الإمام آل كاشف الغطاء العامة، النجف، ط 1، 1433ه-2012م.
- فلسطين في المؤلفات العراقية؛ بيبلوغرافية تفصيلية، حسام حمودي الساموك، مركز الدراسات الفلسطينية، جامعة بغداد، 1979م.
- فلسطين والحاج أمين الحسيني، زهير مارديني، دار اقرأ، بيروت، ط 1، 1406ه-1986م.
- اللاجئون الفلسطينيون في العراق، من النكبة عام 1948م الى ما بعد الاحتلال الأمريكي 2003م، عز الدين محمد، مركز الغد العربي للدراسات، دمشق، ط 1، 2007م.
- اللجوء والاضطهاد؛ اللاجئون الفلسطينيون في العراق (1948-2010م)، ناهض خميس زقوت، دار دجلة، عمّان، ط 1، 1437هـ -2016م.
- المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، الشيخ محمد محمود الصواف، دار الاعتصام، القاهرة، 1979م.
- مدرسة الإمام أبي حنيفة وتراجم شيوخها ومدرسيها (459-1400ه/1067-1980م)، وليد الأعظمي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، ط 1، 1983م.
- مذكرات الشيخ أحمد محمد أمين الراوي، تقديم: الشيخ أحمد حسن الطه، مكتبة الحكمة، لندن، 2017م.
- مصطفى السباعي، قائد أمة ورائد دعوة، الدكتور محمد عادل الهاشمي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 2009م.
- مقررات المؤتمر الإسلامي العام في دورته الأولى، مطبعة دار الأيتام الإسلامية، القدس، بدون تأريخ.
- من سجل ذكرياتي، الشيخ محمد محمود الصواف، دار الاعتصام، القاهرة، ط 1، 1407ه-1987م.
- المؤتمر الإسلامي العام، المكتب الدائم للمؤتمر الإسلامي العام، مطبعة دار الأيتام الإسلامية، القدس، 1953م.
- موسوعة أعلام فلسطين من القرن الأول حتى الخامس عشر الهجري، من القرن السابع حتى القرن الحادي عشرين الميلادي، محمد عمر حمادة، دار الوثائق، دمشق، 2011م.
- الموسوعة الفلسطينية، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، ط 1، 1984م.
- نظام جمعية إنقاذ فلسطين في العراق، بغداد، 1954م.
- نكبة فلسطين عام 1947-1948م؛ مؤامرات وتضحيات، حسني أدهم جرار، دار المأمون، عمّان، 1429ه-2008م.
- نكبة فلسطين والفردوس المفقود، عارف العارف (1947-1952م)، دار الهدى، (د.ن)، ط 1، 1956م.
- 15 أيار كارثة فلسطين، محمود فهمي درويش، مطبعة الرابطة، بغداد، 1368ه-1949م.
ثانيًا: المواقع الإلكترونية:
- العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام، خليل الصمادي: https://cutt.us/j5z4b
- الفقيد الشيخ توفيق عبد الخالق؛ ثبات حتى الممات، أيمن الشعبان: https://cutt.us/XtARG
- موقع الرحلات الفلسطينية، ترجمة الشيخ تقي الدين النبهاني: https://2u.pw/1qxZc
- موقع رابطة أدباء الشام: https://2u.pw/bwbLZ
- موقع هوية (المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية): https://cutt.us/3al5t
- كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر عن الشيخ الخطيب في (اثنينية) عبد المقصود خوجة، المدينة المنورة: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
- مؤتمر العالم الإسلامي، ويكيبيديا: https://cutt.us/jdKCL
- موقع الخليج أون لاين: https://2u.pw/A3xmn
- موقع (الترا صوت): https://2u.pw/MYsk5
([1]) يمكن الاطلاع على جانب من هذه الكتب والدراسات في: فلسطين في المؤلفات العراقية؛ بيبلوغرافية تفصيلية، حسام حمودي الساموك، مركز الدراسات الفلسطينية، جامعة بغداد، 1979م.
([2]) ينظر: أصداء القضية الفلسطينية في الموصل (1932-1948)، وائل علي النحاس، مجلة المجمع العلمي العراقي، ج4، المجلد 4، 2002م: 162، 263، 264.
([3]) هي لجنة بريطانية أمريكية مشتركة، انعقدت في (واشنطن)، وكُلفت بدراسة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في فلسطين؛ بسبب الاستيطان اليهودي فيها؛ لتقديم -كما أعلن وقتها- توصيات لحل مؤقت أو دائم للمشكلة بعد التشاور مع الفلسطينيين والمستوطنين. ونُشر تقرير اللجنة في (لوزان) بسويسرا في (20/4/1946م) بعنوان: (تقرير لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية فيما يتعلق بمشاكل يهود أوروبا وفلسطين)، وتضمن عدة وصايا، مالت فيها اللجنة إلى جانب الطرف الصهيوني. ينظر: الموسوعة الفلسطينية: 1/318-320.
([4]) فلسطين والحاج أمين الحسيني، زهير مارديني: 125.
([5]) حول الحركة العربية الحديثة، محمد عزة دروزة: 3/163.
([6]) حول الحركة العربية الحديثة: 3/163.
([7]) ينظر: الموسوعة الفلسطينية: 4/347-348.
([8]) هي: مدرسة الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، ثم الكلية الأعظمية، ثم كلية الإمام الأعظم، ثم كلية الشريعة، ثم كلية العلوم الإسلامية.
([9]) هما: مساعد الشيخ كاشف الغطاء، وابنه. ينظر: عقود حياتي، محمد حسين آل كاشف الغطاء: 138.
([10]) ينظر: الموسوعة الفلسطينية: 4/347.
([11]) ينظر: مقررات المؤتمر الإسلامي العام في دورته الأولى: كاملًا، والموسوعة الفلسطينية: 4/347-348، والحاج محمد أمين الحسيني؛ دراسة في نشاطاته الإسلامية (1921-1937م)، الدكتور تيسير جبارة: 186-187.
([12]) ينظر: العراق والقضية الفلسطينية (1932-1941)، د. عباس عطية جبار: 76.
([14]) المؤتمر الإسلامي العام (نشرة صادرة عن أعمال المؤتمر ومقرراته): 4.
([15]) ينظر: المصدر نفسه: 5-7.
([16]) صور من الشرق في إندونيسيا، علي الطنطاوي: 9.
([17]) ينظر هذا القرار وغيره في: المؤتمر الإسلامي العام: 17-18.
([18]) صور من الشرق في إندونيسيا: 10.
([20]) ينظر: الحاج محمد أمين الحسيني؛ دراسة في نشاطاته الإسلامية (1921-1937م): 188.
([21]) ينظر: العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد، أكمل الدين إحسان أوغلو: 48، ومادة مؤتمر العالم الإسلامي، ويكيبيديا: https://cutt.us/jdKCL
([22]) ينظر: نظام جمعية إنقاذ فلسطين في العراق، بغداد 1954م.
([23]) ينظر: 15 أيار 1948 كارثة فلسطين، محمود فهمي درويش: 41-42، ومن سجل ذكرياتي، محمد محمود الصواف: 173-174، ونكبة فلسطين والفردوس المفقود، عارف العارف: 1/49.
([24]) ينظر: من سجل ذكرياتي، الشيخ محمد محمود الصواف: 174-175، 182، ونكبة فلسطين والفردوس المفقود: 1/50-52.
([25]) ينظر: 15 أيار 1948 كارثة فلسطين: 41-44، ونكبة فلسطين والفردوس المفقود: 1/49-50.
([26]) طبعته الجمعية في مطبعة الرابطة ببغداد، ووزعته مجانًا سنة (1949م).
([27]) ينظر: أصداء القضية الفلسطينية في الموصل (1932-1948م): 260، وعبد المنعم الغلامي (1899-1967م)؛ دراسة تأريخية في نشاطه الثقافي والصحفي والسياسي، رعد أحمد الطائي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الموصل، 2005م: 199-200.
([28]) ينظر: أصداء القضية الفلسطينية في الموصل (1932-1948م)، وائل علي النحاس: 268.
([29]) عبد المنعم الغلامي (1899-1967م)؛ دراسة تاريخية في نشاطه الثقافي والصحفي والسياسي: 200.
([30]) العدد الثامن، السنة التاسعة، ربيع الأول 1387ه-حزيران 1967م.
([33]) أصل الحديث في: صحيح البخاري، كتاب: المظالم والغصب، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، ح (2442)، وصحيح مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، ح (2564).
([38]) سورة محمد -صلى الله عليه وسلم-: 7.
([39]) هذا اللفظ غير وارد، وأصل الحديث في سنن أبي داود (3462) وغيره، بلفظ: (إذا تبايعتُم بالعِينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزرعِ، وتركتمُ الجهادَ، سلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعُه حتى ترجعوا إلى دِينِكم).
([41]) ينظر: العراق والقضية الفلسطينية: 362. وأصل الخبر في جريدة الاستقلال، بتأريخ: 24/11/1933م.
([42]) ينظر: العراق والقضية الفلسطينية: 362-363.
([43]) حول الحركة العربية الحديثة: 3/165.
([44]) ينظر: الشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 88-90.
([45]) ينظر: مذكرات الشيخ أحمد الراوي: 276-277.
([46]) ينظر: المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، الشيخ محمد محمود الصواف: 232-249.
([47]) مطابع معتوق إخوان، بيروت، ط 1، 1389ه-1969م.
([49]) سلسلة كتاب الأمة، الدوحة، ط 1، 1412ه-1992م.
([50]) ينظر: تاريخ علماء الموصل، أحمد محمد المختار: 2/49.
([51]) ينظر: تاريخ علماء الموصل: 2/51، والشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 47-51، ومقدمة تحقيق كتاب: حبل الاعتصام: 14.
([52]) تنظر هذه الجهود في: تاريخ علماء الموصل: 2/51-52، وتاريخ الموصل: 2/98، وفهرس مخطوطات أوقاف الموصل: 8/16، والشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 65-90، وقراءة في فكر الشيخ المفتي: 647.
([53]) ينظر: الشيخ محمد حبيب العبيدي، حياته وأدبه: 61-64، ومقدمة تحقيق: حبل الاعتصام: 13.
([54]) مطبعة أم الربيعين، الموصل، 1336ه-1947م.
([55]) الشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 249.
([56]) عقود حياتي، الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: 142-143.
([57]) ينظر: العراق والقضية الفلسطينية: 362-363.
([58]) ينظر: الشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 88-90.
([59]) تنظر نماذج من ذلك في: الشيخ محمد حبيب العبيدي؛ حياته وأدبه: 248-257.
([60]) ينظر: تاريخ علماء سامراء: 16.
([61]) تنظر ترجمته في: مذكرات الشيخ أحمد الراوي: 25-118، وموقع الشيخ أحمد الراوي الإلكتروني:
https://sites.google.com/site/amamalrawi/home
([62]) ينظر: مذكرات الشيخ أحمد الراوي: 275.
([63]) ينظر: المصدر نفسه: 276.
([64]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق، من النكبة عام 1948 إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي 2003، عز الدين محمد: 11-18، واللجوء والاضطهاد؛ اللاجئون الفلسطينيون في العراق (1948-2010م)، ناهض خميس زقوت: 42-48.
([65]) اختطفته الميليشيات الطائفية -رحمه الله- ببغداد يوم (22/11/2006م)، وعثر على جثته بعد خمسة أيام في ثلاجة مستشفى الكاظمية التعليمي، وعليها آثار تعذيب وجلد وعلامات تشير إلى وفاته خنقًا. ينظر: الفقيد الشيخ توفيق عبد الخالق؛ ثبات حتى الممات، أيمن الشعبان: https://cutt.us/XtARG، واللاجئون الفلسطينيون في العراق: 134.
([66]) ينظر: تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري، الشيخ يونس إبراهيم السامرائي: 524.
([67]) ينظر: عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، صادق الجميلي، مجلة التربية الإسلامية، بغداد، العددان 10 و11، شوال 1404هـ-آب 1984م.
([68]) ينظر: عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، مجلة التربية الإسلامية، وتاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 524.
([69]) ينظر: عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، مجلة التربية الإسلامية.
([70]) ينظر: عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، مجلة التربية الإسلامية.
([72]) ينظر: تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 524.
([73]) ينظر: عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، مجلة التربية الإسلامية.
([74]) تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 524.
([75]) عالم فقدناه؛ الشيخ علي الحانوتي، مجلة التربية الإسلامية.
([76]) ينظر: موقع قناة (الجزيرة)، 14/3/2007م: https://2u.pw/RsUlP، واللاجئون الفلسطينيون في العراق: 139.
([77]) ينظر: https://cutt.us/3al5t، واللاجئون الفلسطينيون في العراق: 132.
([78]) ينظر: أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني، عادل منّاع: 164، وموسوعة أعلام فلسطين: 7/278.
([79]) تاريخ جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ هاشم الأعظمي: 139.
([80]) ينظر: العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام، خليل الصمادي: https://cutt.us/j5z4b، وتاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 620.
([81]) ينظر: العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام: https://cutt.us/CvZfk، وكلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA، والتسجيل المرئي لتكريم الشيخ الخطيب في (اثنينية عبد المقصود الخوجة)، 20/11/1995م: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA، ومصطفى السباعي؛ قائد أمة ورائد دعوة، د. محمد عادل الهاشمي: 50.
([82]) ينظر: موسوعة أعلام فلسطين: 7/280، وأوراق أردنية، الدكتور محمد المنقرة والدكتور لؤي بواعنة: 454-255. وقد استولت سلطات الاحتلال بعد احتلال حيفا وطرد أهلها، على مكتبة الشيخ ونقلتها إلى (مكتبتها الوطنية)، التي توجد فيها “كتب تعود ملكيتها للشيخ المقرب من المجاهد عز الدين القسَّام، (محمد نمر الخطيب)… حين حاولت العصابات الصهيونية اغتياله، واستولت على مكتبته الشخصية، وأرسلت محتوياتها لأرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية”. ينظر: خزنة الكتب المسروقة بمكتبة الاحتلال تروي نكبة فلسطين الثقافية، الخليج أون لاين، 25/7/2015م: https://2u.pw/A3xmn
([83]) رحلات العلامة أبي الحسن الندوي: 302.
([84]) منها: (من هدي القرآن) و(المدخل لدارسة المنطق) و(فلسفة الحج) و(الإسلام دين هداية) و(من نور الإسلام) و(مرشد الدعاة) و(أبحاث تمهيدية في العقيدة الإسلامية) و(موقف الدين من العلم) و(فلسفة العبادة في الإسلام) و(من علوم القرآن) و(دراسات في الفلسفة الإسلامية) و(تاريخ الفقه الإسلامي) و(أيام في الباكستان) و(عام في تونس وليبيا) و(شهور في المغرب الأقصى) و(محاضرات إسلامية) و(أحسن الحديث) و(فتاوى إسلامية) و(أسئلة وأجوبتها) و(النصرانية في القرآن، وكما فهمها المفسرون) و(ابن عرفة عالم المغرب).
([85]) من نعي رابطة العلماء السوريين للشيخ الخطيب -رحمه الله-. ينظر: https://2u.pw/bwbLZ
([86]) كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([87]) اللجان القومية: هي جهاز إداري شعبي شكله أهالي فلسطين سنة (1936م)؛ لقيادة وتوجيه العمل الوطني أثناء مرحلة الإضراب المعروف، وثورة (1936-1939م)، ثم تطور ليصبح (اللجنة العربية العليا لفلسطين). ينظر: الموسوعة الفلسطينية: 6/14-15.
([88]) ينظر: كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([89]) ينظر: حيفا على مر العصور، نذير عبود: 84.
([90]) العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام: https://cutt.us/j5z4b
([91]) كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([92]) ينظر: العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام: https://cutt.us/j5z4b
([93]) الدفاع عن حيفا في ذاكرة عباس الحاج صالح (1928-2008م)، عوني فارس، مجلة حوليات القدس، عدد صيف 2011م: 46.
([94]) ينظر: الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين، مذكرات رشيد الحاج إبراهيم (1891-1953م): 30، وموقع الرحلات الفلسطينية، ترجمة الشيخ تقي الدين النبهاني: https://2u.pw/1qxZc
([95]) ينظر: التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد (1917-1948م)، الدكتور محسن صالح: 30، وموقع الرحلات الفلسطينية، ترجمة الشيخ تقي الدين النبهاني: https://2u.pw/1qxZc
([96]) كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([97]) ينظر: الدفاع عن حيفا في ذاكرة عباس الحاج صالح: 46.
([98]) التيار الإسلامي في فلسطين: 30.
([99]) الدفاع عن حيفا في ذاكرة عباس الحاج صالح: 46.
([100]) الإخوان المسلمون في سوريا؛ مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954، عدنان سعد الدين: 1/236.
([101]) العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام: https://cutt.us/j5z4b
([102]) تقديم كتاب: من أثر النكبة: 15.
([103]) تقديم كتاب: من أثر النكبة: 16.
([104]) هي المدرسة المشهورة في دمشق المعروفة بـ (مكتب عنبر).
([105]) كلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([106]) ينظر: رحلات العلامة أبي الحسن الندوي: 302، وكلمة الشيخ الدكتور خليل ملا خاطر: https://youtu.be/I6CbZZkcRXA
([107]) ينظر: نكبة فلسطين والفردوس المفقود: 206 (الهامش)، 213، وصفحات عن حيفا ومعركتها الأخيرة، عبد الرحمن مراد: 13، ونكبة فلسطين عام 1947-1948م؛ مؤامرات وتضحيات، حسني أدهم جرار: 4، والتطهير الإثني في فلسطين، جيف سيمونز: 127.
([108]) نكبة فلسطين عام 1947-1948م؛ مؤامرات وتضحيات: 4.
([110]) ينظر: https://2u.pw/MYsk5
([111]) العالم الداعية المجاهد محمد نمر الخطيب؛ تلميذ القسام: https://cutt.us/j5z4b
([112]) تاريخ جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ هاشم الأعظمي: 139، وتاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 621-
([113]) ينظر: تاريخ جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني: 139.
([114]) ينظر: مدرسة الإمام أبي حنيفة؛ تأريخها وتراجم شيوخها ومدرسيها، وليد الأعظمي: 214.
([116]) ينظر: الأعمال النثرية الكاملة، وليد الأعظمي: 8/4307.
([117]) ينظر: جمعية الأخوة الإسلامية في العراق (1949-1954م)، إيمان عبد الحميد الدباغ: 478.