4/7/2024
د. أسامة جمعة الأشقر
لا نريدك أن تحرق روحك بأوجاع القهر، ولا أن تنخنق بدخان الواقع الأليم، ولا نريدك أن تنحبس في مشاعرك الملتهبة، ولا أن تعتاد مشاعر الألم، بل نريد منك حميّة تقذف بك إلى رأس كل مبادرة، وصدارة أي عمل، أو تكون وراء أي جهد أو معه وإن قلّ.
واعتياد الأحوال، وإدمان مراقبتها بسكون، والملل من القيام بسدّ احتياجها من مراتب الخذلان، وأوّل درجات هذه المرتبة أن تُسقط حالك في السُّلّم من درجة الأولوية إلى درجة الاهتمام، وتالي مراتبه أن تجعل اهتمامك سيئاً بحيث تبدأ العمل ولا تنهيه، وتشرع فيها ثم تنشغل عنه، وأن تدفعه ثم تتركه ليدفعه غيرك فيما تظنّ، أو تبرّر لنفسك ترك ما يتوجّب عليك؛ حتى ينتهي حالُ النفس إلى امتلائها بشعور البلادة والفراغ ورمي المسؤولية.
وهناك وجه خفيّ آخر للاعتياد المذموم ينشأ عن شدة المتابعة أحياناً، وربما حدَث بسبب الانصراف التام إلى متابعة أخبار الفواجع وتكرار المشاهدة والاستماع تكراراً يقتل النفس، ويضعف همّتها، ويملؤها بالحسرة والعجز، ومن المعلوم أن كثرة المساس تبلّد الإحساس وتصيب الروح بالاكتئاب، وكلاهما عجز سلبيّ أو أشد سلبيّة.
ومن مظاهر الاعتياد عدم البحث عن دور، أو إقناع النفس بأنها لا يمكن أن تصنع شيئاً، وأنّ قوة المشاعر كافية في رفع العتب والإبراء إلى الله.
والاسوأ من ذلك أن تنطفئ روح الانفعال، وتنصرف العيون عن النظر، والآذان عن السماع، والقلوب عن الإحساس، والجوارح عن المبادرة بالأفعال، وأن تتواطأ كلها على مؤامرة الخذلان واستقرار الغفلة.
وأشد الخذلان أن تخالط الفاسقين المطبّعين غير المقاطعين، وتألف طريقتهم، وتحسن الظنّ فيهم، وتغض الطرف عنهم، وكأنّ ما يفعلونه من وجوه النظر ذات الاعتبار.
وواجبك أن تساعد أهل الثغر وكأنّ أحداً لم يساعدهم قطّ، وأن تدعو لهم وكأن أحداً لم يرفع يده لأجلهم قطّ، وأن تضع قدمك في أي مسار يوصل إلى رفع رايتهم وكأن أحداً لم يضع قدماً على أي موضع.
وقد وجدت في كتاب الله ما يفيد هذه المعاني إذ جعلنا الله شهداء على الناس، ومن مقتضيات الشهادة أن نشعر بمصائب إخواننا وأخواتنا، وأمّا إذا شهد الناس على المؤمنين بأنهم خذلوا إخوانهم ورضوا بمصابهم فهذا يعني أنهم لا يستحقون هذا المقام، ولم يبلغوا مرتبته.