خاص هيئة علماء فلسطين

         

19/12/2025

د. إبراهيم مهنا عضو المكتب التنفيذي في هيئة علماء فلسطين

لم تكن موجة البرد الحالية على أهل غزة أقل قسوة من الحرب الصهيونية الشرسة التي دمرت الأخضر واليابس، وهذا متوقع في ظل استمرار الحصار المجحف على الرغم من قرب الانتهاء من المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، فلم يدخل القطاع إلا النزر اليسير من المساعدات، ومع بدء المنخفضات الجوية واستمرار معاناة المواطنين نتيجة النقص في الملابس الشتوية وأسباب التدفئة الأخرى، خاصةً بعد تدمير العديد من المنازل والبنية التحتية بسبب الحرب.

وبحسب الدفاع المدني في غزة، فقد انهارت أكثر من 17 بناية سكنية بشكل كامل منذ بدء المنخفضات الجوية في قطاع غزة.

آثار البرد على الغزيين

تتفاقم آثار البرد في غزة خاصة مع استمرار الضعف الشديد في دخول المساعدات الإنسانية، فلا الاحتلال التزم ببنود الاتفاق، ولا الضامنون استطاعوا -أو أرادوا- ثنيه عن ذلك، وإن أبرز آثار البرد على أهل غزة ما يأتي:

1- الوفاة بسبب البرد: لقد تسببت موجة البرد إلى استشهاد عدد من الأشخاص، بينهم أطفال ورضع، بسبب عدم توفر أسباب التدفئة اللازمة للحفاظ على الحياة من بيوت مناسبة وملابس ثقيلة وطعام دافئ، وقد صرح رئيس بلدية خان يونس لقناة «الجزيرة» بأن موجة الأمطار الأخيرة أدت إلى استشهاد 20 فلسطينياً.

موجة البرد تسببت باستشهاد عدد من الأشخاص بينهم أطفال ورضع

2- غرق الخيام: تسببت الأمطار الغزيرة في غرق كثير من خيام النازحين؛ ما أدى إلى تشريد مزيد من الأسر، علماً أن عدد النازحين تجاوز المليون وستمائة ألف نازح، وعلى شاطئ البحر حيث لجأ كثير من النازحين هرباً من أهوال الإبادة الجماعية التي استهدفت أرواحهم ومنازلهم حدثت كارثة اجتياح مياه البحر العاتية خيام النازحين المهترئة لتغرق ما تبقى من ممتلكاتهم القليلة وتزيد معاناتهم أضعافاً، ومما زاد الطين بِلّة أن معظم خيام النازحين مصنوعة من مواد لا تقي برداً ولا ترد ريحاً ولا تمنع ماء.

ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن حوالي 10 آلاف خيمة تعرضت للتلف وجرفتها أمواج البحر بسبب شدة المنخفض الجوي، وأوضح أن جيش الاحتلال منع إدخال 250 ألف خيمة وكرفان إلى القطاع مؤخراً، وأكد المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رائد النمس أن أكثر من نصف سكان القطاع يقطنون في خيام مهترئة، وأن السيول والأمطار أدت إلى انهيار أكثر من 20 ألف خيمة.

3- انتشار الأمراض: ومن آثار موجة البرد وتفشي الرطوبة في خيام النازحين زيادة خطر تفشي الأمراض، مثل الالتهابات البكتيرية والأمراض التنفسية بسبب البرد والرطوبة، والإسهال بسبب تلوث المياه.

برود الاستجابة

إزاء هذه الكارثة الإنسانية المتصاعدة، يقف العالم عاجزاً عن رفع هذه المظلمة العظيمة التي شرخت إنسانية العالم المتحضر، وخدشت معاني الأخوة الإيمانية والإنسانية، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، وتتجلى مظاهر هذا البرود فيما يأتي:

1- شح المساعدات الإنسانية: إن نقص المساعدات الإنسانية بما في ذلك الملابس الشتوية والطعام والدواء قد فاقم من حدة الكارثة على أهل القطاع، ووفقاً لتقارير الحكومة الفلسطينية، فإن المساعدات التي دخلت غزة تمثل فقط 14-30% من الكميات المتفق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، وهذه الفجوة تعتبر هائلة لمجتمع بات لا يملك من أسباب الحياة الكريمة إلا الفتات، وقد حذرت المنظمات الإنسانية الدولية من أن هذه الفجوة ستفاقم الكارثة الإنسانية وتزيد من خطر المجاعة والوفيات.

2- تأخر الاستجابة: فضلاً عن ضعف الاستجابة وبرودها، فإن التأخر فيها يضاعف حدتها، فموسم الشتاء معلوم لا يأتي بغتة، لقد كان اللائق بالاستجابة الدولية والشعبية أن تكون حاضرة تأتي في زمانها المناسب لا بعد وقوع الكارثة، ومن باب الإنصاف نقول: إن السبب الأكبر في ذلك تعنت الاحتلال، على ألا نغفل من أن سبب تعنته هو برود العالم تجاه ما يحدث، وعدم ممارسة الضغط الكافي لتغيير موقفه.

نحو «تسخين» الاستجابة

إنقاذاً لإنسانيتنا وكرامتنا لا بد من «تسخين» استجابتنا لنصرة المستضعفين المظلومين في غزة، وإن واجب الوقت الآن رفع المعاناة عنهم بأقصى ما نستطيع، ولن ينقذنا من دعاء المظلومين ومن المساءلة الربانية يوم الحساب إلا بذل غاية الوسع، وفي هذا الصدد لا بد وبشكل عاجل من:

1- زيادة المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الحقيقية لأهل غزة، خاصة الملابس الشتوية والبطانيات، والخيم المقاومة للبرد والماء والكرفانات، والوقود وغاز الطبخ، والطعام الصحي والدواء، ومياه الشرب النظيفة.

نقص المساعدات من الملابس الشتوية والطعام والدواء فاقم من حدة الكارثة

2- توحيد المواقف الرسمية للدول العربية والإسلامية لدعم الشعب الفلسطيني، فالجماعة رحمة والفرقة عذاب.

3- تنشيط الحراك الشعبي في كل مكان لزيادة الضغط على الحكومات، خاصة تلك التي تتبنى مواقف مساندة للإبادة الجماعية.

4- دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني باعتبارها خط الدفاع الأول عن الأمة.

5- إطلاق مزيد من حملات الدعم الرسمية والشعبية، وقد قامت دولة الكويت بحملة رسمية واسعة استجاب لها المواطنون والمقيمون بشكل جيد، ومؤخراً قامت جمعية الرحمة العالمية الكويتية بإدخال عدد جيد من الخيام ذات الجودة العالية، والمطلوب استمرار تبني هذه المبادرات ودعم المنظمات الإنسانية التي تعمل في غزة حتى ترتفع الحاجة.

6- تفعيل الحراك المجتمعي العربي والغربي، ويمكن في هذا الصدد تنظيم حملات توقيع لدعم المقترحات وتقديمها للحكومات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المقترحات وجمع الدعم للجمعيات الخيرية الموثقة، والتواصل مع المسؤولين والمؤثرين لتقديم المقترحات وتبنيها، ونحو ذلك من حراك يهدف إلى تسخين استجابتنا لما يحدث في قطاع غزة المنكوب.

7- ولا بد للعلماء والمثقفين والمفكرين من ممارسة دور أكبر في مجال التوعية والتعبئة وتقديم القدوة العملية للمجتمع وعدم الاكتفاء بالتنظير والتوجيه، فالناس يتأثرون بما يسمعون مرة وبما يشاهدون ألف مرة، وأصبح من غير المقبول أن تكون النخب بلا مشاريع عملية متحركة ومؤثرة في الواقع.

أمام هذا المشهد، لا بد من التذكير بجرائم الاحتلال تجاه أسرانا البواسل، فالاحتلال يستخدم البرد كأداة تعذيب للمعتقلين في سجونه، حيث يعرضهم عراة للبرد القارس، بل ويدخلهم في غرف تبريد بعد رشهم بالماء؛ ما يعرضهم لأمراض خطيرة مزمنة، وكثيراً ما يأمرهم بالانبطاح على الأرض المبللة في الشتاء بصدورهم العارية، حيث إن هذا العدو الوحشي هو عدو للإنسانية وخطر على الجنس البشري برمته، عدو يعتقد بأنهم شعب اختارهم الله أبناء له وأحباء من دون الناس، وأن سائر الناس إنما خلقوا لخدمتهم كالدواب!

أما المؤمنون فإنهم على يقين بأن دولة الظلم إلى زوال، وبأن طلوع الفجر حتمي بعد شدة الظلام، وأن ظلمته لا تنقشع إلا بالعمل الجاد الدؤوب، وإن غداً لناظره قريب.

*******

نقلاً عن موقع المجتمع: https://mugtama.com/a/azwgyM6z