خاص هيئة علماء فلسطين

         

25/8/2024

د. إبراهيم مهنا عضو المكتب التنفيذي في هيئة علماء فلسطين

لقد خلق الله تعالى الإنسان وحدد له عمره ورزقه في هذه الدنيا، فلن يموت حتى يستوفي أجله، قال تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا)[1]، وقال: (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)[2]، ولن يموت حتى يستوفي رزقه، قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون . فورب السماء والأرض إنه لحقّ مثل ما أنكم تنطقون)[3]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحدكم لن يموت حتى يستوفي رزقه، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلّ ودعوا ما حُرِّم[4]، وفي رواية: “أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها …”[5]، وروى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنك سألت الله لآجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يعجل شيء منها قبل حِلّه، ولا يؤخر منها يوما بعد حِلّه، ولو سألت الله أن يعافيك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر لكان خيرا لك[6]. قال النووي: “هذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك”[7]، فقيل: أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “اعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له[8].

وإن أكثر ما يمنع الناس عن قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الخوف على رزقه وأجله، وإن أكثر ما يمنع الإنسان عن الجهاد في سبيل الله ومقارعة الأعداء وقتالهم هو الخوف من القتل أو الخوف من انقطاع الرزق عن عياله، وها نحن نرى أن إيمان العبد لا يكتمل إلا باليقين الراسخ بأن الأجل محدود، لا يتقدم أو يتأخر بسبب الشجاعة والإقدام ولا بسبب الجبن والخِذلان، وهذه المعادلة التي آمن بها المجاهدون في غزة الصابرة الصامدة، فكمل بهذا الاعتقاد إيمانهم، فأقبلوا على عدوهم بيقين راسخ واطمئنان عجيب، فنجحوا في الاختبار فما ذلوا ولا انكسروا لعدوهم، بل استجابوا لأمر ربهم فنفروا في سبيل الله وما تثاقلوا إلى الأرض، وضربوا للأمة الإسلامية أروع الأمثلة في البطولة والفداء، بعد أن علمونا العقيدة الصحيحة، وكأننا نرى مشاهد عظيمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم. لقد هزموا الخوف من الموت، فهم بين شهيد حي عند ربه، ومقاتل يعيش عزيزا أبيا في مواجهة عدوه، وهزموا الخوف من الفقر وفقدان المال باليقين الثابت باستيفاء الرزق، فلله دركم أيها المجاهدون الأطهار.

وعلى المسلمين خارج غزة أن يهزموا الخوف كما هزمه إخوانهم المجاهدين، كي ينالوا شرف المشاركة بالجهاد في سبيل الله، بالنفس والمال إن أمكن، وإلا فإن الجهاد بالمال متعين الآن على كل مسلم بما يستطيع، لابد أن نهزم الخوف من كل قانون ظالم يحول بيننا وبين واجب نصرة إخواننا، لابد أن نهزم الخوف من عاقبة قول كلمة الحق فهذا من أعظم الجهاد في عصر الصمت والخذلان، ولابد أن نهزم شهواتنا فنقاطع كل سلعة ينتجها داعمو الكيان الصهيوني المحتل، ولنعلم أن حتمية النصر متعلقة بجيل هزم خوفه، فإن أردت تعجيل النصر فاهزم خوفك من الموت، واهزم خوفك من الفقر، واهزم خوفك من التهجير والتشريد، واحذر أن تقول مبررا  كنا مستضعفين في الأرض إلا أن تكون من أصحاب الأعذار، قال تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا)[9]، وقال تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما وكثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)[10].

إنْ أردنا العزة والانتصار، فعلينا أن نستبدل الخوف من الله تعالى بالخوف من الموت وانعدام الرزق، فإذا عمّر الخوف من الله وحده قلوبنا نزعنا منه كل خوف آخر، ونكون بذلك قد خطونا خطوة مهمة في طريق الانتصار، ذلك أن النصر على الأعداء يسبقه النصر على شهوات النفس ومخاوفها، وهو ما عبر عنه الفقهاء والعارفون بالجهاد الأكبر.

وتذكر أن مفتاح التغيير بيدك فاهزم خوفك تنتصر.



[1]  سورة آل عمران: 145.

[2]  سورة الأعراف: 24.

[3] سورة الذاريات: 22-23.

[4] رواه ابن عبدالبر، التمهيد 24/435.

[5] رواه ابن ماجه، الألباني صحيح ابن ماجه (ح1756).

[6] رواه مسلم (ح2663).

[7] شرح مسلم للنووي 16/213.

[8] البخاري (ح4949)، ومسلم (ح2647).

[9] سورة النساء: 97-99.

[10] سورة النساء: 100.