خاص هيئة علماء فلسطين

         

19/12/2025

د. عمر الجيوسي

نقلاً عن موقع السبيل: https://assabeel.net/57825

كشفت تحرّكات داخل الكونغرس الأمريكي عن لعبة سياسية–دينية شديدة الخطورة تستهدف المسجد الأقصى المبارك، في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، بما يتجاوز كونه نقاشًا تشريعيًا عابرًا إلى كونه محاولة واعية لإعادة تعريف الصراع على أساس ديني صِرف.

وقد أشار موقع الشرق الأوسط للرصد في تقرير تحذيري موسّع إلى أن مبادرة يقودها نواب جمهوريون تسعى إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى، مستخدمة تسمية “جبل المعبد”، وتطالب بالسماح لليهود بممارسة طقوسهم الدينية داخله بلا قيود، وهو ما وصفه التقرير بأنه “نسف مباشر للوضع القائم” وفتح لباب تصعيد ديني غير قابل للاحتواء.

وسلّطت التغطية ذاتها الضوء على أن خطورة المشروع لا تكمن فقط في مضمونه، بل في المنطق الذي يقف خلفه، حيث يجري تسويق الاعتداء على الأقصى باعتباره مسألة حرية دينية، بينما يُقصى الوجود الإسلامي التاريخي للمكان بالكامل.

وبيّن موقع الشرق الأوسط للرصد أن هذه الصياغة ليست بريئة، بل مستنسخة من خطابات سابقة استُخدمت لتبرير نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما يعكس نمطًا متكررًا من “التدرج التشريعي” الذي يبدأ بقرارات رمزية وينتهي بوقائع سياسية على الأرض.

وأبرزت قناة الجزيرة في تحليل سياسي موسّع أن التحرك داخل الكونغرس يأتي استجابة مباشرة لضغوط إسرائيلية متزايدة، شارك فيها وزراء وبرلمانيون إسرائيليون طالبوا واشنطن صراحة بالاعتراف بما يسمونه “الحق اليهودي” في المسجد الأقصى.

وأوضحت الجزيرة أن هذا المسار يُفهم داخل إسرائيل باعتباره غطاءً دوليًا مطلوبًا لتغيير قواعد الاشتباك الديني في القدس، لا سيما في ظل صعود تيار الصهيونية الدينية الذي بات يضغط علنًا للسماح بالصلاة اليهودية داخل الأقصى.

وكشفت نصوص منشورة على الموقع الرسمي للكونغرس الأمريكي أن مشروع القرار، حتى لو قُدّم بصيغة غير ملزمة، يحمل دلالات سياسية خطيرة، لأنه يصدر عن المؤسسة التشريعية الأعلى في الولايات المتحدة ويمنح الشرعية لخطاب ديني إقصائي.

ويلاحظ متابعون للشأن الأمريكي، استنادًا إلى قراءة هذه النصوص، أن إدخال الكونغرس في تعريف ديني لمكان مقدّس إسلامي يعني نقل الصراع من مربع السياسة إلى مربع العقيدة، بما يحمله ذلك من تبعات لا يمكن التحكم بها.

وحذّرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، في أكثر من تقرير تحليلي، من أن أي تغيير رسمي أو شبه رسمي في “الوضع القائم” في الحرم القدسي قد يؤدي إلى انفجار أمني واسع، حتى من وجهة نظر إسرائيلية بحتة.

ونقلت الصحيفة عن محللين أمنيين إسرائيليين قولهم إن المسجد الأقصى يشكّل “أكثر النقاط حساسية في الصراع”، وإن اللعب به تشريعيًا أو دينيًا قد يفجّر موجات عنف لا يمكن احتواؤها عسكريًا.

وأكّد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وهو أحد أهم مراكز التفكير المرتبطة بالمؤسسة الأمنية في تل أبيب، أن المساس بالترتيبات الدينية في الأقصى يحمل مخاطر استراتيجية تفوق أي مكاسب سياسية محتملة.

وأوضح المعهد في دراسة تحليلية أن تغيير الوضع القائم قد يشعل مواجهة دينية إقليمية، ويقوّض علاقات إسرائيل مع أطراف إقليمية، ويضع حلفاءها – وعلى رأسهم الولايات المتحدة – في قلب صراع ديني مباشر مع أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

وأظهرت التغطيات الإسرائيلية ذاتها وجود قلق داخل النخب الأمنية والسياسية من أن يُستغل أي دعم أمريكي للأطروحات الدينية المتطرفة لتعزيز سلوك الجماعات اليهودية المتشددة على الأرض.

وأشارت جيروزاليم بوست إلى أن السنوات الأخيرة شهدت بالفعل تصاعدًا في اقتحامات الأقصى، وأن أي إشارة أمريكية داعمة قد تُفهم كضوء أخضر لتسريع تغيير الواقع بالقوة.

وربطت تحليلات قناة الجزيرة بين هذه التحركات ونمط أمريكي متكرر منذ سنوات يقوم على منح الغطاء السياسي أولًا، ثم ترك التداعيات الميدانية تنفجر لاحقًا.

ولفتت الجزيرة إلى أن الولايات المتحدة، التي استخدمت الفيتو مرارًا لحماية إسرائيل سياسيًا، لم تذهب سابقًا إلى هذا الحد من التديين العلني للصراع، ما يجعل المشروع الحالي نقلة نوعية خطيرة.

ونبّهت قراءات صحفية غربية إلى أن إدخال البعد الديني المسيحاني في التشريع الأمريكي لا يهدد الاستقرار في القدس فحسب، بل يهدد صورة الولايات المتحدة نفسها كوسيط أو كقوة عقلانية.

وأوضح موقع الشرق الأوسط للرصد أن المشروع يضع واشنطن في مواجهة مباشرة مع مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ويحوّلها من داعم سياسي لإسرائيل إلى طرف في صراع ديني مفتوح.

وحذّر مراقبون من أن مجرد طرح مشروع كهذا، حتى لو لم يُمرَّر، يكفي لإشعال التوتر، لأن الجماعات المتطرفة تقرأ الإشارات السياسية أكثر مما تقرأ القوانين النهائية.

وبيّنت تحليلات إسرائيلية أن الحركات الدينية لا تنتظر التشريعات، بل تتحرك بناء على المناخ العام والدعم الضمني.

وأكدت القراءات الاستراتيجية أن أخطر ما في هذه اللعبة هو أنها تُدار بمنطق “الخطوة الصغيرة”، حيث يُقدَّم المشروع كإعلان نوايا أو قرار رمزي، بينما تُترك نتائجه تتراكم تدريجيًا حتى تصبح واقعًا مفروضًا.

وهذا بالضبط ما حذّرت منه تقارير إسرائيلية وغربية رأت في المسار الحالي تكرارًا لتجربة القدس والجولان ولكن هذه المرة على مستوى ديني أعمق.

وختمت التحليلات بالتحذير من أن العبث بالمسجد الأقصى ليس ملفًا فلسطينيًا ولا أردنيًا فحسب، بل قضية إسلامية عالمية، وأن إدخالها في لعبة الكونغرس قد يشعل صراعًا دينيًا لا تملك واشنطن ولا تل أبيب أدوات إطفائه.

وأجمعت المصادر الإسرائيلية والغربية التي تناولت الموضوع على أن إيقاف هذه المبادرة في مهدها أقل كلفة بكثير من محاولة احتواء نتائجها لاحقًا، لأن اللعب بالأقصى ليس سياسة… بل مقامرة مفتوحة على حافة الانفجار.