22/10/2024
البروفيسور عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية الجزائرية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا ونبينا الأمين، أما بعد،
قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
إنّ أهل غزة شعبا ومقاومة قائمون نيابة عن الأمة بواجب عظيم، متكفلون لها بمقاومة ألأم استدمار عرفه التاريخ، وبتصفية الحساب مع أعدى أعداء الإسلام والعروبة وشر الخلق أجمعين، وقد قدموا عشرات الآلاف من الشهداء من فئات الشعب المختلفة، كان منهم القائد الفذ والبطل المغوار” يحيى السنوار” رحمه الله تعالى، قائد حماس ومهندس طوفان الأقصى الذي دوخ العالم، وفضح الله به المنافقين من القادة العرب المتعاونين مع الأعداء، وكشف به الضعفاء والمستكينين إلى دنياهم، وثبت الله به الصادقين في إيمانهم وعهدهم مع الله تعالى في نصرة الدين والتصدي للمعتدين ومقاتلة الظالمين، فصار الطوفان أكبر مناقب السنوار وإخوانه المجاهدين معه .
وهو إلى جانب ذلك صاحب السيرة الحافلة بالأمجاد والبطولات والتضحيات، الذي ظل متخندقا مع إخوانه وإطاراته ومناضليه ومجاهديه حتى اصطفاه الله تعالى شهيدا وأكرمه بأعلى درجات الشهادة، فقُتل في معركة غير متكافئة مع العدو مقبلا غير مدبر .
إن مثل هذه التضحيات الكبيرة والإصرار على الصبر على كافة المشاق، والاستمرار في جهاد العدو لمؤشر كبير على أن دحر العدو وصرعه قادم بإذن الله تعالى لا محالة، فتتحرر فلسطين ويفوز أهلها بعظيم الأجر وجميل الذكر، وإن جرى القدر بضد ذلك لحكم يعلمها الله تعالى، فحسب أهل غزة والمقاومة شرفا أنهم ماتوا في سبيل الله تعالى، فاستبرأوا لدينهم وأمانتهم، وتركوا فلسطين حية في ضمير أمتهم وسائر الأحرار في العالم؛ يذكرونهم فيذكرون نماذج رائعة من الشجاعة والتضحية والصبر والاحتساب وحسن التوكل، وأمثلة نادرة من البطولة وفنون الإيقاع بالعدو، وصورا فذة تشرح كيفية الحفاظ على الحقوق وحمايتها من الأعداء على كثرتهم وشدة قوتهم رغم قلة العدد وضيق المساحة وضعف الإمكانات، وستذكر الأمة بإعجاب وافتخار هؤلاء الأبطال البررة وتضحياتهم العظيمة والمشرفة .
إنّ المقاومة العظيمة التي تواجه عالم الغرب بقيادة أمريكا أقوى دولة في العالم والتي مضى عليها اليوم أكثر من سنة ألحقت خلالها العديد من الهزائم العسكرية بجيش العدو المحتل، لن تكون نتيجتها بإذن الله تعالى وعونه إلاّ التحرير الكامل لفلسطين التي اصطبغت بدماء أبنائها، وستظل كذلك إلى أن ينتصر الحق ويتحقق التحرر والاستقلال .
لقد هبّ أهل غزة خاصة وفلسطين عامة هبّة رجل واحد لنصرة دينهم وتحرير بلادهم من الاستعمار الغاشم، فلم نر منهم خلال أكثر من سنة عمل فيها العدو المدعوم من الغرب بجناحيه الأوروبي والأمريكي على إبادة شعب غزة والقضاء على عنصر الحياة فيها، لم نر منهم إلا الصبر على كل المشاق التي واجهتهم في التمسك بأرضهم ورفض الرحيل عنها، ولم نر منهم إلا أبطالا ينصرون المقاومة ويتمسكون بها.. إننا وسائر العالم لم نسمع منهم إلا عبارات: لن نرحل: ولن نترك أرضنا: ولن نتخل عن واجبنا في تحرير بلادنا، فكلهم لهم شأن واحد ويجاهدون جهادا واحدا، ويسعون لتحقيق أحد الهدفين؛ إما النصر وإما الشهادة .
فهؤلاء هم أخوتنا العرب المسلمين الذين يستحقون من أمتهم كل حب وتقدير ودعم ونصرة مادية ومعنوية، ففلسطين لم تؤخذ في تاريخها كله إلاّ غلابا بالقوة والاقتدار، ولن تسترجع إلا بالقوة والاقتدار.
وإن المسؤولية في ذلك ملقاة على عاتق الأمة كلها على قاعدة الأقدر فالأقدر، والأقرب فالأقرب، وما يفعله الأعداء الصهاينة اليهود والنصارى وكثير من الحكام في وطننا العربي والإسلامي من أفعال بالغة الشناعة للقضاء على المقاومة وإبادة شعب غزة أو ترحيله، والاستيلاء على أرضه يجعل نصرة المقاومة وحاضنتها الشعبية واجب الوقت الذي لا يتقدمه واجب آخر، فهو لذلك أعظم طاعة يتعين على المسلمين إتيانها، وأن التثاقل عنها مصيبة ومعصية كبرى موجبة للعذاب الأليم : (إِلَاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : 39].
ولا يقبل من المسلم البحث عن الأعذار لنفسه ليقعد عن القيام بهذا الواجب، كما لا يقبل منه التوقف عن القيام به بمجرد ما قد يعترضه من عوائق وتحديات أو يجد فيه من مشقة وحرج، فعقبى الجهاد في سبيل الله تعالى دائما خير للأمة، قال تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة : 41].
أسال الله العلي العظيم لأخينا وبطلنا السنوار أن يجعله من الفائزين عند القضاء، المتبوئين أعلى منازل الشهداء وأن يخلفه في أهله بخير، وأن يعلي راية المجاهدين ويسدد رميهم، وأن يجعلهم هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائه وحربا لأعدائه، يحبون بحبه تعالى من أطاعه من خلقه ويعادون بعداوته من عصاه .
قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)[البقرة : 154].
رئيس جبهة العدالة والتنمية
الشيخ عبد الله جاب الله
الجزائر في : 18 ربيع الثاني 1446هـ الموافق لـ: 21/10/2024م