14/11/2023
جهاد الترباني
كنت محظوظًا أن حبب الله دراسة التاريخ إلى قلبي، فدرست تاريخ كثير من الأمم والحضارات التي ظهرت على وجه الأرض، وتأملت في عوامل صعودها وانحدارها على مر الزمان
فلاحظت أمرًا عجيبًا تكرر في كثير من الدول الكبيرة في أواخر عهدها، فهذه الدول تعرضت قبل فترة قصيرة من سقوطها إلى منعطف مصيري عجيب يكون في غالب الأحيان غير متوقع وغير اعتيادي، ولكنه بعد وقوعه لم تقم لتلك الدول قائمة، ولم تستطع الرجوع إلى سابق عهدها مهما حاولت،
هذا الأمر حدث مع الدولة البيزنطية الرومانية عند اجتياح وتخريب عاصمتهم القسطنطينية بشكل غير متوقع من جنود الحملة الصليبية الرابعة الذي استباحوا المدينة بدلا من التوجه للقدس، وحتى بعد خروج الصليبيين من القسطنطينية بعد نهبها، لم تقم للبيزنطيين قائمة بعدها، وانخفض عدد سكان الدولة بعد هذه الصدمة الوجودية بشكل كبير، الأمر الذي كان مقدمة لسقوطها إلى الأبد بعد ذلك بسنوات على أيدي العثمانيين.
أما معركة نينوى في بلاد العراق بين الإمبراطورية بين الفرس والروم، فقد كانت المنعطف الذي انتظر الإمبراطورية الفارسية الساسانية، فبعد هزيمة الفرس في هذه المعركة، لم تقم لدولة ساسان قائمة، وتناوب على عرشها حكام كثير في سنوات قليلة ضعفت فيها إمبراطوريتهم بشكل متسارع، قبل أن يأتيهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وفرسان الصحابة رضوان الله عليهم لينهوا وجود هذه الإمبراطورية إلى الأبد.
نفس الأمر تكرر مع الألمان في الحرب العالمية الثانية، فبعد هزيمة ستالينغراد تحولت ألمانيا بشكل دراماتيكي من حالة الهجوم إلى الدفاع، الأمر الذي كان مقدمة لسقوط الرايخ الثالث بعد ذلك بسنوات قليلة، على الرغم من أن هتلر خطط لبقاء هذا الرايخ لألف عام!
أما المنعطف الذي كان نقطة مفصلية في تاريخ الإمبراطورية اليابانية هو هزيمة الجنرال ياماموتو في معركة ميدواي البحرية في قلب المحيط الهادي، من بعد هذه الهزيمة الساحقة والمفاجئة بدأ العد العكسي لاستسلام اليابان المذل بعد ذلك بسنوات، ولم تقم لليابان قائمة عسكرية من بعد ذلك التاريخ،
أما نابليون فقد تغيرت حياته رأسًا على عقب بعد هزيمته معركة واترلو التي توقفت معها أحلام فرنسا الإمبراطورية في احتلال القارة الأوربية، وكانت هذه الهزيمة سببًا في نفي نابليون إلى جزيرة حقيرة ونائية في مجاهل المحيط الأطلسي حيث مات هناك طريدًا وحيدًا بعد أن كان يحلم في احتلال العالم!
أرى – والله أعلم – من حكم دراستي للتاريخ، وبعيدا عن العواطف، أن غزة أدخلت إسرائيل عمليا في هذا المنعطف التاريخي، وأن هذا الكيان الإرهابي القائم على نظام الأبارتايد لن يعود إلى سابق عهده بعد هذا اليوم أبدا حتى لو حاولوا ذلك، وأن لعنة العقد الثامن التي تخوف منها ايهود بارك قد حلت عليهم بالفعل مع بزوغ فجر سبتهم السابع من شهر أكتوبر عام 2023، فالتاريخ ليس مجرد حكايات الماضي، بل هو أيضًا بوصلة المستقبل، وشعلة الأمل، التي سترى نورها يزداد توهجًا أكثر فأكثر في السنوات القادمة، تذكر كلامي هذا جيدًا، فسنة الله ماضية في الأرض، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نقلاً عن: