خاص هيئة علماء فلسطين
5/8/2025
الشيخ عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد.
إن كارثة القتل والتجويع الحاصلة في غزة هي أفدح الكوارث في التاريخ الحديث وأعمقها أثرا في نفوس المسلمين الصادقين وأحرار العالم الأوفياء، ومما زاد في فداحة الكارثة وعمق أثرها، هو أن القتل والتدمير والتجويع الحاصل في غزة قد مضى عليه أكثر من عشرين شهرا، وهو يجري على مرأى من العالم كله، وبدعم غير مشروط من أمريكا وكثير من أنظمة حكام العرب والمسلمين، فكل هؤلاء يعرفون نوايا اليهود ومطامعهم في إبادة أهل غزة وإخراجهم من ديارهم تمهيدا لإقامة ملك إسرائيل الممتد من النيل إلى الفرات كما يزعمون .
لقد اتضح جليا لؤم اليهود المتأصل فيهم وأنانيتهم المغروسة في طبعهم المريض، وقد تجلى ذلك في جرائم الإبادة والتدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة وأسبابها، وما زاد اليهود جرأة على ارتكاب تلك الجرائم إلا الدعم الأمريكي اللامحدود ومحاولة تبرئة اليهود وتحميل حماس ظلما وزورا مسؤولية كل ما حدث في غزة من جرائم .
إن طبع اليهود المريض جعلهم يتوهمون أن الله تعالى قد اصطفاهم على العالمين، وأباح لهم دماء الأمم الأخرى وأموالهم وسائر ممتلكاتهم ! لأنها في اعتقادهم المريض مخلوقة لأجلهم ! وما قد يحصل لهم من هزيمة أو قتل وإن كان رد فعل من اعتدوا عليهم، إنما هو اعتداء عليهم وغصب لأموالهم ! وأن من حقهم إذا ملكوا القدرة والإمكان أن يبيدوا غيرهم ويصادروا كل ما يملك من أرض وأموال وممتلكات !
إن الحقيقة التاريخية التي ينبغي التذكير بها على شدة مرارتها، هي أن ملوك العرب ورؤساءهم وزعماءهم المتحكمين فيهم هم الذين سلَّموا فلسطين لليهود بتدبير بريطاني غاية في المكر والخداع، متذرعين بانشقاقات وخلافات بينهم أضعفتهم وشغلتهم بأنفسهم، ولم يجدوا – فيما يزعمون – سبيلاً إلا السكوت أحياناً والموافقة أحياناً أخرى على ما تقرره بريطانيا التي منحت أرض فلسطين لليهود، مقابل نفع مادي شخصي ومناصب فانية لعدة رجال من أتباعهم وأوليائهم المطيعين لهم طاعة العبد لسيده، ولا يزال هذا المشهد مستمرا معنا منذ 1948 وإلى اليوم، فرغم كثرة المعارك التي خاضها الفلسطينيون مع العدو المحتل لأرضهم ووفرة التضحيات التي قدموها، والكثير من البطولات التي سجلوها في معاركهم تلك والخسائر الكبيرة التي كبدوها للعدو، والانتصارات العسكرية التي حققوها على جيش العدو منذ السابع من أكتوبر 2023 فأذلهم الله بها وبيّن جبنهم وإمكانية التغلب عليهم، لو صدق الحكام شعوبهم وصح عزمهم في نصرة غزة وتحرير فلسطين.
ولكن القادة سكنهم الخوف، وأذلهم الطمع، وأعماهم الحقد على المقاومة المجاهدة، فلاذوا بالخيانة متّبعين آثار سلفهم الذين سلّموا فلسطين، فساهموا في إحكام حصار الأعداء، وساعدوهم في جرائم الإبادة التي يقومون بها من أجل البقاء في الحكم، وغفلوا عن سُنّة الموت الذي لا ينجو منه أحد، وسُنّة التداول التي أقام الله تعالى تاريخ الأمم والملوك عليها: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ ]آل عمران:140[. فما الذي يقوله من يتوفّاه الله تعالى لخالقه عندما يسأله عن خذلانه لأهل غزة خاصة، وفلسطين عامة؟ وما الذي يقوله عندما يسأله عن المساهمة في حصار غزة حتى مات منهم الكثير من الجوع والعطش والمرض؟ وما الذي يقوله عندما يسأله عن سكوته عن الكيان الصهيوني وهو يقصف بالطيران يوميًا أهل غزة، فيقتل الكبير والصغير، والمرأة والرجل، وهو يتفرج ولا يُحرّك ساكنًا؟ وما الذي يقوله من أمدّ الله تعالى في عمره فرأى انتصار المقاومة، وانتصار غزة، وانكسار العدو؟!
إن قادة العرب ومن شايعهم من أثرياء الأمّة وعلمائها ومفكريها باعوا فلسطين بثمن بخس، وتركوا غزة تواجه غطرسة الكيان الصهيوني وحدها عسى أن ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل، ومثلما خسر الأولون في بيع فلسطين فذهبوا ليُسألوا أمام الله تعالى عن تلك الخيانة، سيخسر اللاحقون في خذلانهم لغزة وتآمرهم مع الأعداء عليها.
ويوم اللقاء يخسأ الخونة، ويفرح المؤمنون بثواب الله تعالى وعظم جزائه لهم على جهادهم وصبرهم وتضحياتهم، دفاعا عن الأقصى، وسعيا في تحرير فلسطين من العدو، الذي هو عدو لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولدينه، وللمؤمنين، وسائر الأحرار في العالم أجمع .
الجزائر في : 09 صفر 1447هـ
الموافق لـ: 04 / 08/ 2025