الشيخ الدكتور حسام الدين موسى عفانة / القدس

فقيه وكاتب فلسطيني، وأستاذ الفقه والأصول في جامعة القدس، والمشرف العام ‏على شبكة يسألونك.‏

‏ ولد في بلدة أبوديس البوابة الشرقية لمدينة القدس المحتلة في 5 آب 1955 م، في عام ‏‏1978م حصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، بتقدير جيد جداً مع مرتبة ‏الشرف من كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة، ثم في عام 1982م ‏على شهادة الماجستير في الفقه و الأصول، بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة في ‏جامعة أم القرى،  ثم درجة الدكتوراه في الفقه والأصول، بتقدير جيد جداً، من كلية ‏الشريعة في جامعة أم القرى سنة 1985م.‏

عمل أستاذ مساعد قسم الثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود في ‏الرياض، في الفترة ما بين 1988م – 1991م‎ ‎، واشتغل في التدريس في كلية الدعوة ‏والعلوم الإسلامية في أم الفحم. 1991-1994. ثم أستاذ  مشارك بكلية الدعوة و أصول ‏الدين، جامعة القدس من 1991-2004‏‎.‎

وكان رئيس دائرة الفقه والتشريع / كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس سابقاً‎.‎

رئيس هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني منذ شباط 2009م وحتى الآن‎.‎

له العديد من المؤلفات والأعمال العلمية، أهمها:

يسألونك  ( كتاب فتاوي من 18 جزء)‏

شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق)‏

مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات ‏

بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق)‏

رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق)‏

أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ‏

المسجدُ الأقصى المبارك فضائل وأحكام وآداب

كما له العديد من المقالات المنشورة في عديد من الجرائد والمواقع الالكترونية والمجلات ‏البحثية.‏

محتوى الورقة :‏

أولاً: الديانة الإبراهيمية: المفهوم والجذور

ثانياً: الأهداف العقدية والسياسية لمشروع الديانة الإبراهيمية

ثالثاً: مشروع بيت العائلة الإبراهيمية

رابعاً:  الموقف الشرعي من الديانة الابراهيمية

خامساً:  العلاقة بين وثيقة الديانة الابراهيمية واتفاقيات التطبيع والمشروع ‏الصهيوني

سادساً:  واجبات العلماء في مواجهة الديانة الإبراهيمية

أولاً: الديانة الإبراهيمية: المفهوم والجذور ‏

‏ “بيتُ العائلةِ الإبراهيمية” هو ثمرةُ ما يُسمَّى “الديانة الإبراهيمية” أو “الدِّين ‏الإبراهيمي العالمي”، نسبةً إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتعريفُ ‏ما يُسمَّى “الدِّيانَةِ الإبراهيمِيَّةِ”  كما ورد على لسانِ أحدِ دُعاتها حيث قال:‏‎ ‎

‏”على أننا نحنُ جميعًا المسلمين واليهود والنصارى أبناء العائلة الإبراهيمية، وأنَّ ‏الديانةَ الإبراهيميةَ هي التي نَتشاركُ فيها”‏‎ ‎

ومن هذا التعريف يتبيَّنُ لنا أنَّ هذا الدِّين المزعومَ يقومُ على تبني المشتركِ من ‏القيمِ في الدياناتِ الإبراهيميةِ الثلاث- الإسلام واليهودية والنصرانية- وصياغتها ‏وتوثيقها كمرجعيةٍ تُلغي ما سواها، ويكونُ لها القدسيةُ والاحتكامُ، وحيث إنَّ ‏الإسلامَ يعترفُ ببعضِ ما جاء في اليهودية والنصرانية، وكذلك حالُ النصرانيةِ ‏مع اليهودية، بينما اليهوديةُ لا تعترفُ بالإسلام ولا بالنصرانية، فسيكونُ المشتركُ ‏الفعلي هو بعضُ ما لدى اليهودية، فهذا المشروعُ يهدفُ بامتيازٍ إلى نشرِ الثقافةِ ‏اليهوديةِ ورسمِ المعايير والقيم بناءً عليها كمشتركٍ إبراهيمي كما زعموا.‏

ومن المعلوم أن الفاتيكان إلى اليوم لا يعترفُ بالإسلامِ ديناً؛ فالإسلامُ في معتقدِ ‏الفاتيكان مذهبٌ وضعيٌ؛ وضعهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وقد سبقَ لبابا ‏روما أن أطلقَ شعار “المؤمنون متحدون” سنة ١٩٨٧م، وهو شعارٌ واسمُ جماعةٍ ‏عالميةٍ للمؤمنين بالله يتزعمُها البابا، وهدفُها جمعُ الدياناتِ بما فيها الإسلام تحت ‏مظلةِ النصرانية بزعامة البابا؟ فهدفُ النصارى من “الديانة الإبراهيمية” هو ‏إفسادِ عقائدِ المسلمين فقط.‏‎ ‎

وحقيقةُ ما يُسمَّى “الدِّيانَةُ الإبراهيمِيَّةُ” هو: الخلطُ بين دينِ التوحيد دينِ ‏الإسلام الحقِّ، الذي تكفَّلَ اللهُ بحفظه، وبين اليهوديةِ والنصرانيةِ المحرَّفتين، ‏وما فيهما من كفرياتٍ وضلالاتٍ، بزعم أنَّها كلُّها تنتسبُ إلى أبي الأنبياء إبراهيم ‏عليه الصلاة والسلام، نظرًا لرمزيته في الشرائع السماوية الثلاثة، وهي دعوةٌ ‏سابقةٌ قديمةٌ، فقد أطلقها بعضُ اليهود والنصارى، إنَّهم يريدون أن يتنازل ‏المسلمون عن أحقِّيةِ عقيدتهم الصحيحة، بأنْ يقبلوا -على الأقل- اعتبارَ أديان ‏اليهود والنصارى أديانَ حقٍّ ونجاةٍ في الآخرة. ولقد كان الجوابُ واضحًا صريحًا في ‏القرآن الكريم: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ‏وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة البقرة الآية 135.‏‎ ‎

إن أساسَ فكرةِ الدِّين الإبراهيمي يقومُ على المشتركِ بين عقيدة الإسلام وغيره ‏من العقائد، وهي فكرةٌ باطلةٌ؛ إذ الإسلامُ إنما يقومُ على التوحيد والوحدانية، ‏وإفرادُ الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائعُ المحرَّفةُ قد دخلها الشركُ، وخالطتها ‏الوثنيةُ، والتوحيدُ والشركُ ضدان لا يجتمعان، إن الزعمَ بأن إبراهيم عليه ‏السلام على دينٍ جامعٍ للإسلام واليهودية والنصرانية، زعمٌ باطلٌ، ومعتقدٌ ‏فاسدٌ، قال سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا ‏مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة آل عمران: 67‏‎. ‎

وينبغي أن يكون معلومَاً أنَّ وراءَ نشأة “الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة” مراكزُ بحثيةٌ ضخمةٌ ‏وغامضةٌ، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز ‏الدبلوماسية الروحية”، ويعملُ على تمويل تلك المراكز أكبرُ وأهمُ الجهاتِ ‏العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ‏والولايات المتحدة الأميركية.‏‎ ‎

وسبق أن ظهرت “الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة” في الأفق السياسي عام 1990م لحل ‏النزاع العربي الإسرائيلي، وبدأت تتشكلُ فكرتُها في أروقة السياسة الدولية، من ‏خلال عددٍ من المؤسسات البحثية، على رأسها لجنة الإبراهيمية التي قدمت في ‏جامعة “هارفرد” كبرى الجامعات العالمية، والمرتبطة مع مراكز القرار السياسي ‏في العالم كالخارجية الأميركية والبنك وصندوق النقد الدوليين، إضافةً إلى عددٍ ‏من المؤسسات العالمية، كمعهد الحرب والسلام وجامعة “فلوريدا” وغيرها ‏لتقديم الفكرةِ بكل تفاصيلها خدمةً للمشروع الاستعماري في المنطقة.‏

ثانياً: الأهداف العقدية والسياسية لمشروع الديانة الإبراهيمية ‏

‏ ينبغي أن يكون معلومَاً أيضاً أنَّ الدعوة إلى “الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة” ليست دعوةً ‏دينيةً، بل دعوةٌ سياسيةٌ، وهي دعوةٌ ضالةٌ، خبيثةٌ ماكرةٌ، لها عِدَّةُ أبعادٍ ‏وأهدافٍ دينيةٍ وسياسيَّة، وفكريَّةٍ وعقديَّة، حيث جاء طرحُها وعرضُها ضمنَ ‏منهجيةٍ خبيثةٍ ومفاهيم جديدةٍ، بهدفِ إعادةِ قراءةِ النصِّ الديني، ونزعِ ‏قدسيَّتهِ من النفوس، بما يوافقُ رغباتِهم ونزعاتِهم وأهوائهم الخبيثةِ الباطلةِ، ‏وهي بحدِّ ذاتها سلخٌ للأمة عن دينها وعقيدتها وفطرتها السليمة الصحيحة. ‏فالدعوةُ للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ كفرٌ صراحٌ، ومروقٌ من الدِّين، وبدعةٌ كفريةٌ ‏خطيرةٌ، مصدرُها مراكزُ بحثيةٍ ضخمةٍ وغامضةٍ.‏

وهذا المشروعُ السياسيُ تقفُ خلفه وتدعمُهُ بقوةٍ دولةُ الإمارات العربية بكافة ‏الوسائل، سواءٌ بالمالِ أو من خلال علماء ومشايخ مشهورين وغيرهم من ‏المثقفين، لصناعةِ حالةٍ مختصةٍ بديانةِ خاصةٍ وفقَ تعليماتِ جهاتٍ دوليةٍ ‏معينةٍ، لتحقيقِ أهدافٍ خطيرةٍ على دين الإسلامِ وعلى المسلمين، ومنها:‏‎ ‎

أولاً: تستهدفُ طمسَ معالمِ الدِّين الإسلامي الحقِّ، ومحاربةَ أحكام الشريعة ‏الإسلامية، وإبدالَ دين الله الحقِّ بدينٍ جديدٍ مصنوعٍ من أهوائهم وأفكارهم ‏وثقافتهم الباطلة. قال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ‏إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ ‏أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة: ‏‏217‏‎.‎

ثانيًا: تستهدفُ الدعوة إلى الدِّيانَةِ الإبراهيمِيَّةِ هدمَ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ والحبِّ ‏والبغضِ في الله، فترمي هذه الديانةُ الماكرةُ إلى كسرِ حاجزِ براءةِ المسلمين من ‏الكافرين، ومفاصلتهم، والتدينِ بإعلانِ بغضهم وعداوتهم، والبعدِ عن ‏موالاتهم، وتوليهم، وموادتهم، وصداقتهم. قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ‏تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم ‏مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ‏وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ ‏إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي ‏الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} سورة التوبة : 23-24‏‎. ‎

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء ‏بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة المائدة : ‏‏51‏‎ ‎

وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ‏وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ‏الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} سورة ‏المجادلة: 22‏

ثالثًا: الدعوة للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ تستهدفُ أنْ تأتيَ على الإسلامِ من القواعد، ‏وإسقاطِ جوهرِ الإسلامِ واستعلائهِ، وظهورهِ وتميُّزِهِ. فيتمُّ القضاءُ عليه ‏وانْدِراسهُ، وبالتالي وَهْنُ المسلمين، ونزعُ الإيمانِ من قلوبهم، وَوَأدُهُ، وتفريقُ ‏العالم الإسلامي وتفتيتهُ، وعزلُ الشريعةِ الربَّانيةِ عن الحياةِ، وتسريحُ الإسلام في ‏مجاهلِ الفكر، والأخلاقيات الهدَّامة، وتفريغهُ من كل مقوماته، فلا يترشحُ ‏الإسلامُ لقيادةٍ أو سيادةٍ، وما على المسلمِ إلاَّ التَّلقي لِما يُملَى عليه من أعدائه، ‏وأعداءِ دينه‎.‎

رابعًا: الدعوة للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ تستهدف هدمَ وتقويضَ أصلٍ من أصول ‏الإسلام ألاَ وهو وجوبٌ اعتقادِ كفرِ كلِّ من لم يدخل في الإسلام من اليهود ‏والنصارى، وغيرهم من الكفار، ووجوبُ تسميته كافرًا، وأَنَّه عدوٌ لله ورسوله ‏والمؤمنين، وأنَّه من أهل النَّارِ كما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ‏الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} سورة البَيّنـَـة: 1‏‎. ‎

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ ‏فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} سورة البَيّنـَـة: 6، وغيرها من الآيات.‏‎ ‎

وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ ‏بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ ‏بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار).‏‎ ‎

خامساً: وممَّا تهدفُ إليه الدعوةُ للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ إزالةُ ما يشيرُ إلى عداوةِ ‏اليهودِ والنصارى للمسلمين، من المناهجِ الدراسيةِ والمحتوى الثقافي والإعلامي، ‏والدعوةُ إلى التعامي عن الواقعِ بجميعِ أبعاده. وفتحُ الأبواب على مصراعيها ‏للمنتجاتِ الثقافية من الديانات الأخرى، ولو كانت تؤدي إلى خروجِ المسلم من ‏دينه، بحجةِ تلاقي الثقافاتِ والأديانِ، تحتِ مظلة الدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ. وغيرِ ‏ذلك من الأهداف الخبيثة.‏

ثالثاً: مشروع بيت العائلة الإبراهيمية

‏ إن من أساليبِ ومظاهرِ نشرِ “الدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ” إنشاءُ مؤسساتٍ دينيةٍ ودورِ ‏عبادةٍ موحدةٍ مشتركةٍ لأتباعِ الديانات الثلاث كما زعموا، ومن هنا جاءَ افتتاحُ ‏‏”بيت العائلة الإبراهيمية” في دولة الإمارات ويضمُ مسجداً وكنيساً يهودياً ‏وكنيسةً نصرانيةً، وأطلقوا على المسجدِ اسم “مسجد فضيلة الإمام الأكبر ‏أحمد الطيب” وهو شيخ الأزهر، مع أنه تراجعَ عن دعمِ “الدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ” ‏كما سيأتي! وأطلقوا على الكنيسة “كنيسة قداسة البابا فرانسيس” وهو من ‏بابوات الكنيسة المتقدمين، وأطلقوا على الكنيس “كنيس موسى بن ميمون” ‏وهو من فلاسفةِ يهودِ الأندلس في العصور الوسطى.‏

وقد زعمَ بعضُ المسؤولين الإماراتيين، أن بيتَ العائلة الإبراهيمية صرحٌ للحوار ‏الحضاري البنَّاء، ومنصةٌ للتلاقي من أجل السلام والأُخوة الإنسانية! وأنه يهدفُ ‏إلى تعزيزِ الحوارِ بين الأديان.‏‎ ‎

إن “بيتَ العائلةِ الإبراهيمية” كان ترجمةً عمليةً لما جاء في وثيقةِ «الأُخوة ‏الإنسانية من أجلِ السلامِ العالمي والعيشِ معاً» الصادرة في أبوظبي سنة ‏‏2019م، التي وقعها البابا فرنسيس وشيخُ الأزهر أحمد الطيب بشأنِ الحوارِ بين ‏الأديان، حيث أعلن الأزهرُ والكنيسةُ الكاثوليكية «تبني ثقافة الحوارِ درباً، ‏والتعاون المشترك سبيلاً، والتعارف المتبادلِ نهجاً وطريقاً» واستثمار ذلك في ‏نشرِ الأخلاق والفضائل العليا، بما يسهمُ في احتواءِ كثيرٍ من المشكلاتِ ‏الاجتماعيةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ والبيئيةِ التي تحاصرُ جزءاً كبيراً من ‏البشر؟

وما قامت به دولةُ الإماراتِ يعتبرُ خطوةً غيرَ مسبوقةٍ في التاريخ الإسلامي كلِّهِ، ‏وقد ركبَ مشايخُ السلطان الإماراتي هذه الموجة، وبدأوا يسوِّقون لهذه البدعةِ ‏الجديدةِ، بليِّ أعناقِ النصوصِ الشرعيةِ وتأويلها بما يخدمُ هذه “الديانة ‏المشترَكة” لأتباعِ الإسلام واليهودية والمسيحية.‏‎.‎

ويروِّجُ مشايخُ السلطانِ الإماراتي أنّ ذوبانَ الدياناتِ السماويةِ الثلاث، في ما ‏سمَّوهُ “الديانة الإبراهيمية” سيُنهي النزاعاتِ والحروبِ بين أتباعها، وينشرُ بينهم ‏‏“التسامح” و”التعايش” و”الأُخوّة”!؟ وكلُّها شعاراتٌ جوفاء لا مضمونَ لها سوى ‏الارتماءِ في أحضان الكفرة؟‎  ‎

إن “البيتَ الإبراهيمي” ما هو إلا مصطلحٌ من مصطلحاتِ “الديانة الإبراهيمية” ‏التي لها أكثرُ من عشرين مصطلحاً، يُروجُ له اليوم من قِبل قوىً سياسيةٍ عالميةٍ، ‏ومؤسساتٍ وجامعاتٍ ومراكز عالمية، مثل “الأديان الإبراهيمية” أو “وحدة ‏الأديان” أو “الديانة العالمية” ونحوها.‏

قال د. بكر أبو زيد: [ثم أُخرجت للناس –أي التوحيد بين الموسوية والعيسوية ‏والمحمدية – تحت عدةِ شعاراتٍ: “وحدة الأديان” “توحيد الأديان” “توحيد ‏الأديان الثلاثة” “الإبراهيمية” “الملة الإبراهيمية” “الوحدة الإبراهيمية” “وحدة ‏الدِّين الإلهي” “المؤمنون” “المؤمنون متحدون” “الناس متحدون” “الديانة ‏العالمية” ثم لحقها شعارٌ آخر هو “وحدةُ الكتب السماوية” ثم امتدَّ أثرُ هذا ‏الشعارِ إلى فكرةِ طبعِ “القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل” في غلافٍ واحدٍ!] ‏

رابعاً:  الموقف الشرعي من الديانة الابراهيمية

إنّ “الديانةَ الإبراهيمية” المزعومة، ما هي إلا فكرةٌ ماسونيةٌ صهيونيةٌ بالأساس ‏جاءت لتحقيقِ أهدافها الخبيثةِ السابقةِ، وبناءً على ما سبق، فإنَّ الدعوةَ إلى ‏الديانةِ الإبراهيميةِ مرفوضةٌ شرعاً، ومحرمةٌ قطعاً بجميعِ الأدلةِ من القرآنِ ‏الكريمِ والسنةِ النبويةِ والإجماع، وإنْ صدرت من مسلمٍ فهوَ مرتدٌ ردةً صريحةً ‏عن دين الإسلام، لأنَّها تصطدمُ وتتناقضُ مع أصولِ الاعتقاد الإسلامي، فَتَرضَى ‏بالكفرِ بالله عزَّ وجلَّ، وتبطلُ صدقَ القرآنِ الكريمِ، ونسخَه لجميعِ ما قبلهُ من ‏الكتبِ السماوية، كما تُبْطِلُ نسخَ الإسلامِ لجميعِ ما قبلهُ من الشرائعِ والأديانِ، ‏وتدعو لتذويبِ الفوارقِ بين الأديانِ الثلاثة؛ فيتساوى أصحابُ التثليثِ ‏والشاتمين لله تعالى وقتلةِ الأنبياء مع أهلِ التوحيدِ والاتِّباعِ لرسلِ اللهِ عليهم ‏الصلاة والسلام، ويُقَرُّ كلاً على ما هو عليه، إنَّها دعوةٌ إلى هدمِ الإسلامِ، ‏وتقويضِ بُنيانهِ، وخيانةٌ للأمَّة المسلمة. لذا يحرمُ شرعاً بشكلٍ قطعيٍ تبني ‏الديانةِ الإبراهيميةِ المزعومةِ، ويحرمُ شرعاً الترويجُ لها والدعوةُ إليها، قال شيخ ‏الإسلام ابن تيمية: [وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاتِّفَاقِ جَمِيعِ ‏الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ اتِّبَاعَ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ اتِّبَاعَ شَرِيعَةٍ غَيْرِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَهُوَ كَكُفْرِ مَنْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرِ بِبَعْضِ ‏الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ ‏اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ ‏سَبِيلًا} وقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} ‏وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ وَيَكْفُرُونَ ‏بِبَعْضِ.]‏ ‏ ‏

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [قولُ القائلِ: المعبودُ واحدٌ وإن كانت الطرقٌ ‏مختلفةٌ، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمنُ: إما كون الشريعة ‏النصرانية واليهودية، المبدلتين المنسوختين، موصلةً إلى الله؛ وإما استحسانُ ‏بعضِ ما فيها، مما يخالفُ دينَ اللهِ، أو التدينُ  بذلك، أو غير ذلك، مما هو كفرٌ ‏بالله وبرسوله، وبالقرآنِ وبالإسلامِ، بلا خلافٍ بين الأمةِ الوسطِ في ذلك، وأصلُ ‏ذلك المشابهةُ والمشاركةُ.] ‏

وقال الشيخ بكر أبو زيد: [وليعلمَ كلُّ مسلمٍ عن حقيقةِ هذه الدعوةِ: أنها ‏فلسفيةُ النَزعةِ، سياسيةُ النَّشأةِ، إلحاديةُ الغايةِ، تبرزُ في لباسٍ جديدٍ لأخذِ ‏ثأرهم من المسلمين: عقيدةً، وأرضاً، ومِلكاً، فهي تستهدفُ الإسلام والمسلمين…] ‏

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب: [إن الدعوة لما يُسمَّى”الدِّين الإبراهيمي” هي ‏دعوةٌ لمصادرةِ حريةِ الاعتقادِ والإيمانِ والاختيارِ، وأن اجتماعَ الناس على دينٍ ‏واحدٍ أو رسالةٍ سماويةٍ واحدةٍ أمرٌ مستحيلٌ، وهنالك فرقٌ بين احترامِ عقيدةِ ‏الآخرِ وبين الاعترافِ بها، وأن ذلك لا يعني إذابةَ الفوارقِ بين العقائدِ والمللِ ‏والأديانِ، في ظل التوجُّهاتِ التي تدَّعي أنه يمكنُ أن يكون هناك دينٌ واحدُ يُسمَّى ‏بالإبراهيمية، أو الدِّينِ الإبراهيمي، وما تطمحُ إليه هذه الدعوات فيما يبدو من ‏مزجِ اليهوديةِ والنصرانيةِ والإسلامِ في رسالةٍ واحدةٍ أو دينٍ واحدٍ يجتمعُ عليه ‏الناسُ، ويُخلصُهم من بوائقِ النزاعاتِ، والصراعاتِ التي تُؤدي إلى إزهاقِ ‏الأرواحِ، وإراقةِ الدماءِ والحروبِ المسلحةِ بين الناس، بل بين أبناءِ الدِّينِ ‏الواحدِ، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدةٍ. وإننا لم نرَ حتى هذه اللحظةِ هذا الوليدَ ‏الإبراهيمي الجديد، ولا نعرفُ شيئاً عن ملامحهِ وقَسَماته، وهل المقصودُ منه ‏تعاونُ المؤمنين بالأديانِ على ما بينها من مشتركاتٍ وقيمٍ إنسانيةٍ نبيلةٍ، أو ‏المقصودُ صناعةُ دينٍ جديدٍ، لا لونَ له ولا طعمَ ولا رائحةً. وإن هذه الدعوى ‏مثلُ دعوى العولمةِ، ونهايةِ التاريخِ، والأخلاقِ العالمية وغيرها، وإن كانت تبدو في ‏ظاهرِ أمرِها كأنها دعوةٌ إلى الاجتماعِ الإنساني، وتوحيدهِ والقضاءِ على أسبابِ ‏نزاعاتهِ وصراعاتهِ؛ إلَّا أنها هي نفسُها دعوةٌ إلى مصادرةِ أغلى ما يمتلكهُ بنو ‏الإنسان، والذي يتمثلُ في حريةِ الاعتقادِ، وحريةِ الإيمانِ، وحريةِ الاختيار.] ‏

خامساً:  العلاقة بين وثيقة الديانة الابراهيمية واتفاقيات التطبيع والمشروع ‏الصهيوني

هنالك علاقةٌ وثيقةٌ بين “الديانة الإبراهيمية” وبين اتفاقياتِ التطبيعِ والمطبعين ‏من العربان، حيث سُمِّيَ اتفاقُ التطبيعِ بين الإماراتِ وكيانِ ال يهود بالاتفاق ‏الإبراهيمي “أبراهام”، والذي وقع يوم 13/8/2020م، حيث أعلن الرئيسُ ‏الأمريكي السابق “ترامب” أن اتفاقَ السلامِ بين إسرائيل والإمارات سيتمُ تسميتهُ ‏‏”الاتفاق الابراهيمي”. ووضح السفيرُ الأمريكي لدى دولة يهود “ديفيد فريدمان” ‏الأسبابَ التي تكمنُ خلفَ تسميةِ الاتفاقِ “بـالاتفاقِ الابراهيمي” بأنه جاء تيمناً ‏بسيدنا إبراهيم أبو الديانات الكبيرة كلِّها، حيث قال “فريدمان”: “إن إبراهيم ‏هو أبو الديانات الثلاث، فهو يمثلُ القدرةَ على التوحيدِ بين الدياناتِ العظيمةِ ‏الثلاث”.‏

كما أن دولةَ يهود تُطلقُ على هذه المُعاهدة اسمَ “اتفاق إبراهيم” أو “اتفاقيات ‏أبراهام” وبالعبرية:(הסכם אברהם) نسبةً إلى النبي إبراهيم عليه السلام، ‏باعتبارهِ شخصيةً محوريةً في الأديان السماوية الثلاث، الرئيسية في العالم، وهي ‏الإسلامُ والنصرانية واليهودية. وقد ورد النصُّ على ذلك في البندِ السادس من ‏الاتفاق المذكور: [التفاهم المتبادل والتعايش: يتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم ‏المتبادل والاحترام والتعايش وثقافة السلام بين مجتمعيهما بروح سلفهم المشترك ‏إبراهيم]‏

تقول الباحثة المصرية الدكتورة هبة جمال الدين: [إن استخدام الإبراهيمية ‏وفقاً لجامعةِ “هارفارد” جاء ليكون مدخلاً لقَبولِ التطبيعِ، الذي فشلت فيه ‏إسرائيلُ منذُ إعلانِ وجودها عام 1948م، فالمصطلحُ لم يكن استهلاكاً لفظياً ‏بابوياً؛ بل إنه هويةٌ سياسيةٌ جديدةٌ للدبلوماسية الأميركيةِ والإسرائيليةِ في ‏المنطقة، روَّج لها وزيرُ الخارجية الأميركي الأسبق “جون كيري” عام 2013م، وهي ‏تأصيلٌ سياسيٌ له امتدادٌ جغرافيٌ ودينيٌ وتاريخيٌ قاعدتهُ الأساسيةُ هي: “خريطةُ ‏أرضِ إسرائيل الكبرى”. وتعتبرُ مدخلاً للدبلوماسيةِ الروحيةِ، التي تقومُ على ‏الجمعِ بين رجالِ الدِّين والدبلوماسيين والساسةِ للتفاوضِ من الكتب المقدسة، ‏والوصولُ إلى المشترك الديني لوضعه على الخريطةِ السياسيةِ لإعطاءِ الحقِّ ‏للشعوبِ الأصليةِ‎ ‎‏].‏

إن الدَّعوة للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ لها هدفٌ سياسيٌ يسعى إليه العدوُ اليهودي ‏المُحتلُ الغاصبُ، وهو ترسيخُ حقِّهِ المزعومِ الموهومِ، فهي إذن تُشكِّلُ خطراً ‏واضحاً على مجملِ قضايا الأمَّةِ الإسلامية، وعلى رأسِها القضيةُ الفلسطينية، ‏وخاصةً المسجد الأقصى المبارك، حيثُ يتطَّلعُ العدوُ الصهيوني إلى هدمِه وبناءِ ‏هيكلهم المزعوم على أنقاضه. وقد تجلَّى ذلك من خطورةِ ما أصدره القائمون ‏على هذا المشروع في وثيقةِ “مسار إبراهيم”، والذي يهدفُ إلى إعادةِ رسمِ خارطةِ ‏الشرقِ الأوسط، بما يتماهى مع خارطةِ ما يسمَّى (إسرائيل الكبرى)، وهي تنصُّ ‏صراحةً على أنَّ أراضي الدولِ التي يُسجلها هذا المسار ليست ملكًا لسكَّانِها ‏الفلسطينيين أصحاب الحقِّ الأصلي، بل ملكٌ لأتباعِ النَّبيِ إبراهيم الذي ملَّكه ‏الرَّبَ  تعالى أرضَ فلسطين بوعدٍ إلهيٍ مقدس، كما يزعمون، ومعلومٌ أنَّ يهودَ ‏اليوم يزعمون أنَّهم الأبناءُ الحقيقيون لنبيِ الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، ‏وبذا يتيحُ الدينُ المنسوبُ إليه زورًا وبهتانًا (الديانة الإبراهيمية) فرصةً ليهود ‏اليوم بالاندماج في المنطقة، ومن ثمَّ المطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية ‏المُدَّعاة في أيِ مكانٍ وطئتهُ أقدامُهم، حسب تصورهم التوراتي.] ‏

وتحاولُ دولةُ يهود من خلال توظيفِ مفهومِ “الديانة الإبراهيمية”، إيجادَ مدخلٍ ‏لترسيخِ الحقِّ اليهودي بالأراضي العربية الفلسطينية، وإبعادِ أتباعِ الديانات ‏الأخرى عن مناصرةِ حقوقِ الشعبِ الفلسطيني‎ ‎

ويرى بعض الكاتبين أن من أهدافِ الترويجِ للديانةِ الإبراهيميةِ الجديدةِ ‏المتعلقةِ بفلسطين والتطبيع: [تصفيةُ القضية الفلسطينية. وتبرئةُ جرائم ‏الاحتلال الاسرائيلي. وتجريمُ مقاومة الاحتلال. وإتمامُ مشروع اتفاقِ “إبراهام” ‏وإعادةُ تشكيل الشرق الأوسط. وإخفاءُ معالم الإسلام لصالح الرؤيةِ التوراتية ‏الصهيونية. وقبولُ دور “إسرائيل” الحالية في المنطقة. والتهيئةُ للتنازل المستقبلي ‏عن أراضٍ واسعةٍ من الشرق الأوسط. وصناعةُ حالةٍ من السذاجة والسطحية ‏الثقافية لدى شعوب المنطقة. وتزييفُ التاريخ وتشويهُ وعي الأجيال القادمة‎. ‎‏]‏

سادساً:  واجبات العلماء في مواجهة الديانة الإبراهيمية

إن واجبَ الأمةِ المسلمة كافةً، وواجبُ العلماء والدعاة خاصةً، هو مواجهةُ ‏الديانةِ الإبراهيميةِ الـمُصنَّعةِ غربياً ويهودياً. وقياماً بهذا الواجبِ فقد صدر بيانٌ ‏عن مؤتمرِ “موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية” الذي نظمهُ الاتحادُ ‏العالمي لعلماء المسلمين، ورابطةٌ علماء المسلمين، ورابطةُ علماء المغرب العربي ‏سنة 1442هـ وفق 2021م‎. ‎

ومما ورد فيه ما يلي‎: ‎

o       إن السعيَ لدعمِ «اتفاقات إبراهام» للتطبيعِ والتَّركيعِ عَبْرِ تسويقٍ لدينٍ ‏جديدٍ يؤازرُ التطبيعَ السياسي، هو أمرٌ مرفوضٌ شكلًا وموضوعًا، وأصلًا ‏وفرعًا؛ ذلك أن الأمةَ المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخرَ ‏السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبلَ اليومَ من بابِ أَوْلَى ‏بمشاريع التطبيع الديني، وتحريفِ المعتقدات، وقد قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ ‏دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ آل عمران:83‏‎.‎

o       يدعو المؤتمرون العلماءَ، وطَلَبةَ العلمِ، والدعاةَ، وسائرَ المُفكِّرين ‏والكُتَّابَ المسلمين للقيامِ بواجبهم نحو دينهم، ومواجهةِ فتنةِ تبديلِ ‏الدِّين، وتوعيةِ الأمةِ بهذا الخطرِ الداهمِ، وتحريرِ المقالاتِ، والكتبِ، ‏وإقامةِ الندواتِ، والمحاضراتِ، والخطبِ التي تشرحُ عقيدةَ التوحيد، ‏وتُبيِّنُ ما يُناقضها، وتحذرُ من فتنةِ هذه البدعةِ الضالةِ، وأنه ليس هناك ‏من إكراهٍ أو تأويلٍ في قَبولِ هذا الباطل. قال تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ‏الْقَتْلِ﴾ البقرة:191‏‎.‎

وقال سبحانه: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ‏الكهف: 29‏‎.‎

وختاماً أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يجعلني ممن ينطبقُ عليهم قولُ النبي صلى الله ‏عليه وسلم: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ ‏الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ) وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ‏محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.‏

‏-أصل المقالة جواب للشيخ على سؤال عن الديانة الإبراهيمية والبيت ‏الإبراهيمي، وننشر المقالة بتصرف بسيط.‏