خاص هيئة علماء فلسطين
31/8/2024
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فغير خاف على مسلم ما نزل بأهلنا في فلسطين عامة وفي الضفة وغزة خاصة من مجازر مروعة وإبادة جماعية، مع تجويع وتهجير وأسر، وأخيراً ما فعلوه بأهلنا في الضفة من محاولات تهجيرهم بالقوة، وقد كان لزاماً على أهل العلم بيان حكم الشرع في مواجهة هذه النازلة، لتأكيد وجوب دفع هذا العدو الكافر، وبيان إثم من امتنع من المسلمين عن دفعهم وقتالهم مع قدرته على ذلك.
فإنه لا خلاف بين علماء الإسلام كافة أنه إذا هاجم العدو المسلمين في عقر دارهم، فإن جهاد هذا العدو ودفعه فرضُ عين على كل مسلم مكلَّف قادر ولو امرأة، وهذا النوع من القتال يسمى جهاد الدفع، وهذا الجهاد لا يجب على أهل غزة أو الضفة وحدهم بل يجب على أهل غزة وأهل الضفة الذين داهمهم العدو أولاً، ثم بعد ذلك يجب بصورة دائرية على ما حولهما من بلاد المسلمين من الأردن ومصر وسوريا حتى يتمكن المسلمون من ردِّ هذا العدو الذي دهم أرضهم، ولا يُشترط في ذلك أي شرط من شروط الجهاد، والتي تتعلق بجهاد الطلب لا بجهاد الدفع؛ فلا يشترط فيه إذن الأبوين ولا إذن الغريم ولا إذن الزوج لزوجته. وهذا كله محل اتفاق بين أهل العلم لا يخالف في ذلك أحد إطلاقًا.
وهذه نصوص العلماء من جميع المذاهب الفقهية تنص على هذا وأكثر، وأن من ترك الجهاد الواجب عليه أو ترك مدَّ المجاهدين في غزة والضفة بالسلاح من الدول المجاورة بأي طريقة كان فهو تاركٌ لما أوجبه الله عليه وواقعٌ في الإثم والخزي في الدنيا والآخرة
قال الإمام الجصاص الحنفي رحمه الله تعالى: ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خافَ أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة: أن ينفر إليهم من يَكُفُّ عادِيتَهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة؛ إذ ليس من قول أحدٍ من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسَبْيَ ذراريهم. أحكام القرآن (4/312)
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر المالكي رحمه الله تعالى: الجهاد ينقسم أيضًا إلى قسمين:
أحدهما: فرض عامٌّ متعيِّن على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحملَ السلاح من البالغين الأحرار، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محاربًا لهم، فإذا كان ذلك وَجَبَ على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خِفَافًا وثِقَالًا وشَبَابًا وشُيُوخًا، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثِّر، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلُّوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضًا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يدٌ على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضًا الخروج إليه. الكافي ص (205).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما قتال الدفع فهو أشدُّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجبٌ إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب من دفعه فلا يشترط له شرط؛ بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم. الفتاوى الكبرى (4/608).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضًا: وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا. الفتاوى الكبرى (4/609).
وقال ابن القيم رحمه الله: وجهاد الدَّفع أصعب من جهاد الطلب؛ فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل، ولهذا أُبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه – كما قال الله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا﴾ [ﮢ:39].
وقال النبي ﷺ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» -صحيح- لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة، ودفع الصائل على المال والنفس مباحٌ ورخصة؛ فإن قتل فيه فهو شهيد.
فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمُّ وجوبًا، ولهذا يتعيَّن على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه: العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه؛ وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق.
ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون؛ فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجبًا عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار، ولهذا تُباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع.
ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالبًا مطلوبًا أوجب من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب، والنفوس فيه أرغب من الوجهين.
وأما جهاد الطلب الخالص؛ فلا يرغب فيه إلا أحد رَجُلين: إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كلُّه لله، وإما راغبٌ في المغنم والسبي، فجهاد الدفع يقصده كل أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعًا وعقلًا، وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين، وأما الجهاد الذي يكون فيه طالبًا مطلوبًا فهذا يقصده خيار الناس؛ لإعلاء كلمة الله ودينه، ويقصده أوساطهم للدفع ولمحبة الظَّفر. الفروسية (187/188)
وعليه فإنه يجب على كل مسلم أن يحيط علماً بجملة من الأحكام:
1-يجب على كل قادر من رجل أو امرأة أن يقاتل ويدفع هذا العدو الكافر المحتل عن بلاد المسلمين الذين يراد تهجيرهم وترك أراضيهم للصهاينة
2-يجب وجوباً أولياً على الشرطة الفلسطينية التي تملك الأسلحة أن تقاومهم بهذه الأسلحة فهم أولى الناس بهذا لأنهم الذين يملكون أسلحة في مواجهة هذا العدو الغاشم.
3- يجب على العشائر الفلسطينية أن تقاوم وتدفع هذا العدو الذي يريد أن يجتز جميع الفلسطينيين من أرضهم وديارهم ومقدساتهم بما يمتلكون من أسلحة
4- يجب على دول الطوق أن تُمدَّ أهل فلسطين بكل ما يمكن أن يدفع هذا العدو الغاشم الظالم عنهم وعن مقدَّسات المسلمين وكل من كان قادرا على مدهم أو الذهاب لنصرتهم فهو آثم مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر.
5- لا يكفي بيانات الإدانة فقط – فحتى أمريكا تدين – لكن لابد من عمل وتحرك ملموس من الحكام والملوك وكل من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين.
وفي الختام نسأل الله أن يهلك هذا العدو الظالم الصائل وأن ينصر ويثبت أهلنا في فلسطين.
والحمد لله رب العالمين.