خاص هيئة علماء فلسطين

         

22/9/2024

الموقعون على الفتوى:

العلامة محمد الحسن ولد الددو

د. عبد الحي يوسف

د. نواف هايل تكروري

تحسين غازي السامرائي

الشيخ منير رقية

الشيخ أحمد نوفل

الشيخ أحمد مزيد عبد الحق

د. محمد همام سعيد

الشيخ برهان سعيد

الشيخ حسن سلمان

د. محمد خليل الرحمن

د. محمد الصغير

د. حاتم عبد العظيم

د. وصفي عاشور أبو زيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن الجهاد المبارك الذي خاضه إخواننا في أكناف بيت المقدس في السابع من أكتوبر يُلزم حكّام المسلمين ومن ولاهم الله الأمر بجملة من الواجبات الشرعية التي لا يحل لهم الإخلال بها:

أولها: عليهم – وجوباً – نصرة المجاهدين في فلسطين بكل ما يستطيعون من رجال وسلاح ومال وإعلام، وذلك بتحريك الجيوش وإعلان النفير والتعبئة العامة، مع فتح للحدود أمام الراغبين في الجهاد من رعيتهم؛ فذلك واجب متعيِّن عليهم، يسألهم الله عنه يوم يقوم الأشهاد، فإن أهل فلسطين لطالما استصرخوا إخوانهم واستنجدوا بهم لينصروهم في مواجهة ذلك العدو الباطش الكافر الذي لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، والله تعالى يقول {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال أهل التفسير: وإن طلَبَ منكم هؤلاءِ- الذينَ آمَنوا ولم يُهاجِروا- أن تَنصُروهم على الكُفَّارِ في قتالٍ دينيٍّ؛ لأنَّكم إخوانُهم في الدِّينِ- فعليكم نَصرُهم، ولا تَخذُلوهم .ا.هــــ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمِنُ للمُؤمِنِ كالبُنيانِ؛ يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، وشبَّك بينَ أصابِعِه) وقال عليه الصلاة والسلام (مثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم وتَراحُمِهم وتَعاطُفِهم، مَثَلُ الجَسَدِ؛ إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى) رواهما الشيخان، وقال عليه الصلاة والسلام (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) رواه مسلم.

كما أن عليهم – وجوباً – معالجة الجرحى الذين طالتهم يد العدوان؛ وذلك بإقامة المستشفيات داخل غزة، وفتح الحدود لنقل من تستدعي حالته نقله لمعالجته خارج غزة، ومن قصَّر في ذلك – مع قدرته عليه – فإنه ضامنٌ لتلك النفس إذا تلفت؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، وذكر منهم رجلاً على قارعة الطريق ومعه فضل ماء منع منه ابن السبيل) رواه مسلم. قال القاضي عياض في إكمال المعلم: “لأنه منعه حقَّه… وعرَّضه للتلف، فأشبه قاتله”

ثانيها: وجوب قطع العلاقات – التي قامت على أسس باطلة – مع العدو الصهيوني المجرم؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أبطل المعاهدة التي كانت بينه وبين قريش لاعتدائهم على حلفائه من خزاعة؛ فإن هؤلاء الصهاينة قد انتهكوا حرمة المسجد الأقصى مراراً – تحت حماية شرطتهم وجيشهم – وأعلنوا عن نيتهم في هدمه، وقد أخرجوا المسلمين من ديارهم وآذوهم في دينهم وانتهكوا حرماتهم، وما تركوا موبقة إلا ارتكبوها؛ حتى بلغ بهم الأمر إلى الإبادة الجماعية وقتل الناس جوعاً ومرضا، وأشنع من ذلك كله سبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمع العالم وبصره مما سجَّلته الكاميرات ووثَّقته الفضائيات

فواجبٌ على حكام المسلمين معاقبة ذلك العدو المجرم والدول المساندة له؛ باستخدام الأسلحة المتاحة من النفط وغيره، وتهديد المصالح الاقتصادية الأمريكية والأوروبية حتى ترتدع تلك الدول عن غيِّها وتكفَّ عن دعم الصهاينة في عدوانهم

ثالثها: يجب عليهم أن يشجِّعوا مواطنيهم ورعيتهم على دعم إخوانهم المجاهدين، وأن ييسِّروا لهم السبل المعينة على ذلك؛ وألا يقفوا ضدهم بتلك الإجراءات الظالمة – من تهديد واعتقال وتعسف – حين يريدون دعم إخوانهم، ومن فعل ذلك منهم فهو خائنٌ للأمانة موالٍ لأعداء الأمة

رابعها: يحرم عليهم إمداد العدو بأي شيء يعينه على عدوانه، من غذاء أو كساء أو دواء أو غير ذلك؛ لعموم قوله تعالى {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} قال أهل التفسير: إنَّما يَنهاكم اللهُ -أيُّها المؤمِنونَ- عن الكافِرينَ المحارِبينَ الَّذين ناصَبوكم العَداوةَ، فقاتَلوكم بسبَبِ إيمانِكم برَبِّكم، وأخرَجوكم مِن بلادِكم، وعاوَنوا غَيرَهم على إخراجِكم، أن تتوَلَّوهم، فتَكونوا لهم محِبِّينَ مُناصِرينَ. ا.هــــ

ويجب عليهم منع ذلك الإمداد، حتى لو كان من متاجر أو شركات خاصة؛ فإن العهد قريب ببعض هؤلاء الحكام حين أرادوا أن يحاصروا بعض بلاد المسلمين فإنهم منعوا كل تعامل مع تلك الدولة، وأوقعوا أشد العقوبة بمن خالف ذلك!! فكيف يبيحون دعم العدو الصهيوني الغاشم بدعوى أن ذلك يحصل من جهات خاصة؟

وفي مقابل ذلك عليهم السعي الحثيث لإدخال المؤن والأغذية والأدوية لإخواننا في غزة، وكفاية ضرورات حياتهم مما يعينهم على الصمود في مواجهة عدوهم، وإلى أن يحصل ذلك فإن على عامة الناس أن يجتهدوا في التماس الطرق التي يوصلون بها الدعم لإخوانهم متفادين تلك القيود التي وضعها الحكام لمنع الجهاد بالمال الذي فرضه الله عز وجل عليهم

خامسها: من موالاة الكفار ومظاهرتهم على عدوانهم ما يقوم به بعض الحكّام من فتح مطارات بلادهم وموانيها للعدوان والإغارة على أهل غزة، وكذلك ما يقوم به بعضهم من اعتراض الطائرات المسيرة أو الصواريخ الموجَّهة لنحر العدو الصهيوني؛ وقد قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (وقد أجمعَ عُلماءُ الإسلامِ على أنَّ مَن ظاهَرَ الكفَّارَ على المسلمين، وساعدَهم عليهم بأيِّ نوعٍ مِن المساعدةِ، فهو كافرٌ مثلُهم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (الوَلاية التي نهى الله سبحانه وتعالى أن نتولَّى بها اليهود والنصارى هي المناصرةُ؛ سواء ناصرناهم على مسلمين أو على كافِرين. ا.هــــ وفي قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} قال ابن جرير رحمه الله تعالى: يعني تعالى ذِكرُه بقولِه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ومَن يتولَّ اليهودَ والنصارى دون المؤمنين فإنَّه منهم؛ يقول: فإنَّ مَن تولَّاهم ونصَرَهم على المؤمنين، فهو من أهلِ دِينهم ومِلَّتهم؛ فإنَّه لا يتولى متولٍّ أحدًا إلا وهو به وبدِينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رَضِيَه ورضِيَ دِينَه فقد عادَى ما خالفَه وسَخِطه، وصار حُكمُه حُكمَه. ا.هـــ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (… أنَّه سبحانه قد حَكَم- ولا أحسنَ مِن حُكمِه- أنَّه مَن تولَّى اليهودَ والنصارى فهو مِنهم، فإذا كان أولياؤُهم منهم بنصِّ القرآنِ، كان لهم حُكمُهم. ا.هـــ

هذا وإنا لنسأل الله تعالى أن ينصر من نصر دينه ويخذل من خذل دينه، وأن يعز الإسلام وأهله، ويذل الكفر وأهله وأشياعه من المنافقين ومن في قلوبهم مرض، والحمد لله رب العالمين