خاص هيئة علماء فلسطين
23 ربيع الأول 1447هـ 15/9/2025
السؤال:
بحسب الوضع في فلسطين هل يجوز القيام بالعمليات الاستشهادية في مدرسة أطفال أو سوق فيه نساء وأطفال رداً على استهدافهم أطفال ونساء غزة، وذلك معاملة لهم بالمثل؟
الفتوى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن العمليات الاستشهادية؛ بمعنى أن يقوم مجاهد بتفجير نفسه في جمعٍ من الأعداء المعتدين مما يؤدي إلى استشهاده وقتل عدد منهم وبثِّ الرعب في قلوبهم وانتزاع أمنهم، قد تنازعت فيه أقوال العلماء المعاصرين ما بين مجيز ومانع
والذي نراه هو جواز تلك العمليات، لكن بشروط:
أولها: عدم إمكان إحداث تلك النكاية من ذلك المجاهد أو قريباً منها على وجه يحفظ معه حياته، فمتى ما وجد المسلم سبيلاً لتحقيق النكاية بالعدو دون أن يقتل نفسه، لم يجز له أن يلجأ لقتل نفسه، حذراً من أن يكون مقصوده الإفناء
ثانيها: أن يكون مقصد المُقدِم على هذا العمل في القتل هو المعتدين، لا نفسَه، فمن قصد نفسه بالقتل ضجراً أو يأساً أو نحوه فإنه منتحر ولو قتل أعداداً كبيرة، ويكون فعله ذلك غير جائز، بل هو انتحار، تتناوله نصوص الوعيد
ثالثها: أن يكون هذا الفعل في مواجهة مستحقين للقتل، فلا يصح ممارسته ضد من حرَّم الشرع قتلهم في الحرب ممن لا يمارسون القتال – كالنساء والأطفال والشيوخ المعتزلين للقتال – لكن في حالة الصهاينة المحتلين فلا يستثنى إلا الأطفال فقط، أما النساء والشيوخ فهم من المحاربين.
ومن يطلقون عليهم وصف (المدنيين) في أيامنا هذه من الصهاينة الذين يعيشون في الكيان والذين يظن بعض الناس أنه لا يجوز قصدهم بالقتل؛ فإنهم في حقيقة الأمر محاربون وليسوا (مدنيين) باعتبارهم مكلَّفين – بالغين عاقلين – مستولين على أملاك المسلمين، مؤذين لهم باحتلال ديارهم وتدنيس مقدساتهم؛ أما الذين لا يجوز قصدهم بالقتل ابتداء فهم الأطفال وحدهم؛ لأنهم لا يمارسون عدواناً ولا هم أهل قرار فردي يمكِّنهم من الخروج من أرض المسلمين، بخلاف الشيخ الكبير والحاخام والمرأة، فهؤلاء على أرض فلسطين يُعتبرون من المحاربين، لأنهم معتدون يمارسون العدوان بقدومهم ووجودهم على أرضنا، فيجوز قصدهم بالقتل، فلا ريب أن من استولى على مال غيره أو حقوقه فإنه يُعدُّ معتدياً ولو لم يحمل سلاحاً؛ حيث استعانوا على تحقيق ذلك بسلطة باطشة ظالمة، ومن هنا فإن كل من جاء من الصهاينة من خارج فلسطين للإقامة فيها على وجه الغلبة والقهر لأهلها فهو محارب ومعتدٍ حمل سلاحاً أم لم يحمل، فهو شريك في العدوان ولو كان على فراش المرض.
وأما الأطفال فهم تبع لا يجوز قصدهم بالقتل ابتداء لعدم استقلالية وجودهم على أرضنا مِن جهة، ومِن جهةٍ أخرى أنه لا يتأتى منهم قتال ولا إيذاء.
إلا أنّ هناك ثلاث حالات يجوز قتل الأطفال فيها:
١- إذا حملوا السلاح وقاتلوا أو استعدوا لذلك وتدربوا عليه وصاروا من أهل القتال، إذ بذلك لا يعودون مِن المدنيين، وقد وجد النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم وجد امرأة مقتولة، فقال عليه الصلاة والسلام: “من قتلَ هذه؟ ما كانت هذه لتقاتل”، فقال رجلٌ: “يا رسول الله إني أسرتها وأردفتها خلفي، فأخذت مِن غمد سيفي تريد أن تقتلني، فقتلتها” وسكوته دليل على إقراره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يسكت على باطل.
وذلك يُدرَك بالعقل والمنطق، فلا يمكن ترك الجاهز للقتال والمستعد له والمريد لممارسته حتى ينفِّذ مراده فهو عسكري مقاتل، مهما لبس ومهما سمَّى نفسه ولو طفلاً.
٢- في حالة التَترس، أي إذا جعل الأعداء المدنيين ترساً أو حاجزاً بينهم وبين المسلمين وكانت الحاجة داعيةً لاستمرار القتال، جازَ قتل المدنيين عندئذ تبعاً لا قصداً، وهذا قول عموم أهل العلم، حيث قرروا أنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالا، وعلى المقاتل حينها أن يتجنب الأطفال قدر الإمكان دون أن يُخلَّ ذلك بحق المسلمين في دفع عدوهم، وهذا ينطبق على المسلمين؛ إذ لو أسر الكفار مسلمين وجعلوهم ترساً واضطر المسلمون للقتال جاز لهم قتل المسلمين لدفع الأذى الأكبر.
٣- في حالة المعاملة بالمثل، فإذا قصد الأعداء قتل أطفالنا، ورأى المجاهدون أن السبيل لمنعهم من ذلك، تهديدهم بهذا أو ممارسة قتل أطفالهم كما يفعلون بأطفالنا جاز ذلك من باب المعاملة بالمثل؛ لأن الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ويشترط لذلك شرطان:
الشرط الأول: أن يمارس الأعداء ابتداء قتل أطفالنا ومن لا يجوز قتله أصلاً شرعاً، أو حتى وفق الأعراف السائدة، فيما لو كان هناك اتفاقات دولية – كما هو الحال – بعدم جواز قصد فئات معينة. فإن تجاوزوا هم وفعلوا ذلك، جاز أن يمارس ذلك معهم بقتل أطفالهم.
الشرط الثاني: أن يكون التقدير السياسي والعسكري أن هذا الفعل لا يلحق ضررا ً أكثر، وأن يؤدي إلى ردعهم عن قتل أبنائنا.
والغرض النهائي من ذلك حماية أطفالنا وأطفالهم جميعاً من القتل، لأنهم إذا قصدوا أطفالنا بالقتل وامتنعنا عن قتل اطفالهم، تمادوا في ذلك فيُضعف ذلك مقاتلينا ويفتُّ في عضدهم، ولكن إذا علموا أن فعلهم هذا يعود بالخطر على أطفالهم، فإنهم يمتنعون عن قتل أطفالنا، ومن ثم يحافظون على حياة أطفالهم.
وعليه، فإنه اليوم وفي ظل ممارسة الصهاينة قتل أطفال المسلمين في غزة وعدم وجود ما يردعهم ويصدهم في ظل الصمت العالمي وعدم المبالاة بما يجري لأطفال المسلمين فإنه إذا رأى المجاهدون القيام بعملية أو عمليات رادعة ضد مدرسة من مدارس أطفالهم وقدَّروا ذلك مؤثراً في المعركة، جاز لهم فعل ذلك بحده الرادع دون توسع ولا ابتداء من قبل المسلمين بذلك وإنما المعاملة بالمثل، استدلالاً بقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وهذه الآية – أعني آية النحل – محكمة غير منسوخة كما قال الإمام النووي وغيره من أهل العلم
هذا، ولا شك أن التقديرات السياسية والعسكرية في الميدان لها أثر في الحكم، فلا يمكن منع المُجاهدين من الضغط على عدوهم بمثل ما يمارس هو ضدهم لما يترتب على ذلك من إضعاف المسلمين وتقوية عدوهم.
وبناءً عليه، إذا رأى المجاهدون مصلحة مرجوَّة ومؤثرة في سير المعركة، فقصد مدرسة أو مستشفى أو كنيساً للصهاينة جاز ذلك، معاملة بالمثل مع أن الأصل المنع، وإلا منحنا عدونا رقابنا وضاقت خياراتنا في مواجهته واتسعت خياراته، وهذا ما لا يمكن قبوله شرعاً ولا سياسة ولا منطقاً، وباب المعاملة بالمثل باب واسع يحمل عليه الواقع والضرورة. والله تعالى أعلم.