12/3/2024
مسعود صبري
لا تزال القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الأولى، ومع عدم تعاون الدول العربية مع المقاومة الفلسطينية، اتجهت الشعوب للمساندة، من خلال إرسال صدقات وتبرعات، ولكن يبقى السؤال: هل يجوز إرسال زكاة المال لأهل فلسطين، سواء أكانوا مدنيين أم مجاهدين؟ أم لا يجوز إرسالها، لأن بلد المزكي أولى من المجاهدين؟
لا مانع:
الدكتور محمد سعيد حوى أستاذ الشريعة في جامعة مؤتة بالأردن لا يرى مانعاً من إخراج الزكاة للمجاهدين في فلسطين، ويعتبر ذلك من أعظم الأعمال أجراً إن شاء الله؛ إذ يجوز قطعاً نقل الزكاة إلى غير بلدها؛ فإنه قد ثبت أنه كانت ترسل الصدقات إلى المدينة من الأطراف والمدن، ويتصرف بها النبي – عليه الصلاة والسلام – على الوجه الذي يراه مناسباً، والمسلمون أمة واحدة تتكافأ دماؤهم وأموالهم.
أما حديث: “تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم” فيرى الدكتور محمد سعيد حوى أن الذي ورد في وصية رسول الله – عليه الصلاة والسلام – لمعاذ – رضي الله عنه – لما ذهب إلى اليمن، لم يفهم منه الحصر في فقراء اليمن؛ إذ ثبت أن معاذاً قد أرسل إلى رسول الله بعض هذه الزكوات.
وفي سبيل الله:
أما دار الإفتاء المصرية، فقد أخرجت فتوى منذ فترة أنه يجوز إخراج الزكاة لأهل فلسطين المجاهدين، لاندراجهم في سهم “وفي سبيل الله” المقصود به الجهاد القتالي في المقام الأول، ونصت الفتوى على أن “الإخوة الفلسطينيين أحوج ما يكونون إلى مثل هذه المساعدة التي تُقوِّيهم على الوقوف في وجه هذا المعتدي الباغي الغادر المدجج بالعتاد والسلاح ونظم القتل الحديثة، فهم بلا شك داخلون في معنى “وفي سبيل الله” والمعبر عنهم بالغزاة، وهم بذلك مصرف من مصارف الزكاة المنصوص عليه في الآية السابقة.
ولكن الدار اشترطت في الفتوى أن تكون نية المخرج أن المال من الزكاة وليس من الصدقات، إذ النية شرط من شروط إخراج الزكاة.
وإلى الرأي نفسه مال الدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة الأسبق بالكويت، ويستشهد الدكتور النشمي بما نص عليه فقهاء المالكية والحنفية وغيرهم على أولوية نقل الزكاة، فقالوا: “إن كان المنقولة إليهم أحوج وأفقر فيندب نقل أكثرها لهم، وإن نقلها كلها أجزأ”.
تنقل إلى الأحوج
كما استشهد بما ورد أن الخلفاء كانوا ينقلون الزكوات إلى البلاد الإسلامية الأحوج فالأشد حاجة، كذلك فعل أبوبكر وعمر، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم – رضي الله عنهم – تأسياً بفعل النبي فقد كان ينقل الزكاة من الأعراب إلى المدينة، ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار، قال الإمام مالك: “لا يجوز نقل الزكاة إلا أن يقع بأهل بلد حاجة فينقلها الإمام إليهم”، وعلل سحنون من أئمة المالكية جواز النقل “بأن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج”، وبمثل هذا قال كثير من الفقهاء منهم ابن تيمية قال: يجوز نقل الزكاة وما في حكمها أي الصدقات لمصلحة شرعية.
جواز إخراجها نقدا
ويتعدى الدكتور علي سيد أحمد أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر إخراج الزكاة لأهل فلسطين إلى حكم آخر، أنه يجوز إخراجها قيمة عينية مادام أهل فلسطين بحاجة إليها، كالطعام والأغذية وغيرها، ليكون الدعم من الزكاة لأهل فلسطين عاماً، فيرى “جواز إخراج الزكاة لمسلمي فلسطين على هيئة مواد عينية أو بضاعة بشرط احتياجهم لهذه المساعدات بالفعل، فإن كان أحدهم في حاجة إلى غذاء أو قوت له ولأولاده أو إلى خيمة يأوي إليها وأفراد أسرته أو غطاء يحميه من البرد أو دواء يكون سبباً في الشفاء أو لمنع تفشي الأمراض فلا مانع مطلقاً من إخراج الزكاة بهذه الصورة، والأمر راجع إلى مصلحة الفقير وظروفه واحتياجاته وأوضاعه، فالذي يناسب فقيراً ربما لا يناسب غيره والذي يناسب مسلماً ربما لا يناسب غيره، فهذا أحوج إلى المال، وهذا أحوج إلى البطاطين أو السلاح أو الدواء أو المخيمات، وأينما تكون مصلحة المسلم المحتاج إلى مال الزكاة فيجوز إخراج الزكاة له بما يتناسب مع هذه المصلحة لأن أصل الزكاة مبني على مصلحة الفقير، سواء كانت هذه المصلحة عبارة عن مال أو أشياء معينة”.
إذاً فتوى جمهور الفقهاء المعاصرين على جواز إخراج الزكاة لأهل فلسطين دعماً للقضية الفلسطينية، فنحسب أن الاستجابة آتت أكلها مما يتقدم به أهل الغنى من المسلمين لهذه القضية، وهم معها حتى يجاهدوا بأموالهم مع أمنيتهم الجهاد بأنفسهم، والخير باق في الأمة إلى يوم القيامة.
نقلاً عن موقع المجتمع