رسالة المنبر ٥-٤-٢٠٢٣م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
✅ نتحدث عن الأقصى المبارك، ونحن نحمد الله الذي أطلق ألسنتنا للحديث عن مسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم .. ونسأل في هذا المقام الجليل سؤالين اثنين لا ثالث لهما؛
1️⃣ سؤال يحكي أهمية الأقصى وشرفه ومنزلته؛ وهو سؤال: لماذا ننصر الأقصى؟ .
2️⃣ وسؤال يحكي الخطوات والإجراءات والوسائل العملية لتحقيق تلك النصرة؛ وهو سؤال: كيف ننصر الأقصى؟.
👈 دعونا نسأل صغارنا وكبارنا وشيبنا وشبابنا ورجالنا ونساءنا عن حجم فهمهم واستشعارهم لأهمية الأقصى المبارك .. لأنه يبدو أن ثمة خلل أو تجهيل أدى إلى تبلد مقصود ومتعمد أصابنا جميعاً نحو قيمة وأهمية الأقصى؛ بسبب ضعف المنابر ومسخ المناهج .. فالتذكير المستمر بهذا الشرف واجب ومطلوب.
✅ مطلوب منا أن ندافع عن الأقصى المبارك وننصره لأسباب كثيرة منها:
👈 الأقصى عنوان سلامة الأمة وعزتها وقوتها وعافيتها؛ طالما أنه في حيازتها وتحت عينها ورعايتها .. وإلا فهي أمة مصابة ومريضة وضعيفة وذليلة .. نسأل الله لها شفاء عاجلاً لا يغادر سقماً.
👈 الأقصى أولى القبلتين، فمن لا يعرف شرف القبلة الأولى لن يدرك شرف القبلة الثانية .. ولن يحلو طوافنا حول الكعبة طالما غربان يهود يطوفون حول الأقصى.
👈 الأقصى ثالث المسجدين الشريفين الَّذين تشد إليها رحال المؤمنين، وتهفو إليها القلوب والأشواق، قال صلى الله عليه وسلم: ” لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى” رواه البخاري.
👈 الأقصى مسرى رسولنا ومعراجه إلى السماء، قال الله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء: 1).
👈 الأقصى عنوان البركة ومصدر إشعاعها كما جاء في الآية السابقة .. والبركة منزوعة من أعمارنا وأموالنا وعيالنا وأعمالنا؛ طالما أن الأقصى في يد يهود الملاعين.
👈 الأقصى عنوان رباط الأمة وجهادها، فهو عُقر العقر، والعقر هو المركز، فإذا كان” عُقر دار المؤمنين الشام” كما صح من حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم عند الأمام النسائي، فإن عُقر هذا العقر هو الأقصى الحبيب.
👈 الأقصى مركز الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدس” والحديث وإن كان في إسناده بهذا السياق ضعف إلا أن أصله ومعناه صحيح.
👈 الأقصى مركز الصراع والتدافع بين الأمم والحضارات؛ وكأن من حازه فقد ملك زمام السيطرة وقُمرة القيادة .. فإن كان هذا القائد طاهراً؛ قاد العالم بطهر وشرف وعدل ورحمة .. وإلا فلا يلومن المقصرون المفرطون حين منحوه هدية ولقمة سائغة للخبثاء إلا أنفسهم.
👈 الأقصى عنوان من عناوين وحدتنا واجتماع أمتنا والتقاء كلمتنا .. فنحن مختلفون فقهياً وفكرياً في مسائل كثيرة؛ لكن حب الأقصى يسكن قلوبنا ويجمع عقولنا، ولا يبغض الأقصى إلا منافق .. لا مصلحة لنا أن نلتقي معه.
👈 الأقصى أمانة الفاتحين وعهدة المحررين السابقين .. فقد فتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله .. وهو على موعد قريب بفتح عزيز بإذن الله تعالى “لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ” (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” (الروم: 5).
👈 إن حاجتنا للأقصى أعظم من حاجته إلينا .. فنحن نستنشق منه عبير عزتنا وكرامتنا وشرفنا.
👈 إن نصرته والعمل على تحريره واجب وفرض وليس مجرد نافلة .. فحرام وعيب وعار علينا أن ننعم بنوم أو طعام وشراب، ومسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يُهدد بالهدم بفعل أنفاق خبيثة حفرها يهود تحته وهم لا يزالون يمارسون فيه التدنيس والاقتحامات والعهر والفجور.
👈 أن نصرة الأقصى تعني نصرة إخواننا الأسرى الذين وقعوا في الأسر وهم يدافعون عنه ويحاولون تخليصه من يهود.
👈 إن نصرة الأقصى ليست مصلحة عربية إسلامية فحسب بل هي مصلحة عالَم أفسده يهود .. فالله تعالى لم يقل: لتفسدن في فلسطين مرتين .. بل قال سبحانه: “وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا” (الإسراء: 4) وها نحن نرى كيف أفسد يهود السياسة والاقتصاد والاعلام .. بل كيف أفسدوا الماء والهواء والغذاء والدواء .. ولن يوقفهم عند حدهم إلا أصحاب الأيادي المتوضئة ممن يرابطون هناك في أكنافه.
👈 إننا نخسر في كل يوم يرزح فيه الأقصى تحت الاحتلال، بركات الأجور المضاعفة للصلاة فيه .. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: “فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة” رواه البزار بسند حسن.
✅ أما سؤالنا الثاني .. وهو سؤال الخطوات والوسائل والإجراءات العملية لنصرة الأقصى .. فمن واجب كل مسلم أن يستغرق بعمق في البحث عن إجابة عليه .. وهذا من واجبات الوقت وكل وقت .. كيف ننصر الأقصى والمسرى .. ولعل من أهم الوسائل والإجراءات المطلوبة في ذلك ما يأتي:
1️⃣ حث الملوك والزعماء وتشجيعهم على نصرة الأقصى .. وتذكيرهم بأن هذا تكليف وتشريف لا يناله إلا السعداء من الزعماء … وإلا فالتاريخ يلعنهم والأمة تلفظهم إن تركوا هذا الواجب، أو ساهموا في منعه وتقييده، أو كان لهم دَور في دعم المحتل وإسناده.
2️⃣ تذكير العلماء والنخب والمفكرين بواجبهم من خلال منابرهم، وإن تسبب قيامهم بهذا الواجب في تقييدهم لأن للأقصى حق، وإخواننا المرابطين فيه يقدمون الغالي والنفيس، فلا أقل من وضوح الكلمة والصدع بالحق في سبيل نصرته .. وإلا فالساكت عن الحق منهم شيطان أخرس والناطق بالباطل كلب يعوي.
3️⃣ قيام الجماعات والمؤسسات والروابط العلمية والدعوية والسياسية بواجبها في تحريك الجماهير نصرة للأقصى عبر منابرهم المختلفة .. ولن ينعم وطن بالأمن والإصلاح المنشود دون أن ينعم بذلك الأقصى وذلك عند الخلاص من يهود.
4️⃣ قيام أصحاب المال بواجبهم في الدعم المستمر .. وبما أن المعركة مستمرة فلا بد من وقود ودعم مستمر .. والجهاد بالمال لا يقل شرفاً عن الجهاد بالنفس والحال .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “
مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا” رواه البخاري.
5️⃣ قيام عموم أصحاب المواهب المتنوعة بدعم قضية القدس والأقصى وفلسطين من خلال مواهبهم التي حباهم الله بها؛ فصاحب الصوت أو الخط الجميل يعبر عن انتمائه للأقصى بصوته وخطه، وأهل التكنولوجيا يساهمون من منطلق هذا الثغر الحساس… وكلٌّ أدرى بواجبه وثغره.
✅ أما عموم الناس فواجبهم متنوع متعدد، والله تعالى يقول: “لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” (الطلاق: 7) … هذه الآية لم تدع لأحد مهرباً من واجب الدعم والإسناد ولو بالقليل؛ فالقليل عند الله كثير، ومما يلزم عموم الناس في واجب الدعم ما يأتي:
👈 الدعاء؛ فالدعاء دليل الاستعانة بالقوي الجبار .. وتركه دليل استهانة بقدرة الخالق سبحانه جل في علاه .. ونحن ندعو على يهود بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم” رواه البخاري.
👈 متابعة الفعاليات المتنوعة والتي تهدف إلى دعم المرابطين وتثبيت المجاهدين، فلا يستهان بأي منها؛ مسيرة كانت أم مؤتمراً أم برنامجاً علمياً أم حلقات نقاشية أم برامج توعوية أم إفطارات رمضانية أم كفالات ورعايات ومسابقات غايتها؛ نصرة الأقصى والدفاع عنه وتوعية الناس بمستجدات قضيته .. وهذا من باب تغيير منكر الاحتلال باللسان والقلب إن عجزت أيدينا عن فعل شيء يليق بالأقصى الأسير .. وذلك أضعف الإيمان.
👈 التفاؤل والاستبشار والأمل .. وترك اليأس الاحباط والقنوط .. فالذي أهلك فرعون الطاغية وجيشه الخبيث قادر على نصرنا وإهلاك عدونا إن سرنا وفق هديه ومنهاجه الحكيم، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد: 7).
✅ إن واجب الإعداد لتحرير مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم واجب ممتد لا يتوقف .. والله تعالى يقول: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” (الأنفال: 60) .. ويعاتب سبحانه من قصَّر بهذا الواجب الكبير .. قال تعالى:” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ” (التوبة: 46).
✅ فلا يجوز التقاعس بحجة الضعف .. فنحن مطالبون بإعداد المستطاع من العَدد والعِدد .. وإعداد الفكر والروح والبدن .. إعداداً تكاملياً تراكمياً لجيل النصر المنشود، وهو جيل قرآني فريد بينت سورة الإسراء صفته بقوله تعالى:” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا” (الإسراء: 5).
🌹وختاماً🌹
✅ نحن على موعد قريب مع نصر الله والفتح المبين، فإما أن نكون نحن أدواته وأسبابه وجنوده، فهنيئاً لنا ساعتئذ .. وإما أن يستبدلنا الله بمن هم أولى منا بهذا الشرف الرفيع، وصدق الله فيمن تخلف وتراجع ونكص على عقبيه:” هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم” (محمد: 38).
✅ سائلا المولى جل جلاله أن يجعلنا نحن وأبناؤنا من جند النصر والتحرير .. وأن يكتب لنا في الأقصى صلاة الفتح والتحرير .. وما ذلك على الله بعزيز.