خاص هيئة علماء فلسطين

         

10/7/2025

تقرير د. عمر الجيوسي

في زمنٍ بلغ فيه القتلُ مبلغَ الإبادة، وبلغ الحصار حدَّ التجويع الجماعي، والتخاذلُ حدَّ التواطؤ العربي والدولي، انطلق “ميثاق علماء الأمة بشأن طوفان الأقصى وتداعياته” ليكون صوتًا موحدًا للعلماء في وجه الإبادة، وتثبيتًا للجهاد الذي اختاره أهل غزة طريقًا، وصيحةَ حقٍّ تصدُّ علماء التخدير وأبواق التخذيل.

الميثاق الذي شارك في صياغته ومراجعته والتوقيع عليه ما يقارب 500 عالم من علماء الأمة، ومنهم:  مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، ومفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي، والشيخ محمد الحسن ولد الددو، والعلامة النعمان السجاد من كبار علماء الهند، والدكتور أحمد الريسوني، والدكتور همام سعيد، والدكتور خالد المذكور، وغيرهم، ووقّعت عليه أكثر من 40 هيئة علمائية، منها هيئات واتحادات وروابط تمثل قارات العالم.

صدر الميثاق بجهد علمي جماعي نادر، وفي ظرف تاريخي مفصلي، فمعركة “طوفان الأقصى” لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل لحظة انكشاف كامل للأقنعة، وامتحان للعلماء والخطباء والدعاة، ليقولوا كلمتهم: مع غزة أم مع الساكتين عن دمها وإبادتها؟

مع المجاهدين أم مع المتآمرين والخاذلين لها‏؟!‏

•       جذور فكرة الميثاق الجامع

يقول الدكتور محمد همام سعيد، عضو لجنة صياغة الميثاق، عن جذور الفكرة:

“ظهرت فكرة إصدار ميثاق علماء الأمة حول معركة طوفان الأقصى وتداعياتها خلال النقاشات التي جرت في لجنة الفتوى التابعة لهيئة علماء فلسطين، وذلك في سياق الرد على الشبهات المثارة حول المعركة من قِبَل بعض علماء السوء الناطقين بالبهتان، ومن شذّ أو أخطأ من العلماء الصادقين، أو لم يُدرك بعض تفاصيل هذه المعركة… وقد اتجهت النقاشات وأجمعت على ضرورة ضبط الخطاب الشرعي المتعلّق بمعركة الطوفان.”

•       العلماء يتقدمون الصفوف ولا يتخطّون الرقاب

سألنا الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا وهو ممن عمل على صياغة هذا الميثاق عن المطلوب لتفعيل أثر الميثاق في معركة غزة، قال: “كان لزاماً على العلماء وورثة الأنبياء أن يقولوا الحق وأن لا يخافوا في الله لومة لائم، ومن هذا المنطلق جاء ميثاق العلماء لمناصرة طوفان الأقصى والوقوف مع المقاومين ومع هذا الطوفان وبيان الموقف الشرعي الذي لا لبس فيه ولا خفاء.

وإن من لم يوقع عليه من العلماء فهو لا يخالف فيه؛ لأنه يعلم أنه الحق، فكل من كان من العلماء من ورثة الأنبياء فإنه يعلم أن الذي في هذا الميثاق حق ولا يخالف فيه وإن اختلفت مواقفهم السياسية وظروفهم.”

الدكتور عبد الحي يوسف، رئيس لجنة الفتوى أكّد على أن الميثاق خطوة لإقامة الحجة، وقال: “المطلوب إقامة الحجة على الناس، والقيام بواجب البلاغ المنوط بأهل العلم، والعمل على توحيد الخطاب العلمائي – قدر المستطاع – في مواجهة حملة شرسة يقودها بعض المزورين – باسم الدين – من أجل تشويه الجهاد والمجاهدين، ولبس الحق بالباطل، خدمة لحكام الجور الذين يرومون استسلام الأمة لقاتليها.”

أما الدكتور عبد السلام أبو سمحة، عضو هيئة علماء فلسطين، فقد وجه انتقادًا مباشرًا لغيبوبة بعض العلماء في الطوفان، فقال: “ما يجري اليوم ليس موضع فُتيا المترفين، بل ميدان فداء وتضحية! ومعركة وجود ومقدسات! كأنهم ما رأوا دماً، ولا إبادة جماعية بالقصف الجماعي والتجويع والتعطيش … بوصلة الأمة لا تُضبط على فتاوى الاستجابة السريعة، ولا فتاوى الريموت كنترول.”

وفي سؤالنا عن ميزة هذا الميثاق على غيره فيما يتعلق بظروف الطوفان والميثاق أفاد د. محمد همام سعيد:

“تميّز هذا الميثاق عن غيره من المواثيق المتعلقة بالقضية الفلسطينية بأنه يختص بقضية الجهاد في فلسطين بوجه عام، وبمعركة طوفان الأقصى وتداعياتها على وجه الخصوص، إضافة إلى ما اتسم به من سقفٍ مرتفع في الخطاب.”

•       أبرز ما ورد فيه من تحريم وتجريم وتحذير

الميثاق ليس مجرد بيان، بل وثيقة مؤصّلة شرعيًا، مُنزّلةٌ على الواقع، وقد اشتمل على 5 أبواب رئيسة و36 واجبًا موزعة على العلماء والحكام والإعلاميين وأهل المال والأمة كلها. ومن أبرز ما ورد فيه:

تجريم فتوى تسليم سلاح المقاومة، وتجريدها من أي شرعية.

تحريم التطبيع والاعتراف بالكيان، ووصفه بأنه “كيان عنصري إحلالي باطل الوجود شرعًا”.

تحذير من التهجير القسري واعتباره “خيانة لله ورسوله والمؤمنين”.

إبراز دور المرأة الغزية المجاهدة، والإعلاميين، والدعاة، والعاملين في الإغاثة، كجزء أصيل من ملحمة الطوفان.

اعتبار طوفان الأقصى جهاد دفعٍ شرعي لا يُشترط فيه إذن حاكم، وأنه عمل جماعي نيابة عن الأمة.

اعتبار كل تعاون أمني مع الاحتلال خيانة لله ورسوله للمؤمنين.

•       ما الجديد في هذا الميثاق؟

يمثل الميثاق أعلى سقف شرعي معلن منذ سنوات فيما يتعلق بالجهاد والمقاومة، إذ لم يكتفِ بتأكيد شرعية القتال، بل طالب بتجهيزه وتمويله، وألزم العلماء بالتحريض عليه، ووصفَ التخاذل والتثبيط بالخيانة.

وقد دعا الميثاق ( كل مسلم قادر أن يعين إخوانه وينصرهم بنفسه وماله وتخصصه ولسانه، ولا يتوقف وجوب هذا الدعم على مشاورتهم إياه ولا على طلبهم منه).

ودعا الميثاقُ العلماءَ إلى أن برهان ودليل الصدق في نصرة الحق هو ( أن يتقدُّموا صفوف الناس فيما يدعونهم إليه ).

•       خاتمة: الحاجة لتجديد آليات العلماء العاملين

الميثاق شهادةُ حقّ، لكنه في الوقت ذاته دعوة للانتقال من القول إلى الفعل. ومعركة غزة اليوم، وقد مضى عليها شهور من المجازر والتجويع والتآمر الإقليمي، تحتاج من العلماء ألا يكتفوا بإصدار المواقف، بل أن يتحركوا نحو بناء أدوات ضغط جماعية، وتأسيس جبهات إغاثية موحدة، وإطلاق مراصد شرعية تفضح تواطؤ الصامتين، وتراقب تفاعل الأمة مع الميثاق ونتائجه على الأرض.

يدعو _في هذا السياق_ الدكتور محمد يسري عضو لجنة صياغة الميثاق ” العلماء إلى تلاوة هذا الميثاق في المساجد ومدارسته في المراكز العلمية والجامعات ليكون جزءاً من ثقافة الأمة، وطوفاناً للوعي بالنسبة لجميع الفئات”.

وترنو لجنة صياغة هذا الميثاق والموقّعون على هذا الميثاق الغليظ وتدعو إلى ( تجديد آليات العمل العلمائي، وبناء إعلام فقهي ثوري يواجه إعلام المطبّعين والمتخاذلين والمتآمرين؛ فدماء غزة، وملاحم الطوفان، لا تحتمل فتاوى رمادية، ولا سكوتًا باسم التقدير والمصلحة ) .

من جهته تحدث لنا الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين عن فائدة هذه المؤتمرات، فقال: ” هذه البيانات والمؤتمرات هي مَهمة العلماء {لتبيِّننه للناس ولا تكتمونه}، فالله أخذ العهد على العلماء أن يُبيِّنوا، ولا شك أن كل فعل عظيم يبدأ بالقول، وأن القول هو الذي يُنير طريق العمل، وأن القول الصادق، الصادع بالحق، هو المُحرِّض والمُحرِّك على العمل… البيان الصادق هو نقطة انطلاق.”

يشهد التاريخ أن تحرير الأقصى كانت تقوده استراتيجية ( توحيد أمة التوحيد: أمة موحِدةٌ لله، موَحدةٌ ضد أعداء الله )  وربما يبدأ هذا بتأسيسٍ جبهة علماء ربانيين عاملين، متقدمين لصفوف الأمة مقتدين بالعلماء المجاهدين بالبيان والسِنان من زمن الصحابة إلى العلماء القادة الذين كانوا في الصفوف الأولى في صناعة هذا الطوفان.