خاص هيئة علماء فلسطين

         

7/9/2024

فتوى صادرة عن لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين‎

من الأمور التي يسأل عنها الناس في حرب غزة أنه أحياناً تتناثر أشلاء الناس، ولا نستطيع تمييز بعضها من بعض بحيث نجمع تلك الأشلاء الآدمية في كيس وندفنها دون تمييز، وقد جُهلت هوية أولئك القتلى فما حكم ذلك؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن دفن الميت واجب شرعي؛ لأن الله تعالى قد امتنَّ على عباده بتلك النعمة فقال: {ألم نجعل الأرض كفاتاً. أحياء وأمواتا} قال ابن عطية رحمه الله تعالى في تفسيره: (الكِفَاتُ: السِّترُ،…فالأرضُ تَكفِتُ الأحياءَ على ظَهرِها، وتَكفِتُ الأمواتَ في بَطنِها) قال ابن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره: فيُؤخَذُ مِنَ الآيةِ وُجوبُ الدَّفنِ في الأرضِ إلَّا إذا تعَذَّر ذلك؛ كالَّذي يموتُ في سفينةٍ بَعيدةٍ عن مراسي الأرضِ، أو لا تستطيعُ الإرساءَ، أو كان الإرساءُ يَضُرُّ بالرَّاكِبينَ، أو يُخافُ تَعَفُّنُ الجُثَّةِ؛ فإنَّها يُرمَى بها في البَحرِ وتُثَقَّلُ بشَيءٍ؛ لِتَرسُبَ إلى غريقِ الماءِ، وعليه فلا يجوزُ إحراقُ الميِّتِ كما يفعَلُ مجوسُ الهِندِ، وكان يَفعَلُه بعضُ الرُّومانِ، ولا وَضْعُه لكواسِرِ الطَّيرِ كما كان يَفعَلُ مجوسُ الفُرْسِ. انتهى

وها هنا مسائل نبين حكمها من باب الفائدة:

أولاها: من وُجد من جسده جزءٌ أو أجزاء؛ فالذي عليه الشافعية والحنابلة أن الجزء حكمه حكمُ الكل يصلّى عليه ثم يُدفن. قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَنْ تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يصلى عليه إلا إذا وجد أكثر من نصفه، وذهب المالكية إلى أنه لا يصلى عليه إلا إذا وجد ثلثاه فأكثر أو نصفُه فأكثر لكن مع الرأس فإنه يصلى عليه.

وقد استدل ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني لترجيح مذهب الشافعية والحنابلة بقوله: ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، قال أحمد: صلى أبو أيوب على رِجْل، وصلى عمر على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام، رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده. وقال الشافعي: ألقى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل فعرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد؛ فصلى عليها أهل مكة. وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم نعرف من الصحابة مخالفاً في ذلك، ولأنه بعضٌ من جملة تجب الصلاة عليها، فيصلى عليه كالأكثر، وفارق ما بان في الحياة، لأنه من جملة لا يصلى عليها، والشعر والظفر لا حياة فيه.  انتهى

ثانيها: إذا حصل تمييز لتلك القطع فإنه يجب جمعها ودفنها بجانب قبر صاحبها إن أمكن ذلك، أو ينُبش بعض القبر ودفن فيه، ولا حاجة الى كشف الميت؛ لأن ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرقة أجزائه كما قرر الدردير في الشرح الكبير. انتهى

ثالثها: إذا تيسَّر دفن تلك الأجزاء في المقابر فبها، وإن تعذَّر ذلك دُفنت حيث أمكن؛ بناء على أن التكليف الشرعي إنما يكون في حدود الطاقة والوسع، وقد قال سبحانه {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

                                                                                                                                                                          لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

 4/ربيع الأول/1446هـ

 7/سبتمبر/2024م