خاص هيئة علماء فلسطين

         

7/11/2025

لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال: بخصوص كفالات الأيتام

  • يتم كفالة طفل من بين إخوته لأن الجمعية لا تقبل كفالة أكثر من طفل في العائلة الواحدة، فهل الكفالة خاصة به، أم يجوز لإخوته الأيتام مشاركته فيها؟
  • ويتم أحيانا كفالة طفل أكثر من إخوته، فهل هذا المال خاص به؟
  • وأحيانا يكون بين الأيتام من عمره ١٦ سنة فلا يتم كفالته لأنه بالغ، ولكنه لا يستطيع الكسب، وليس لديه مصدر دخل، فهل يجوز أن يشارك إخوته في الكفالات.
  • وما مساحة الأم الحاضنة باستخدام المال في المصروف اليومي من أكل وشرب أو حتى لو أرادت أن تشتري لها شيء أو ملابس من كفالات أولادها؟

الجواب:

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فالأصل أنَّ المال الذي يُخصَّص ليتيم يكون ملكًا له، يُصرف في مصالحه، ولا يجوز أخذ شيء منه إلا بحق شرعي؛ حيث شدَّد ربنا جل جلاله في شأن مال اليتيم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟، قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

والتوصيف الوارد في السؤال أنَّ هذا اليتيم مع أمه وإخوته في بيت واحد، وعليه فإنه لا حرج على الأم – والحال كذلك – أن تنفق على هذا اليتيم من هذا المال المخصص له في حاجاته الشخصية التي ينفرد بها، وكذلك في حاجاته التي يشارك فيها أهله؛ حيث بيَّن ربنا جل جلاله في القرآن جواز مخالطة اليتامى لذويهم إن أراد من يرعاهم الإصلاح؛ فقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

جاء في تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، و {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}،انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ، فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ الشَّيْءُ مِنْ طَعَامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ، أَوْ يَفْسَدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ الله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ}،فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ. رواه أبو داود والنسائي، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي على حدة، حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي، وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي) ،فَقَوْلُهُ: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} أَيْ: عَلَى حِدَةٍ، {وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ} أَيْ: وَإِنْ خَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}، أَيْ: يَعْلَمُ مَنْ قَصْدُهُ، وَنِيَّتُهُ الْإِفْسَادَ أَوِ الْإِصْلَاح، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، أَيْ: ولو شاء الله لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَأَحْرَجَكُمْ، وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، وَخَفَّفَ عَنْكُمْ، وَأَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، قال تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} انتهى كلام ابن كثير – رحمه الله تعالى-.

فلا حرج على الأم أن تخلط نصيب هذا اليتيم المكفول مع غيره من إخوته؛ للإنفاق على حاجات الأسرة الضرورية كشراء المواد التموينية وما أشبه ذلك؛ مما يحصل به تأليف القلوب وإدخال السرور على الجميع ورفع الحرج عنهم، وعدم إثارة الحسد والبغضاء بينهم إذا شعروا بتفضيل أخيهم عليهم وتميزه عنهم في حاله، فإن هذا يضاد عملية حسن التربية التي هي جزء من أداء الواجب في كفالة اليتيم.

وبالنسبة للأم الحاضنة فإنه لا حرج عليها أن تأكل من مال اليتيم إن كانت محتاجة، ولا سيما إذا فرَّغت نفسها لتربيته والقيام عليه، قال أبو عمر بن عبد البر في (الكافي في فقه أهل المدينة المالكي): ” وينفق على أم اليتيم من ماله، إذا كانت محتاجة” اهـ.

وقال القرافي في الذخيرة: “وينفق على أم اليتيم من ماله إذا كانت محتاجة؛ لقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا}. اهـ.

وجاء في المحلى بالآثار لابن حزم: “فإذا كانت أم اليتيم محتاجة، أنفق عليها من ماله، يدها مع يده، والموسرة لا شيء لها. “اهـ.

والأصل في ذلك قول ربنا سبحانه {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، وعن عبد الله بن عمرٍو- رضِي اللهُ عنهما- أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: إنِّي فقيرٌ ليس لي شيءٌ ولي يتيمٌ؟، قال: فقال: (كُلْ من مالِ يتيمِك غيرَ مُسرفٍ، ولا مبادرٍ، ولا مُتَأثِّل) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.

ولو أن قائلاً قال: إن هذا المال مخصَّصٌ من الجهة الكافلة لذلك اليتيم عيناً، فكيف يشركه إخوانه فيه؟، فالجواب أن الظاهر أن الجهة الكافلة لا تقصد ذلك اليتيم لشخصه، وإنما المقصود وصف اليتم الذي يشاركه فيه إخوته؛ إلا أنه قد ضاقت مواردها عن كفالة الأيتام جميعاً فخصوا من كل أسرة يتيماً؛ فمقصود الكافل يتيم – لا بعينه – من كل أسرة، وليس من مقاصد الشريعة أن يتمتع ذلك اليتيم بتلك الكفالة وإخوانه يتضورون جوعاً، أو لا يجدون من اللباس ما يقيهم الحر والقر؛ ونصوص الشرع تقر المشاركة بين الناس الذين اشتركوا في الوصف واستووا في الاستحقاق، وعليه فإننا ننصح الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تكفل الأيتام بأن تكفل يتيماً من الأسرة لا على التعيين، ويشاركه إخوته الذين يعيشون معه في تغطية حاجتهم الضرورية المشتركة من هذه الكفالة، لا أن تكفل المؤسسة اسماً محدداً فتميزه عن إخوته الذين يساوونه في اليتم، وتثير الشحناء بين الإخوة في البيت الواحد. والله تعالى أعلى وأعلم