20/3/2023

الحمد لله حمدا طيبا كثيرًا، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن ما يتهدد المسجد الأقصى المبارك من تحشيدات صهيونية لاقتحامه طوال شهر رمضان المبارك من هذا العام 1444 هـ الموافق 2023م وكذا في غيره من الأشهر يوجب على العلماء بيان حكم الاعتكاف والرباط فيه لصد العدوان والوقوف في وجه مخططات العدو المحتل.

وإن من المقرر شرعًا أن الاعتكاف وهو اللّبث في المسجد بنيّة التعبد لله تعالى سنّة طوال العام وهو يتأكد في شهر رمضان المبارك ويزداد تأكيده في العشر الأواخر منه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حافظ على الاعتكاف في المسجد خلالها وإنه -عليه الصلاة والسلام- اعتكف آخر عام من عمره عشرين يومًا، فقد أخرج البخاري أنه – صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، ولا شك أن الاعتكاف يزداد فضله إذا كان في أحد المساجد التي تشد الرحال إليها وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ويزداد فضله أكثر وأكثر إذا اجتمع معه الرباط والجهاد ودفع العدوان. 

ومن المقرر شرعًا أن الرباط – وهو المقام في المواطن التي يُخشى فيها غائلة الأعداء ويُحذر فيها من مخاطرهم ومداهمتهم- فرض عيني على كل قادر على الوصول بقدر استطاعته، وذلك حسب حال العدو المخوف والعدوان المتوقع، وقدرات المسلمين وإمكاناتهم وما تقتضيه الظروف، وإذا كان هذا الرباط للدفاع عن قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وثالث المساجد التي تشد الرحال إليها فهو أشد وجوبًا وتأكيدًا، وهو فرض كفائي على عموم المسلمين من جهة إقامة القادرين الذين يمكنهم الرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى وإعانتهم بكل السبل الممكنة ومن ذلك توفير الدعم المالي الكافي من أجل نقل المعتكفين إلى المسجد الأقصى من داخل فلسطين وتفطير المعتكفين وتوفير طعام السحور لهم.

ومن هنا فإنه يمكن القول إن المكث في المسجد الأقصى المبارك في ظل الاحتلال والاستعداد لصدّ اقتحامات الصهاينة المحتلين، يجمع بين جملة من العبادات العظيمة والتي منها الرباط والجهاد والاعتكاف وغيرها، فهو أداء لفريضة الرباط في سبيل الله، لأنه إقامة حيث يخشى العدو لدفع عدوانه وينال صاحبه أجر المربطين الذي هو أعظم من أجر المجاورة والاعتكاف، وهو عند الاقتحام والمواجهة جهاد في سبيل الله تعالى، ولو كانت المواجهة بحجارة أو عصي ونحوه؛ فقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى “وكل من قاتل العدو بسيف أو حجر أو عصى أو غير ذلك فهو مجاهد في سبيل الله تعالى” ويحصل من نوى الاعتكاف فيه على الفضل العظيم والأجر المضاعف العميم – بإذن الله تعالى-.

وأن كل ساعة تُقضى في الاعتكاف في المسجد الأقصى في هذه الظروف التي يمر بها والمخاطر التي تتهدده إنما هي ساعة رباط في سبيل الله؛ فقد أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عمر – رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس يحرس في أرض خوف لعله لا يرجع إلى أهله”، وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنه كان في الرباط، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل لا بأس، فانصرف الناس، وأبو هريرة واقف، فمر به إنسان، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود”.

ومن هنا فإننا ندعو المسلمين القادرين على الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك لشد الرحال إليه والسعي للرباط فيه بكل السبل، وعندما نتكلم عن القادرين على الوصول لا نتكلم عن القادرين بالسبل اليسيرة وحسب، بل بركوب المخاطر والتسلل ليلاً والسعي للوصول إليه بكل سبيل ولو مع المشقة وتحمل الصعاب والنفقات، وكل أنواع المشقّة هي ضرب من ضروب الجهاد الذي يجب أن يبذل لما له من أثر في حماية المسجد الأقصى والدفاع عنه وصونه من تدنيس الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم.  

وخلاصة القول في هذه الفتوى:

إن من أعظم الواجبات الشرعية -على المسلمين داخل فلسطين- السعي والجد في تحقيق الوصول إلى المسجد الأقصى للرباط فيه والحفاظ عليه عامراً بالمسلمين على الدوام إذ تعين ذلك سبيلًا لدفع الأذى والعدوان عليه أو تخفيف آثاره.

وإن من أعظم الواجبات على كل مسلم ومسلمة إعانة المرابطين ودعمهم وتمكينهم بكل وسائل التمكين سواء أكان ذلك من خلال الدعم المادي على شكل كفالة حملات البيارق لإيصال المعتكفين إلى المسجد الأقصى أو تفطير الصائمين في المسجد وتوفير السحور لهم أو كان من خلال تقديم المساعدات المادية الأخرى لهم أو كان من خلال الدعم الإعلامي وغير ذلك من سبل الدعم ووسائله، وهذا من المشاركة في الجهاد والرباط والدفاع عن مسرى النبي المصطفى  -صلى الله عليه وسلم-.

هذا وإنه يجب على الإخوة في وزارة الأوقاف الإسلامية في الأردن وجوباً شرعيّاً الإعلان عن فتح المسجد الأقصى طوال شهر رمضان، بل طوال العام للاعتكاف فيه ليلًا ونهارًا، فهو ضرب من ضروب الرباط والجهاد وليس مجرد اعتكاف مسنون، والتشجيع على ذلك بما تملكه من آليات، والأصل أن يكون كحال شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي إذ يفتحان على مدار أيام السنة مع أن الاعتكاف فيهما سنة فكيف بالمسجد الأقصى المبارك الذي بيّنّا أنّ الاعتكاف فيه من الرباط الواجب.

هذا والله تعالى أعلم  

وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

هيئة علماء فلسطين

الإثنين 28/شعبان/1444هـ

20/3/2023م