خاص هيئة علماء فلسطين
13/9/2025
المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
السؤال:
أنا أدرس الطب وأنوي في دراستي الجهاد في سبيل الله وكفاية المسلمين من هذا الجانب وخاصة في المجال الذي أتخصص به، فهل يكفيني هذا عن واجب الجهاد المباشر لتحرير فلسطين؟ علماً أنني لم أستطع الجمع بين دراستي وما تحتاجه من تفرغ ذهني وعقلي وبين الاهتمام بالأخبار ومحاولة المساعدة في كل أمر يحتاجه المسلمون؟
الفتوى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فلا بد أن نذكر السائلة أولاً بأن طلب علم الطب من أشرف المهامّ وأنبلِها؛ حتى قال بعض العلماء بأن علم الطب هو أشرف العلوم بعد علم الكتاب والسنة؛ فنقل الذهبي في (سير أعلام النبلاء) عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام، أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه!! وروى أبو حاتم الرازي في (آداب الشافعي ومناقبه) عنه قوله: لا تسكننَّ بلدًا لا يكون فيه عالم يفتيك عن دينك، ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك!!
هذا وعلى الطالب المتخصص في العلوم الطبية أن يخلص نيته لله عز وجل؛ فينوي القيام بفرض الكفاية في تطبيب الناس؛ وأن يستحضر في ذلك طلب الثواب من الله في تنفيس كربات الناس وتفريج همومهم وتخفيف آلامهم، ونفعهم وإعانتهم والإحسان إليهم، وأن ينال بذلك الأجر العظيم المنوَّه به في قوله تعالى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
وعلى السائل أن يعلم أن الجهاد أعم من القتال؛ فإن الجهاد يشمل جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار يكون بالنفس والمال واللسان والقلب، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون في الله حق الجهاد، كلٌّ حَسَبَ استطاعته وما يسَّره الله له؛ فهذا حسان بن ثابت رضي الله عنه كان أعظم جهاده بلسانه؛ حين يواجه المشركين المؤذين رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم – شعراً ونثرا – وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبو داود، والترمذي.
وكذلك عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وقد قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام (فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل) رواه الترمذي والنسائي. وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اهجوا قريشا فأنه أشد عليها من رشق بالنبل) وجاهد عثمان رضي الله عنه بماله حتى نال الدرجات العلى؛ فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) بل إن ابن أم مكتوم رضي الله عنه كان أعمى، وقد أنزل الله عذره في قوله سبحانه {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} ومع ذلك كان يخرج في الغزو، ويقول: ادفعوا إلي اللواء، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين!! (سير النبلاء 1/316)
وكان النساء كذلك يجاهدن بما يناسب طبيعتهن؛ كما قالت الرُّبيِّع بنت معوذ رضي الله عنها (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي، ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة وذلك في معركة أحد) رواه البخاري في صحيحه، وقالت أم عطية رضي الله عنها: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام لهم وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى) رواه مسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو ومعه أم سليم، ومعها نسوة من الأنصار، يسقين الماء ويداوين الجرحى)
فهذه الدراسة التي تخصصت فيها إن ابتغيت بها وجه الله عز وجل، وسخرت علمك الذي آتاك الله إياه لنفع الناس، ونويت أنه متى ما دعيت إلى الجهاد أجبت، فأنت مجاهد وأجرك عند الله عظيم؛ فما أشد حاجة المجاهدين في زماننا مع تطور أسلحة الدمار وكثرة المصابين إلى الطبيب الذي يداوي الجراح ويواسي المكلومين، والله الهادي إلى سواء السبيل