خاص هيئة علماء فلسطين
6/3/2024
المفتي: د. محمد همام ملحم عضو المكتب التنفيذي في هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،
فإن المقاطعة الاقتصادية من أقوى أسلحة الضغط، فهي سلاح فعّال في مواجهة العدو الصهيوني وداعميه وهي من أشكال إساءة وجهه ونبذه التي أمر الله سبحانه عباده بها، وإن المتابع لمجريات الأحداث يلمس ما لهذه المقاطعة من آثار كبيرة تدفع بعض الشركات العالمية الداعمة للاحتلال إلى التبرُّؤ من دعمه، فمن أوجب الواجبات على المسلمين مقاطعة هذا الكيان المجرم وشركاته وشركات داعميه، ومقاطعتهم اقتصاديا ومنع وصول البضائع إليهم وتعطيل وصولها إليهم أو استهدافها بأية وسيلة من الوسائل من الجهاد المفروض عينا على كل مسلم، فالمقاطعة الاقتصادية ما هي إلا نوع من أنواع الجهاد بالمال في سبيل الله، وقد أجمع علماء الإسلام على أن العدو إذا احتل شبرا من بلاد الإسلام فإن الجهاد يصبح فرض عين على أهل هذا البلد وعلى من قرب منهم، وإذا عجزوا عن دفع هذا العدو فإن الفرض العيني يعم الأقرب فالأقرب من بلاد الإسلام، فبلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وإذا لم تتحقق بهم الكفاية أو تخاذلوا فعندها يصير الجهاد فرض عين على كل بلاد الإسلام وعلى كل مسلم في الأرض، قال الإمام الماوردي في بيان حكم الجهاد في حالة احتلال العدو جزءا من بلاد الإسلام: “أن يدخل العدو بلاد الإسلام ويطأها، فيتعين فرض قتاله على أهل البلاد التي وطئها ودخلها، فإن لم يكن بأهلها قدرة على دفعه تعين فرض القتال على كافة المسلمين حتى ينكشف العدو عنهم إلى بلاده”، واتفق العلماء على كون حكم الجهاد بالمال تابع لحكم الجهاد بالنفس، فإذا صار الجهاد بالنفس فرضاً عينياً فإن الجهاد بالمال يصير فرضاً عينياً وكذلك المقاطعة لكونها من أنواع الجهاد بالمال. وإن إيصال أي نوع من البضائع والسلع لهذا الكيان المغتصب والتعامل معه اقتصاديا فيه تقوية له وتمكين له من إطالة أمد الحرب؛ لأن المجتمع الصهيوني مجتمع مترف، لا يتحمل انقطاع السلع والمواد الغذائية، فإذا انقطعت أو قلت فإنه سيخرج إلى الشوارع مطالبا بوقف الحرب، وهذا من أشد أدوات الضغط على حكومة الاحتلال. وقد انعقد الإجماع على حرمة التعامل مع الكفار الحربيين فيما يتقوون به على المسلمين، وقد بين الشيخ عليش إجماع العلماء على تحريم إمداد الحربيين بما يتقوون به في رده على استفتاء الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري في واقعة إمداد ملك المغرب الفرنسيين بالطعام والحيوانات بعد أن حاصرهم المجاهدون ثلاث سنين، فكان مما قال: “بيع البقر وسائر الحيوان والطعام والعروض وكل ما ينتفعون به في النازلة المذكورة حرام قطعا إجماعا ضرورة لا يشك فيه مسلم سواء في حال حصر المسلمين إياهم وفي حال عدمه إذ قتالهم فرض عين على كل من فيه قدرة عليه ولو من النساء والصبيان من أهل تلك البلاد ومن قرب منها”، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم سلاح التضييق والضغط الاقتصادي مع الكافرين المعتدين فأخرج السرايا والبعوث لمهاجمة قوافل قريش التجارية، وكان سبب غزوة بدر طلبه لعير أبي سفيان. واستخدم النبي ﷺ سلاح الحرب الاقتصادية مع يهود بعد نقضهم للعهد، حيث قام صلى الله عليه وسلم بعد حادثة اعتداء اليهودي في سوق بني قينقاع على المرأة المسلمة وقتل الصحابي بمقاطعتهم اقتصاديا قبل حصارهم وإجلائهم فقام بإنشاء أسواق إسلامية لأهل المدينة وجعلها في أماكن مركزية بحيث يستقبل التجار من خارج المدينة من كافة الجهات في مكان واسع في طرف المدينة فقد روي عن صالح بن كيسان قال: «ضرب رسول اللَّه ﷺ في موضع النبيط، فقال: هذا سوقكم، فأقبل كعب بن الأشرف، فدخلها، وقطع أطنابها، فقال ﷺ لا جرم، لأنقلنها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة. ثم قال: هذا سوقكم، لا يحجر، ولا يضرب عليه الخراج»، وقد أدت هذه السياسة النبوية إلى كساد تجارة يهود في المدينة المنورة.
وبناء على كل ما سبق فإنه يحرم التعامل مع الصهاينة المحتلين ومع شركاتهم والشركات الداعمة لهم، وأن هذه الحرمة من الحرام لذاته، وأن الذي يتعامل مع الكيان الصهيوني أو مع شركاته فهو مرتكب لكبيرة عظيمة من الكبائر وخائن لله ورسوله وللمسلمين وشريك للعدو المجرم بالإثم والعدوان، وأن الذي يتعامل مع الكيان المحتل وشركاته وهو موال له ويحب انتصاره على المسلمين في غزة وعموم فلسطين فهو مرتد خارج عن الملة. ويجب على كل من يعمل لدى الشركات الداعمة للصهاينة أن يبحث عن عمل بديل وأن يترك العمل لديها وإن كان الأجر أقل.
ويجب على كل دولة من الدول الإسلامية مقاطعة الكيان الصهيوني المحتل ويحرم على حكام هذه الدول والمسؤولين فيها التعامل مع الاحتلال بأي شكل من أشكال التعامل سواء أكان اقتصاديا أو سياسيا أو علميا أو رياضياً وغيرها من صور التعامل، ويجب على أهل الحكم في كل دولة تتعامل مع هذا العدو المجرم أو بينها وبينه اتفاقيات معينة أو بينها وبينه أي نوع من أنواع التطبيع أن تقطع هذه العلاقات وأن توقفها وكل من لا يقاطع هذا العدو المجرم ولا يقطع العلاقات معه فهو مرتكب لكبيرة عظيمة، ويجب على الشعوب المسلمة الضغط على الحكومات المطبعة مع الاحتلال أو التي تمده بأي نوع من السلع والبضائع بكل الوسائل والسبل، وإن الاحتجاج بوجود مصالح في التطبيع مع الاحتلال وفي التعامل الاقتصادي معه أو الخوف من مفاسد في حال قطع العلاقات معه ومنها الاقتصادية ما هو إلا تكرار لحجة المنافقين الأوائل الذين أنزل الله سبحانه فيهم قوله سبحانه: ﴿فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة ٥٢] قال الإمام الواحدي في تفسيره: والدائرة التي تخشى كالهزيمة والدبرة والقحط والحوادث المخوفة، وقال عبد الله بن مسلم: نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه فلا يميروننا، وقال قتادة: قالوا: نخشى أن ينقطع الذي بيننا من الميرة والقرض، فقد كانت حججهم الباطلة كلها مرتبطة بالخوف من فقدان بعض المصالح الدنيوية الزائلة أو الخوف من مفاسد موهومة، وكل من يحتج بأية حجج من هذا القبيل فإنه متبع لحجة المنافقين، ونحن نؤمن بحتمية نصر الله لعباده المجاهدين وعندها لا عزاء للمتخاذلين والمطبعين.
ويجب على كل شركة أو تاجر من تجار المسلمين أن يقاطع هذا العدو المجرم وشركاته والشركات الداعمة له وشركات الدول الداعمة له، ويجب عليهم البحث عن البدائل وإن لم تكن موجودة أو مناسبة فيجب عليهم أن يبذلوا جهدهم من أجل إيجاد البديل المناسب، ويباح لهم التعامل مع الشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال أو شركات الدول الداعمة للاحتلال فيما يدخل في الضروري أو الحاجي العام دون غيره، أما الشركات الصهيونية فلا يباح لهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال. ويجب على المسلمين الذين يقطنون في الدول الداعمة للاحتلال أن يقاطعوا الاحتلال الصهيوني وشركاته بشكل عام، ويجب عليهم مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال الصهيوني والتي ثبت بالدليل القطعي وقوفها مع الاحتلال وبشكل خاص في حربه الأخيرة على قطاع غزة، أما الشركات التي يثبت دليل على عدم دعمها للاحتلال فهذه مما يباح التعامل معها، وإذا كانت هنالك ضرورة أو حاجة عامة للتعامل مع الشركات غير الصهيونية الداعمة للاحتلال فيباح التعامل معها بقدر الضرورة أو الحاجة الماسة، أما المسلمون في الضفة الغربية فالواجب عليهم أن يقاطعوا ما يمكن مقاطعته من بضائع الاحتلال الصهيوني وشركاته، فكل ما له بديل فلسطيني تجب مقاطعته وإن كانت جودة المنتج الفلسطيني أقل، أما ما ليس له بديل وما هم مضطرون إليه فيباح لهم شراؤه لأنهم تحت سلطة الاحتلال، فلا يدخل إليهم شيء إلا من خلاله، ويحرم عليهم إمداد العدو الصهيوني بأي شيء يقويه، أما المسلمون في مناطق الداخل الفلسطيني المحتل مناطق ال 48، فهؤلاء يجب عليهم مقاطعة ما يمكن مقاطعته وإذا كان هنالك منتج فلسطيني في مناطقهم فيجب عليهم تقديمه على المنتجات الصهيونية، أما غير ذلك فيباح لهم شراؤه لأنهم تحت سلطة الاحتلال بشكل كامل.
ويجب على المسلمين في كل مكان مقاطعة التجار الذين يتعاملون مع الكيان المحتل أو يستوردون من شركاته أو يمدونه بالسلع والبضائع ويجب فضحهم وكشف جرمهم لأنهم ينصرون العدو ويخذلون المسلمين المحاصرين في غزة العزة، -الذين يمنع عنهم العدو كل شيء، حتى وصلوا إلى مرحلة الموت جوعاً-، وقد قال رسول الله ﷺ: « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ» أخرجه مسلم في صحيحه، قال الإمام النووي: « الخذل ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي» وقال رسول الله ﷺ: «ما منِ امرئٍ يَخْذُلُ مسلمًا في موطنٍ ينتقَصُ فيه من عرضِهِ ويُنْتَهَكُ فيه من حرمَتِهِ إلّا خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَهُ »أخرجه أبوداود في سننه، فعقوبة الخذلان شديدة. ويجب على كل مسلم يقدر على منع إمداد الصهاينة بأية سلعة أن يقوم بذلك ولو كان ذلك عن طريق سلاسل بشرية أو استهداف للشاحنات التي تنقل الإمدادت لهم، قال سبحانه: ﴿ وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰا یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلࣱ صَـٰلِحٌۚ ﴾ وفي قطع إمداد الصهاينة بهذه السلع إغاظة لهم، ومنع وصول هذه الإمدادات لهم من الجهاد المبارك المبرور، والسماح لها بالوصول إليهم من التعاون على الإثم والعدوان.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.