الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد صدر عن الرئيس الأمريكي ترامب يوم الثلاثاء 28/1/2020م إعلان يهدف إلى إقرار اليهود على اغتصابهم لفلسطين وتثبيتهم على أرضها ونصرتهم على أهلها، كما يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة وإغلاق ملف اللاجئين وتوطين الفلسطينيين خارج فلسطين، وشرعنة المستوطنات، وضم 30% من أراضي الضفة الغربية إلى كيان الغصب؛ لتأكيد الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لها، وإلغاء ما سُمي بحل الدولتين، والاعتراف بيهودية الدولة، ومحاربة الجهاد واعتباره إرهاباً، وتطبيع العلاقات بين الكيان والعالم العربي، وغير ذلك من الإملاءات لصالح العدو الصهيوني.
وقد رافق هذا الإعلان حضور سفراء بعض الدول العربية واستعدادها لدعم هذا المشروع وتأييده والمشاركة في تنفيذه، ومن باب أداء الأمانة والقيام بالواجب الذي فرضه الله على العلماء، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا٣٩﴾ [الأحزاب] فإن هيئة علماء فلسطين في الخارج تعلن لأهل فلسطين والأمتين العربية والإسلامية الحكم الشرعي في هذا الإعلان فيما سمي بـ”صفقة القرن”، على النحو التالي:
أولاً: إن هذه صفقة باطلة لا قيمة لها شرعاً ولا بأي ميزان من الموازين؛
- لأنها صدرت عن جهة ظالمة لا تملك الحق في مصادرة حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في أرضهم المباركة فلسطين وهم المالكون الحقيقيون الأصليون لهذه البقعة المقدسة التي فيها القدس الشريف والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُ﴾ [الإسراء:1].
- ولأن هذه الصفقة تسلب حقوق أهل الأرض في وطنهم التاريخي، وتقدمها هدية مجانية لمحتل يهودي مغتصب غريب عن هذه الأرض، وتحرم الفلسطينيين من العودة إليها والعيش على أرضها، وهو حق ثابت، ولا يقر هذا دين سماوي ولا قانون بشري، وأكل أموال الناس بالباطل صفة لليهود ذكرها الله تعالى في كتابه، قال تعالى: ﴿وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٦٢﴾ [المائدة].
- ولأن في هذه الصفقة هيمنة لأمريكا والكيان اليهودي على المنطقة، وإضعاف لها، واستمرار لتقسيمها، وخطر على مصالحها.
- ولأن فيها مظاهرة للظالم على المظلوم، ومؤازرة للمجرم على الضحية، وإقراراً للغاصب وتمكيناً له على ما اغتصبه، وقد حرّم الله الظلم وجعله محرماً على عباده، ومن أشد أنواع الظلم طرد الناس من أراضيهم، وإحلال اليهود مكانهم، واستيلاؤهم على أراضيهم وبيوتهم ومساجدهم.
- ولأن في هذه الصفقة محاربة للجهاد في سبيل الله، ومقاومة للمجاهدين، ومحاولة لمصادرة أسلحتهم، وعوناً للعدو عليهم.
وكل هذا نقض لفريضة الجهاد، وإضعاف للمسلمين، وسيطرة للعدو عليهم.
ثانياً: يحرم على أي أحد من المسلمين تأييد هذه الصفقة، والموافقة عليها، والمشاركة في تنفيذها، والعمل بمقتضاها، بأيِّ صورة من الصور.
- ويجب على المسلمين إنكارها، ومحاربتها، والعمل على إسقاطها بكل وسيلة ممكنة.
- ويأثم كل من يوافق عليها من المسلمين ويشارك في تنفيذها ويؤيدها بأي شكل من الأشكال؛ لما فيها من مؤازرة للعدو وموالاة له وخذلان لأهل الحق وإضعاف لهم، وقد نهانا الله تعالى عن موالاة الكافرين بقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ٥٢﴾ [المائدة]، وتأييد هذه الصفقة تعاون على الإثم والعدوان، وقد نهينا عن ذلك، وأمرنا بالتعاون على الخير؛ قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ٢﴾ [المائدة].
ثالثاً: يجب على المسلمين القيام بواجب الجهاد في سبيل الله لتحرير أرض فلسطين المباركة وتطهير المسجد الأقصى من رجس الغاصبين.
- والأخذ من أجل ذلك بأسباب القوة الإيمانية والمادية، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ﴾ [الأنفال:60].
- وقد أجمع علماء المسلمين على وجوب تخليص أي شبر من أرض المسلمين يطؤه العدو، فكيف بالمسجد الأقصى الذي يتهدده خطر التقسيم والهدم وبناء الهيكل مكانه؟!
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ١٩٠﴾ [البقرة]، وقال تعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ٣٦﴾ [التوبة].
- وكذلك يجب على الأمة المسلمة نصرة المستضعفين من المسلمين؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ﴾ [النساء:75].
- ويجب على الأمة نصرة الطائفة القائمة على الحق الموجودة على أرض فلسطين المباركة والتي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» حديث حسن رواه الإمام أحمد.
فالثبات الثبات يا أهل فلسطين ويا أهل الإسلام، والنصر قريب بإذن الله، ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا٧﴾ [الإسراء]، ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ٢١﴾ [يوسف].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
28/جمادى الآخرة/1441هـ
22/2/2020م