24/11/2023
المفتي: هيئات علمية جزائرية وشخصيات علمائية
قال الله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
الحمد لله ناصر المستضعفين، وقاهر الجبابرة والظالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد قائد المجاهدين، وعلى صحبه الفاتحين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فإنّ ما يتعرّض له إخواننا الفلسطينيون هذه الأيام في غزّة العزّة؛ وفي غيرها من ربوع فلسطين المحتلّة، من عُدوانٍ وحشيٍّ غاشم، وحرب إبادة جماعية، مؤيَّدة بكلّ أنواع الدّعم والتواطؤ من أغلب دول الغرب الكبرى، بزعامة الإدارة الأمريكية الصّليبية المتصهينة، وفي ظلّ خذلان غير مسبوق من معظم الدول العربية والإسلامية؛ ليوجب علينا أن نكون أنصارًا وداعمين لجهاد إخواننا بكلّ ما أوتينا من وسائل ممكنة ومؤثّرة، ذلك أنّ المسلمين أمّة واحدة لقوله تعالى: “وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمُ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ المؤمنون: 52
وهم إخوة في الدّين لقوله تعالى: ” إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” الحجرات: 10
وإنّ من أوكد مقتضيات هذه الوحدة والأخوّة أن يناصر بعضهم بعضًا، قال الله تعالى:
” وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصر” الأنفال: 72
ومن أهمّ صور هذه النّصرة: المقاطعة الاقتصادية؛ فهي شكلٌ من أشكال المقاومة والنّضال، وسلاح ردع فعّال، تستمدّ مشروعيتها، ووجوبها في هذا الظّرف الصعب من الأدلّة الشّرعية الآتية:
♦1- إنّ المقاطعة وجه من أوجه الجهاد المالي الذي أُمرنا الله به في قوله تعالى: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون ” التوبة: 41
وقوله ﷺ: (جاهدو االمشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [أحمد: 13638؛أبوداود: 2504؛النسائي: 3096]،فالجهاد بالمال من جهة الوجود يكون بإنفاقه، ومن جهة العدم يكون بمنعه وإمساكه عمّن يدعم به العدوان على المسلمين.
♦2- إن المقاطعة الاقتصادية تلحق الضّرر بالدّاعمين للصهاينة المعتدين، فتردعهم عنه، و تردع غيرهم، وغير ذلك من الأثر الذي يدخل في جملة النَّيل من الأعداء، المطلوب قليله وكثيره، لقوله تعالى:”وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح” التوبة: 120
♦3 – إنَّ أي تعامل اقتصادي مع هؤلاء الداعمين للعدوّ الصهيوني؛ يندرج في باب إعانتهم، وتقويتهم، وتكثير أرباحهم، وهو من التعاون على الإثم والعدوان المحرّم بنصّ الكتاب في قوله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ ” وفي ذلك ما لا يخفى من الضرر الفاحش الذي يلحق بإخواننا في غزة وفلسطين.
♦4 – إنَّ تأديب الأعداء ومعاقبتهم بالمقاطعة والتضييق الاقتصادي لم تخلُ منه السيرة النبوية كما في: حديث قصة سيّد الأنصار سعد بن معاذ في تهديده لأبي جهل بضرب الحصار على تجارة قريش إلى الشام [البخاري: 3734]، وحديث قصة ثمامة بن أُثال بعد إسلامه [البخاري: 4114، مسلم: 1764]، وحديث قصّة أبي بصير، وأبي جندل ومن كان معهما من بعد صلح الحديبية، في ضرب الحصار الاقتصادي على تجارة قريش [البخاري: 2581]، وغير ذلك مما لم ينكره النبي ﷺ، فكانت منه سنة تقريرية.
♦5 – إنّه لا عذر لأحد من المسلمين في ترك ما يقدر عليه من جهاد الدّفع ضدّ العدوّ الدّاهم لأرض المسلمين، سواء بنفسه، أو ماله، أو علمه، أو عمله، والمقاطعة الاقتصادية وسحب الأموال من البنوك الأجنبية. هي الحدّ الأدنى المقدور عليه في هذه المرحلة من صراع الأمة مع الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، فلا أقلّ من أن يلتزم به كلّ مسلم صادق في دينه، وفي ولائه لإخوانه المستضعفين.
♦6 – إنّ المقاطعة الاقتصادية الشعبية تعبّر عن موقف صادق جادّ من قِبل الشعوب العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية، والمسجد الأقصى المبارك، وإنّ واجبنا الشرعي، ومسؤوليتنا الأخلاقية، وقيمنا الإنسانية؛ كلّ ذلك يفرض علينا المسارعة إلى نصرة إخواننا المقاومين، وأهاليهم المظلومين، المهدّدين بالإبادة الجماعية في غزة وفلسطين؛ وندعو الهيئات والمؤسسات العلمية والمجتمعية والنقابية إلى استنهاض الأمّة لتبنّي موقف المقاطعة، كما ندعو وسائل الإعلام، والمؤثّرين على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي إلى تبنّي هذا الموقف؛ والدعوة إليه، ونشره على أوسع نطاق.
♦وإنّنا إذ نفتي بوجوب المقاطعة الاقتصادية لداعمي الكيان الصهيوني؛ نؤكّد أنّ هذه الوسيلة لا تعفي الدول الإسلامية وشعوبها؛ من وجوب بذل وسائل الردع والمقاومة المكافئة للعدوان، عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، فإنّ تفاعل دول المسلمين وشعوبهم مع هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الأمة، وفي مصير القضية الفلسطينية؛ باهت وضعيف، وهو دون الواجب بكثير.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ”
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.