خاص هيئة علماء فلسطين
4/12/2024
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
السؤال: يقول السائل: إني شاب منفعل، وقد مرت عليّ في حياتي عوامل عدة زادت من حدة طبعي وغضبي، وعندما أغضب أقول كلامًا لا أدرك معناه، وفي ظل الحرب الجارية في قطاع غزة زادت حالة التوتر عندي، وقد فقدت بيتي وعملي وتجارتي، وفي ظل هذا الواقع، أغضبتني زوجتي ذات يوم غضبًا شديدًا وأنا في قمة الغضب، فقلت لها: “أنت طالق”، وهي كانت حائض في نفس اليوم، وقد كررت لفظ الطلاق عدة مرات وأنا طالع وداخل عليها، فما حكم ذلك؟ وهذه أول حالة طلاق بيننا وقد ندمت على ما فعلت عندما ذهب عني الغضب؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد شرع الله الزواج لمقاصد عظيمة وحكمٍ جليلة منها: بقاء النسل البشري، وحفظ الفروج، وصيانة الأعراض، وجعل الزواج بين الرجل والمرأة مودة ورحمة وسكناً، وقد جعل عقد الزواج من العقود التي تقوم على ميثاق مع الله تعالى لما له من مكانة عظيمة، وقد بيَّن الشارع أحكام هذا العقد وما يترتب عليه من حقوق وواجبات تحقيقًا لمقاصده ورعايةً لاستمراره وبقائه على أفضل حال.
وقبل الجواب على السؤال لا بد من التنبيه على أمرين:
أولهما: على السائل أن يلتزم ضبط النفس وترك الغضب، لأنه يفتح عليك أبوابًا عظيمة من الشرور في حياتك، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (لا تغضب) وكررها ثلاثا رواه البخاري. وكم من حالات غضب في الطلاق انتهت معها العلاقات الزوجية والأسرية وجرَّت الندم والحسرة على صاحبها.
ثانيهما: ننبه بأن مسائل الطلاق التي يدور حولها الخلاف الفقهي مكانها القضاء حسماً للنزاع وتقديراً للحال والمآل، ومراعاة لأوجه الفساد والمصلحة، واعتباراً للرأي الفقهي الذي يلتزمه القضاء في البلد المحدد.
أما بخصوص حالتك وما ذكرت من طلاق زوجتك وأنت غضبان وهي حائض، مع تكرار الطلاق فقد اشتمل السؤال على ثلاث مسائل وهي:
1/ طلاق الغضبان
2/ طلاق الحائض
3/ تكرار الطلاق في المجلس الواحد:
فإليك بيان حكم هذه المسائل على هذا النحو:
1/ طلاق الغضبان:
قسم العلماء الغضب في الطلاق إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون الغضب في أول أمره، فلا يغيِّر عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (رواه البخاري.
الثاني: أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغيِّر عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه، لأنه هو والمجنون سواء وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) رواه أبو داود، والإغلاق يشمل فقدان العقل بسبب الغضب الشديد.
الثالث: أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين، بأن يشتد ويخرج عن عادته، ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والجمهور على أن القسم الثالث يقع به الطلاق وهو المختار.
———–
2/ طلاق الحائض:
وأما عن حكم الطلاق للمرأة أثناء الحيض كما هو في السؤال فبيانه كالتالي:
طلاق الزوجة أثناء الحيض يُعدُّ طلاقًا بدعيًا، وهو محرَّم عند جميع العلماء ولكنه يقع عند جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، مع كون المطلِّق آثما؛ وذلك لما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه طلق زوجته وهي حائض، فأخبر عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال (مُرْه فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلق قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن يُطلق لها النساء (رواه البخاري ومسلم. فالنبي ﷺ أمر بالمراجعة، ولم يُنكر وقوع الطلاق وهو المختار.
———
3/ عدد الطلقات إذا تكرر لفظ الطلاق في نفس المجلس، فالراجح عد ذلك تطليقة واحدة.
وخلاصة القول في مسألة السائل:
ومن خلال النظر في حال السائل فإن طلاقه واقعٌ طلقةً واحدة، ويمكنه مراجعة زوجه ما لم تكن عدتها قد انقضت، فإن انتهت عدتها فيمكنه أن يعقد عليها عقدا جديدا؛ وذلك لأن حالة الغضب يمكن وصفها بالتوسُّط، وخاصة بعد خروجه وعودته، ثم التأكيد بعد ذلك على الطلاق، فلو قلنا بأن الحالة الأولى هي حالة غضب شديد إلا أن مرور الوقت والتكرار يجعلنا نقول بأنه متوسط يمكِّنه من وعي ما يقول، وعليه يقع طلاقه طلقة واحدة، وهو آثم في إيقاع الطلاق في الحيض ويلزمه التوبة والاستغفار والله تعالى أعلم.
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
25/ جمادى الأولى/ 1446 ه
27/ 11/ 2024 م