د. نواف هايل تكروري*
لتحميل ملف Word + pdf لهذه المقالة المحكمة:
لتحميل ملف Word + pdf لكامل كتاب (ندوة صفقة القرن .. رؤية شرعية وقراءة استراتيجية):
https://drive.google.com/drive/folders/1r2-BGQF0Y5IXWzFDRP3goka9jrfh_rW9?usp=sharing
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ جاهدَ في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ شدّهم الحنين إلى مكة بعد أن هجروا منها حتى فتحوها وأعادوها لسيادة الإسلام وسلطان المسلمين، ثم أما بعد:
فابتداءً لا بد أن نبين أن العدوان الصهيوني على فلسطين، والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في فترة الاغتصاب البريطاني لفلسطين وعند إعلان قيام كيانهم وبعد ذلك، أدت إلى تشريد ثلثي أبناء الشعب الفلسطيني وخروجهم من ديارهم وأملاكهم، بعضهم إلى داخل فلسطين في الضفة الغربية وغزة قبل احتلالهما سنة 1967م، وبعضهم إلى خارج فلسطين في الدول المجاورة وفي أصقاع الأرض فراراً بأرواحهم، إذ لم يرعَ الصهاينة المحتلون هدنة ولا غيرها في أبناء فلسطين، فكانت المجازر قبل 1948م وبعدها، وبالتالي فإن أبناء فلسطين خرجوا منها بقوة السلاح بحثاً عن الأمان على حياتهم، لا سيما في ظل وعود وتشجيع الدول المحيطة باستعادة الحق قريباً.
ومنذ ذلك الحين وأبناء الشعب الفلسطيني وأولادهم يطالبون بالعودة إلى ديارهم كحق شخصي لكل واحد منهم، وباستعادة أملاكهم الخاصة. وهكذا استمر هذا الشعب يجاهد لاستعادة الحقوق الخاصة والعامة وتدعمه شعوب الأمة وتشاركه أحياناً، ويخذله كثير من حكامها ويتآمرون على قضيته، بل ويتاجرون فيها ويبيعون الكلام ويطلقون التهديد والوعيد للغاصب والوعد لأصحاب القضية دونما فعل أو تحرك، حتى تكشفت اليوم كثير من الحقائق، وأَعلن كثيرٌ من المتسترين بالقضية الفلسطينية عن حقيقة ما يكنّونه، وظهر أن ما كان من مواقف إنما هو تخدير للشعوب لعلها تنسى، وللشعب الفلسطيني لعله ييأس من البحث عن حقه وتمسكه بأرضه ومقدسات أمته.
وجاء اليوم ما أطلق عليه (صفقة القرن) وهي مؤامرة تأتي على حقوق الشعب الفلسطيني خاصة وحقوق الأمة الإسلامية عامة، ومرادها استغلال واقع الأمة المتردي لتحقيق أهداف الكيان الصهيوني على أرضنا ومقدساتنا ولمزيد من التشريد للشعب الفلسطيني والانتهاك لحرمات الأمة بل والتوسع في بلادها من كل وجه، فهذه الصفقة تحمل في طيات نصوصها عدواناً على المقدسات والحدود والمياه والإنسان والسلطة، ولا تبقي لنا في أرضنا وبلادنا إلا أن تستخدمنا في خدمة الكيان وموارد الأمة المالية والبشرية تحت يده. فمسألة حق الشعب الفلسطيني في أرضه تأتي عليها من أساسها بالإلغاء فتنهي هذا الحق بالكامل فردياً وجماعياً -إن نُفذت لا قدر الله- فهي تنصّ على ما يلي:
1)- أن كل القرارات الدولية والوعود بعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ليست واقعية ويجب أن تلغى، حيث جاء فيها: “لم تكن الاقتراحات التي تطالب إسرائيل بالموافقة على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو التي تعدهم بعشرات مليارات الدولارات كتعويض للاجئين يوماً واقعية”.[1]
2)- المساواة بين المشرد الفلسطيني من أرضه بفعل المذابح التي مورست ضده من قبل العصابات الصهيونية والدولة الصهيونية بعد قيامها، وبين اليهودي الصهيوني الذي قرر أن يترك بلده في أوروبا أو أمريكا أو روسيا أو العالم العربي، ليأتي مغتصباً ومعتدياً إلى فلسطين طمعاً برغد العيش، حيث تنص: “وأنه أسفر الصراع العربي الإسرائيلي عن أزمة لجوء للفلسطينيين واليهود إذ أدى هذا الصراع إلى تشريد العدد نفسه تقريباً من اليهود والعرب”.[2]
3)- توجه الجريمة الشكر للكيان الغاصب على استيعابه اليهود، وتطالب العرب باستيعاب الفلسطينيين، وتلوم بلاد العرب على عدم توطينهم للفلسطينيين.[3]
4)- تعتبر هذه الجريمة أن من الواجب إنهاء حق العودة لأبناء فلسطين فتجعلها حلالاً للصهاينة الغاصبين. حيث تنص: “يجب أن يُنهي اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني على نحو كامل وتام جميع المطالبات المتعلقة بوضع اللجوء والهجرة، ويجب أن يُلغى حق عودة أي لاجئ فلسطيني أو استيعابه في دولة إسرائيل”[4]، وهي تنص أيضاً: “سيُلغى عند توقيع هذه الاتفاقية وجود اللاجئ الفلسطيني وسيتم إنهاء الأونروا ونقل مسؤوليتها إلى الحكومات المعنية، وسيؤدي اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني بذلك إلى إزالة مخيمات اللجوء كافة وبناء مساكن دائمة”[5]، طبعاً ليس في بلادهم وإنما حيث يوطنون ويشردون! ثم تطرح ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الراغبين بالحصول على مكان دائم للإقامة:
1- استيعاب عدد من الفلسطينيين المشردين في العالم فيما سيسمى بدولة فلسطين بوجه لا يضر بالكيان، ومن يتم استيعابهم في الدولة الفلسطينية الممسوخة يخضع لقيود متعلقة بالكيان الصهيوني، جاء في نص الجريمة: “من الضروري التأكيد على أن الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط يأتون من بلاد مزقتها الحروب، مثل سوريا ولبنان اللذان يكنان العداء الشديد لدولة إسرائيل”[6]، ولتبديد هذه المخاوف -لدى الكيان- ستشكل لجنة من الإسرائيليين والفلسطينيين لمعالجة هذه المسألة وحل الخلافات العالقة بشأن دخول اللاجئين بحيث يقتصر حق اللاجئين الفلسطينيين في الهجرة إلى دولة فلسطين وفقاً للترتيبات الأمنية المتفق عليها حتى لا تزيد المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل، فتضبط هذه اللجنة أعدادهم، ومصادر قدومهم، ومواقع وجودهم داخل فلسطين، ومتابعة أمورهم، والتنسيق الأمني بشأنهم. بل إنها تعطي الكيان الحق بإخراج أهل فلسطين المحتلة 1948م من بيوتهم وبلادهم من خلال إقرارها يهودية الدولة.
2- يستوعب عدد آخر في البلاد التي هم فيها بترتيب مع هذه البلدان، ودمجهم محلياً في الدول المضيفة بعد موافقتها.
3- وقسم ثالث ترتب أمريكا وتفرض على دول منظمة التعاون الإسلامي التي توافق على المشاركة في إعادة توطين الفلسطينيين، استيعابهم على مراحل بحيث تستوعب كل دولة (500) سنوياً، وعلى مدى عشر سنوات يصبح العدد (5000).[7] ومن يتبقى تمزقهم الولايات المتحدة في شتى أصقاع الأرض وتوزعهم على بلاد تتوافق وإياها على ذلك.
5)- أما في إطار التعويضات للمهجرين فهي تنص: “سنسعى إلى جمع الأموال اللازمة لتقديم بعض التعويضات للاجئين الفلسطينيين وستوضع هذه الأموال في صندوق اللاجئ الفلسطيني، يديره أمينان تحددهما أمريكا وفلسطين”.[8]
إذن هذا ما تقرره صفقة القرن بشأن حق العودة؛ فهي تقرر إلغاءه، وتؤكد تشتيت الشعب الفلسطيني شتاتاً أكبر من شتاته وتجعل شتاته أبدياً، وتوقف كل أنواع الدعم لأبناء الشعب الفلسطيني بإيقاف الأونروا، وتجعل بيوتهم التي هجروا منها حقاً للغاصبين الذين جاؤوا من أصقاع الأرض، وحتى مسألة التعويض التي هي حقٌ عما مضى من العدوان والشتات تجعلها بحدود ضيقة، وبمقابل التنازل الكلي عن فلسطين، وبإقراره ألا حق له فيها، فمن يستحق التعويض هو من يوطن في أصقاع الأرض حيث لا يشكّل ضغطاً على كيان الغصب والعدوان، ويكون التعويض لدولة المسخ الفلسطينية والدول التي تستوعب الفلسطينيين وتريح اليهود الغاصبين منهم.
ومحل بحثنا في هذه الورقة هو عن الحكم الشرعي في التجاوب مع هذه القرارات الظالمة والخضوع والانسجام معها، وبالتالي الحكم الشرعي للتنازل عن العودة لفلسطين، وبيان هل هذه العودة حق محض كما هو اسمها؛ فيحق للإنسان أن يتنازل عنه لمصلحة أعظم يراها أو ليرعى أموراً يراها أفضل له، أم أنها واجب وليس مجرد حق، وبالتالي فإن المسلم لا يملك التنازل عن العودة بصفتها واجبة عليه، أم أنها تعسّف في استعمال الحق وينبغي التجاوز عنه ونسيانه.
هذا ما سوف تجيب عليه ورقتنا بإذن الله مدعماً بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وقواعد الفقه ومقاصد الشريعة، حيث تكونت من هذه المقدمة ثم ثلاثة مطالب ثم خاتمة:
المطلب الأول: معرفة معنى المصطلحات الواردة: التأصيل، والشرعي، والحق، والعودة، والواجب.
المطلب الثاني: تحديد حكم العودة إلى فلسطين: هل هو حق أم واجب؟ أم حق واجب؟ بمعنى هل طلبه على وجه الإباحة أم على وجه الأمر والوجوب؟
المطلب الثالث: الأدلة الشرعية على ما نذهب إليه: من القرآن، ومن السنة، ومن القواعد والمقاصد، ومن أقوال العلماء وواقع الأمة.
المطلب الأول: معرفة معنى المصطلحات الواردة:
يجدر بنا هنا أن نبدأ بتعريف ألفاظ العنوان فرادى ومصطلحات، وسوف أبدأ ببيان معاني المصطلحات الواردة في الورقة وما المقصود بها هنا، وسأتجاوز عن تفصيل التعريفات فهي معروفة.
الفرع الأول: معنى التأصيل:
التأصيل في اللغة: الرجوع إلى الأصل وإلى الأساس الذي يبنى عليه. وأصل الشيء: ما يستند إليه وينسب له ويبنى عليه[9]، فإذا قلنا فلان أصل فلان، أي: أنه ينسب إليه ويستند إليه. فعندما نؤصل لمسألة نُسندها إلى أصل يكون مصدراً للاعتداد بها.
الفرع الثاني: معنى التأصيل الشرعي:
وإذا كان التأصيل شرعياً: فهذا يعني أنه مستنِد إلى مصدر من مصادر الشرع يوجّه القولَ بها طلباً أو تركاً. فوصفُ الشرعي قيدٌ ورد على التأصيل فحصرها في المصادر الشرعية. فالتأصيل الشرعي: هو الرجوع إلى أصول الشرع ومصادره من كتاب وسنة واجتماع وقياس وبقية المصادر الفرعية لمعرفة الحكم التكليفي للمسألة المقصودة. وخرج بقيد الشرعي التأصيلُ القانوني والعرف، فأردنا بالبحث التأصيلَ الشرعي حصراً.
ولا بد من التذكير هنا بأن المسلم يجب أن ينطلق في أعماله كلها من منطلق شرعي، فيلزم نفسه المأمور به لأن الشارع يدعوه إليه، ويدع من تلقاء نفسه المنهي عنه لأن الشارع لم يرتضه له، قال ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به”.[10] بل يجب أن يرضى في داخله عن حكم الشرع وليس مجرد القبول الظاهر، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا﴾ [النساء ٦٥]. ولا بد من التأكيد على أن للشارع في كل أمر في حياتنا حكم يدور بين الأمر والنهي والترك، فيؤخذ من الأمر الوجوب والندب، ومن النهي التحريم والكراهة، ومن الترك الإباحة. وحكم الشارع قد يكون من خلال النص مباشرة أو إلحاقاً به باجتهاد العلماء ولا يوجد في حياة المسلم موقف أو تصرف لا علاقة للشرع به.
ونحن عندما نتكلم عن التأصيل الشرعي لمسألة من المسائل فإننا نقصد بذلك: العودة إلى أصول الشرع ومصادره من كتاب وسنة وما تفرع عنهما، لتحديد موقع هذا التصرف ومكانه في أحكام الشرع، وهذا هو المراد بالتأصيل الشرعي.
الفرع الثالث: معنى الحق:
أصل الحق: المطابقة والموافقة، وهو في اللغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي العُرف: الحكم المطابق للواقع[11]، ويقال في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه[12]. فالحق: سلطة مباشرة تقرر لشخص أو جماعة بشرع أو قانون أو عرف على أمر عيني أو معنوي.
الفرع الرابع: معنى العودة:
العودة في اللغة: الرجوع أو الطريق القديم.[13] وحق العودة مصطلح أطلق على أحقية الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه التي أخرج منها قسراً من خلال الاعتداءات الصهيونية على أرضه سنة 1948، وسنة 1967، وما بينهما، وما بعدهما.
فالمراد بحق العودة في بحثنا: رجوع الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم ومن تولَّد منهم إلى أرضهم وديارهم التي أخرجوا منها. فالبحث ينصبّ على هذا المفهوم وليس على أي معنى آخر.
الفرع الخامس: معنى الواجب:
وأما الواجب فيفيد في اللغة: اللزوم والثبوت، يقال: وجب الشيء يجب وجوباً إذا ثبت ولزم. والفرض والواجب عند جمهور العلماء سواء، وهو كل ما يعاقَب على تركه. واستوجب الشيء: استحقه، وهو من لوازم الحق كما يقال: حقك عليّ واجب.[14]
المطلب الثاني: تحديد حكم حق العودة إلى فلسطين:
ونبدأ بهذا السؤال: هل التمسك بالعودة إلى فلسطين حق محض للشخص؟ أم أنه ليس مجرد حق وإنما هو حق واجب، فهو حق للمرء وفي الوقت نفسه عليه فعله؟ أم أن طرحه تعسف ومبالغة يجب التجاوز عنها؟
ملاحظة: قد يقول قائل: أنت تبحث في التأصيل الشرعي لحق العودة ليخرج معك حكمه، ثم تسميه وتعنون له بـ(حق العودة)! فأنت تصدر حكماً في العنوان وتحكم بالتسمية أنه حق، وهذا إصدارُ حكم قبل البحث فلا يصح.
وفي هذا الإطار أود أن أبيّن أن (حق العودة) تعبير عن اسم ومصطلح، وبذلك يكون بحثي منصباً على مصطلح متعارف عليه لبيان حكم الشرع فيه؛ هل الاسم فيه منسجم مع المسمى أم مخالف له، فكم من شخص اسمه محمود وهو مذموم، كما أن علماء الحديث يسمون الكلام الموضوع على رسول الله ﷺ: حديثاً، فتسميته حديثاً ليست لبيان الحقيقة، بل كما سماه صاحبه. ومن التقادير أن الاسم هنا لا يمثّل الحقيقة كما ظهر لنا في الحكم، إذ ثبت أنه ليس مجرد حق بل هو واجب كما يظهر من البحث.
الفرع الأول: أقسام الحق:
ثم نأتي الآن لتفصيل القول في المسألة فنقول ابتداءً: كل واجب حق، وليس كل حق واجب. ولا بد أن أبين أن الحق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1)- الحق المحض (الخالص):
وهو ما ينبغي أن يُمكّن منه الإنسان فلا يحال بينه وبين الوصول إليه وممارسته، وهو يملك فعله وتركه ومنحه لغيره، وهذا متعلق بالشخص ولا أثر له على الغير، أو أثره على الغير هامشي لا يستحق تغيير حكمه، كالسفر بشكل عام، وكالتصرف في ملكه في الأحوال العادية بشكل عام، مثل حق الإنسان أن يبيع أرضه، فله أن يفعل ذلك أو أن يمتنع عنه ما دام ذلك لا يُلحق ضرراً جسيماً بالغير. وقد ترد ضوابط على هذا الحق بحيث تجعله مقيداً مراعاةً لحق الغير عند تصرفه بحقه، مثل إعطاء الأولوية للجار والشريك عند البيع دون أن يُنقص من حق المالك شيئاً إنما يقيد الحق في المشتري، ومثله حق الدائن والمرتهن وأولويته دون أن يضر بالمالك.
2)- الحق المهدور:
وهو ما كان في أصله حق، كحق الإنسان التصرف في ملكه والسماح باستعماله أو المنع منه، ولكن التمسك به لا ينبني عليه منفعة له أو يترتب عليه إضرار بالغير، أو أن المصلحة المحدودة المترتبة عليه يقابلها هدر مصلحة أو إلحاق مفسدة بالغير أكبر، أو بالحق العام، فعند ذلك يُهدر الحق ويُسلب، ولا يبقى حقاً، ويمنع صاحبه من التصرف به. ومنه ما يعرف في القانون بالتعسف في استعمال الحق، أي استخدامه على وجه يضر بالغير، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمحمد بن مسلمة لما أراد أن يمنع الضحاكَ من أن يُمر بالماء من أرض محمد ليسقي أرض أخيه الضحاك -مع أنه ينفعه ولا يضره مروره-، ولكن كون هذا التصرف يلحق ضرراً معتبراً بالغير ولا مصلحة لصاحب الأرض به منعه منه عمر وقال له: “ليمرنّ به ولو على بطنك”[15]، وعندها أمر عمرُ الضحاكَ أن يمرر الماء من أرض محمد بن مسلمة، وأهدر حق محمد بن مسلمة بالتصرف بملكه، لأنه تصرف فيه تعسف.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟﴾ [البقرة ٢٣١]، فحق إمساك الرجل زوجتَه مقيدٌ بأن لا يكون إضراراً بها. وكذلك حق الوصية في الثلث مقيد بأن لا يكون إضراراً بالورثة كما في قوله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ﴾ [النساء ١٢].
3)- الحق الواجب:
وهو ما ينبغي أن يُمكَّن منه الإنسان ولا يحال بينه وبين تحقيقه، ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يتنازل عنه، وذلك لكونه تكليفاً شرعياً كالصلاة وكالحجاب للمرأة. فحق الإنسان ألا يحال بينه وبين عبادته لله تعالى ولا يمنع منها حتى ولو كان في سجن، وحق المرأة أن تلبس الحجاب فلا تمنع من ذلك فهو من حقوقها الشخصية، فما تفعله فرنسا من تشريع منع الحجاب، وكذلك ما فعلته أنظمة عربية من نزع الحجاب هو اعتداء على حق المرأة.
ولكن هذا الحقَ حقٌ واجب لا يجوز لها التنازل عنه، وهي شرعاً ليست مخيرة فيه، بل ملزمة من الشارع تحاسب عليه يوم القيامة، فلا تستطيع امرأة أن تقول كون الحجاب حقّي فأنا متنازلة عنه، فإن فعلت فإنها تكون آثمة ومسؤولة عند الله عز وجل لأن ما تنازلت عنه ليس حقاً محضاً، وإنما حق واجب.
الفرع الثاني: حكم حق العودة إلى فلسطين:
وقد يصبح الحق واجباً لتعينه طريقاً لحقٍ موازٍ أو أكبر للعموم، أو طريقاً لحق أكبر للغير، أو بمعنى آخر لأثر التنازل السلبي عنه على مصلحة عامة كحق الله والحق العام، أو على حقوق خاصة أعظم منه، إذ يتحول الحق عندئذٍ من حقٍ محضٍ إلى حقٍ واجبٍ لا يحق لصاحبه التنازل عنه، كما في التمسك بحق العودة إلى فلسطين، فمن حق الإنسان أن يتمسك بالعيش بوطنه أو أن يختار تغييرَه أو أن يهاجر منه، ولكن إذا ترتب على ذلك إضرارٌ ببقية الملّاك بأن أضعف ذلك حقهم في ملكهم، أو ترتب عليه فقْد الحق العام وهو سلطان الإسلام على هذه الأرض، فإن التمسك بالحق الخاص يصبح واجباً حفظاً للحق العام الذي تعين هذا التمسك طريقاً إليه، إذ لو كان الخيار لكل فرد فإن الحق العام يكون في خطر الزوال، وهذا ينطبق تماماً على التمسك بحق العودة.
والحق أن هذه المسألة محل اتفاق عند العلماء، لا يخالف فيها ممن يُقبل قولُه أحد، فالعودة كما بيّنا ليست مجرد حق بل هي واجب يوجبه الشرع، ولا يجوز لمالك أي جزء من أرض فلسطين أن يتنازل عنها بمقابلٍ أو دون مقابل للأعداء الغاصبين، أو على وجه تؤول إليهم ولو بالظن. والأدلة على ذلك كثيرة جداً من الكتاب والسنة والتاريخ الإسلامي والقواعد الفقهية ومقاصد الشرع وأقوال علماء العصر، ولا يخرج عن ذلك إلا من باع دينه بعرض من الدنيا.
المطلب الثالث: الأدلة الشرعية على ما نذهب إليه:
وفيما يلي أسوق الأدلة على هذا من الكتاب والسنة وقواعد الفقه ومقاصد الشرع وأقوال العلماء:
الفرع الأول: الأدلة من القرآن الكريم:
أما من الكتاب فقد وردت عدة آيات يمكن للناظر بها أن يستخرج هذا المعنى بجلاء ووضوح، منها:
1)- قوله تعالى: ﴿وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ﴾ [البقرة ١٩١]
جاء هذا النص في إطار بيان الواجب تجاه العدو، وهو خطاب للمسلمين بضرورة رد عدوان المعتدي، واستخلاص الحق من بين يديه وإعادته إلى أهله، وهو خطاب للمسلمين لإخراج المشركين من مكة كما أَخرجوا المسلمين منها.[16] ومعنى أخرجوكم: أخرجوا بعضكم يعني: النبي والمهاجرين. والخطاب للمهاجرين والأنصار على حد سواء على الأصح من قول العلماء.[17] ومع أن الذين أُخرجوا هم المهاجرون وحدهم، ولكن الأنصار حيل بينهم وبين زيارة مكة، وهو مسوغ لهم بالاشتراك في دفع أذى المخرج، والمساهمة باستعادة الحق منه، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى فإن إخراج المهاجرين من أرضهم يوجب على الأنصار الوقوف إلى جانب إخوانهم حتى لو لم يكن لهم حق خاص، فصار لهم بذلك حقان -وهما واجبان- وكذا فإن ما ذكر من واجب على الأنصار هو واجب على المهاجرين من باب أولى، فصار كل مسلم بهذا يدافع عن حقه وحق إخوانه، وكل سبب من السببين لو انفرد لكان موجباً للجهاد، فكيف وقد اجتمعا!
وهذا الحكم واقع في قضية فلسطين بتفصيله، فالواجب على المسلمين تجاه اليهود الغاصبين هو العمل سوياً من أجل إخراجهم من هذه البلاد التي اغتصبوها؛ أما أهل فلسطين فلأجل استرداد أرضهم المغصوبة، وأما غيرهم من المسلمين فانتصاراً لحقهم إذ حيل بينهم وبين التعبد في المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال.
وكذلك فإن الحق الثابت بفلسطين حقان: خاص وعام، فالحق الخاص الذي هو ملك المسلم، والحق العام للمسلمين أجمعين، وبهذا أيضاً صار المتنازل عن حق العودة إنما يتنازل عن حقه وحق غيره بل عن الحق العام والخاص على حد سواء، وهو أمر لا يملكه ولا يجوز له فعله شرعاً. وبناء عليه فإن التمسك بهذا الحق واجب، بدلالة مفهوم التكليف بالإخراج، لأنه إذا كان التكليف بالإخراج وجوباً فمفهومه عدم جواز التنازل لهم، وفي هذا السياق يقع قوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ﴾ [البقرة ١٩٤]، فالنص تكليف برد العدوان وليس مجرد إباحته. ومن لم يستطع تنفيذَ الإخراج وردَّ العدوان لظرف ما، لم يجز له أن يتنازل عنه، فالواجب باقٍ ينتظر القدرة عليه، ولا يتحول إلى محظور أو مباح بعجز شخص أو فئة أو تخاذلها.
2)- قوله: ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ [الأنفال ٦٠]
الخطاب في قوله: (وَأَعِدُّواْ) للمسلمين جميعاً، وذلك لإرهاب العدو ومنع عدوانه من الوقوع فإذا كان العدوان واقعاً كان الإعداد أولى لدفع العدوان واسترداد الحق.[18] وفي قضية فلسطين فإنّ الخطاب موجَّه لكل مسلم أن يعد ما بوسعه واستطاعته لتحقيق إرهاب العدو وصد عدوانه. ومما لا شك فيه أن هذا التكليف يجب أن يتلقفه كل مسلم لينفذه في إطار وسعه واستطاعته، ومن موقعه وإمكاناته وظروفه، وقد أكد الشعب الفلسطيني من موقعه للعدو أن ثمن استمرار عدوانه باهظ لا يقدر على دفعه اليهود الذي قال فيهم ربنا: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ﴾ [البقرة ٩٦] حتى قال أحد قيادات المحتل يائساً: “إننا نشعر أننا مازلنا في حرب إعلان الدولة”.
ولما كان الخطاب موجهاً للمسلمين جميعاً كما أسلفت، فإن الفلسطينيين خارج فلسطين وكذلك بقية المسلمين واقعون في دائرة التكليف بإعداد ما يرهب العدو وينزع أمنه. وإذا كان أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1967 (الضفة والقطاع) يمكنهم أن يمارسوا ألواناً من المقاومة العسكرية تنزع أمن الكيان الصهيوني، وتدخل الرهبة إلى قلوب أفراده، فإنه واجب عليهم بقدر إمكاناتهم. وإذا كان أهلنا في فلسطين المغتصبة عام 1948 يمكنهم تثبيت إخوانهم، ورعاية أسر الشهداء والمجاهدين، والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وتسيير القوافل للتعبد فيه على وجه يحفظ هويته، ويرهب العدو من التمادي في العدوان عليه ويشعرهم بخطورة الإقدام على هدمه، فإن ذلك كله واجب عليهم. ولعل من أوجب ما يقع على عاتق أبناء فلسطين المشردين خارجها إضافة إلى دعمهم المادي والمعنوي لإخوانهم المجاهدين أن يعلنوا تمسكهم بالعودة إلى أراضيهم، ورفضهم المطلق لأي بديل يطرح من مال أو بلاد أو حتى العودة إلى غير مواقعهم التي أبعدوا منها، كرجوع أصحاب الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الأراضي المحتلة عام 1967.
3)- قوله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ، مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِینَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن یَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا یَرۡغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَ لِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا یُصِیبُهُمۡ ظَمَأࣱ وَلَا نَصَبࣱ وَلَا مَخۡمَصَةࣱ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰا یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلࣱ صَـٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ، وَلَا یُنفِقُونَ نَفَقَةࣰ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةࣰ وَلَا یَقۡطَعُونَ وَادِیًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [التوبة 119-١٢١].
أولاً: كلفت الآية المؤمنين بالسير على نهج الصادقين، ومفهومها يدل على التكليف بالبعد عن منهج الكاذبين. والصادقون هم المتمسكون بحقوق الأمة المعظّمون للمقدسات ولسلطان الإسلام، وهم الذين يختارون نهج رسول الله ﷺ في الصبر على الشدائد لتحقيق المقاصد والغايات السامية، لا الذين يتبعون سبل الراحة والدعة.
ثانياً: نهت الآيات عن التخلف عن رسول الله ﷺ في غزوه وفي سننه وسيرته، واستعظمت من المسلمين أن يتخلوا عن المنهج الذي رسمه ﷺ وسار عليه. ومع أن نفسَه هي النفس الأنفس والأولى بالحفظ فقد عرّضها للمخاطر إعلاءً لكلمة الله، لهذا لم يجز لمسلم من بعده أن يعد نفسه أولى بالحفظ والرعاية فيضِن بها عن مواقع التضحية والفداء. قال محمد رشيد رضا: “إن المتخلف يفضِّل نفسه ويؤثرها على نفس رسول الله ﷺ التي لا يكمل إيمان أحد حتى يحبه أكثر من حبه لنفسه، وهذا يصح بعده ﷺ في كل راغب عن سنته والتأسي به”.[19] وقال الزمخشري: “أُمروا أن يصحبوه على البأساء والضراء وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما تلقاه نفسه، علماً بأنه أعز نفس على الله وأكرمها، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرّض له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيمون لها وزناً”.[20]
ثالثاً: ثم جاء التعليل في النص لضرورة المتابعة لما يترتب على ذلك من المثوبة، وهو تقرير بأن طريق العزة مؤلم ولكن ثماره في الدنيا والآخرة جليلة. فيواسي تعالى أتباعَ المصطفى ﷺ في الجهاد وأهلَ فلسطين وكلَّ أبناء الأمة الثابتين المتمسكين بالحق فيما يلحقهم من مشاق وآلام بأن الثمار عظيمة، وأن كل ما قد يفوتهم من مال وتعويض مكفولٌ عند الله بأجر الآخرة والتأييد منه بالنصر والتمكين في الدنيا: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ..﴾ [النور ٥٥].
رابعاً: لقد جعل سبحانه كل ما يغيظ العدو وكل ما ينال منه باباً من أبواب الأجر. ولا شك أن التمسك بحق العودة هو أغيظ تصرفات الشعب الفلسطيني خارج فلسطين لهذا العدو، فأكثر ما يغيظه هو أن يجد الأجيال تتعاقب وتتواصى على التمسك بالحق والمقدسات، وبالمقابل فإن أكثر ما يثلج صدره ويطمئن قلبه أن تخشى الأجيال على ذواتها، وتفرط بالحقوق العامة والخاصة حفاظاً على الراحة والدعة.
خامساً: أكد سبحانه أن كل ما يفوت من النفقات ويذهب من الأموال محفوظ عند الله تعالى، كما أن التمسك به طريقُ عزة وباب إرهابُ للعدو، فإن العدو إذا علم أن عامة الشعب يجودون بالغالي والنفيس ولا يضرهم عَرض ولا يرهبهم تخويفه وإجرامه، فإنه يوقن عند ذلك بقصر أجله، ويعلم أنه لا استمرار لمشروعه، فيسرع في الاندحار.
والخلاصة في توجيه الآية:
1- أن منهج الرسول ﷺ في التعامل مع المعتدي كان بالجهاد وكسر شوكة هذا المعتدي، وليس بالتساهل والتنازل وقبول التعويض، فلا يجوز لأهل فلسطين وغيرهم أن يحيدوا عن هذا المنهج، ويجب عليهم الاستمرار بالثبات وإعانة إخوانهم في ساحة الجهاد والمقاومة، والتمسك بالحقوق وعلى رأسها حق العودة.
2- أن كل ما يعانيه أهلنا من جراء رفض التوطين من قلة المال والمأوى مع استمرارهم بالمطالبة والمقاومة من أجل تأكيد هذا الحق، أجره على الله سبحانه، وكل ذلك من ضروب جهاد الأعداء ومقاومة مشاريعهم العدوانية.
3- أن ضيق العيش الذي يعانيه أهلنا في مواقع غربتهم وشتاتهم وهم القادرون على أن يتوسعوا بتعويض عن العودة، وهو مال سحت وبيع للمقدسات، أن هذا كله مكتوب لهم عند الله عز وجل، وسوف يجزون به إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، فسوف يجزون بأحسن ما كانوا يعملون من الجهاد والصبر والثبات، وتقديم المصالح العامة والمتعلقة بعزة الأمة، على المصالح الآنية الضيقة من الخلود إلى الراحة وتحصيل المال.
4)- قوله: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن یَدۡخُلُوهَاۤ إِلَّا خَاۤىِٕفِینَۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة ١١٤]
قيل إنها نزلت في تخريب اليهود بيتَ المقدس[21]، والمراد كل المساجد. واليهود منذ احتلالهم فلسطين وهم يخربون المساجد ويحولونها إلى متاحف ومطاعم وبارات وإسطبلات، ولا شك أن التنازل عن حق العودة اطمئنان للعدو وترسيخ لتخريبه للمساجد وإقرار له وتحويله إلى أمر دائم. فالمتنازل عن حق العودة مقِر بتخريب المساجد وشريك في الوزر، والمطالِب به منكر بالحد المستطاع لديه تخريبَ المساجد، وهذا الإنكار واجب وما يؤدي إليه واجب.
5)- قوله: ﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَانِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [المائدة ٢]
لقد حرم الشارع على المسلم أن يساعد مسلماً في مأثمة أو عدوان، وأن يكون سبباً في التمكين للمعتدي، ولو كان هذا المعتدي مسلماً، بل أوجب المصطفى ﷺ على المسلم أن يمنع أخاه من الظلم والعدوان، وأن يقف في وجهه ليصده عن مثل ذلك، وأن يجعل ذلك انتصاراً له وإعانة له، فقال: “انْصُرْ أَخاكَ ظالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ”.[22]
فإذا كان التعاون مع المسلم لا يجوز إذا كان هذا التعاون على عدوان، فكيف بالتعاون مع الكافر المعتدي؟ وأي تعاون مع اليهود الغاصبين أكبر من ترسيخ عدوانهم من خلال التنازل عن العودة وترك المجال لهم يعيثون في الأرض فساداً دون أن يقطع عليهم حبلَ عدوانهم وقوفُ أصحاب الملك مطالبين به رافضين التنازل عنه.
6)- قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ، وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ، یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27-٢٩].
قيل إن هذه الآيات نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، بعثه رسول الله ﷺ إلى بني قريظة فأشار إليهم أنه الذبح -أي إذا استسلموا أو نزلوا على حكم أحد- قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فلما نزل شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي، حتى تاب الله عليه بقوله: ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُوا۟ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُوا۟ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَءَاخَرَ سَیِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [التوبة ١٠٢]. ثم قال أبو لبابه: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي، فقال ﷺ له: “يجزئك الثلث أن تصدق به”.[23] فإذا كان أبو لبابة لكلمة قالها قد تؤثر على استسلام العدو بالسلب عدّها خيانة، مع أن العدو ضعيف ولا مجال أمامه إلا للاستسلام، فكيف بمن يقدم عوناً كبيراً للعدو القوي يزيده تمكناً من الأرض والمقدسات بالتنازل عن حق العودة؟ لا شك أن ذلك خيانة كبرى.
وكل هذه الأمانات من أموال وأنفس وأحكام ومواقف، رسم الله تعالى للمسلم كيفية التعامل معها، وكل انحراف عن الخط الذي رسمه إنما هو خيانة للأمانة. قال سيد قطب: “إن التخلي عن تكاليف الأمة المسلمة في الأرض خيانة لله والرسول”[24]، ولما كان الحرص على الأموال والأولاد والمصالح الضيقة غالباً ما يكون السببَ في إضاعة الأمانة وتجاوز حدودها، لذلك قال: ﴿إِنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ﴾. وقيل أن أبا لبابه كان له أموال وأولاد في بني قريظة مما حمله على ملاينتهم، فقال: ﴿وَٱللَّهُ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ﴾، قال القرطبي: “أي فآثروا حقه على حقكم”.[25] وقد وعد سبحانه الذين يحفظون الأمانات، ويؤدون ما عليهم، ويتقونه فلا يتجاوزون حدوده لمصالح ضيقة أن يعوضهم خيراً فيحقق لهم مخرجاً[26] من كل ضائقة، ونصراً[27] على أعدائهم بإثبات حقهم وإزالة عدوان أعدائهم في الدنيا، ووعدهم في الآخرة أن يكفر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم ذنوبهم: ﴿وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال ٢٩]”.
7)- قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى ٣٩].
اختلف العلماء بمصدر البغي، فذهب بعضهم أنه سبحانه امتدح الذين ينتصرون من المشركين المعتدين، وقال آخرون بل امتدح المنتصرين من المعتدي حتى لو كان مسلماً، لا سيما إذا تمادى في ظلمه وعدوانه وصار العدوان والظلم سجيته.[28] فالله سبحانه يمتدح عباده أنهم لا يخنعون ولا يقبلون الضيم ولا يستكينون للمعتدي. ولذلك فإن الراضين بالضيم والخاضعين للاستضعاف والذين لا ينقلبون على الباطل ويخرجون عليه قال فيهم: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ﴾ [النساء ٩٧]. وربما يقول قائل إن الآية تتكلم عن الهجرة ولكني أقول: إن الآية استعظمت على المسلمين أن يقبلوا الهوان ولو اقتضى الأمر أن يخرجوا من أرضهم، وقديماً قيل: “تموت الحرة ولا تأكل بثدييها”. فالآية توجه المسلم لرفض الضيم والذل، وأما الهجرة فهي استعداد للعودة كهجرته ﷺ وليست تنازلاً عن البلاد.
الفرع الثاني: الأدلة من السنة النبوية:
8)- أن رسول الله ﷺ قد أخُرج من أرضه –مكة المكرمة– فراراً بدينه، وهيمن الأعداء عليها ثمان سنوات، فماذا صنع ﷺ للحفاظ على الحق واسترداده؟ لقد بقيت استعادة مكة هدفَه، والتمكن منها من أولوياته مع وجود فارق بين حالة مكة وحالة فلسطين، وهي أن رسول الله ﷺ وأصحابه مالك وشريك في الملك وليس له السلطة على مكة حقاً، فمكة حينئذ لم تكن دار إسلام وإنما دار كفر، وأهل مكة اعتدوا على أموال وأملاك خاصة لأفراد المسلمين وليس على السلطة فهي لهم ابتداءً، بخلاف الكيان الصهيوني الذي لا وجود له أصلاً إلا على وجه الغصب والعدوان. ومع ذلك فقد بقي ﷺ ساعياً لاسترداد حقه واسترجاع بلده حتى حقق ذلك، وفي سبيله حارب وهادن، ولكنه لم يتنازل، ولم يجعل مكة والبيت الحرام حقاً خالصاً لهم بل ضحى لاسترداد الحق وعانى، ومن يرغب عن سنته فمصيره الفشل ومن يسلك دربه فهو المنتصر.
9)- ما جاء في الأثر: “من دعا لظالم بطول البقاء فكأنما أحب أن يعصى الله”[29]، فإذا كان من دعا مجرد دعاء يعد محباً لعصيان الله، فكيف بمن قدم للظالم أسباب البقاء؟ ووفر له أجواء استمرار ظلمه وعدوانه عملياً، ودفع عنه المطاردة والمطالبة، فلا شك أنه شريكه في العدوان.
الفرع الثالث: الأدلة من القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة:
10)- من القواعد الفقهية المرعية شرعاً:
أن المصالح العامة أولى بالجلب وتُهدر لأجلها المصالح الخاصة، وأن المفاسد العامة أولى بالدفع وتحتمل في سبيل دفعها المفاسد الخاصة. وتمسُّك الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه ورفضه للتنازل عن أية بقعة منها إنما هو حق عام ومصلحة عامة لجميع المسلمين بل هو كما يقول الفقهاء: حق الله، لما فيه من علو سلطان الإسلام على تلك البقاع. وبالتالي فإن هذا التمسك واجب على كل فلسطيني، وسيُسأل عنه يوم القيامة. وإذا تعارض الحق العام مع حق خاص مثل التصرف بأرضه وحاجته لمن ملكه فإن المصلحة العامة تقدم.
وبناء عليه فإنه إذا كان تصرف المرء بحقه يلحق ضرراً بغيره من الخواص روعي الحقّان معاً على وجهٍ يدفع الضرر عن الآخر المتضرر مع الحفاظ التام على حق صاحب الحق، فالضرر يزال. ومن هنا شُرع حق الشفعة بأن يكلف البائع بالبيع بالثمن المتاح للشريك أو الجار فيحفظ الحقان حق المالك بأخذ بدل ملكه، وحق الجار أو الشريك بأن لا يدخل عليه من لا يريده، أما إذا كان المتناقض مع الحق الخاص حقاً عاماً ومصلحةً للأمة، روعيت المصلحة العامة ولو كان ذلك على حساب تفويت المصلحة الخاصة بالكامل عند الاضطرار.
إن التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغاً بالمصالح الخاصة للآخرين وضرراً عاماً بالأمة. أما الضرر الخاص فلأنه يضعف حقهم في المطالبة بالعودة وهو الحق الأصلي، وأما الضرر العام فهو ترسيخ الاحتلال وشرعنته وهو أمر لا يجوز بحال ويضر بمصالح الأمة ومقدساتها، فعندئذ يجب أن يُنظر إلى الحق الخاص -حق التصرف بالملك الشخصي- على أنه متعارض مع المصالح العامة فيجب تركُه والحفاظ على الحق العام مهما كانت الأمور، ومن فعل غير ذلك كان خائناً للأمانة، متجاوزاً للحدود التي كلف الشارع رعايتها وعدم تجاوزها.
11)- أن الذهاب إلى التنازل عن حق العودة نقض للأصل الذي وجب عند العدوان وهو الجهاد.. والجهاد فقط، وكل ما عدا الجهاد ما جاز إلا لضرورة. فعندما اعتدى اليهود على فلسطين فإن الأصل الأول الذي وجب وتعين هو الجهاد والمقاومة ورفض الهجرة، والهجرة الاختيارية في وقت العدوان ضرب من ضروب الفرار يوم الزحف، وهي جريمة بل كبيرة من أكبر الكبائر، بل من السبع الموبقات فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “اجتنبوا السبع الموبقات” وذكر منها: “التولي يوم الزحف”.[30] والموبقات: أي المهلكات.
وأما الهجرة القسرية التي فُرضت على الشعب الفلسطيني فهي حالة اضطرار بالنسبة لمن هاجر، إلا أنها لا يجوز أن تتحول إلى أصل وإلى واقع دائم، وباختيار أهلها. فالأصل كان هو الثبات على الأرض والممتلكات في وجه المعتدي، تثبيتاً لهوية الأرض ودفاعاً عنها، إلا أن الإجرام الصهيوني مع خذلان كثير من حكام الأمة جعل الهجرة مباحة اضطراراً، وحماية للنفس من الهلاك المحتم دون جدوى –كما قدر العامة– ولكن هذه الإباحة لابد أن تبقى بقدر هذا الاضطرار، فالتمسك بهذا الحق ورفض التنازل عنه أمر مقدور عليه، ولا تشمله حالة الضرورة التي رفعت الحرج عن المهاجر. فالتمسك واجب والتنازل محظور ومحرم. والضرورة كما هو مقدر شرعاً تباح بقدرها ولا تبيح المحظور إطلاقاً، فالهجرة محظورة أباحتها الضرورة الواضحة، والتنازل عن العودة بعد الهجرة الاضطرارية محظور ولا ضرورة لإباحته فيبقى على أصل الإباحة.
12)- أن بيع الأرض للعدو في مثل حالتنا هو تنازل عن سلطان الإسلام على هذه الأرض، وإن غياب سلطان الإسلام على أرض بالغلبة والقهر يختلف عن قيامه بالتوافق والتراضي. فقيامه بالغلبة والقهر أمر لا يؤاخذ به المسلمون ما داموا يبذلون جهودهم في دفعه ومحاولة منعه، وما داموا لم يستكينوا لقيامه ولم يرضوا باستقراره. فأن يُغلب المسلمون على أرضهم ويهزمون في معركة أو يطردوا من بلادهم أو يهيمن عليهم عدوهم -على الرغم من قسوته واستغراب وصول المسلمين إليه- إلا إنه أمر يمكن وقوعه لظرف أو لضعف، ولكن الذي لا يجوز هو قبول هذا العدو والإقرار له بما أنتجه له عدوانه فضلاً عن الرضا بهذا الأمر والتوافق عليه.
13)- وقد دل عدد كبير من القواعد الفقهية الأخرى على حرمة التنازل عن حق العودة:
أسوق هنا بعضها وأدع التفصيل لبحث خاص. فمن القواعد التي تنطبق على هذا الموضوع ويمكن أن يكون لها أمر من الحكم فيه:
- قاعدة الأمور بمآلاتها، أو: الاعتبار بمآلات الأفعال.
- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
- ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
- المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة.
- تحتمل المفسدة الخاصة لدرء المفسدة العامة.
- لا ضرر ولا ضرار، أو: الضرر يزال.
- إذا تعارضت مفسدتان روعي دفع أعظمهما ضرراً.
- يُختار أهون الشرين.
- التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.
- الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان.
- الخيانة لا تتجزأ.
- ليس لعرق ظالم حق، وهي جزء من حديث: “من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق”.
- ما يشترط فيه عدة شرائط ينتفي بانتفاء أحدها
- وقد ذكر الأستاذ أحمد الزرقا رحمه الله في ضابطِ لِما يسقط من الحقوق بالإسقاط وبين أن من جملته ألا يترتب على إسقاطه تغير وضع شرعي وكان خالصاً للمسقط أو غالباً.
وغيرها من القواعد التي لها علاقة بالموضوع، فهذه القواعد تدل على وجوب التمسك بحق العودة وحرمة التنازل عنه. وذلك أنه لما كان التنازل عن حق العودة يترتب عليه تمكين للكيان الصهيوني، وترسيخ لهيمنته وظلمه وإطالة عمر إجرامه واحتلاله للأرض والمقدسات، ومنحه الاستقرار على ظلمه وعدوانه على أرض فلسطين، كان كل ما يؤدي إلى ذلك محرم. فمن يتنازل عن حق العودة يعد فعله ضرب من ضروب الدعم للكيان الصهيوني، سواء كان ذلك ببيع الأرض له أو بالقبول بوطن بديل في أي بلد كان، ولو كان أعظم مكانة دينية من فلسطين كمكة أو المدينة، أو أفضل قيمة مادية، أو حتى بالرضى أو القبول القولي ببدل أو تعويض.. فهو وما يؤدي إليه حرام.
ولما كان إخراج العدو مما اغتصبه واجباً، وكان التمسك بالحق في ملكية الأرض عامة وخاصة من وسائل تحقيق ذلك، ومسوغاً للجهاد لتحقيق هذا الإخراج، فإن التمسك بملكية الأرض يكون واجباً وجوب الجهاد الذي دعا إليه القرآن الكريم لتحقيق الإخراج. بل إن التمسك بحق العودة وملكية الأرض هو ذاته ضرب من ضروب الجهاد والرباط لأنه يؤدي مثل غرضه، فهو وسيلة لإثبات الحق كما الجهاد وسيلة لذلك فيأخذ حكمه وله مثل فضله. ولما كان الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة لاسترداد المغتصب حتى تتحقق غايته وهو التحرير، فكل ماله مثل أثره أو بعض أثره يأخذ ذات الحكم، فالتمسك بحق العودة واجب على كل مالك أرض أو حق في فلسطين.
وكذا لما كان المراد بالتنازل عن حق العودة تحقيق مصلحة خاصة محدودة، وهي تتعارض مع المصلحة العامة المتعلقة بملكية الأمة للأرض وإثبات سلطان الأمة على الأرض والبلاد، فإنه يجب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أو احتمال الضرر الخاص أو المفسدة الخاصة لدفع العامة. مع ملاحظة أن المصلحة الخاصة موهومة وليست حقيقية، فإذا وجب التنازل عنها لو كانت مصلحة حقيقية فكيف إذا كانت موهومة؟!
وكذا لما كان التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغير من الأفراد وكذا ضرراً بالأمة في مقدساتها، وجب إزالة هذا الضرر وذلك بالتمسك بحق العودة، وكذا فإن ما يسقط من الحقوق لا بد أن يتوفر فيه شرطان: أولاً: أن يكون الحق خاصاً للمسقط أو غالباً: وهذا لا ينطبق على ملكية الأرض في حالة الاحتلال فإطلاق يد المالك في حقه يضر بالحق العام فلا بد أن يقيد بما يحفظ الحق العام. وثانياً: ألا يترتب على إسقاطه تغيير وضع شرعي: وإسقاط المسلم حقه في ملكه في فلسطين يترتب عليه تغيير وضع شرعي، إذ يؤدي تراكم التنازل عن حق العودة إلى زيادة نسبة ملك اليهود للأرض الذي يترتب عليه إضرار بالحق في السلطة على البلاد والمقدسات وهو تغيير خطير للحق الشرعي في فلسطين.
وغير ذلك من القواعد الفقهية وضوابط تصرف الانسان في ملكه التي تدل دلالة واضحة على حرمة التنازل عن حق العودة مهما كان الغرض وأياً كان البديل.
14)- وأما من المقاصد الشرعية:
فإنه مما لا شك فيه أن غاية ما يمكن أن يراد تحقيقه من التنازل عن حق العودة هو البحث عن الكسب المالي الذي هو ضمن مقصد حفظ المال، ويترتب على ذلك إخلال بمقصد حفظ الدين والنفس لضياع سلطان الاسلام وتأكيد سبيل لليهود الغاصبين على الأرض والإنسان، وهو خلل شرعي كبير ولما كان حفظ الدين والنفس مقدم على حفظ المال، فإنه لا يجوز للمسلم أن يسعى لتحقيق مكسب مالي على وجه يلحق ضرراً بمصلحة دينية أو متعلقة بحياة المسلمين، هذا فضلاً عن أن المصلحة المالية هي وهم لا حقيقة.
الفرع الرابع: الأدلة من أقوال العلماء وواقع الأمة:
15)- لقد اتفقت كلمة علماء العصر الذين يعتد بقولهم بحرمة التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين لليهود الغاصبين، وأنه لا يجوز للمسلم أن يبيع أرضه لليهود المعتدين قبل الاحتلال. وقد أصدر العلماء في شتى بقاع العالم الإسلامي منذ سعى اليهود نهاية القرن التاسع عشر لاحتلال فلسطين مجموعةً من الفتاوى بحرمة التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، وحرمة بيع المسلم جزءاً من أرضه لليهود، أو لمن كانوا يعملون سماسرة للعصابات الصهيونية.
وإذا كان تحريم بيع الأرض لليهود قبل قيام كيانهم احتياطاً ووقاية من خطر مظنون أو متوقع، فإنّ تحريم التنازل عن حق العودة علاج ودفع لخطر مؤكد واقع، وبالتالي -ومن باب أولى- فإن حرمة التنازل عن حق العودة أكبر من حرمة بيع الأرض لليهود وهم عصابات، لما له من ذات الأثر الذي حرم بيع الأرض والتنازل عنها من أجله. ومن هذه الفتاوى:
1- فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: وجاء فيها: “ونحن نعلن -بما آخذ اللهُ علينا من عهد وميثاق في بيان الحق- أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تُقرَّ اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها.
إن هذا الاعتراف خيانة لله وللرسول، وللأمانة التي وُكِّلَ إلى المُسلمين المحافظة عليها، واللهُ يقولُ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٢٧]، وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسله والمؤمنين.[31]
2- في 26\1\1935 انعقد في القدس اجتماع كبير لعلماء فلسطين، وأصدروا فتوى أيّدت فتوى علماء المسلمين في أقطار عدة وفتوى مفتي القدس التي تقضي بتحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادراً من عالمٍ بنتيجته راضٍ بها، ولذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حِلِّهِ. وأشارت الفتوى إلى أن البائع والسمسار والمتوسط في الأراضي بفلسطين لليهود والمُسَهِّلِ له هو: عاملٌ ومُظاهرٌ على إخراج المُسلمين من ديارهم، ومانعٌ لمساجد الله أن يُذكر فيها اسمُه وساعٍ في خرابها، ومُتخذٌ اليهود أولياء لأن عملهُ يُعدُّ مساعدةً ونصراً لهم على المسلمين، ومؤذٍ لله ولرسوله وللمؤمنين وخائنٌ لله ولرسوله وللأمانة.[32]
3- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا بتحريم بيع أراضي من فلسطين لليهود: حيث أفتى الشيخ بأن من يبيع شيئاً من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنكليز، فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى وكمن يبيع الوطن كله، لأن ما يشترونه وسيلة على ذلك وإلى جعل الحجاز على خطر، فرُتبة الأرض من هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده، وهي بهذا تُعدُّ شرعاً من المنافع الإسلامية العامة لا من الأملاك الشخصية الخاصة. وجعلت الفتوى هذا الفعل خيانة لله ورسوله ودعت إلى مقاطعة هؤلاء الخونة في كل شيء: المعاشرة، والمعاملة، والزواج، والكلام، حتى رد السلام.[33]
4- فتوى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق بأنّه لا يَحِلُّ بيعُ شبرٍ من أرض فلسطين لليهود، ولا السماح لهم بالهجرة إليها والاستيطان فيها ولو عهداً وسلماً. وجاء فيها: “إن بيع الأرض لهم جريمةٌ كبرى، وموالاةٌ عُظمى لأعداء الله، ولا يُرَدُّ على ذلك أنهم اغتصبوها، وسواءً أُخذ منهم مالٌ أو لا فإن يدهم عليها، واغتصابها قائمٌ”![34]
5- فتوى الشيخ العبيلان في الإجابة على سؤال يتعلق بتهجير الفلسطينيين لبعض الدول مقابل تعويض مالي يسقط بموجبه حقه في الرجوع إلى فلسطين أو المطالبة بأي أملاك كانت له فيها؟
قال: “أما المسؤولية هنا فيجب أن يُعلم أنها ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم إنما هي مسؤولية أمة محمد ﷺ بأكملها… وأن بيت المقدس وأرض فلسطين أرض للمسلمين فحينئذ ليست القضية قضية فلسطين إنما هي قضية الأمة كلها فالأمة كلها آثمةٌ، وخصوصاً من كان لهم القدرة على الجهاد والقتال، آثمين في تركهم جهاد الكفار وهم اليهود.[35]
6- فتوى الدكتور القرضاوي في حكم قبول التعويض عن أرض فلسطين[36]، وجاء فيها: أما بيع الأرض أو التنازل عنها بأي تعويض –مهما علا– لأمة أخرى، سواء تَمثل ذلك في دولة أم في أفرادها، فلا يجوز بحال، لأنه في هذه الحال يُعطي باختياره من يُعوضه حقَّ نقل ملكية الأرض الإسلامية إلى أمة أخرى، ولا سيما أن هذه الأمة هي العدو الذي اغتصب هذه الأرض وأخرجه منها بالحديد والنار والدم، وبهذا تخرج الأرض الإسلامية من دار الإسلام إلى دار أعدائه. لهذا ليس مجرد حرام، بل هو من أكبر الكبائر، التي تصل بمن يستحلها إلى الكفر الأكبر، والعياذ بالله تعالى. ويتضاعف الإثم إذا تم ذلك بصفة جماعية، فهو بمثابة بيع شعب لوطنه في المزاد، والأوطان لا تُباع بملء الأرض ذهباً. فكيف إذا كان هذا الوطن بلد المقدسات وأرض النبوات، الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؟!
وهناك العشرات من الفتاوى لكبار علماء الأمة ولمؤسسات العلماء كالأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهيئات وروابط العلماء في عموم بلاد المسلمين بهذا المعنى..
ويمكن القول: إن هذه المسألة محل إجماع علماء الأمة، وإن من خالفوا في هذا الأمر لم يكن خلافهم خلاف اجتهاد بالمعنى العلمي الحقيقي، وإنما مواطأة للحكام؛ فانحرفوا عن الجادة وحادوا عن الدليل ولووا أعناق النصوص لتوافق أهواء حكامهم..
خاتمة:
وخلاصة القول فإن ما يسمى (صفقة القرن) إنما هي مؤامرة خبيثة على حقوق الشعب الفلسطيني خاصة وحقوق الأمة الإسلامية عامة، تستهدف الإمعان في تشريد الشعب الفلسطيني وإلغاء حقه في أرضه التي هُجّر منها اضطراراً.
وباعتبار أن حق العودة إلى فلسطين ليس حقاً محضاً؛ بمعنى أنه ليس ملكاً لأفراد الناس أو عموم الشعب الفلسطيني له أن يتصرف به، فإن شاء تمسّك به وإن شاء اختار وطناً غيره أو قَبِل تعويضاً مادياً مقابل التنازل عنه أو رضيَ مكاناً آخر بديلاً عنه، بل هو حق واجب لا يجوز لصاحبه التنازل عنه حفظاً للحق العام الذي تعين هذا التمسك طريقاً إليه. ولما كان التمسك بحق العودة مصلحة حقيقية دائمة شاملة فتقدَّم على المصالح الآنية الضيقة، ولما كان التنازل عن حق العودة يلحق ضرراً بالغاً في المصالح الخاصة للآخرين بإضعاف حقهم، وكذلك ضرراً عاماً بالأمة ومصالحها بترسيخ احتلال أرض المسلمين ومقدساتهم، لذلك فمهما بلغت مصلحة من يتنازل عن حق العودة فهي مصلحة خاصة موهومة مهدرة أمام المصالح الخاصة الأخرى وأمام المصالح العامة المتعلقة بعزة الأمة وديار المسلمين.
وبالتالي فإن الرضا أو التعاقد أو التراضي مع العدو أو وسطائه أو عملائه على قيام سلطان اليهود على فلسطين، أو على أي جزء منها، أو من غيرها من بلاد المسلمين، أمر لا يجوز بحال من الأحوال، وكذلك التنازل عن حق العودة أمرٌ لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغصب، وترسيخ أقدام المحتل، وإضاعة لحقوق المسلمين العامة، بل لحق الله تعالى. كما أن مواجهة هذه المؤامرات التي يحيكها اليهود الغاصبون واجب على المسلمين جميعاً؛ أما أهل فلسطين فلأجل استرداد أرضهم المغصوبة ومقدسات المسلمين، وأما غيرهم من المسلمين فإعانةً لإخوانهم وانتصاراً لحقهم في التعبد في المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال. كما يجب على فلسطيني الخارج إعانة إخوانهم في ساحات الجهاد والمقاومة، والتمسك بالحقوق كلها وعلى رأسها حق العودة، وكل ذلك من ضروب جهاد الأعداء ومقاومة مشاريعهم العدوانية.
إن من يتنازل عن حق العودة مهما كانت دوافعه ومهما كان الثمن مقابله أو ما يتوهمه من المصالح، خائن لله ورسوله وللأمانة التي أمر الشارع برعايتها وعدم تجاوزها، وهو من أكبر الكبائر التي تصل بمن يستحلها إلى الكفر، إذ لا يجوز التنازل عن أرض إسلامية مطلقاً، فكيف إذا كانت هذه الأرض بلد المقدسات وأرض النبوات المباركة.
* أستاذ الفقه وأصوله المساعد، رئيس هيئة علماء فلسطين، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
[1] خطة ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن” سلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ترجمة: د. نايف جراد، يناير 2020، صـ53
[2] المرجع السابق، صـ53
[3] المرجع السابق، صـ53
[5] المرجع السابق، صـ56
[6] المرجع السابق، صـ55
[8] المرجع السابق، صـ54
[9] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399ه-1979م، 1/109، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، دار صادر-بيروت، 11/16.
[10] ذكره النووي في الأربعين النووية وقال: حسن صحيح، وذكره الذهبي في الكبائر وقال: إسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه على عمدة التفسير، 1/533.
[11] المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، عالم الكتب-القاهرة، ط1، 1410ه-1990م، صـ143
[12] الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مكتبة نزار مصطفى الباز، 1/165
[13] انظر: لسان العرب، 3/315-316، ومعجم مقاييس اللغة، 4/181-183
[14] انظر: لسان العرب، 1/793
[15] أصله ذكره بإسناد صحيح ابن حجر في فتح الباري، 5/133، والعيني في عمدة القاري، 13/15، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى مرسلاً، ٦/١٥٧
[16] انظر: القرطبي، تفسير القرطبي، دار هجر، ط1، 1422ه-2001م، 2/35، محمد رشيد رضا، تفسير المنار، مطبعة المنار بمصر، 1350ه، 2/209، تفسير روح المعاني 2/113، المعاني الحسان في تفسير القرآن، عمر الأشقر، ط1، صـ265
[17] ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بتفسير ابن عطية، دار ابن حزم، 1/170
[18] وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، دار الفكر، دمشق-سوريا، ط1، محرم 1422ه-نيسان2001م، 1/817
[19] تفسير المنار، 11\75
[20] الزمخشري، تفسير الكشاف، دار المعرفة، بيروت-لبنان، ط3، 1430ه-2009م، 11\453
[21] انظر: الواحدي، أسباب النزول، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط1، 1411ه-1991م، صـ39
[22] أخرجه البخاري عن أنس بن مالك برقم: 2444 ومختصراً برقم: 2443 ومطولاً برقم: 6952
[23] انظر تفسير القرطبي 9/490-491، وتفسير الطبري 11/121-123، وتفسير الألوسي 6/283
[24] سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 1435ه-2014م، 3/1497
[25] تفسير القرطبي 9/492
[26] تفسير الطبري 11/128، تفسير الألوسي 6/285، تفسير القرطبي 9/493
[27] تفسير الطبري 11/128، تفسير الألوسي 6/285
[28] انظر تفسير الألوسي 2\770، تفسير القرطبي 18\489، تفسير الطبري 20\523
[29] أخرجه البيهقي في قص الإيمان، وابن أبي الدنيا في الصمت من قول الحسن البصري، وأخرجه ابن القيم في ترجمة سفيان الثوري من قوله، وذكره الغزالي في تفسير سورة هود، وقد ذكر البعض أنه حديث ولكن الصحيح أنه لم يرد في المرفوع… انظر كشف الخفاء حديث رقم 2474 / ج2 / ص248.
[30] صحيح البخاري، صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب الإيمان باب 145 – 2/109-110
[31] راجع النص في موسوعة الفتاوى الفلسطينية، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، ط2، 1433ه-2012م، صـ386-387
[32] موسوعة الفتاوى الفلسطينية، صـ388-391
[33] المصدر السابق، صـ392-393
[34] المصدر السابق، صـ394
[35] المصدر السابق، صـ395-396
[36] راجع الفتوى كاملة في: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، ط3، مكتبة وهبة، القاهرة، 1431ه-2010م، 2/1455