الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
فإن القضية الفلسطينية وهي القضية الكبرى للأمة الإسلامية تعيش أخطر مراحلها حيث تتسابق بعض الأنظمة العربية والإسلامية إلى التبعية الكاملة للإرادة الأمريكية والهيمنة الصهيونية على الشرق الأوسط فيما بات يعرف بصفقة القرن التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية الحالية وهرولت حكومات الإمارات والبحرين للترحيب بها من خلال إعلان اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني.
وانطلاقاً من قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران/187 فقد اجتمع عدد من علماء الأمة ومفكريها وأهل الخبرة فيها في الشريعة والسياسة والقانون من بلاد ودول مختلفة على مدار يومي السبت والأحد 23-24 صفر 1442ه الموافقين 10-11 أكتوبر 2020م في ندوة علمية متخصصة حملت اسم: صفقة القرن رؤية شرعية وقراءة إستراتيجية وعقدها مركز معراج للبحوث والدراسات التابع لهيئة علماء فلسطين في الخارج ومركز الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم، حيث قدم فيها باحثون في المجالات الشرعية و السياسية والقانونية أوراقهم المختلفة في جلسات خمسة.
وفي ختام الندوة أكد العلماء والمتخصصون المشاركون على ما يلي:
- الهجمة على القضية الفلسطينية نتيجة مباشرة لحالة الانكسار والوهن التي تعيشها الأمة في ظل علو المشروع الصهيوني، وأدواته وذيوله في العالم العربي والإسلامي.
- أظهرت صفقة القرن ما ينطوي عليه وجود الاحتلال من مخاطر استراتيجية إقليمية جسيمة متجاوزة لرقعة الاحتلال المباشر.
- هدف الصفقة الأعظم يتمثل في الهيمنة الصهيونية على الأمة الإسلامية عامة ودول الإقليم خاصة عبر فرض هيكلة أمنية إقليمية مبنية على التبعية والتحالف مع الكيان الصهيوني.
- صفقة القرن تجعل الدولة الفلسطينية الموهومة منزوعة السلاح ومسلوبة القوة وممنوعة من أية حقوق وأداة لتحقيق أهداف الاحتلال الصهيوني وحماية أمنه وبقائه.
- تمثل صفقة القرن رؤية صهيونية احتلالية خالصة، تجاوزت بها القانون الدولي، والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بتحويله لمجرد أقلية تحت الهيمنة والسيطرة الصهيونية. فصفقة القرن تسعى بكل مفرداتها لشرعنة الاحتلال ولسياسة الأمر الواقع بالقوة ما يهدد، ليس فقط القضية الفلسطينية، وانما السلم والأمن الدوليين في عموم المنطقة.
- صفقة القرن تؤدي إلى تغيير جذري للقيم والمفاهيم والمبادئ والأنظمة والقوانين وإحلال مفاهيم وقيم ومبادئ وأنظمة وقوانين تخدم الكيان الصهيوني وتحقق أهدافه.
- الحل النهائي والوحيد للقضية الفلسطينية هو في تفكيك المشروع الصهيوني العنصري الاستعماري على أرض فلسطين بكامل مؤسساته وكياناته وفي إرجاع حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.
- المشروع الصهيوني كأي مشروع بشري له محددات بقائه واستمراره وعناصر ضعفه وقوته. وتفكيكه يحتم قيام حركة تضامن عالمية واسعة تشتبك مع الحركة الصهيونية والذين يدعموها على كافة المستويات والاصعدة والمجالات والجغرافيات سياسيا واقتصاديا وقانونيا وحقوقيا واكاديميا وإعلامياً وثقافياً واجتماعيا وفنيا وحضاريا وانسانيا.
- الشعب الفلسطيني بصموده ومقاومته وتمسكه باسترجاع حقوقه هو رأس الحربة في هذا المشروع الا ان هذا المشروع يحتاج أيضا إلى حشد طاقات الأمة وامكاناتها وقوى التحرر العالمية. ولذا فان هذه الحركة العالمية لمناهضة الصهيونية وتفكيك مؤسساتها وكيانها ستضم وتحشد كل الطاقات والإمكانات من حركات واحزاب وشخصيات وعلماء ونخب وشعوب وحكومات حتى استعادة الحقوق والمقدسات كاملة.
- إن أرض فلسطينَ أرضٌ إسلامية، والسيادة عليها للمسلمينَ أجمعينَ، ولا يملك أحد التنازل عَن هذَا الحقِّ الثابتِ، وإنَّ الموافقَةَ علَى صفقَةِ القَرنِ تنكّرُ لهذَا الحكمِ الثَّابِتِ، وتتنازَلُ عَن أراضي المسلمين، وهو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
- السير في ركاب صفقة القرن والتحالف مع الاحتلال والولاء للعدو الصهيوني فيه إقرار باغتصاب المقدسات وسلب الحقوق، وهو مناقض للعقيدة ومخالف للشريعة، والتصدي له واجب شرعي.
- من المعلوم من الدين بالضرورة أن موالاة أعداء الإسلام الغاصبين هو من الكفر وفيه خيانة وظلم، والتطبيع المعاصر دخول في المشروع الصهيوني ومشاركة فيه.
- الظلم الواقع في القضية الفلسطينية قسمان: أحدهما: هو ظلم المحتلين المعتدين الغاصبين، والثاني: هو ظلم المتصهينين المطبعين وهم في هذا سواء، ومن يتولهم منكم فإنه منهم
- التطبيع يمد في عمر الاحتلال والظلم والقتل ولا ينهيه ولا يؤدي إلى أي حل، وهو خذلان وخيانة وغدر بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وهو كذلك خزي وذل للوالغين فيه، وقد تتابعت فتاوى علماء الأمة المعتبرين على أنّ من انخرط في هذه الجريمة مؤمنا بها فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.
- ما وقع فيه بعض المنسوبين للعلم الشرعي من تسويغ لهذه الخيانة إنما هو افتيات على الشريع ولا يمثل علماء الأمة.
- التمسك بحق العودة إلى فلسطين ورفض التنازل عنه واجب شرعي لا يجوز المساس به، ويفهم ذلك من مدلولات نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة وقواعد الفقه ومقاصد الشريعة، وهو ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله تعالى وهو من عدة إرهاب العدوة وسبيل مواجهة مشروعه وافشاله: “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ” التوبة/120
- قرر جمهور علماء الأمّة أنّ من انخرط من الحكّام في صفقة القرن مؤمنا بها مترجمًا إيمانه بالتحالف مع الكيان الصهيوني ضد امة الأسلام ومظاهرا للصهاينة على المسلمين فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.
- المفاسد العظمى التي تنتج عن إقرار صفقة القرن تقع في أعلى رتب المفاسد التي يجب على الأمة الإسلامية عموما درؤها فهي تخل بالضروري العام الواقع والمتوقع من حفظ الكليات الخمس عموما.
وبناء عليه يدعو المشاركون إلى ما يأتي:
- على الدول العربية والإسلامية رفض صفقة القرن جملة وتفصيلا وما يترتب عليها لأنها تمثل استسلاماً كاملا للعدو الصهيوني وانصياعاً مذلاً للإملاءات الأمريكية وانتهاكاً للقانون الدولي، والشرعية الدولية.
- ـ الثورات الشعبية العربية هي أحد أهم أدوات الدفاع عن القضية الفلسطينية، وأحد أهم مهددات الوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني في المنطقة.
- وجوب الوعي بممارسات عدد من النظم العربية تجاه الكيان الصهيوني، ومواقفها من القضية الفلسطينية، وأن أدوارهم أدوارهم تفكيكية وتدميرية وتخريبية ليس على القضية الفلسطينية وحدها بل على دول وشعوب وثروات المنطقة.
- وجوب توعية الشعوب بالعواقب الاستراتيجية الجسيمة التي تجرّها صفقة القرن على المنطقة ومصالح دولها عموماً، علاوة على محاولتها تصفية قضية فلسطين والمساس بمبادئ الحقوق والعدالة ومقتضيات القانون الدولي.
- التصدي لحملات التضليل المكثفة التي تحاول الاستحواذ على منابر دينية وتعليمية وثقافية وإعلامية لمسخ هوية الأجيال وتزييف وعيها.
- إحياء مركزية فلسطين الإسلامية بين أبناء الأمة قاطبة، وتفعيل الدور التوعوي بحقائق القضية.
- على علماء الأمة الوقوف صفا واحدا ضد مشروع صفقة القرن ومشاريع التطبيع وبيان حكم الشرع فيها بلا أدنى محاباة للمتورطين، فإن البيان أعلى وظائفهم ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، وهو من أعظم الجهاد في هذا الزمان.
- على الإعلام الحر التصدي للإعلام المتصهين من أجل كشف سوآت المنحرفين والمنبطحين.
- دعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله وجهاده على أرضه وفي الشتات حتى العودة والتحرير.
- الدعوة إلى التصدي للحركة الصهيونية والذين يدعموها وكشف مخططاتها التدميرية في المنطقة والاشتباك معها على كافة المستويات وفي كل المجالات والجغرافيات خصوصا دعم حركات التضامن العالمية للشعب الفلسطيني وحركات المقاطعة ضد الكيان الصهيونى اقتصاديا وثقافيا واكاديميا ورياضيا وإعلاميا.