رسالة المنبر
د. محمد سعيد بكر
المحاور
المؤامرة هي كل كيد أو مكر أو نية سيئة يضمرها ويخطط لها الخبثاء ويحرصون على تنفيذها؛ بقصد الإيذاء أو الانتقام أو التدمير لشخص أو جهة أو فئة أو دولة أو أمة بأكملها.
الإفراط في السذاجة أو البساطة أو حسن الظن يجعلنا نأكل المقالب ونقع في الأفخاخ ونرتمي في أحضان أعدائنا دون أن نحرك ساكناً .. والمبالغة كذلك في تصور حجم المؤامرة علينا، ونسبة كل ما يجري لنا من آلالام وإخفاقات إلى وجود جهات تتآمر علينا كل ذلك أيضاً لا يصح.
يضيق حجم المؤامرة أو يتسع بحسب حجم الأفق الذي ننظر من خلاله .. والأهم من مدى استشعارنا لها أن يستمر التفكير في آليات ردعها وصدها.
يعتقد البعض بأن المؤامرة عليه وحده وأنه الوحيد المقصود دون سواه .. والصحيح أن هنالك دوائر كثيرة استهدفها المجرمون لأسباب مادية مصلحية .. فهم لأجل أهوائهم ومصالحهم استهدفوا الأطفال والشباب والشيوخ .. واستهدفوا الذكور والإناث .. واستهدفوا الأفراد والجماعات .. واستهدفوا الإنسان والنبات والحيوان .. واستهدفوا الماء والهواء والغذاء .. حتى التراب والجماد لم يسلم من شرورهم.
ومستهدف لأنك إنسان عاقل .. وهذا يعني أن هؤلاء المجرمون لم يتوقف مكرهم وكيدهم عند حدود العالم العربي والإسلامي .. بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فاستهدفوا حتى اليهود والنصارى والسيخ والملحدين في القارات كلها، ثم حاولوا أن يظهروا بمظهر كونهم أصحاب دين، والأديان (الصحيحة) كلها براء من تلك الشرور.
إن توسيع مداركنا بشأن الفئات المستهدفة في المؤامرة يجعل تفكيرنا أوسع عند محاولة الصد والرد .. فنحن لا ندافع عن أنفسنا ولا نريد تحصين بلادنا وأبناء ديننا وجلدتنا فحسب؛ بل نريد أن نُخلِّص البشرية كلها مما أصابها من إرهاق وإعياء واستنزاف بسبب ذاك الاستهداف .. فما أعظمها من رسالة .. وما أكبره من واجب.
إننا مع توسيع المدارك بشأن الفئات المستهدفة لابد أن ندرس باستفاضة حال وأشكال أولئك المتآمرين الذين يصلون الليل بالنهار “بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ” (سبأ: ٣٣)، وينفقون أموالهم “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ” (الأنفال: ٣٦)، من أجل إفساد العباد وتدمير البلاد .. وهؤلاء المفسدون المجرمون المعتدون هم:
1️⃣ حيتان الاقتصاد في العالم.
2️⃣ دهاقنة السياسة في العالم.
3️⃣ عيون التجسس في العالم.
4️⃣ سحرة الإعلام في العالم.
بصرف النظر عن دينهم وثقافتهم وتراثهم الذي يحملون .. فهم في الجملة لا دين ولا أخلاق ولا تراث ولا ثقافة تضبطهم وتمنعهم عن التفكير في زيادة أرصدتهم .. وقد اتفقوا على أن المصلحة هي الإله الذي يعبدون، والمادة هي الكعبة التي حولها يطوفون، والدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي أو الريممبي الصيني أو الريال الخليجي هي التي بحمدها يسبحون ويهللون، قال تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ” (الجاثية: 23).
إن هؤلاء أعداء كل دين وكل قيمة سامية ومبدأ نظيف .. ونحن إن كنا نعتقد أنهم يستهدفون إسلامَنا وقيمنا وتراثنا فقط .. فهذا لأنهم انتهوا من إفساد وتخريب وتحريف ومسخ الديانات الأخرى كلها .. فلم تبق اليهودية والنصرانية كما أرادها الله .. ولم يصمد أمام شدة مكرهم وكيدهم سوى الإسلام لأنه المحفوظ من عند الله .. وفي تخريب الدين من أجل المصالح والمكتسبات يقول ربنا تعالى: “فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا” (البقرة: 79).
إن صور المؤامرة على البشرية كلها لا تخفى .. فالبشرية كلها اليوم تعاني من مخلفات الرأسمالية العالمية؛ تلك التي جعلت رأس المال هو السيد المطاع وجعلت الكل يخضع له .. فالمال هو الذي يشتري السلاح والرجال والمواقف والبلاد والتاريخ والحاضر والمستقبل بل يشتري الأنظمة والشعوب .. وصاحب رأس المال هو الذي يتحكم في الأسواق؛ إن شاء فتحها وإن شاء حبسها ومنعها.
إن من أخطر ما يجري في ذات السياق أن يتم ربط ثروة الإنسان وممتلكاته السائلة والجامدة في بنوك وضمن أرقام حسابات متاحة بسهولة لأصحاب رأس المال، الذين متى شاءوا فتحوا لك باب الانتفاع بها ومتى شاءوا أغلقوا أبوابها .. وعندئذ تصبح كالغني المتسول .. غني لأنك تملك مالاً بل ثروة .. لكنك متسول لأنك لا تستطيع الانتفاع بها بسبب قرار المتنفيذين الذين لربما لم يعجبهم سلوكك السياسي أو موقفك الفكري أو شكلك وأسلوبك في الحياة .. وعندها لن يبالي البعض أن يغير دينه لا مواقفه وأفكاره فحسب من أجل أن يعيش ويستمتع بثروته وماله.
إننا كلنا مهددون مستهدفون .. والفاسدون لا رحمة ولا عهد ولا ذمة لهم .. فهم لأجل تحريك سوق السلاح لا يتورعون عن اصطناع الحروب بين الأشقاء فضلاً عن الفرقاء .. ولأجل تحريك سوق الدواء لا يتورعون عن اختراع وتصنيع الجراثيم والفايروسات ونشرها .. ولأجل تحريك أي سوق لا يتورعون عن أي شيء.
إن حجم التناقض وأسباب الخلاف والنزاع بين المتآمرين على البشرية كبير، لدرجة أنك: “تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ” (الحشر: 14)، لكنهم ينسون نزاعاتهم ويجتمعون على مصالحهم المتقاطعة، وهذا ما يدلك على أنه لا مبدأ ولا دين لهم.
إن إدراكنا لحجم المؤامرة يتطلب منا أموراً عديدة لمواجهتها .. ومن ذلك:
1️⃣ الوعي والقراءة لتاريخ وحاضر ومستقبل المؤتمرات على البشرية كلها، وفي مبدأ الاستبانة لمسالك المجرمين يقول تعالى: “وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ” (الأنعام: ٥٥).
2️⃣ اللجوء إلى الله تعالى؛ فمكر هؤلاء وكيدهم أكبر من أن نحيط به، قال تعالى: “وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ” (ابراهيم: 46).
3️⃣ توفير أسباب الوحدة والألفة والمحبة بين المؤمنين.
4️⃣ التعاون والتنسيق مع أهل الأرض كلهم بصرف النظر عن أديانهم لرفع هذا الظلم ومنع تلك المؤامرات .. وعقد العديد من الأحلاف التي تشبه حلف الفضول بقصد إيقاف الظالمين والمعتدين عند حدهم.
5️⃣ توسيع مفهوم ودوائر المؤامرة بحيث نعزز ثقافة تقول بأن البشرية كلها مستهدفة من قبل عصابات مجرمة لا دين لها ولا أخلاق تضبطها.
6️⃣ التفتيش عن نقاط ضعف هؤلاء المتآمرين، ومحاولة الضرب عليها وصناعة شرخ فيها.
7️⃣ الاقتراب من الطبيعة بشكل أكبر وتأهيل النفس على التعايش مع الظروف الصعبة .. وتوقع أسوأ الاحتمالات .. فهؤلاء لا يرحمون .. والله المستعان على ما يصفون.
8️⃣ العمل على تمكين حصوننا من الداخل؛ لاسيما حصن الأسرة الذي بتنا نراه أشبه ببيت العنكبوت بوقع ضرباتهم ومؤامراتهم.
إن في السيرة النبوية بيان لحجم المؤامرات التي تعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم .. ومنها:
1️⃣ مؤامرة التضييق عليه وعلى أصحابه في مكة .. وقد تخلص من جزء منها حين أرسل مجموعة من أصحابه إلى الحبشة.
2️⃣ مؤامرة ملاحقة مهاجري الحبشة .. وقد نجاهم الله بتوفيقه لجعفر رضي الله عنه وخطابه الرسالي في مجلس النجاشي.
3️⃣ مؤامرة حصار النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه في شِعب أبي طالب .. وقد نجاه الله منها بتحريكه لنخوة بعض المشركين .. وبنفس الأسلوب نجا حين منعه المشاركون من دخول مكة بعد عودته من الطائف.
4️⃣ مؤامرة إخراجه من مكة وهي ثلاثية الأبعاد .. وفيها يقول سبحانه: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ… ” (الأنفال: 30) .. وقد نجاه الله منها بأسباب أمنية وأخرى إيمانية أعانه الله عليها وأعمى أبصار الملاحقين له.
5️⃣ مؤامرة التحرش به وبأصحابه يوم بدر وأحد ويوم بني قينقاع والنضير .. وقد كان أسوأ مشاهد التحرش بدعوته ودولته يوم الخندق وقد تآمر عليه ١٠٠٠٠ مجرم حين حاصروا مدينته بهدف استئصال وجوده منها .. ولكن الله سلَّم.
6️⃣ مؤامرة الهمز واللمز به .. وأسوأ صورها؛ الطعن بزوجه الشريفة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك التي برأها الله منها في سورة النور.
7️⃣ مؤامرات أدعياء الدين اليهودي من بني قريظة ويهود خيبر وأدعياء الدين النصراني يوم موتة وتبوك .. وهذه الأديان منهم براء .. لأنهم حرفوها وعبثوا بها ولو كانوا أصحاب دين صحيح لآمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه وحموه وناصروه .. لكنها المصالح تلك التي جعلتهم لا يرون الحق وينكرون الحقيقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. هل توقفت المؤامرات؟ .. كلا .. ولن تتوقف .. قال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا” (الأنعام: 112).
وختاماً
لقد تآمر المجرمون على الوعاء السياسي الجامع للأمة حين أسقطوا الخلافة العثمانية .. ولم يتوقف كيدهم .. بل قاموا بتمزيق جسد الأمة إلى أشلاء في سايكس بيكو وشان ريمو .. ثم زرعوا سرطان الصهيونية في قلب عالمنا .. وجعلوا من أبناء جلدتنا من يحرس أمنهم ليتفرغوا لإفساد الأرض كلها .. وليس لإفساد بلادنا فحسب، قال تعالى: “وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا” (الإسراء: 4) .. لأجل ذلك يقع واجب الرد والردع لتلك المؤامرات علينا نحن قبل غيرنا .. باعتبار أنه لا يزال لدينا رؤية وفينا بقية الخير .. ومن الله نستمد العون والتوفيق والسداد.
نقلاً عن:
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=200347052198082&id=100066683647545