في الثّامن والعشرين من شهر رمضان المبارك 1442ه
الحمد لله ناصر المؤمنين، خاذل الكافرين، معز الموحدين، وفاضح العملاء والمنافقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجّلين، المبعوث رحمة للعالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن إمامنا وقائدنا وسيدنا محمداً رسول الله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب :69-70
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} سورة آل عمران:102-103
أما بعـــد؛ فيا عباد الله:
فها هي أيّام رمضان تمرّ سراعًا لنعيش في العشر الأواخر؛ أيّام شدّ المئزر وشدّ الهمّة وإحياء الليل، ومع مرور أيّام رمضان المبارك يقتربُ موعد الحشد الصّهيونيّ الأكبر الذي يتمّ الإعداد له لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في الثّامن والعشرين من شهر رمضان المبارك.
ونحنُ في أيّام تجلّي العبوديّة لله تعالى بأجلى معانيها نستذكر أنّ الله تعالى وصف النبي صلى الله عليه وسلم في آية الإسراء التي تتحدّث عن دخوله المسجد الأقصى للمرة الأولى بالعبوديّة وذلك في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } سورة الإسراء: آية 1
وكذلك في مطلع سورة الإسراء عند الحديث عن معركة دخول بيت المقدس يقول تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً } سورة الإسراء:5، فقد وصف الذين دخلوا المسجد في المرة الأولى بأنهم عباد له سبحانه وتعالى.
وعندما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن معركة تحرير المسجد الأقصى من أيدي اليهود بيّن أن شعار المعركة هو العبودية لله تعالى، حيث جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله الاّ الغرقد فإنه من شجر اليهود”، فهذا يبيّن بجلاء أنّ طريق تحرير المسجد الأقصى يبدأ بتحقيق العبودية لله تعالى على حقيقتها من الخضوع له وحده دون سواه، والامتثال لأوامره، والمبادرة والمسارعة لتطبيق تعاليمه واجتناب نواهيه، ورفض الخضوع لأحدٍ غيره.
وها هو المسجد الأقصى عندما وقع في براثن الصليبيين الحاقدين ؛ فما خلّصه من أيديهم وحرّره من احتلالهم إلاّ صلاح الدين الأيوبي الذي كان يتفقد جنده في خيامهم فيجدُ خيمةً يقوم أفرادها الليل فيقول: من هنا يأتي النصر، ويمر على خيمةٍ وقد نام أفرادها فيقول: من هنا تأتي الهزيمة.
أجل أيها الإخوة، نيامٌ فقط .. ويقول: من هنا تأتي الهزيمة، فما بالك بالجيوش التي تمنع فيها الصلاة ويُسَبُّ فيها الدّين وتنتهك فيها الحرمات؟! هل يرتجى منها نصرٌ أو تحرير؟!!
إن الحقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار بأنّ اليهود لا تخيفهم المفاوضات ولا ترعبهم الحوارات، وإنما ترتعد فرائصهم رعباً من شباب تربّوا على مبادئ الإيمان وتعاليم القرآن الكريم .. وفي شباب فلسطين المجاهدين خيرُ دليلٍ على ذلك، حيث إنهم أذاقوا اليهود الرعب وزلزلوا كيانهم بعملياتهم البطولية الجهادية، وقد حملوا البندقية بيد والمصحف بيد بعد أن حملوه عقيدةً في قلوبهم وسلوكاً في حياتهم.
هم الرجال بأفياء الجهاد نموا جباههم ما انحنت إلاّ لخالقها الخاطبون من الغايات أكرمها | وتحت سقف الندى والعلا ولدوا وغيرَ من أبدع الأكوان ما عبدوا والسابقون وغيرَ الله ما قصدوا |
فلا والله لا يحرر المسجد الأقصى إلاّ بالأكفُّ المتوضئة والجباه الساجدة والألسنة الذاكرة والأعين الدامعة في خلواتها.
يا عباد الله:
إن الصّهاينة يحشدون لدخول ألفي مغتصب صهيونيّ باحات المسجد الأقصى المبارك في الثّامن والعشرين من شهر رمضان المبارك، وهاهم عباد الله تعالى الأطهار يشدّون الرّحال إلى المسجد الأقصى المبارك ويرابطون في ساحاته وباحاته لمنع قطعان المستوطنين من اقتحامه، فهم يقومون بواجبهم على الوجه الذي طلبه الله تعالى منهم، والسّؤال اليوم إن كانوا هم قدقاموا بما طلب منهم فما هو المطلوب منّا تجاههم وتجاه المسجد الأقصى المبارك في مواجهة هذا الاقتحام الإجراميّ المزمع؟
إنّ أوجبَ الواجبات على المسلمين أن يجاهدوا بأنفسهم وأموالهم، فإذا احتل العدو بلدًا من بلادهم وعجز المسلم عن الجهاد بالنّفس، فعليه أن يجاهد بماله.
قال تعالى: “لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا” النساء: 95
واعلموا أنّ ما يبذله المسلم من دعمٍ ماليّ لإخوانه المجاهدين المرابطين في المسجد الأقصى المبارك ليس تبرعًّا، ولا تطوعًّا، ولا تفضّلًا، ولا إحسانًا منه، بل هو قيامٌ ببعض الحقّ الواجب عليه.
قال تعالى: “إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” الأنفال:72
وإنّ من أهم الواجبات العمل على إساءة وجه الصّهاينة وتعرية باطلهم وفضح مخططاتهم عبر الحشود الجماهيريّة إن كانت متاحة أو وسائل الإعلام أو الحملات في وسائل التواصل الاجتماعيّ، ففيها إساءة لوجه الصّهاينة الغاصبين من جهة وشدّ أزر المرابطين من جهة أخرى.
قال تعالى: “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” الإسراء: 7
يا عباد الله:
ها هي ميمونة رضيَ الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس. قال: “أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه”. قالت: يا رسول اللّه، أرأيت إن لم نطق محملاً إليه؟ قال: “فليهد له زيتًا يسرج فيه، من أهدى إليه شيئًا كان كمن صلى فيه”.
وإنّ المرابطين في القدس والمسجد الأقصى المبارك يسرجونه بالدّم والأرواح، فليسأل كلّ واحدٍ منّا نفسه ماذا سأبعثُ للمسجد الأقصى المبارك من جهدٍ ماديّ ومعنويّ وما الذي سأسرج به قناديل مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.