نداء إلى العلماء والمثقفين: هل بقي للعلم معنى إذا خذل أهله المظلومين؟!
14/8/2025
خطبة جمعة مقترحة من قسم القدس في هيئة علماء فلسطين:
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والخذلان، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها حارس الضمير، وموجّه العقل، وزاد المجاهد، وعدّة العلماء في فتن الظلام.
أيها العلماء، يا أهل الفكر والبصيرة، يا من خُوطبتم في القرآن بـ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾، ويا من وصفكم رسول الله ﷺ بـ”ورثة الأنبياء”…
غزة اليوم ليست فقط مأساة إنسانية، بل هي محكٌ أخلاقي، واختبارٌ لجوهر الفكر والمعرفة والرسالة العلمية.
هل بقي للعلم قدسيته إذا سكت العالم عن المذبحة؟
هل بقي للفكر وزنه إذا تجاهل صرخات المكلومين؟
هل بقي للمنطق مكان، والعقل يبرر المجازر، أو يصمت عنها صمت القبور؟!
ماذا يعني أن تكون مثقفًا أو عالمًا في زمن غزة؟
أن تُحمّل فكرك مسؤولية نصرة المظلوم، لا تجميل الظالم.
أن تصرخ بالحق حين يصمت الجميع، لا أن تلعب دور “الحياد الكاذب”.
أن تعلن أن “الاحتلال جريمة”، وأن ما يحدث في غزة إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، مهما حاول الإعلام قلب الحقائق.
قال الله تعالى: “ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” [البقرة: 283]
وقال ﷺ: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” [رواه أحمد]
فما بالك إذا كان “السلطان” اليوم هو التحالف الدولي الصامت أو المتواطئ على المجازر، وما أكثرهم؟!
الموازين المقلوبة:
يا أهل الفكر، أخاطب فيكم الضمير والعقل معًا:
أليس من التزييف الفاضح أن تُسمّى المقاومة “إرهابًا”، بينما الاحتلال النووي المجرم يُمنح صك البراءة والدعم؟
أليست أبجديات العدالة تقول: القاتل قاتل، والمظلوم مظلوم، بغض النظر عن الديانة والجنسية؟!
لكننا اليوم أمام مشهد مفضوح:
عقولٌ نُخبوية تُبرّر بالصمت.
منابر أكاديمية تخشى الإشارة إلى الجريمة.
ندوات فكرية تكتفي بالتنظير بينما الأطفال تحت الأنقاض.
قال الشاعر:
وكم من عالمٍ قد مات قلبُهُ
ولو حازَ العلومَ بكلِّ بابِ!
فما نفعُ العقولِ إذا تخلّت
عن الإحساسِ والنبضِ المُهابِ؟
دور العلماء والمفكرين:
التبيين: أن يُظهروا الحقيقة في زمن التزوير الإعلامي.
التأصيل: أن يربطوا القضية بجذورها القرآنية والإنسانية والتاريخية.
المواجهة: أن يواجهوا النفاق السياسي والدولي بوضوح.
التعليم: أن ينقلوا الوعي لأجيال الطلاب والباحثين بلا مواربة.
يقول الله تعالى: “الذين يُبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله” [الأحزاب: 39]
لماذا صمتَ كثير من العلماء؟
هل خشوا على مناصبهم؟
هل خافوا أن يُتهموا بالتطرف؟
هل أصبحوا أسرى “الموازنات السياسية”؟
إن كان هذا هو الثمن، فقد خسروا كل شيء!
قال الإمام مالك رحمه الله: “من أحب أن يُفتح له باب الفهم، فليُخلّ قلبه من الهوى، فإن لم يفعل فسدَ عقلُه.”
يا ورثة النبوة، يا طلائع التغيير، إن غزة لا تحتاج فقط سلاحًا، بل قلمًا شريفًا، وعقلًا حرًا، ولسانًا لا يخاف في الله لومة لائم.
تذكّروا قوله تعالى: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون” [البقرة: 159]
فلا تكونوا ممن يلعنهم الناس في الدنيا، وتلعنهم الملائكة في الآخرة.
اللهم أحيِ الضمائر الميتة،
اللهم اجعل العلم نورًا لا سُكوتًا،
اللهم انصر المستضعفين في غزة،
اللهم كن لهم عونًا ومعينًا،
اللهم عليك بالطغاة والمجرمين ومن أيّدهم وسكت عنهم وخذلهم.