خاص هيئة علماء فلسطين

         

10/7/2024

لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

خلاصة الفتوى: لا يجوز شراء المسروق، ويجب الإنكار على السارق، ومن اشترى شيئاً مسروقاً وجب عليه رده إلى مالكه إن عرفه؛ فإن لم يصل إليه وجب عليه التصدق بقيمة المسروق عنه، ويستثنى من ذلك ما تدعو إليه ضرورة الناس – من طعام ونحوه – على أن ينوي رد مثل تلك الأشياء أو قيمتها إلى أصحابها متى ما عرفهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

فالأصل أنه لا يجوز شراء الشيء المسروق ولا بيعه؛ وذلك متى ما علم المتعامل به أنه مسروق، بل الواجب ردُّ ذلك الشيء إلى مالكه الشرعي؛ أما تحريم بيعه فلأن صحة بيع الشيء فرع عن تملُّكه، إذ من شروط صحة البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع، وأما شراؤه فلا يجوز كذلك لأن في شرائه تعاوناً على الإثم والعدوان؛ ومتى ما اشترى الإنسان شيئاً يعلم أنه مسروق فهو أحد السارقين، وقد قال سبحانه {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ولأن في شرائها تفويتاً لها على مالكها الشرعي، وإقراراً للظلم وتشجيعاً على البغي إلى غير ذلك من المفاسد والمحاذير

ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في وجوب ردِّ المسروق إن كان قائماً إلى من سُرق منه، سواء كان السارق موسراُ أو معسرا، سواء أقيم عليه الحد أو لم يُقم، وسواء وجد المسروق عنده أو عند غيره، لما روي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم ردَّ على صفوان رداءه وقطع سارقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ولا خلاف بينهم كذلك في وجوب ضمان المسروق إذا تلف ولم يُقم الحد على السارق لسبب يمنع القطع كأخذ المال من غير حرز أو كان دون النصاب أو قامت شبهة تدرأ الحد، أو نحو ذلك وحينئذ يجب على السارق أن يرد المسروق إن كان مثلياً وقيمة إن كان قيميا. اهـ.

وعليه فإن الواجب على من اشترى شيئاً مسروقاً أن يردَّه إلى مالكه إن عَرَفه؛ فإن لم يعرفْه وجب عليه أن يبحث عنه؛ وفي حال اليأس من الوصول إليه فعليه أن يتصدَّق بذلك المال، وله أن يعود بالثمن على السارق الذي باعه إياه؛ فإن امتنع فليس له أن يطالب بالثمن المالك الشرعي لذلك الشيء المسروق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سُرق من الرجل متاعٌ، أو ضاع له متاع فوجده بيد رجل بعينه، فهو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن) رواه أحمد وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط.

وقد نصَّ على مثل ذلك من علماء المالكية الشيخ عُلّيش رحمه الله تعالى في فتاويه؛ حيث قال: مَسْأَلَةٌ فِي مُعَامَلَةِ أَصْحَابِ الْحَرَامِ: وَيَنْقَسِمُ مَالُهُمْ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْحَرَامُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ: فَلَا يَحِلُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ،  وَلَا الْبَيْعُ بِهِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَا أَكْلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا، وَلَا لِبَاسُهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا، وَلَا قَبُولُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هِبَةً، وَلَا أَخْذُهُ فِي دَيْنٍ، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ بِكَوْنِ الْحَرَامِ قَدْ فَاتَ فِي يَدِهِ، وَلَزِمَ ذِمَّتَهُ. انتهى كلامه رحمه الله

وهذا الحكم عام فيما لو كان الناس في حالة حرب أم في حالة سلم؛ وسواء أكان المسروق منه مسلماً أم كافراً، وذلك لعموم الأدلة المانعة من تملُّك المال المحرَّم لعينه، وعلى من علم بأن ثمة بضاعة أو متاعاً مسروقاً جملة أمور:

أولها: الإنكار على السارق ونصحه بالتوبة إلى الله تعالى من تلك الكبيرة

ثانيها: أمره بردِّ البضاعة إلى أهلها إن كان يعلمهم بأعيانهم

ثالثها: إن امتنع السارق من ذلك فعلى من عُرضت عليه تلك البضاعة أن يخبر مالكيها بمكانها ومكان من سرقها إن كان ذلك ميسورا، ولا يترتب عليه ضرر أكبر

رابعها: إن كان قد اشتراها فإن من تمام توبته أن يُرجعَ البضاعة إلى أصحابها، ويَرجع بالثمن على من باعه إياها

قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق مالاً، أو خانه في أمانته، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة، ولا بطريق المعاوضة، ولا وفاء عن أجرة، ولا ثمن مبيع، ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم. انتهى كلامه رحمه الله

وفي موضع آخر من الفتاوى يرى رحمه الله تعالى جواز شراء تلك البضائع لمن كانت نيته استنقاذها وردها إلى أهلها؛ فقال: “وإن كان الذي معهم – أي التتار – أو مع غيرهم أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتُصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن، وإلا صرفت في مصالح المسلمين جاز هذا”

ويُستثنَى من ذلك الحكم ما تدعو إليه ضرورة الناس من طعام يسد جوعتهم، أو لباس يستر عورتهم وما نحا نحوهما؛ فمثل هذه الأشياء يجوز شراؤها، ومن لا يملك ثمنها يجوز له الانتفاع بها ولو من غير شراء، وذلك الجواز مشروط بشروط:

  • أن تعم البلوى في الأسواق بوجود السلع المسروقة، ولا يتوفر البديل المشروع، ويندر وجود السلع المملوكة غير المسروقة.
  • أن تقوم بالشخص ضرورة أو حاجة تنزل منزلة الضرورة تدفعه لشراء تلك السلعة
  • أن يشتري منها القدر المخصوص الذي تندفع به حاجته
  • أن ينوي رد هذه المسروقات أو قيمتها لأصحابها فيما لو عرفهم بأعيانهم؛ دون مطالبتهم بثمنها، مع الرجوع على السارق بثمنها عند معرفته، وكذلك الأملاك العامة ترد إلى المؤسسات التي أخذت منها، وذلك بعد عودتها إن شاء الله إلى ممارسة مهامها

أما الأمور التحسينية التي لا تدعو إليها الضرورة – كالأجهزة الكهربائية مثلا – فلا يجوز شراؤها ولا الانتفاع بها، ولا تثبت ملكيتها لسارقها ولا لمن اشتراها منه

وأشد من ذلك ما كان من أموال عامة لا ترجع إلى مالك بعينه، وليست هي من ضرورات الحياة فإن المعتدي عليها أعظم جرماً من المعتدي على الأموال الخاصة التي ترجع إلى مالك بالتعيين؛ وهي التي جاءت النصوص الكثيرة بالترهيب من التساهل في أخذها؛ كقوله سبحانه {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وفي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ردُّوا الخياط والمخيط؛ فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة) رواه النسائي. وعن عديِّ بن عُمَيرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه فهو غلول يأتي به يوم القيامة)، فقام رجل من الأنصار أسود، كأني أنظر إليه، فقال: “يا رسول الله، اقبل عني عملك”، قال: (وما ذاك؟)، قال سمعتك تقول كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أقوله الآن: ألا من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أعطى منه أخذ، وما نهى عنه انتهى) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال، وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل ـ وهم بطن من بطون الأنصار رضي الله عنهم  ـ  فيتحدث معهم حتى ينحدر إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال: (أُفٍّ لك)، فلزقت في درعي وتأخرت وظننت أنه يريدني، فقال: (مالك؟)، فقلت: أحدثت حدثاً يا رسول الله؟ قال: (وما ذاك؟) قلت: إنك قلت لي كذا. قال: (لا، ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعياً على آل فلان فغل نمرة ـ شملة فيها خطوط بيض وسود ـ فدُرِّع الآن مثلها من نار) رواه الإمام أحمد. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فلما سرت، أرسل في أثري فردني، فقال: (أتدري لم بعثتُ إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فهو غلول (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة).. لهذا دعوتك فامض لعملك) رواه الترمذي، وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ثم قال (انطلق أبا مسعود، ولا ألفينك يوم القيامة تأتي على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته) رواه أبو داود.

هذا والعلم عند الله تعالى