خاص هيئة علماء فلسطين
19/7/2024
هذه الفتوى مستفادة بشكل عام من بحث أحكام المقاطعة الاقتصادية مع الكيان الصهيوني وداعميه ومن مراجعه، للدكتور محمد همام ملحم وأ. أنس الأنصاري.
تاريخ الفتوى: 4 /محرم / 1446هـ
الموافق 10/07/2024م
بسم الله الرحمن الرحيم
فقد وردنا سؤال حول حكم مقاطعة الفلسطينيين الذين يقيمون في الضفة الغربية، وهل يجب عليهم أن يقاطعوا الاحتلال وشركاته ومنتجاتها بشكل كامل، -علما بأن للاحتلال هيمنة شاملة على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة وهو يسيطر على الحدود والمعابر ويأخذ الضرائب على كل ما يدخل إلى الفلسطينيين-؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسحبه ومن والاه، وبعد:
فإنه قبل بيان حكم التعامل مع الاحتلال اليهودي ومع شركاته من قبل أهل الضفة الغربية لا بد من بيان بعض المقدمات:
أ- استند الإطار الاستراتيجي للاحتلال في الناحية الاقتصادية مع الضفة الغربية على المبدأ المزدوج الذي يجمع بين: الهيمنة الاقتصادية والتدجين الاقتصادي، فمن ناحية الهيمنة الاقتصادية استخدم جملة من السياسات الاقتصادية منها أنه أحل نظامه النقدي محل جميع البنوك والمؤسسات المالية المحلية والعربية العاملة في المناطق المحتلة، حيث أصبح بنك “إسرائيل” يمثل السلطة العليا المسؤولة عن الترتيبات النقدية، وفرض عملته “الشيقل” على الفلسطينيين، ومنها القيام بالمصادرة المكثفة للأراضي ونزع ملكيات الفلسطينيين وبناء المستوطنات في الأماكن الاستراتيجية والغنية بالموارد، مع فرض السيطرة الكاملة على الحدود والمعابر، وفرض قيود إضافية على التجارة من خلال اتحاد جمركي أحادي الاتجاه ونظام ضريبي- وبعد اتفاقية أوسلوا صارت تعطى السلطة بعضا من إيرادات التخليص الجمركي الخاص بالفلسطينيين، مع استخدامها كورقة ضغط من خلال حجز هذه الأموال وعدم تسليمها لهم-، بالإضافة إلى سيطرته بشكل كامل على جميع
المدخلات الضرورية اللازمة للاقتصاد مثل الاتصالات والنقل والكهرباء والإنشاءات والبنية التحتية، وقد استمرت سياسة الهيمنة الاقتصادية القائمة على التبعية القسرية إلى أن جاءت اتفاقيات أوسلو المشؤومة فتحولت الهيمنة إلى مزيج يجمع بين التبعية القسرية والتبعية بالتعاقد الذي يستند إلى اتفاقيات. وأما من ناحية استراتيجية التدجين الاقتصادي فقد كان الهدف منها تطبيع الاحتلال وجعله أكثر قبولا من أجل منع العمل المقاوم للاحتلال، وتعد سياسة الجسور المفتوحة من أهم السياسات التي استخدمها الاحتلال في استراتيجية التدجين الاقتصادي، وهذا أدى في بعض الأحيان -قبل معركة طوفان الأقصى- إلى جعل الاحتلال غير مرئي.
ب- قام الاحتلال بضرب الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والداخل الفلسطيني وضرب المنتوجات الزراعية والمصنوعات الفلسطينية منذ سنة 1967م فقد أغرق السوق الفلسطينية بالسلع والمنتجات الإسرائيلية بأسعار مخفضة لتصبح الأراضي الفلسطينية المحتلة سوقا مختطفة لصادرات الكيان الصهيوني، وأدى ذلك إلى إغلاق الكثير من المصانع الفلسطينية لعدم قدرة أصحابها على الاستمرار.
ت- قام الاحتلال اليهودي بمضاعفة أجور العمال الفلسطينيين مما أدى إلى تحول قسم كبير من المزارعين الفلسطينيين والرعاة وأصحاب الأراضي والمواشي وغيرهم إلى عمال عند الصهاينة.
ث- خلال الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987 مارس الفلسطينيون ما يمكن تسميته بحرب اقتصادية ضد العدو الصهيوني عبر استهداف المصالح الاقتصادية الصهيونية ومقاطعة المنتجات الصهيونية ورفض العمل في المستوطنات من جانب، وعبر
ابتكار نماذج محلية للصمود الاقتصادي والاكتفاء الذاتي من جانب آخر، فقد طورت المجتمعات الفلسطينية فكرة حدائق النصر والتي تتم زراعتها بالمزروعات المتعددة وتربى فيها الحيوانات، فقد قام الفلسطينيون خلال أول سنتين من الانتفاضة بزراعة أكثر من 500 ألف شجرة في المناطق الفلسطينية، وفي بعض المناطق كانت تحقق اكتفاء ذاتيا شبه كامل، وقد كان للنساء الفلسطينيات دور كبير في تحويل البيوت إلى مراكز لإنتاج الأغذية والملابس والمصنوعات اليدوية.
وبناء على ما سبق فإننا نقول بأن الواجب الأول على أهلنا في الضفة الغربية أن يسعوا بكل جهدهم من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأمور التي يمكنهم تحقيق الاكتفاء الذاتي فيها كالمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية ومنتجاتها والمنتجات اليدوية من منسوجات وغيرها بالإضافة إلى المنتجات التي يمكنهم صناعتها كالصابون والزجاج ومنتجات الجلود وغيرها ولهم في ذلك سابقة تدل على إمكانية فعل ذلك، وذلك كما فعلوا إبان انتفاضة الحجارة، وبناء على ذلك فإنه يجب عليهم مقاطعة الكيان المحتل ومنتوجاته في كل ما يمكن إنتاجه من قبل الفلسطينيين، ويحرم عليهم التعامل مع منتجات العدو بشكل عام إلا في حالتي الاضطرار وعدم وجود البديل المحلي.
ويجب عليهم مقاطعة كل من لديه مصلحة في التعامل مع الاحتلال وكل من يتكسب من خلال العلاقة مع الاحتلال، فالواجب كشف هذه الفئة وفضحها ونبذها وعدم التعامل معها.
ويجب على الأغنياء والتجار الفلسطينيين إنشاء المصانع والمتاجر والمزارع التي تستقطب الأيدي العاملة الفلسطينية، وأن يبذلوا في ذلك غاية وسعهم، وهذا واجب متعين عليهم يحرم عليهم التقصير فيه.
ويجب على الأمة الإسلامية جمعاء إعانة الفلسطينيين من أجل تحقيق اكتفاء الفلسطينيين الذاتي وإعانتهم في توفير العمل في مناطقهم، فهذا واجب على الكفاية لا تبرأ الأمة فيه من الإثم فيه إلا بتحقيق الاكتفاء الذاتي للفلسطينيين حتى يتمكن الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال من استخدام سلاح المقاطعة بشكل فعال، وحتى يتحول بشكل كامل إلى شعب مجاهد مقاوم.
أما بالنسبة للعمل عند الاحتلال ففي ذلك تفصيل: فالذي يملك أرضاً أو ماشية أو مصنعا أو أي مصدر للدخل -وهو في الداخل الفلسطيني- فهذا يحرم عليه أن يعمل عند الاحتلال، وإذا ترك أرضه أو ماشيته أو مصدره وذهب للعمل عند الاحتلال فقد ارتكب إثما عظيما مركباً لأنه ترك مصدرا يمكن أن يوفر الاكتفاء الذاتي له ولأسرته وقد يتعدى إلى غيرهم، وذهب للعمل عند الاحتلال من أجل تقويته وتمكينه بل إنه في عمله لدى الاحتلال إنما ينوب عن جنود الاحتلال الذين يذهبون إلى قتل الفلسطينيين وغيرهم وتدمير مناطقهم وبيوتهم، وهو بذلك يعينهم على استمرارهم في غيهم وجرمهم، ومما هو معلوم أن كل ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام وكل من أعان ظالما معتديا على ظلمه وعدوانه فهو شريك له في الظلم والعدوان.
أما من ليس لديه أي مصدر للدخل ولم يجد أي عمل عند الفلسطينيين، فهذا يباح له العمل عند الاحتلال للحاجة الماسة على سبيل الرخصة وذلك بشرط أن لا يعمل في
المستوطنات أو عند جندي أو عسكري أو أمني صهيوني، ولا في أي عمل في إعانة أو إمداد للجيش الصهيوني، وإذا انتهت الحاجة الماسة فيجب عليه ترك العمل عندهم.
هذا والله عز وجل أعلم.