خاص هيئة علماء فلسطين

         

19/6/2025

المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

ما حكم الذهاب لأماكن دخول شاحنات المساعدات وانتظارها والأخذ منها، علماً أننا في وضع لا يتم فيه تأمين وتوزيع أي شيء بشكل رسمي وعادل، بسبب غياب فرق التأمين والإغاثة والمؤسسات الرسمية. نريد منكم فتوى تنفع الناس وتضبط أمور دينهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن الإسلام قد عظّم حرمة المال العام والخاص، وجرّم الاعتداء عليه دون إذن صاحبه، وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]، وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) متفق عليه، وعن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161]، قال الإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (4/ 256): [قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: يأتي به حاملًا له على ظهره ورقبته، معذبًا بحمله وثقله، ومرعوبًا بصوته، وموبخًا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد] اهـ.

ومع نهي الإسلام عن الاعتداء على الأموال العامة والخاصة، إلا أنه كفل حق الإنسان في الحصول على الطعام والشراب عند الضرورة إليه حتى لو منعه من ذلك صاحبه، فإن المضطر الذي أصابه الجوع ولم يجد طعاماً غير طعام الغير فله أن يأكل منه، فإذا منعه صاحب الطعام من تناوله فقد أباح له الشرع أن يأكل منه دون إذنه، ورفع عنه الإثم في ذلك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أصاب بفيه من ذي حاجة فلا شيء عليه)، وقد أوجب الشرع أنه إذا نزل المضطر ضيفاً على قوم فيجب عليهم أن يضيفوه، وذلك لما رواه أبوداود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نزل بقوم فعليهم أن يُقروه، فإن لم يُقروه فله أن يُعقبهم بمثل قراه)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (ليلة الضيف واجبة على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محروماً، كان ديناً عليه، إن شاء اقتضاه وإن شاء ترك)، فإذا أبى القوم أن يضيّفوه، فله أن يأخذ من مالهم بقدر ضيافته بدون إذنهم، ولا ضمان عليه، لأن المضطر هنا غير معتدٍ على أموالهم؛ إذ ضيافته حقٌّ ثبت له بالشرع، فيكون آخذاً حقه شرعاً، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (أيما ضيف نزل بقوم فأصبح محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه).

وقد سُئل مجلس الاجتهاد الفقهي بغزة عما يشبه هذه المسألة، وهو حكم أخذ ما سقط من شاحنات المساعدات، فأجاب ضمن قراره بشأن نوازل قطاع الطريق، بالجواب التالي:

لا يجوز التعرُّضُ للشاحنات المحملة بالبضائع والمواد الإغاثية، ويجب على كل شخص أن يساهم في تأمينها وحمايتها ما استطاع إلى ذلكَ سبيلا، ويحرم أخذُ ما يسقط منها، فإن كان الساقطُ من أموال المساعدات والمواد الغذائية؛ فالأصل أن يتم تسليمها للجهة القائمة عليها، وإلا فلأقرب جهة خيرية لتوزعها على مستحقيها، فإن لم يتيسر ذلك فيجب إعطاؤها للمحتاجين، *ويرخَّصُ لمن التقطَها أن يأخذ منها بقدرِ ما يوزَّع على آحاد المحتاجينَ إن كان منهُم*، بشرطِ ألا يكون مساهِمًا في قطع الطريق وإسقاط المساعدات، فإن كان مشارِكًا، أو غير محتاجٍ لهذا المالِ، فلا يجوز له الأخذ منه؛ ويعاقبُ على عدوانه، أما إذا كانت الأموالُ والبضائعُ التي سقطت مملوكة لشخصٍ معين، فيجب تسليمها لصاحبها، أو لوليّه، إن عُرف؛ لأن حقّ المسلم لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، فإن لم يُعرف صاحبها؛ وجب حفظها، وتأخذ أحكام اللقطة. والله تعالى أعلى وأعلم.

وعليه فإن الأصل عدم جواز اعتداء أحد على مال غيره بأي حال من الأحوال، سواء كانت أموالاً عامة أو خاصة، إلا إذا اضطر إلى ذلك، كمن أشرف على الهلاك، ولا يتمكن من إنقاذ نفسه إلا بذلك، فله أن يأخذ بقدر حاجته من غير تجاوز ولا نية تجارة ولا ادخار، وعليه فإن أخذ الطحين من الشاحنات غير جائز في الأصل؛ لأنه سلب لحق الضعفاء، وجائز في حالات ضيقة جدا، كحال من لا يجد في بيته قوتاً إطلاقاً، وليس لديه قدرة على شراء الطحين بالكيلو من السوق، أما من لديه القدرة على الشراء فلا يجوز له الأخذ من الشاحنات، وأعظم منه إثماً من يأخذ بغرض التجارة؛ لأن ذلك بيع لمال مسروق.

وأما ما يفعله البعض من نهب أموال الناس بالقوة من غير ضرورة والاعتداء على أرواحهم بالقتل أو إعطاب أعضائهم كما يفعله قطاع الطرق وكما يفعله الغاصبون لأموال الناس جهرة، فهذا من أقبح أكل أموال الناس بالباطل، لما فيه من العدوان الصارخ والتجبر على الناس والظلم لهم جهرة، ويدخل في حكم الحرابة والإفساد في الأرض، وهؤلاء يجب على الجهات المختصة قمعهم وملاحقتهم وإنزال العقوبة الرادعة بهم، حفاظا على أرواح الناس وأموالهم.

ونسأل الله أن يعجل بالفرج والعوض من عنده.

 والله أعلى وأعلم.

لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

23/ 12/ 1446 ه

19/6/  2025