خاص هيئة علماء فلسطين

         

26/11/2025

المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال:

أنشأت فريقاً إغاثياً، وبحكم أن الفريق في البدايات، والمبالغ التي تصل غير ثابتة ومش كبيرة نحاسب الشباب بنظام اليومية 100 شيكل لكل يوم عمل، فإذا جاء تبرع بمشروع للفريق قيمته 10,000 لمشروع كسوة مثلاً،

هل يجوز أخذ نسبة من المبلغ بحيث تكون رصيداً في حساب الفريق، بحيث لو مستقبلاً صار مشروع رأيناه لازم التنفيذ ولا يوجد تمويل ننفذه من رصيد الفريق؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

ففي هذه المسألة فرعان:

أولهما هل يصح إذا وكَّل متبرع شخصاً ما أو مؤسسة لتنفيذ مشروع محدد أن يقتطع نسبة أو جزءً من أموال هذا المشروع ليضعها في مشروع آخر؟

ثانيهما: هل يجوز للجهة الموكَّلة في إيصال مبلغ من المال لأهل الحاجة فقراء أو مجاهدين تأخير إيصال كله أو بعضه لغرض إنفاقه عليهم في وقت آخر بما تراه هي أنسب لهم؟

وجواب الفرع الأول أن يدَ الوكيل يدُ أمانة، ولا يجوز له التصرف إلا في حدود الوكالة التي منحت له، وعليه فما ينبغي له التصرف في المال المرصود لغرض ما إلا في الوجه الذي رصد له، فإذا عيَّن باذل المال – متصدقاً كان أم مجاهداً بالمال – باباً؛ فلا يجوز للوكيل أن يحيد عن ذلك الباب، ولا أن ينفقه في وجه آخر إلا بعد الرجوع لصاحب المال. وذلك لأن مراعاة قصد المتبرع ملحوظة شرعاً، حتى ان ابن رشد رحمه الله تعالى كره للمتصدق نفسه إذا رصد قدراً من المال لغرض معين أن يحوله لغرض آخر ما دام قد حدده لذلك ولو كان ما يزال بين يديه. بل ذكر أنه إذا حدَّده وجزم بذلك ثم غيَّره فهو ضامن. فمن باب أولى ألا يصح ذلك للوكيل، شخصاً كان أو مؤسسة، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو ضامن

ونظير ذلك ما قرره علماؤنا أن شرط الواقف كنص الشارع، فلا يجوز لناظر الوقف أن يغير أو يبدل، وكذلك الوصية حيث دل القرآن الكريم على تحريم التصرف في الوصية على غير الوجه الذي قصده الموصي؛ فقال سبحانه {فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} أي أن من علم وصية على وجه وجب عليه الشهادة على الوجه الذي حددت له، فكذلك الصدقة إنما هي على شرط المتصدِّق، لا على مراد حاملها وناقلها أو الموكًّل بإيصالها، بل الواجب على هؤلاء جميعاً الالتزام بشرط الموكِّل، وعدم تبديله أو تغييره

وعليه فإنه لا يجوز للمؤسسات الخيرية إنفاق الأموال المتبرَّع بها والمحدَّد وجهتها في غير ما أراده المنفق وحدده.

والجواب عن الفرع الثاني أنه لا يحل تأخير صرف مال أو نسبة من مال متبرع به؛ بدعوى ادخاره لوقت تحصل فيه حاجة أخرى؛ لا سيما مع وجود الحاجة الماسة لهذا المال في الحال؛ لأن مراد المتصدق أو المتبرع سرعة إيصال المال إلى مستحقيه من ذوي الحاجات، فتأخيره إنما هو على النقيض من مراد باذله، فالواجب إذاً المسارعة والجد في نقله وتوزيعه؛ تحقيقاً لغرض من تبرع به

وقد قال سبحانه {وآتوا حقه يوم حصاده} فالزكاة هي حقه، ومعنى {حقه} أي مستحقة في المال، وواجب على مالك المال أن ينفقه في المصارف المحددة للمال الزكوي؛ فإنه حق لأولئك الأصناف الثمانية؛ وكذلك فإن ما يبذله المتبرع أو المتصدق أو المجاهد بماله لجهات معينة فإنما هو حق لتلك الجهات بالتعيين الذي كان من المتبرع بالمال؛ فوجب إيصاله لهذه الجهات من وقت صيرورته مستحقَّاً لهم دون تأخير، إلا تأخيراً تقتضيه ضرورة طريق أو نحو ذلك.

وإذا كانت الزكاة قد خرجت عن ملك المزكي بدخول وقت وجوبها؛ وصارت ملكاً لمستحقيها، ومن أجل ذلك اتفق العلماء على أنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها؛ فكذلك هذه الأموال واجب إيصالها ولا يحل تأخيرها

وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم قد قال (مطل الغني ظلم) وقال (لي الغني الواجد يحل عرضه وعقوبته) أي تأخيره للأداء الحق الذي عليه ولو كان المستحقُّ غنياً فكيف إذا كان المستحق معوزاً ومحتاجاً ويلزمه هذا المال لضرورة حياته إذا كان فقيراً، أو للدفاع عن حرمات المسلمين إن كان مجاهداً.

ثم إن التصرف في هذه الأموال – على خلاف قصد باذليها – إنما هو ضرب من ضروب الحجر على مستحقيها وهو لا يجوز إلا بمسوِّغ وحكم قضائي

والخلاصة أنه لا يجوز للوكلاء ولا للجهات الناقلة لأموال الجهاد أو الصدقات أو غيرها تأخير صرف تلك الأموال؛ لا سيما عند حصول الحاجة الماسة إليها، وقد علم كل منصف أن أهل غزة وأهل السودان إنما هم بأمس الحاجة لما يبذل لصالحهم من المنفقين والمتصدقين؛ بل إن منهم من يهلك جوعاً ومسغبة؛ فتأكد وجوب المبادرة بإيصال الأموال إليهم كاملة غير منقوصة وبأسرع وقت وفي الوجوه التي حدد لها.

وأما العاملون على هذه الأموال جمعاً وتوزيعاً فإنهم لا يخلون من حالين:

أولهما: أن يكونوا متبرعين بالعمل ابتغاء مرضاة الله، فأولئك أجرهم على الله، وليس للمؤسسات التي تنظم عملهم أن تقتطع بدل أجورهم من أجل أعمال أخرى أو لتتصرف فيها كيف شاءت في وجوه أخرى لأنهم ليسوا مخولين في ذلك، وإنما القصد من رصد تلك الأموال إسناد المجاهدين وإغاثة المحتاجين  

ثانيهما: أن يكونوا غير متطوعين؛ فالواجب حينها أن يُخبَرَ الباذلون بأن هؤلاء مستحقون لأجرة المثل من أجل أن يرصدوا لذلك ما يكافئ هذا الغرض من مال، وإن لم يفعلوا فلا حرج على المؤسسة حينها أن تقتطع جزء من تلك الأموال ليكون أجرة لأولئك العاملين، على ألا يزيد على أجرة المثل، والله تعالى أعلم.