خاص هيئة علماء فلسطين

         

2/12/2025

المفتي: لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

السؤال: شخص من غزة محتاج فعلياً، وبيته تهدم، ومصالحه ذهبت، وقد عاد إلى ما ‏تحت الصفر، وضع رابط ‏GO FUND ME‏ حيث يشرح فيه حالته ومأساته ويتعاطف ‏معه الناس ويتبرعون له، وقد تصل التبرعات لأرقام كبيرة فما حكم ذلك؟!‏

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ‏أجمعين، أما بعد. ‏

فالأصل هو تحريم سؤال الناس أموالهم من غير حاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال: (ثلاثةٌ أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله ‏بها عزا، وما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) رواه أحمد والترمذي، وجاء ‏في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما ‏يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر)، ‏

قال النووي: وهذا فيمن يسأل لغير الضرورة سؤالا منهيا عنه، وقوله تكثرا أي استكثارا ‏منها من غير ضرورة ولا حاجة.اهـ

وقال أبو حامد الغزالي في الإحياء: السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح بضرورة أو حاجة ‏مهمة قريبة من الضرورة، فإن كان عنها بدٌّ فهو حرام. اهـ.‏

وقال المناوي في فيض القدير: فإن احتاج ولم يقدر على كسبٍ لائقٍ جاز، بشرط أن لا ‏يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول؛ فإن فُقد شرطٌ منها حرم اتفاقا. اهـ.‏

ويستثنى من حرمة سؤال الناس أموالهم حالات طارئة، بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم  ‏في حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه، حيث قال له: (يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ ‏إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ ‏أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ ‏قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ ‏أَصَابَتْ فُلاَنًا الْفَاقَةُ؛ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ سِدَادًا مِنْ ‏عَيْشٍ – ثُمَّ يُمْسِكُ وَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا) رواه ‏أبو داود.‏

‏ وقوله: قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سدَادًا مِنْ عَيْشٍ، يعني: ما يقيمه ويوفر حاجاته الأساسية لا ما ‏يدخره ويكنزه، فيجوز سؤال الناس شيئا من المال، للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا ‏يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط دون أن يحرص على ‏استرجاع كل ما فقده أو جلّه، وأما غير المحتاج، فلا تجوز له المسألة، وما يأخذه من ‏الناس في هذه الحالة لا يحل له، وهو مال سُحتٌ حرام، فقد قال عليه الصلاة والسلام ‏‏(إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِع} رواه ‏أحمد وأبو داود.‏

فهذه النصوص دالة على حرمة سؤال الناس أموالهم بغير حق، وعلى إباحة السؤال لمن ‏نزلت به ضرورة ملجئة، ويدخل في ذلك مسألة جمع المال عن طريق الروابط الالكترونية ‏والمواقع، فهذا الأمر في الحالة الطبيعية محرم، ويكثر فيه الغِش والخداع والكذب، وأخذ ‏مال الناس بغير وجه حق، أما في حالة الضرورة مثل نازلة الحرب التي نزلت بأهل غزة ‏وتدمير البيوت وضياع الأعمال والأقوات، فيختلف الحكم حسب نية وسلوك كل ‏شخص، فمن جمع المال بهذه الطريقة ليسد حاجته الضرورية ويغيث الناس ويطعم من ‏حوله ويعيلهم، ويقضي حاجته وحوائجهم الضرورية فلا بأس بفعله إن شاء الله، ‏ونحسب أنه مأجور، أما من جمع المال واستكثره وحجبه عن الناس في هذه الأوضاع ‏المريرة ظانا أن هذا المال حقٌّ خالصٌ  له فهو آثم مأزور، فإنما تبرع من تبرع للحاجة ‏والفاقة التي نزلت بالناس جميعا لا به وحده، وتعاطفوا معه بسبب الظروف التي يعيشها ‏الجميع، فلم يكن أولى بالمال منهم، وخاصة مع انتشار الجوع والتشريد والفاقة الشديدة ‏التي نزلت بالناس، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوضح أن هذا الفعل يناقض الإيمان، ‏فقال: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، وهذا في حال اليسر ‏، فكيف بحال الحروب والنوازل.‏

وبناء على ما سبق فيحرم سؤال الناس أموالهم من غير حاجة، ويجوز ذلك للضرورة مثل ‏النازلة التي نزلت بأهل غزة، ويدخل في ذلك جمع التبرعات عن طريق هذه الروابط بنية ‏سد حاجته وحاجة الناس الضرورية وإغاثة الملهوفين والمكلومين. والله تعالى أعلم.‏

لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

‏11/ جمادى الثانية/ 1447ه

‏2/ 12/ 2025‏