26/3/2024
د. منير جمعة
الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو ماض إلى يوم القيامة ،لا يوقفه عدل عادل ولا جور جائر، فقد جاء في الحديث: “لا يزال هذا الدين قائما تقاتل دونه عصابة من المسلمين” ،رواه مسلم. وَعَدّ الإسلام من نفض يده منه أو أخرجه من حساباته فترك التفكير فيه وخذل الناس عنه منافقا، شأنه شأن المنافقين القدامى الذين كانوا يقولون: “لو نعلم قتالا لاتبعناكم”؟ فرد القرآن الكريم عليهم بقوله :”هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ” [آل عمران : 167]!
فالمسلمون اليوم ـ دولا وأفرادا وجماعات ـ يجب عليهم الجهاد شرعا ،وبخاصة أهل البلاد التي استولى عليها المغتصبون، كما هي الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان.
وعلى المسلمين ألا يأمنوا أعداءهم، وألا يستجيبوا للمرجفين المنهزمين الذين يروجون للاستسلام الذليل للعدو تحت اسم السلام، بل يجب عليهم المبادرة إلى إعداد العدة حتى يبرؤوا من النفاق وأهله، فقد جاء في الحديث (من لم يغز ،ولم تحدثه نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق ) رواه مسلم .
والمتخلفون عن الجهاد في هذا الزمان نوعان :
الصنف الأول: من يتخلف عنه مع القدرة عليه:
فهذا وعيده في القرآن شديد قال سبحانه وتعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة : 24] فهذه أعذار ثمانية أبطلها الله سبحانه، وسمى من يعتذر بعذر منها فاسقا، وتوعده بالضلال وعدم الهداية (والله لا يهدي القوم الفاسقين) وكذلك توعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من يتخلف عن الجهاد بالذل، فقال ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) فهذه عقوبة قدرية تلحق بكل متخلف عن الجهاد مع القدرة عليه . الحديث رواه أبو داود”3462″ وصححه الألباني في الصحيحة 1/5.
الصنف الثاني : أصحاب الأعذار:
فأصحاب الأعذار الشرعية ممن لهم رغبة صادقة في الجهاد، ولكنهم عجزوا عن الوصول إلى ساحاته.. إما لإكراه، أو حبس ، أو مرض ، أو عدم قدرة على النفقة ، وما شاكل ذلك من الأعذار المقبولة شرعا ، فهؤلاء نرجو أن يكتب الله لهم أجر المجاهدين .فقد جاء في الحديث : ( إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ولا سرتم سيرا إلا وهم معكم ) قالوا : وهم بالمدينة ؟ قال : ( نعم. حبسهم العذر) متفق عليه.
قال ابن حجر: والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض، وعدم القدرة على السفر. وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ( حبسهم المرض)، وكأنه محمول على الأغلب وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل ” فتح الباري 6 / 47″.
ولكن أصحاب الأعذار – مع هذا – يجب عليهم أمور:
1 – إخلاص النية والدعاية للقضية:
فيجب أن تتوق النفس إلى الجهاد، وإلى نصرة المسلمين المستضعفين ، وإلا كان ممن رضي بما يحدث لهم ..فقد جاء في الحديث ( ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته) ” رواه أبو داود 4884) ، والطبراني في الأوسط بإسناد حسن كما في مجمع الزوائد 7/267.
وعليه أن يدعو إلى قضية الجهاد في سبيل الله بأن يبين الحق الذي يقاتل من أجله المجاهدون ، ويبين الباطل الذي عليه المشركون، وما يرتكبه اليهود وأشباههم من فظائع ضد المسلمين..فهذا من الجهاد باللسان كما جاء في الحديث: ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )” رواه أبو داود”.
والإعلام اليوم سلاح خطير، ينبغي أن يحسن المسلمون استغلاله وتوظيفه لخدمة الحق وأهله.
2 – الدعاء:
الدعاء للغزاة المجاهدين بالنصر، وعلى العدو بالخذلان سلاح مؤثر..فقد جاء في الحديث: ( إن الله ينصر هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) رواه النسائي.
ودعاء السحر سهام القدر، ولذا قال ابن القيم في نونيته المسماة ( الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية):
هذا ونصر الدين فـرض لازم لا للكفاية بل على الأعيـان
بيد وإما باللسان فإن عجـــز ت، فبالتوجه والدعا بجنان
ما بعدها والله للإيمان حـبــ ة خردل يا ناصر الإيمــان
3 – تحريض المؤمنين وتخذيل المشركين:
الدال على الخير كفاعله، والعاجز عن الجهاد عليه أن يحرض غيره، لقوله تعالى (قَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء : 84]) وعلى المسلم أن يزود المسلمين بكل ما يعينهم على قتال عدوهم من معلومات وخبرات، مع كتمان أسرار المسلمين، كما أن عليه أن يخذل المشركين بما استطاع، كما فعل نعيم بن مسعود رضي الله عنه يوم الأحزاب ، وهذا يقتضي عدم إعانتهم ،وعدم اتخاذهم أولياء؛ لأن الوعيد على هذا شديد، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة : 51]) كما يقتضي عدم التعامل معهم ثقافيا .. وهو ما يسمى اليوم برفض التطبيع، كما يلزم مقاطعتهم اقتصاديا مقاطعة صارمة ليتحقق الولاء للمؤمنين والبراء من المجرمين.
4 – النفقة في سبيل الله:
يجب على المسلمين إن عجزوا عن الجهاد بالنفس أن يجاهدوا بأموالهم، لتجهيز كل من يريد الجهاد أو الاستشهاد بالمال والسلاح، وكفالة أسرهم، وعلاج الجرحى والمعوقين، وفداء الأسرى، والقيام على من أوذي في سبيل الله إيذاء يمنعه من التكسب لعياله؛ لأن قعود المسلمين ومعاونة هؤلاء هو من أعظم أسباب الصد عن سبيل الله ، فإن الرجل إذا تيقن ضياع عياله من بعده صده ذلك عن الجهاد في سبيل الله ، والمال لازم للجهاد، ولذا قدمه الله في الذكر ـ لا تقديم ترتيب ـ في تسع آيات من كتاب الله ،لأن الجهاد بالنفس لا يكون إلا بعد الجهاد بالمال ، وقد توعد الله من يتخاذل عنه بقوله سبحانه (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد : 38].وصدق الشاعر حيث يقول:
الجود بالمال جود فيه مكرمة *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
قد يسأل بعض الناس عمن أصاب مالا حراما، هل يقبل منه تبرعات؟ وأجيب هؤلاء بكلام يشفي العليل، ويروي الغليل لابن تيمية رحمه الله يقول فيه:(حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مالا حراما، وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهله بهم، ونحو ذلك، أو كان بيده ودائع، أو رهون قد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها في سبيل الله..فإن ذلك مصرفها ، ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد، فإن الله عز وجل يغفر ذنوبه، كما أخبر الله في كتابه سبحانه وتعالى : ( يغفر لكم ذنوبكم)[1] ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه، فلينفقه في سبيل الله عن أصحابه، فإن ذلك طريق حسنة إلى خلاصه ، مع ما يحصل له من أجر الجهاد).” مجموع الفتاوى 28/421-422″
وقد أزال ابن رجب الحنبلي شبهة عدم جواز التخلص من المال الحرام في وجوه الخير لحديث: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فقال بعد أن عرض بعض الآراء في المسألة 🙁 والصحيح تصدقه به، لأن إتلاف المال وإضاعته منهي عنه، وإرصاده – حفظه- أبدا تعريض له للإتلاف ، واستيلاء الظلمة عليه ، والصدقة به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقربا منه بالخبيث، إنما هي صدقة عن مالكه ليكون نفقة له في الآخرة، حيث تعذر عليه الانتفاع به في الدنيا) ” جامع العلوم والحكم ص 89″.
أي أن ابن رجب يرى أن المرء إن تقرب إلى الله بمال حرام لم يتقبل منه ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ولكن إن كانت نيته التخلص من هذا المال، وإنفاقه بنية الصدقة لصاحبه الحقيقي-إن علمه – فجائز وحسن ، وهو خير من إتلافه أو إهلاكه.
وأزيدك أخي القارئ فأقول : المال حرام على صاحبه ، فلا ينتفع به في عمل دنيوي ، ولا يسعى ليحصل به على أجر أخروي ، أما التخلص منه للغير، فلا شئ فيه وسيصل الثواب بإذن الله إلى صاحبه الحقيقي، أو أصحابه إن تعددوا، لأنهم حرموا من نفعه في الدنيا ، فلا يحرمون من ثوابه في الآخرة إن شاء الله.
5 – مقاومة التطبيع ثقافيا واقتصاديا:
اليهود يكرهوننا بشهادة القرآن الكريم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة : 82]) والكيان الصهيوني الغاصب ليس له شرعية عندنا نحن المسلمين ، ولا عند المنصفين العقلاء في العالم كله، وقد قام منذ يومه الأول على الدماء والأشلاء، واغتصاب الأراضي وهتك الأعراض. فكيف لنا أن ننسى ذلك كله ونضع أيدينا في يده الملوثة؟ كيف ننسى عشرات المذابح عبر تاريخه الدموي الأسود؟ كيف ننسى مذبحة بلدة الشيخ عام 47 ، ودير ياسين عام 48، وخان يونس عام 56،وبحر البقر وصابرا وشاتيلا عام 82، والحرم الإبراهيمي عام 93 وغيرها، وغيرها ؟ إن عدونا خسيس وحقير، وأبناؤه مجموعة من العصابات الإجرامية الغادرة التي تتحين الفرصة للقضاء علينا ،كما قال أحكم الحاكمين وأصدق القائلين: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً [التوبة : 10] . فهل نتعامى عن هذا كله تحت دعوى الواقعية؟ إن الواقعية الحقيقية هي التي تفرض علينا أن نقاوم أحلامهم المدنسة قبل أن يتسع الخرق على الراقع ،فإن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين. إن الواقعية هي التي تفرض علينا أن نقرأ تاريخهم الأسود ،وأن نعرف ماذا يريدون بنا ،فكم في الزوايا من خبايا!!
ليس من الواقعية في شئ أن نضفي شرعية على اغتصابهم لأراضي المسلمين تحت زعم دفع مسيرة السلام! وليس من الواقعية استقبال ممثليهم بحفاوة، أو الجلوس معهم في المؤتمرات والندوات واللقاءات ، لأنهم يستغلون ذلك أسوأ استغلال حين يعلنون أن لهم أنصارا وأصدقاء منا يؤيدون مشروعهم الاستعماري الوقح. ليس من الواقعية وليس من الوطنية في شئ قيام بعض الساسة بتهنئة الغاصبين في ذكرى الاغتصاب!! ولذا فيجب أن نستثمر هذا في الدعوة لمقاطعة اليهود وأعوانهم من الأمريكان مقاطعة اقتصادية شاملة ، فإن من يعطي أمواله لعدوه إما خائن أو سفيه!! فيجب أن نقف جميعا في وجه من يحاول إزالة الحاجز النفسي بيننا وبين اليهود، يجب أن نقوي روح المقاومة ونرفض الانبطاح والاستسلام ..وبالله نستدفع البلايا.
[1]- يشير إلى قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الصف : 10 – 12]
نقلاً عن موقع أون لاين إسلام