27/2/2025

خطبة مقترحة من الدكتور محمد سعيد بكر

محاور الخطبة:

 كان الدين ولا يزال وسيبقى صمام أمان للبلاد، وما تركت أمة دينها أو لم تحسن تطبيقه على الوجه الذي يريده ربها إلا هلكت وانتكست وخربت وعاشت خوفاً وقلقاً وحزناً لا حدود له، قال تعالى: ” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” (الأنعام: 82).

 عرف الأعداء أهمية الدين في حياتنا، وكيف أنه أعظم نقاط قوتنا وفاعليتنا، لاسيما وقد خرجوا من دينهم وحرفوه، وصاروا كالأنعام بل هم أضل، فحاولوا ولا تزال محاولاتهم تقوم على استهداف ديننا واستنزافه والطعن فيه، بل وربط كل شيء قبيح به؛ فالدين يعني الإرهاب والتطرف والتخلف! .. قال تعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ” (البقرة: 109).

 نعجب من حال بعض حيتان السياسة والاقتصاد في بلادنا كيف أقنعهم شياطين الإنس والجن أن الدين هو المشكلة والعقبة الكؤود أمام سعادتهم .. في حين أن الدين هو سبب السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة .. وبالتالي نجدهم يصدون عن دين الله وينفقون أموالهم وجهودهم وأوقاتهم في المكر والكيد وهم يعلمون أن كيدهم إلى بوار وأن دين الله لا يُغلب فهو محفوظ محروس .. وقد حارب فرعون مصر الدين فهلك، وبقيت جثته شاهدة لكل مستبد يزعم بلسان حاله ومقاله أنه الأول والآخر والظاهر والباطن وأنه على كل شيء قدير!!

 إننا لا نشكك في نوايا القائمين على الشأن الديني في بلادنا من وزراء ومدراء ومسؤولين، فشأن النية بين العبد وربه .. ولكننا نشفق عليهم من ثقل الحمل، وشدة الهجمة .. ونحن نضع أنفسنا موضع الناصح الغيور على دينه ووطنه وأمته، ونعرض خدماتنا الداعمة لهم بالخير؛ فإن قاموا بواجبهم في حراسة الشريعة وحماية الدين وتحصين الأجيال؛ فهم مرابطون وهم منا ونحن منهم .. وإلا فنحن نبرأ إلى الله من كل مسؤول يخون أمانة الدين لأجل عرَض من أعراض الدنيا رخيص.

 والمتتبع للحالة الدينية في بلادنا ينتابه شعور مختلط من الحزن والأسى والدهشة والاستغراب .. ففي حين تعلن بلاد المسلمين في دساتيرها أن دين الدولة الإسلام تجد إهمالاً في تقنين تطبيق أركان الدين من جهة، وتساهلاً في إقرار قوانين وأنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية تخالف أمر الله تعالى من جهة أخرى!

 ومن باب التفصيل في الصورة المتردية التي وصلت إليها الحالة الدينية في بلادنا نذكر بعض معالم هذا التردي، ومن ذلك:

1️⃣ عقد المعاهدات والمواثيق المكبلة لبلادنا، مما جعل إرادتنا ترتهن للآخر، وصرنا لا نملك من أمرنا شيئاً.

2️⃣ الاصرار على مخالفة النهج الشرعي في تعيين الأقوياء الأمناء في مختلف المواقع والمستويات، واعتماد سياسة المحسوبية والواسطة التي أنتجت بطانة السوء.

3️⃣ التشجيع على الربا والمعاملات المحرمة من خلال ترخيص بنوك ومؤسسات الإقراض الربوي.

4️⃣ التشجيع على الزنا والفجور والسفور والتفكك الاجتماعي وهدم الأسرة من خلال ما يُبث في القنوات والمواقع من أفلام وبرامج موجَّهة أو بلا رقابة شرعية.

5️⃣ خنق المنابر ومسخ المناهج ونزع الروح والرسالة من بيوت الله والجمعيات والمدارس والجامعات، فالعاملون في تلك القطاعات أصبح (كثير) منهم مجرد موظف بلا رسالة تربوية دعوية.

6️⃣ تغليب الجانب المادي المصلحي في الحياة العامة، وفصل الدين عن الحياة، ومحاولة الوصول إلى العلمانية بنمطها الغربي ضمن خطة ممنهجة.

7️⃣ إقصاء وملاحقة النخب الدعاة والعلماء والمصلحين والتضييق عليهم ودفعهم للهجرة أو الاعتزال.

8️⃣ المحافظة على بعض عناوين الدين ومظاهره دون غاياته وروحه ومقاصده .. فالصلاة بلا خشوع، والصوم بلا إحساس بالآخرين ولا شعور .. والزكاة ناقصة دون حقها المشروع .. والحج بلا تجرد ولا خضوع .. إلا من رحم الله من أصحاب القلوب الصافية النقية.

9️⃣ التشرذم واختلاف المناهج الفكرية والفقهية والعقدية بشكل مذموم أدى إلى إعجاب كل ذي رأي برأيه، وحلَّ التنابز والطعن والتخوين، لاسيما وقد اخترق المفسدون الأجواء وعمقوا الخلافات، فتنازع الجميع وفشلوا وذهبت ريحهم.

🔟 ظهور دعوات التحريف والتزييف والتمييع التي تزعم اعترافها بالقرآن دون السنة، أو تدعو للثورة على التراث، أو تقرأ القرآن قراءة أهوائية، أو تطعن في الصحابة وتشنع على الصحيحين؛ كالحداثيين، والقرآنيين، والتنويريين.

 هذه الصور وغيرها جعلت حتى من يريد تحقيق التدين الفردي على مستواه الشخصي أو على مستوى أسرته الصغيرة يجد صعوبة بالغة .. وكأنه غريب قابض على جمر يمشي بعكس اتجاه السير .. فإن ثبت ومات ثابتاً على دينه فهنيئاً له .. وإن غيَّر وبدل وانتكس فلا غرابة في انتكاسته .. وإن كان سيواجه عقابه يوم يقف بين يدي ربه.

 وحتى نعيد الأمر سيرته الأولى .. وعلى طريق تمكين الدين وجعله المهيمن على أفعالنا وردود أفعالنا .. على مستوى الفرد والمجتمع لابد من القيام بالخطوات الآتية:

1️⃣ السعي الدؤوب لتمكين التدين الواعي .. فلا قيمة للتدين بلا وعي، ولا قيمة للوعي بلا تدين .. وذلك في مختلف المجالس والمواقع والصفحات المتاحة.

2️⃣ بيان مآلات التدين المغشوش الذي وصلت إليها بلادنا .. وأنه سيؤدي إلى هلاك البلاد والعباد، قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” (الأعراف: 96).

3️⃣ النصيحة لأولياء الأمور والمسؤولين .. ففي بعضهم لا يزال الخير الكامن .. ودعم مواقفهم الإيجابية .. وتبشيرهم بشرف المسؤول المستأمن على الدين والدنيا فهو برتبة مجاهد .. وتخويفهم من عقوبة من باعوا دينهم بدنيا غيرهم؛ فلا حصلوا على بركة الدنيا ولا فازوا بروعة الآخرة ..  فعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ في بيتي هَذَا: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ” رواه مسلم.

4️⃣ الصدع بالحق دون مواربة إما تصريحاً وإما تلميحاً .. واستحضار معنى أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها .. وهذا دور العلماء العاملين ومن خلال مختلف المنابر المتاحة، بكل فاعلية وصدق، ودون تردد ولا اجتزاء .. قال تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ” (آل عمران: ١٨٧).

5️⃣ محاولة صناعة قصة نجاح وحالة مميزة من الاقتراب من النبع الصافي .. وذلك من خلال العمل الجاد على توفير بيئة (من الأهل والعيال) نظيفة نسبياً ومحصنة من الشبهات والشهوات .. وذلك بكثرة الدعاء وحسن القدوة والرفق والتعريف بالآمر سبحانه قبل الأمر، قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” (الفرقان: 74).

6️⃣ الحذر والتحذير من الجهات والفئات والجماعات والشخصيات التي تبث سمومها وتحاول إغراق مجتمعاتنا بالشهوات والشبهات .. وكشفهم والتصدي لهم.

7️⃣ مُدارسة حياة الأنبياء والصحابة والشهداء والصالحين على امتداد الجغرافيا والتاريخ .. وجعلهم المنارة التي يُحتذى بها في مختلف المواقف الحياتية .. وأعظم سيرة يمكننا أن ننسج على منوالها هي سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” (الأحزاب:21).

8️⃣ بناء منظومة إصلاحية جهادية متكاملة؛ تقوم على جمع كلمة أشراف الأمة على مشروع نهضوي عنوانه الإصلاح لمجتمعاتنا، والجهاد الرادع لأعدائنا .. لأنه يبدو أن من العبث والتضييع الحديث عن إصلاح داخلي فقط دون مجرد التفكير في مواجهة صارمة لأولئك المحتلين المعتدين على إرادة الأمة ودينها ومقدراتها.

9️⃣ إحياء رسالة المساجد، وتمكين دور الأئمة والخطباء، ودعم المراكز والجمعيات القرآنية، ورد الاعتبار للعلماء والدعاة والمصلحين.

🔟 إحياء فقه العمل لليوم الآخر، وتفعيل عقيدة الإيمان بالغيب، والتخفف من شواغل الدنيا، وتمكين قيمة الزهد الإيجابي، وتكثيف الوعظ فيما يحقق ويضمن حسن الخاتمة.

وختاماً

إننا أحوج ما نكون إلى تمكين قيمة اليقين بأن دين الله هو سبب نجاحنا وفلاحنا وسعادتنا وسيادتنا على مستوى الأفراد والشعوب والأنظمة، في الدنيا والآخرة .. لنقفز بعدها إلى خطوة شجاعة ألا وهي؛ تبني الدين واحتضانه و الاعتزاز والعمل به والأحتكام إليه في شؤون حياتنا الداخلية والخارجية، الخاصة والعامة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، قال تعالى في بيان جمال وكمال الدين لمن أيقن به واعتقده ولزمه؛ ” أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة: 50) .. والعقلاء يحرصون على هذا الجمال والكمال مهما كلفهم ذلك من ثمن .. فالله تعالى هو خالقنا وهو أدرى بما ينفعنا ويرفعنا .. وإلا فما أشقى أولئك الذين يُعرضون عن شريعة ربهم ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو أشرف وأطهر وأسمى، وصدق الله في بيان حالهم ومآلهم:” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ” (طه: 124).