8/3/2025

يجيب عليها الدكتور مروح موسى نصر نصار  باحث وكاتب ومؤلف متخصص في القضية الفلسطينية

_سؤال: ما الحكم الشرعي لحق العودة هل هو واجب شرعا، أم مباح يمكن للفلسطيني أن يتنازل عنه، وهل الصيغة التالية للحكم الشرعي صحيحة بالكامل أم ثمة تعديلات عليها أو ثمة صيغة أفضل منها: (حكم العودة واجب عند الاستطاعة وانتفاء الأضرار المعتبرة شرعا)؟

الجواب: حق العودة واجب شرعي لا يجوز التنازل عنه، ولا يملك أي فرد حق التنازل عن حق العودة لأن أرض فلسطين أرض خراجية وقفية مقدسة ومباركة بإجماع الصحابة، وعند فتحتها لم يوزعها عمر على الفاتحين لأنها ملك رقبة ينتفع بها من يملكها دون حق التنازل عنها.

  أما صيغة (حكم العودة واجب عند الاستطاعة وانتفاء الأضرار المعتبرة شرعا). يضاف لها ‏ “فإن لم يتيسر بسبب ضرر معتبر شرعا فينتقل حق العودة للورثة ولا يسقط حتى لو تنازل الورثة لأنه حق لعموم المسلمين”.

_سؤال: هل حق العودة من الأمور الخاصة بالمسلم يحق له التصرف فيه كيف ما يشاء أم إنه حق عام للأمة لا يجوز للفرد التصرف فيه بشكل فردي؟

الجواب: هو حق خاص مرتبط بحق عام فالملكية خاصة ولكنها مرتبطة بملك عام لجميع المسلمين فهو مستأمن على ما يملك وليس له الحق في التفريط أو التنازل لان الملكية ترجع لعموم المسلمين، فلا يحق لأي فرد التنازل عن حقه لأنه يلحق الضرر بالمسلمين ومقدساتهم ولو تخيل أن فيها منفعة له لأن القاعدة الشرعية المعتبرة تنص على”أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع”، وهل هناك مفسدة أعظم من التخلي عن الأرض المباركة والمقدسة لأخطر عدو للمسلمين.

 قال تعالى: )لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة82 .

_سؤال: هل يملك أحد سواء كان فردا أم مجموعة أم دولة إسقاط حق العودة شرعا؟ وما الحكم لو أن سلطة ما وقعت تنازلا عن هذا الحق؟ وفي حال إعلان أغلب الفلسطينيين عن إسقاطهم حق العودة فهل يلزم هذا بقية الفلسطينيين أم يبقى لكل شخص حقه المستقل شرعا؟ وفي حال تنازل جميع الفلسطينيين عن حقهم في العودة فهل يلزم شرعا سقوط هذا الحق عن ذريتهم؟

الجواب: لا يملك أحد حق التنازل عن حق العودة سواء كان فردا أو جماعة أو دوله، لأنه حق مشترك لجميع المسلمين، ولو تنازلت دولة أو سلطة عن هذا الحق فهو تنازل باطل لا يملكه من تنازل لان ملكية فلسطين مرتبطة بالمنفعة فقط كمن يستأجر أرضا فهو ينتفع بها دون أي حق له بالتنازل عنها أو بيعها، فهي منفعة مؤقتة.

فلو تنازل بعض الفلسطينيين أو أغلبهم  أو حتى لو كلهم عن حق العودة فلا يحق لهم ذلك ولا يسقط شرعا لأن فلسطين هي ملك لجميع المسلمين بل لو تنازل العرب جميعا فلا يسقط حق المسلم الباكستاني أو الماليزي أو غيرة في أي مكان كان.لأنه يحرم شرعا البيع أو التنازل عن حق العودة، ولا يجوز شرعا لأن المحظور قائم فيها ولأن التعويض عن الأرض محرم شرعًا،أما الذي لا يرغب في العودة فليس له الحق بأخذ التعويض مطلقا،مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات،وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله،وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

ففلسطين تعتبر الأرض المغنومة، وهي الأرض التي دخلها المسلمون بالفتح الإسلامي، فالأرض التي دخلها المسلمون فتحاً أو صلحاً تعتبر وقفا إسلاميا، وعلى هذا إجماع فقهاء المسلمين، لكن اختلفوا اختلافاً يسيراً في كيفية تصرف الحاكم المسلم في هذه الأرض المغنومة، فـأبو حنيفة و الشافعي و ابن حنبل رحمهم الله جميعاً اتفقوا على أن حكم الأرض المفتوحة أحد أمرين:

1- إما أن يوزع أربعة أخماسها على الفاتحين ويضم الخمس الباقي إلى خزانة الدولة، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أراضي خيبر.

2- والرأي الثاني: أن يضمها كلها إلى بيت مال المسلمين، ولا يوزع منها شيئاً على الفاتحين، وذلك ليستفيد منها المسلمون إلى يوم القيامة، ولا تبقى حكراً على مجموعة الفاتحين الأوائل، ومرجعهم في هذا الأمر الأخير إلى عمر بن الخطاب، فقد روى البخاري عن أسلم مولى عمر قال: قال عمر: أما والذي نفسي بيده! لولا أن أترك آخر الناس ‏بياناً -أي: فقراء- ليس لهم من شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله خيبر، ‏ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها. والإمام مالك لا يرى إلا هذا الرأي الأخير فقط، رأي عمر بن الخطاب بأن الأرض تكون لبيت مال المسلمين، ولا تقسم على الفاتحين. إذاً: الأرض التي فتحت بالإسلام، ‏أصبحت ملكاً للمسلمين، ملكاً أبدياً لا تغيير له ولا تبديل، هذه الحقيقة الفقهية سيترتب عليها أشياء ‏كثيرة هامة: أولاً: هل فتح المسلمون أرض فلسطين كلها، أم فتحوا جزءاً منها؟ فتحوها كلها. هذا معلوم ‏إذاً:‏ أصبحت أرض فلسطين أرضاً إسلامية خالصة منذ أن فتحت ابتداءً من سنة 15هـ إلى أن يرث الله ‏الأرض ومن عليها، فكل أرض فلسطين من البحر إلى النهر أي: من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، ‏ومن لبنان في الشمال إلى رفح وخليج العقبة في الجنوب، ملكا للمسلمين جميعا وليس لأي فرد أو تنظيم أو ‏دولة أو دول التنازل عن ذرة تراب منها وإن حصل فهو كوعد بلفور أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.‏

_سؤال: الفلسطينيون منهم من هجر من أرضه إلى أرض أخرى داخل فلسطين ومنهم من هجر إلى الدول العربية ومنهم من هجر إلى الدول الإسلامية ومنهم من هجر إلى الدول الأجنبية، هل حكم العودة واحد بحق الجميع؟

الجواب: نعم هو حق واجب للجميع مهما ابتعدت بهم الديار، وإن توفي ينتقل الحق لورثته وان تنازل ورثته أو سكتوا ينتقل الحق لعموم المسلمين.

_سؤال: هل يسقط شرعا حق العودة بموت المهجر أم ينتقل حقه إلى ورثته ثم ورثة ورثته وهكذا؟

الجواب: لا يسقط الحق بالتقادم ولو تعاقبت أجيال، فاليهود يطالبون ببناء الهيكل المزعوم على أرض بيت المقدس بكذبة مزعومة أن سليمان اشترى بيدرا من: أرنونة الكنعاني فكيف بمن يحتفظ بمفتاح بيته والشجر الذي زرعه بيده ما زال موجودا ويأكل منه الغاصبون الذين لم يزرعوه؟!!

_سؤال: هل يسقط شرعا حق العودة في حال التجنس بجنسية دولة ما؟

الجواب: لا يسقط مهما حمل الفلسطيني من جنسيات فالصهاينة يأتون بهم من أصقاع الأرض مدعين ملكية لحق مكذوب ليس له مكان إلا في خيال الصهاينة بادعاءات كاذبة والحكم الشرعي هو “فإنها محرمة عليكم”.

_سؤال: هل يجوز شرعا أخذ تعويض عن حق العودة مقابل التنازل عنه رسميا؟ وفي حال أخذ التعويض والتوقيع على التنازل عن حق العودة هل يجوز شرعا بعد هذا أن ينقض عهده ويعاود المطالبة بالعودة؟ وهل يجوز شرعا لورثة المتنازل عن حق العودة أن يطالبوا بالعودة؟

الجواب: لا يجوز ويحرم شرعا أخذ التعويض أو التنازل لأن التنازل كالبيع وأجمعت الأمة سلفا وخلفا بوقفية فلسطين لجميع المسلمين، ولو حصل فالمتنازل لا يمثل أحدا والتنازل باطل يحق للورثة المطالبة بحقهم وإن تخلى الورثة عن المطالبة فيحق لكل مسلم المطالبة بحقه لان الفلسطيني بملكه هو أو ورثته هو مستأمن على ما يملك والتنازل خيانة للأمانة. لقوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ( الأنفال27. فالتنازل أو البيع خيانة لله والرسول.

_سؤال: هل يجوز شرعا للفلسطينيين أن يطالبوا بالتعويض المادي عن الأضرار النفسية والمعنوية والمادية التي أصابتهم بسبب الاحتلال الصهيوني مع الاحتفاظ بحق العودة؟

الجواب: يجوز لهم المطالبة بحقهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم  مع الاحتفاظ بحق العودة، وأخذ التعويض عن الضرر لا يسقط حق العودة للملك، فالصهاينة يطالبون الدول العربية بالتعويض عن ممتلكاتهم التي تركوها في الدول العربية على الرغم من أنهم لم يجبروا على المغادرة كما حصل مع الفلسطينيين الذي أخرجوا من ديارهم بالقوة، لما سئل مناحين بيغن مجرم مذبحة دير ياسين قال:”لولا مذبحة دير ياسين ما قامت دولة إسرائيل”. فقد شردوا عام 1948م أكثر من 800ألف فلسطيني بدون وجه حق وعانوا وما يزالون يعانون من ألم الغربة والذي قرنه الله سبحانه بقتل النفس.

قال تعالى: )وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (النساء66.

_سؤال: ما المطلوب شرعا من المسلمين غير الفلسطينيين فيما يتعلق بحق عودة الفلسطينيين؟

الجواب: يجب على جميع المسلمين دعم الحق الشرعي لأهل فلسطين في العودة لأرضهم وطرد اليهود منها لعدة أسباب منها:1-الأخوة في الدين. لقوله تعالى: ) وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ… ( الأنفال72. وقوله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  (الحجرات10

2-لمكانة فلسطين الشرعية عند المسلمين ففلسطين بوركت في القرآن ستة مرات وقدست مرة نصا.

3- لأنهم مظلومون ومن حقهم على المسلمين والعالم أجمع نصرهم ورد الحق لهم ورفع الظلم عنهم.

_سؤال: هل يحق شرعا لغير الفلسطينيين المطالبة بالهجرة إلى فلسطين والعيش فيها؟

الجواب: نعم يحق لكل مسلم الهجرة لفلسطين لما لها من قدسية فهي مسرى رسول الله وبها تضاعف الحسنات والصلوات، وهناك أحاديث كثيرة تحث على المرابطة فيها وسكناها ومنها على سبيل المثال:

1-عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنّ سليمان بن داود عليه السلام سأل الله ثلاثاً، فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون له الثالثة: فسأله حكماً يصادف حكمه، فأعطاه الله إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيَّما رجلٍ خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه‏)) رواه أحمد والحاكم وصححه.‏

2-وعن ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: (( أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره))، قلت: أرأيتَ إن لم أستطع أن أتحمَّل إليه؟ قال: ((فتهدي له زيتاً يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه)). رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني.‏

قال ابن تيمية: “دلت الدلائل على أن ملك النبوة بالشام، والحشر إليها، ……وهناك يحشر الخلق، والإسلام في ‏آخر الزمان يكون أظهر بالشام”.

‏3-وعن ابن حوالة قال: قال رسول الله: سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن ‏، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: خِر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: ((عليكم بالشام فإنها خيرة الله من ‏أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأمّا (إذ،إن،إذا) أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقُوا من غُدَرِكُم ،فإنّ الله توكل لي بالشام ‏وأهله)). أحمد أبو داود وصححه الألباني.‏

قال العز بن عبد السلام: “أخبر رسول الله أن الشام في كفالة الله وحياطته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة ‏عليه”. ‏

‏4-عن أم سلمة زوج النبي أنها سمعت رسول الله ‏يقول: ((من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى ‏المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة: شك عبد الله أيتهما قال)). قال أبو داود: ‏يرحم الله وكيعاً أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة. رواه أبو داود: السنن (1741)، وابن ماجه: سنن بن ‏ماجه (3001)، قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب: رواه ابن ماجه بسند صحيح. ‏