المفتي: د. منذر عرفات زيتون

الجواب: انطلاقاً من أن الجهاد في سبيل يتضمن كل جهد يبذله المسلم بنية إرضاء الله تعالى وطاعته مخلصاً له سبحانه، والله تعالى يقول (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله (41) المائدة. وكذلك يقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: “جاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ” أخرجه أبو داود والنسائي.

وانطلاقاً من أن القتال في السيف ليس مطلوباً من كل الناس، وإنما يطلب من بعضهم ما يستطيعون فعله من الأمور الأخرى التي فيها مجاهدة الأعداء والبغاة وما فيه إظهار المسلمين عليهم وتمكينهم منهم، لقوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122) المائدة.

وانطلاقاً من أن الزمان تغير، وتغيرت أدواته، ومن ضمنها تغير وتنوع أساليب الصراع والمواجهة مع الأعداء، وقد دخلت فيه الوسائل المختلفة من الكلمة والصورة والصوت والرسم والإشارة والتقنية بأشكالها المختلفة ونحو ذلك، فإن المطلوب من المتخصصين والماهرين في تلك الوسائل أن يبذل كل منهم جهده وأن يستفرغ فيه طاقته بما يستطيع وما يتقن لنصرة دينه وأمته وأرضه والناس جميعاً وخاصة الضعفاء والمضطهدين والمظلومين في الأرض، ولعله في ذلك يحقق من الأهداف الخيرة الطيبة ما لا يستطيع غيره من المقاتلين أو المواجهين في الصراع مباشرة تحقيقه.

وبناء على ذلك، فإن العاملين في الحقول الإعلامية والاتصالية كالمصورين الذين يلتقطون بعدساتهم صور الاعتداء والظلم وانتهاك الإنسانية والقيم والأماكن ويفضحون تلك الفعال وأصحابها ويكشفون حقيقتهم أمام العالم وخاصة الجهلاء والمستغفلين وفاقدي الحقائق، ويحرضون الناس ضد ذلك الظلم كله رجاء نشر الوعي والحقيقة والمعرفة لمواجهة هؤلاء ونبذهم والانتصار للمظلومين والمضطهدين.. فإنهم يعتبرون من المجاهدين العاملين ضمن المعنى العام للجهاد والعمل.

ولا شك، أن الموت أثناء جهاد العدو بكل أشكاله وبنية العبادة، يعتبر من باب الشهادة في سبيل الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد” رواه أحمد وصححه الألباني.

ويعتبر الذي يموت في سبيل الله أثناء عمله الإعلامي بمنزلة من يحمل البندقية إن قتل أثناء المواجهات للمماثلة بينه وبين من يحمل البندقية ليغلب العدو ويخزيه ويفضحه، وقد روى عبد الله بن جحش رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل؟ فقال “من عقر جواده وأهريق دمه” رواه ابن حبان في صحيحه. ولكن تلك المنزلة تكون لغير المقاتلين من العاملين في المجال الإعلامي أو نحوه إن كانوا على استعداد للمشاركة بالقتال مباشرة، إن تعين ذلك عليهم أثناء المواجهات ولا يكتفون بالتصوير أو بالعمل الإعلامي الداعم وكأنه لا علاقة لهم بالمدافعة والمواجهة، وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض… إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم (38-39) التوبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم “وإذا استنفرتم بانفروا” رواه الشيخان، ولأن حكم الجهاد كما هو معلوم فرض كفاية إلا إذا تعين.

والله أعلم

د. منذر عرفات زيتون

عمان، الأردن