الحمد لله ربّ العالمين؛ والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ‏وبعد:‏

فإنّ فصائل المقاومة على أرض فلسطين المباركة _لا سيما الفصائل الإسلاميّة منها_ ‏تتعرّض منذ القديم إلى حملات تشويه وطعن بها، غير أنّ هذه الحملات أخذت بالتّصاعد ‏في الفترة الأخيرة بطريقة منهجيّة تقودها بعض الفضائيّات والمواقع الإلكترونية ‏المحسوبة على الأمة للأسف البالغ.‏

وقيامًا بواجب العلماء في الصدع بالحقّ وتبيينه والذّب عن أعراض من يبذلون أرواحهم ‏فداءً للدين والعقيدة والأقصى فقد كان لزامًا علينا في لجنة الفتوى في هيئة علماء ‏فلسطين في الخارج بيان الموقف الشرعيّ من هذه الحملة الممنهجة الخطيرة. ‏

إنّ الإرجاف وتثبيط المجاهدين ومحاولة النيل منهم وتشويه صورتهم وتبنّي روايات ‏العدو وإشاعتها يُعَدُّ خيانة لله ورسوله وللأمة ومقدساتها، وإن هذا الإرجاف والخيانة ‏للأمانة قد يأخذ أشكالًا عدة، منها:

– افتراء واختلاق الأخبار الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة وليس من وراء اختلاقها ‏إلّا هدف تشويه صورة المجاهدين والعملِ المقاوم برمّته.‏

– نشر الأخبار المشكِّكة التي يُـحرَّف أصلها ويُبنى عليه فروع من الكذب والافتراء، ‏فتبدو عناوين صحيحةً لكن مضامينها زور وبهتان، تخلط حقاً بباطل، وتشوه الحق ‏وتلقي الباطل فيه وتأوله بما لا ينبغي.‏

إنهم بخيانتهم ينشرون ما يجب أن يستر، ولا يتركونه على ‏حاله بل يُـحرِّفونه، ويسترون ما يجب أن ينشر، يشعلون نار الفتنة بترويج أخبار الفتن والشر، فإشاعتها _ولو كانت ‏صحيحة_ تُثبِّط وتَفُتُّ في عضد المسلمين. ‏

– ومنها أيضاً الاستهزاء بجهاد المجاهدين وأدواتهم وسلاحهم وقدراتهم على الرغم من أنها ‏أرهقت العدو، وتصويرها بأنها لا جدوى منها توهينًا للمسلمين والمجاهدين وتثبيطاً لهم، ‏وتحميلُهم مسؤولية جرائم الصهاينة بحق شعبنا ومقدساتنا.

– ومنها أيضاً الادعاء _من خلال ‏هذه الوسائل_ بأن لليهود الغاصبين حقاً في فلسطين، وتصويرهم بأنهم يدافعون عن أرضهم، ‏مع أنهم غاصبون معتدون.   ‏

‏ ‏

ومن هنا فإننا في لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين في الخارج نعلنُ بإيجازٍ ووضوحٍ ‏بعض الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بهذه المسألة.‏

الحكم الأوّل: إنّ ما يفعله أولئك المرجفون من تشويه صورة المجاهدين والإساءة إلى ‏أشخاصهم وإلى جهادهم ووصمهم بالإرهاب وإشاعة الأكاذيب حولهم ونسبة الخيانة ‏إليهم لمنع تفاعل الأمة معهم هو عملٌ محرّمٌ، وهو من الكبائر التي تدخل في باب الخيانة ‏والإرجاف والولاء العمليّ للعدو الصهيوني ومظاهرته على المسلمين.‏

ونؤكد أن هذا الفعل محرّمٌ أشدّ التحريم لذاته؛ لما فيه من كذبٍ وافتراءٍ وباطلٍ، ولما ‏ينطوي عليه من معاني الولاء المحرّم للكيان الصّهيونيّ الغاصب، وهو أيضًا محرّمٌ ‏لمآلاته وآثاره المترتبة عليه من شقّ الصفّ المسلم والإضرار بعدالة قضيّة المسلمين في ‏فلسطين والفتّ في عضد الأمة الإسلاميّة جمعاء.‏

قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ ‏وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” المائدة: 51

إن الاستهزاء بقوة المجاهدين وتضحياتهم جريمة وخيانة للمسلمين والمقدسات التي يدافع ‏عنها هؤلاء المجاهدون، ويذودون عنها بدمائهم وكل إمكاناتهم، وهو كفعل المنافقين الذين ‏سَخِروا من نفقات المسلمين الصادقة البسيطة فتوعدهم الله بالعذاب، وإن السخرية ‏بتضحيات المجاهدين بأنفسهم لهي أكبر جرماً من السخرية بجهادهم بأموالهم؛ فإنّ الله ‏تعالى يعظم الجهاد بالنفس على الجهاد بالمال،

وقال تعالى: “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا ‏جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‎ ‎” التوبة: 79

الحكم الثاني: إن الادعاء بوجود حقوق لليهود الغاصبين في فلسطين وتحميلَ ‏المجاهدين مسؤولية ما يقع من الغاصبين من جرائم هو فعلٌ محرّمٌ؛ فهو قلب للحقائق، وهو ‏كفعل يهود في التلبيس وقلب الحقائق، فهم على الرغم من معرفتهم للحقيقة كانوا يدَّعون ‏فضل دين المشركين على دين المسلمين، وهو انحراف عن الحق واتباع لسبل الشيطان ‏ومظاهرة للأعداء على المسلمين.

‏ قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ‏وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‎ ‎‏” النساء: 51

الحكم الثالث: إنّ نشرَ هذه الافتراءات في وسائل التواصل الاجتماعيّ وتعميمها عبر ‏الإعجاب بها والتغريد بمقاطعها ومشاركة محتواها وإعادة نشرها في مجموعات ‏الدردشة أو على الحسابات والصفحات الشخصيّة هو من الترويج المحرّم للباطل، ومَن ‏فعله عامدًا عالماً قاصدًا لآثاره فقد وقع في موبقة الخيانة وموالاة أعداء المسلمين وتثبيط ‏المسلمين عن الالتفاف حول مشروع جهاد الغاصبين، ومَن فعله جاهلًا محسنًا القصد فقد ‏ارتكب الفعل الحرام، وعليه أن يراجع نفسه، ويحذفَ ما يمكن حذفه من هذا التشويه ‏والافتراء، ويميتَ هذا الباطل، ولا يعملَ على بعثه من جدثه النتن.‏

قال تعالى: “إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا ‏وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‎‎‏” النور: 19

الحكم الرابع: إنّ الذّبّ عن أعراض المجاهدين والنّصحَ لهم ومجابهةَ الباطل الذي ‏يستهدفهم هي واجبات شرعيّة على كلّ من يستطيعُها، وهي دعوةٌ إلى القيام بحملةٍ إعلاميّة ‏مضادّة، تُظهِر الوجه الحقيقيّ للمقاومة التي مَرَّغت أنف الكيان الصّهيونيّ الغاصب، ‏وتَفضَح افتراء وكذب هذه الجهات المرجفة، والقيام بهذه الحملة للقادرين عليها واجبٌ ‏شرعيّ، وإن التقصير بهذا الواجب هو من خذلان المقاومة، والقيام به نصر لها، وكذلك ‏فضح خيانة هذه الجهات والدعوة لمقاطعتها والإعراض عنها حتى تعود إلى رشدها أو ‏تندثر.

أخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله ‏عليه وسلم- قال: «ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، ‏وينتقص فيه من عرضه، إلاّ خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر ‏مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلاّ نصره الله في ‏موضع يحبُ فيه نُصرته”‏‎.‎

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                      لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين

                                                                                                   6/ذو الحجة/1441هـ

                                                                                                       27/7/2020م