خاص هيئة علماء فلسطين

    

د. مجدي قويدر

يحاول البحث قراءة معركة طوفان الأقصى في ضوء السنن الإلهيّة ومفاعيلها في مجريات الأحداث ومآلات المعركة، باعتبار السنن الإلهيّة ناظمة لسلوك المجتمعات، ومؤثّرة في مجريات الأحداث، واستبصار السنن الإلهيّة، والسير وفق مقتضياتها، خاصّة سنن الصراع بين الحقّ والباطل يضيء للمؤمنين الطريق، ويلهمهم صوابيّة القرار، وتحديد المسار، ويرشد العمل، ويعالج الخلل، وقد تناول البحث مفهوم السنن الإلهيّة وأهمّيّة فقهها، ونماذج محدّدة من السنن في معركة طوفان الأقصى، وانتهى البحث إلى أنّ التعامل الصحيح مع سنن الصراع كفيل بحسم مادّة الشرّ، وتقليم أظفاره.

الكلمات المفتاحيّة: السنن الإلهيّة، طوفان الأقصى، معركة.

 

 

Abstract

The research attempts to read the battle of the Al-Aqsa Flood in the light of the divine laws and their effects on the course of events and the outcomes of the battle, considering the divine laws regulating the behavior of societies and influencing the course of events. Insight into the divine laws and proceeding in accordance with their requirements, especially the laws of conflict between truth and falsehood, illuminates the path for believers and inspires them to the correctness of the decision.  , determines the path, guides action, and addresses the defect. The research dealt with the concept of divine laws, the importance of their jurisprudence, and specific models of laws in the battle of the Al-Aqsa Flood. The research concluded that correct dealing with the laws of conflict is sufficient to resolve the issue of evil, and trim its nails.

المقدّمة

إنّ قضيّة فلسطين قضيّة الأمّة المركزيّة، وجرحها النازف، وجسدها الدامي، وهي قضيّة عقديّة محوريّة مركوزة في وجدان كلّ مسلم حرّ، ولهذا كانت همًّا يؤرّق كلّ مخلص لدينه وأمّته، وهي اليوم تختزل أبعاد الصراع الحضاري والعقائدي بين مشروعين: المشروع الإسلامي والمشروع الصهيوني الغربي الذي مكّن لليهود في أرض فلسطين، صراع بين أصحاب الحقّ المسلمين، والغرباء الصهاينة المحتلّين، ففلسطين عنوان الملحمة بين الحقّ والباطل، والإيمان والكفر، والنور والظلام، وعلى ثراها تدور معركة طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر 2023م، هذه الملحمة البطوليّة التي صنعها رجال غزّة بسواعدهم الفتيّة، وعقولهم الذكيّة، وصناعتهم العسكريّة أذهلت العدوّ والصديق، وكشفت زيف أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأثبتت أنّه بالإمكان هزيمة العدوّ، وكسر إرادته، وزلزلة كيانه، لو صحّ العزم وصدقت الإرادة.

وإنّ من الواجب قراءة الأحداث وقضايا الأمّة ومعاركها المصيريّة في ضوء سنن الله في المجتمعات قراءة متأنّية مستبصرة بحقائق التاريخ، وأبعاد الصراع، وطبيعة العدوّ، وسنن الصراع بين الحقّ والباطل؛ لأهمّيّة هذه القراءة الواعية في بناء المعرفة بأصول السنن الناظمة لحركة الأحياء، وأثرها في فهم طبيعة المعركة مع العدو الصهيونيّ، وكشف طبائعه، وخبايا شخصيّته ونفسيّته، وكيفيّة التعامل معه، والاسترشاد بالسنن في معركة التحرير يوفّر الجهود والطاقات، ويختصر المسافات، ويقلّل من الخسائر والتضحيات، ويشحذ الهمم والإرادات، ويصنع الانتصارات، ويحقّق الإنجازات.

وفي هذا البحث محاولة لقراءة معركة طوفان الأقصى في ضوء السنن الإلهيّة ومفاعيلها في مجريات الأحداث ومآلات المعركة، وقد جاء البحث على النحو الآتي:

المبحث الأوّل: مفهوم السنن الإلهيّة وأهمّيّتها.

المطلب الأوّل: مفهوم السنن لغة واصطلاحًا.

فالسُّنّة لغة: مأخوذة من “سنّ” ولها أصل واحد مطّرد، وهو جريان الشيء واطّراده في سهولة ويسر، “والأَصل فيه الطريقة والسِّيرَة“([1])، جاء في لسان العرب: “وسُّنة الله: أحكامه، وأمره، ونهيه، وسنَّها الله للناس: بيَّنها، وسنَّ الله سُّنة، أي: بيَّن طريقًا قويمًا، قال الله تعالى: }سُّنة اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ{[سورة الأحزاب: 62]([2])، وجاء في التعريفات للجرجانيّ أنّ السُّنّة في اللغة هي: “الطريقة، مرضيّة كانت أو غير مرضيّة”([3])، وفي التوقيف للمناوي أنّ “السُّنّة بالضمّ طريقة المصطفى التي كان يتحرّاها وسُّنة الله طريقة حكمته وطريقة طاعته، قال ابن الكمال السُّنة لغة: الطريقة مرضيّة كانت أو لا، وشرعًا: الطريقة المسلوكة في الدّين من غير افتراض ولا وجوب”([4]).

تطلق السُّنّة في الاصطلاح على عدّة وجوه  حسب مجال الاختصاص:

أوّلًا: السُّنّة عند الأصوليّين بأنّها: “ما صدر عن الرّسول r من الأدلّة الشرعيّة، ممّا ليس بمتلوّ، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز”([5]).

ثانيًا: السُّنّة عند أهل الحديث: “أقوال النبيّr ، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية، وزاد بعضهم: وأقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم”([6]).

ثالثًا: السُّنّة عند الفقهاء: “ما طلب الشرع فعله من المكلّف طلبًا غير لازم”([7]).

السنن الإلهيّة: اصطلاحًا

وردت السُّنة في القرآن ستّ عشرة مرّة، في إحدى عشرة آية، جاءت مرّة مجموعة، ومرّة أخرى مفردة، وجاءت مرّة مضافة، ومرّة أخرى مجرّدة عن الإضافة، وقد جاءت بمعنيين اثنين في القرآن: الأوّل: وقائع الهلاك بالمكذّبين للرّسل. والثّاني: المناهج والشرائع في الأمم السالفة.

وللعلماء والمفكّرين تعريفات كثيرة للسنن الإلهيّة، وهي في الأغلب تتّفق في المعاني، وتختلف في الألفاظ والمباني، أذكر عددًا منها على النّحو الآتي:

1- تعريف أحمد كنعان: هي” مجموعة القوانين التي سنها الله عزوجل لهذا الوجود وأخضع لها مخلوقاته جميعا على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها”([8]).

2- تعريف عبد الكريم زيدان: هي “الطريقة المتّبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعالهم وموقفهـم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتّب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة” ([9]).

3- تعريف الطيب برغوث: “الأنظمة الذاتية الثابتة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في كل مفردة كونية لكي تؤدي وظيفتها الذاتية والخارجية بالكفاءة والفعالية المطلوبة”([10]).

4- تعريف هيشور: “مجموعة القوانين التي يسير وفقها الوجود كلّه، وتتحرّك بمقتضاها الحياة وتحكم جزئيّاتها ومفرداتها، فلا يشذّ عنها مخلوق”([11]).

5- تعريف الخطيب: “منهج الله تعالى في تسيير هذا الكون، وعمارته، وحكمه، وعادة الله في سير الحياة الإنسانية، وعادته في إثابة الطائعين وعقاب المخالفين طبق قضائه الأزلي على مقتضى حكمته وعدله” ([12]).

بالنظر إلى التعريفات السابقة يمكن ملاحظة ما يأتي:

– حضور الدلالة اللغويّة الأصليّة لمعنى السُّنّة، وهي الطريقة والعادة، وأضافت بعض التعريفات القوانين والنظام.

– سلطت بعضها الضوء على الوظيفة والفاعلية للسنن في التدافع والتداول.

– التمييز بين السنن الكونيّة والاجتماعيّة، والجمع بينهما في التعريف، وهناك من نظر إليها في بعدها الاجتماعيّ التاريخيّ دون التعرّض للسنن الكونيّة.

وأرى أنّ هذه التعريفات على تنوّعها تتكامل وتتعاضد في بيان مفهوم السنن، وطبيعتها، وأبعادها المختلفة، ومجالاتها المتنوعة.

المطلب الثاني: أهمّيّة فقه السنن الإلهيّة:

يمكن أن نجمل أهمّيّة فقه السنن وضرورتها في النقاط الآتية:

1- فقه السنن جزء لا يتجزّأ من الدين والمعرفة والإحاطة به، واستثماره، والعمل بمقتضاه، واجب شرعيّ، ومطلب واقعيّ، إذ من مقتضيات التكليف إعمال النظر والاعتبار، وإقامة العمران، وتحصينه من عوامل الاندثار، وعلل الانحطاط([13]).

2- إنّ السنن الإلهيّة تمثّل إرادة الله، وأقدار الله وأوامره ونظامه في تسيير الكون، وعدم الإيمان بها، وإدراكها والكشف عنها، ومن ثمّ عدم القدرة على تسخيرها يعدّ اختلالًا في الإيمان، واستسلامًا وجبرية وعطالة، وانحسارًا للرؤية، وانطفاء للفاعلية([14]) تنافي مراد الله وأمره.

3- فقه السنن تأصيلًا وتنزيلًا من خلال أسباب انهيار العمران، وأحوال الأمم السالفة، والاعتبار بما حصل لها يشكّل عونًا لنا؛ لتلمّس مواطن الضعف والخلل في مسيرة الأمّة الحضاريّة، ويدفعها للأخذ بعوامل النهوض، وتجنّب أسباب السقوط([15]).

4- يشكّل فقه السنن منارًا لنا، وهاديًا؛ لتسخير الكون بكلّ ما فيه من أجل فهم أشمل وأكمل للحياة، وبالتالي لامتلاك الأدوات المساعدة على استشراف المستقبل من خلال تلك السنن([16])، وبذلك يستطيع الإنسان القيام بمهمّة الاستخلاف في هذه الأرض، وأداء أمانة الشهادة على الناس.

5- إنّ السنن الإلهيّة تقدّم قراءة شاملة متكاملة للتاريخ، من خلالها نفهم التاريخ على حقيقته، ونعرف عوامل البناء والنهوض، وعوامل الهدم والسقوط، وأسباب النصر والهزيمة والنجاح والفشل، ولماذا حلّت بنا الهزائم والمصائب، وأصابنا الركود والتخلّف، بينما انتصر الآخرون علينا، وتقدّموا في كلّ مجالات الحياة.

إنّ معرفة التاريخ من خلال السنن يبعث الوعي، ويشحذ الهمم للخروج من حالة التخلّف الحضاريّ، والعمل على التخلّص من أسباب الضعف، ويجنّب الأمّة مصارع السابقين([17]).

6- إنّ فقه السنن يسهم في إرساء قواعد تفكير منهجيّ ومعرفيّ يعمل القراءتين؛ الكتاب المنظور (الكون)، وما فيه من ظواهر مادّيّة، وتاريخيّة، وإنسانيّة، وأسرار، وسنن بهدف تسخيرها، وقراءة الكتاب المسطور (القرآن) للاستهداء ببصائره، وكشف سنن الأنفس والمجتمعات؛ تحقيقًا لمقصد الخلافة والشهادة على الناس([18]).

المبحث الثاني: السنن الإلهية الناظمة لحركة المجتمعات البشرية في الأرض.

وفي هذا المبحث محاولة لقراءة معركة طوفان الأقصى وتأثيراتها، ومدى انسجامها مع السنن الإلهيّة الحاكمة لحركة المجتمعات في المطالب الآتية:

المطلب الأول: سُنَّة التدافع في معركة طوفان الأقصى

إنّ سنّة التدافع من السنن الحاكمة لحركة الحياة والأحياء، وقد وردت في قوله تعالى: }وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ{ [البقرة: ٢٥] أي: لولا أنّ الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحقّ، وأهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض، وبغوا على الصالحين وأوقعوا بهم حتّى يكون لهم السلطان وحدهم، فتفسد الأرض بفسادهم، فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن لأهل دينه الحقّ المصلحين في الأرض بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين، فأهل الحقّ حرب لأهل الباطل في كلّ زمان، والله ناصرهم ما نصروا الحقّ وأرادوا الإصلاح في الأرض، وقد سمّى هذا دفعًا على قراءة الجمهور باعتبار أنّه منه سبحانه، إذ كان سنّة من سننه في الاجتماع البشري، وسمّاه دفاعًا في قراءة نافع باعتبار أنّ كلًّا من أهل الحقّ المصلحين وأهل الباطل المفسدين يقاوم الآخر ويقاتله([19])، وفي قول الله سبحانه: }وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًاۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{ [الحج:٤٠].

ولولا شرعة القتال والجهاد، والإذن للمظلومين في مواجهة الظالمين ومدافعتهم بالقوّة لاستشرى الفساد في الأرض، وانتهكت الحرمات، وهدمت المقدّسات من صوامع ومساجد وغيرها من دور العبادة، وضاعت معالم الخير والهداية بضراوة الباطل وسيطرة الضّلال، وغلب الشرك في الأرض ([20])، قال ابن كثير: “أي: لولا أنّه يدفع عن قوم بقوم، ويكشف شر أناس عن غيرهم، بما يخلقه ويقدّره من الأسباب، لفسدت الأرض، وأهلك القويّ الضعيف”([21]).

وسنّة التدافع بين الحقّ والباطل مستمرّة باقية ما بقيت الدنيا، وتتّخذ عدّة أشكال، وتمتدّ لمساحات طويلة ومتعدّدة ومجالات متنوّعة، ومقصدها الأسمى حماية القيم والأديان من الاستهداف، وصيانة الأوطان من العدوان، “فالباطل المتبجّح لا يكفّ ولا يتوقّف عن العدوان إلّا أن يدفع بمثل القوّة التي يصول بها ويجول، ولا يكفي الحقّ أنّه الحقّ ليقف عدوان الباطل عليه، بل لا بدّ من القوّة تحميه وتدفع عنه” ([22]).

وقد ضمن الله تعالى للمؤمنين أنّه يدافع عنهم، ويحميهم من عدوّهم، ومن يدافع اللّه عنه فهو منصور حتمًا على عدوّه([23])، وعدوّهم حتمًا مخذول مهزوم لقوله: }إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ{ [الْحَج: 38].

ومعركة طوفان الأقصى التي تدور رحاها على أرض غزة هي في سياق سُنَّة التدافع بين الخير والشرّ، والصلاح والفساد، والحقّ والباطل، فالعدوّ الصهيونيّ لم يترك جريمة إلّا وارتكبها في حقّ الشعب الفلسطينيّ قبل الطوفان وبعده، ولم يدع موبقة إلّا وفعلها، فهو بؤرة الفساد، وسرطان خطير غرس في قلب الأمّة يدنّس مقدّساتها، وينتهك حرماتها، ويهدّد حاضرها ومستقبلها، وأهل فلسطين والمقاومة في غزّة تحديدًا من يتصدّى لهذا العدوّ، ويدافع عن مقدّسات المسلمين، وتعمل لتحرير الأرض وتطهير المسجد الأقصى من رجس الصهاينة الذين يسعون لهدمه، وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه، فلا بد للحق من قوة تحميه، وترفع شأنه وتعليه؛ حتى يتحقق توزان الرعب والردع، وتصطدم القوى المبطلة بعناد الحق، فتجده صعب المراس، شديد البأس تتحطم على صخرة صموده كل المكائد، فالحق الأعزل من القوة العسكرية لا يصمد أمام الطغيان، والحقوق لا تنال بالاستجداء، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وهذا الطوفان الفلسطينيّ أحد مراحل المواجهة، وجولة من جولات الصراع سيتوّج بالظفر على العدوّ، أو يكون بداية التحرير ويقظة الأمّة؛ لامتلاك القوّة واستعداد دورها الحضاريّ وحقّها التاريخيّ، كما أنّ الطوفان وضع حدًّا للهرولة نحو التطبيع الجارف ومحاولة الولايات المتّحدة دمج العدوّ مع دول المنطقة وشعوبها.

المطلب الثاني: سُنَّة المداولة في معركة طوفان الأقصى

إنّ من سنن الله في الاجتماع البشريّ سُنَّة المداولة، وهي قاعدة أساسيّة يجري وفقها قيام الدول وانهيارها، وتصريف الأحوال بين الشدّة والرخاء، والنصر والهزيمة، وتعاقب الأجيال، وقد أشار إليها القرآن في قول الله تعالى: }إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{ [آل عمران: ١٤٠]. والمداولة: وهِيَ مَصْدَرُ داول فلَان فلَانًا الشَّيْءَ إِذَا جَعَلَهُ عِنْدَهُ دُولَةً وَدُولَةً عِنْدَ الْآخَرِ أَيْ يدوله كلّ مِنْهُمَا([24])، والمراد بها أن تتنقّل الغلبة والتمكين كلّ حين بين أطراف الناس، فتارة تكون الدولة والغلبة للمبطلين من الأعداء، وتارة تكون لأصحاب الحق، وهي ظاهرة بين الناس بصرف النظر عن المحقّين والمبطلين، فهي سُنَّة عامّة متعلّقة بجميع البشر، وإنّما المضمون لأهل الحقّ أن تكون العاقبة لهم، وإنّما الأعمال بالخواتيم([25]).

والآيات نزلت بعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد، وأصابهم القرح، فأراد الله أن يعلّمهم أنّهم ليسوا بدعًا في الحياة، فالنّواميس التي تحكم الحياة جارية لا تتخلّف، والأمور لا تمضي جزافًا، إنّما هي تتبّع هذه النواميس، فإذا هم درسوها، وأدركوا مغازيها، تكشّفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبيّنت لهم الأهداف من وراء الوقائع، واطمأنّوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، وإلى وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام، واستشرفوا خطّ السير على ضوء ما كان في ماضي الطريق، ولم يعتمدوا على مجرّد كونهم مسلمين، لينالوا النصر والتمكين بدون الأخذ بأسباب النصر، وفي أوّلها طاعة اللّه وطاعة الرسول([26]).

وقد أورد الطبريّ عند تفسيره الآية أنّ قتادة قال: “إنّه والله لولا الدُّوَل ما أوذي المؤمنون، ولكن قد يُدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممّن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب”([27]).

وعند البخاريّ عن محاورة أبي سفيان لعظيم الروم في الشام، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟، فَزَعَمْتَ “أَنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ”([28]).

والمداولة في واقع الدول والمجتمعات تكون مبنيّة على أعمال الفريقين المتصارعين، فتكون الغلبة لمن أدرك قانونها، وأخذ بأسبابها([29])، وأكمل استعداده للمواجهة، وبذل قصارى جهده وطاقته في التمكّن من وسائلها وأدواتها، وأحكم تخطيطه، وأخذ الأهبة، وأحسن بعد ذلك توكّله على ربّه، مستعينًا بالله، معتمدًا عليه، موقنًا أنّ النصر من عنده، وأنّ العاقبة للمتّقين، فعلى المؤمنين واجب إدراك سُنَّة المداولة، والأخذ بأسبابها؛ ليمكّنهم الله من الإدالة على عدوّهم.

والمعركة اليوم مع اليهود المحتلّين لفلسطين مفتوحة، والصراع مستمرّ، وطريق التحرير طويل، والتضحيات جسام، لكنّ العاقبة محمودة، والنتيجة مضمونة، كما قال موسى لقومه: }اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ [الأعراف:١٢٨] ، أو كما قال الله لخليله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-  }تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَاۖ فَاصْبِرْۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{ [هود:٤٩]. فقانون المداولة حتمًا سيجري على هؤلاء اليهود الغاصبين، وستكون لنا الكرّة عليهم وسيغلبون، فالقويّ لا يبقى قويًّا أبد الدهر، والضعيف لا يبقى ضعيفًا أبد الدهر، وقد قضى الله أمر مبرما بالإدالة من بني إسرائيل، وأخبر بإنهاء إفسادهم في الأرض وتدميرهم والقضاء عليهم، وتكرار هذا التدمير مرتين؛ لتكرر أسبابه من أفعالهم. وأنذرهم بمثله كلما عادوا إلى الإفساد في الأرض، يؤكد على أنها سُنَّة اللّه الجارية فيهم، ولن تجد لسُنَّة الله تحويلا([30]) ، فقال سبحانه في سورة الإسراء: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا} [الإسراء: 4-5]، وقوله: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً} [الإسراء: 7]، وقوله: {وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104]،  وقد عادوا اليوم مجددا إلى الفساد في الأرض المقدسة، ومحاربة الحق، وممارسة الظلم والبغي، وارتكاب الجرائم الموبقة بحق الآمنين وأصحاب الأرض، فهيئ الله طائفة من المجاهدين من أبناء فلسطين للوقوف في وجه فسادهم، ومقاومة عدوانهم، ومدافعة طغيانهم، تحقيقا لسُنَّة الله فيهم بإساءة وجوههم وتتبير علوهم الكبير في هذا العصر، وإنهاء إفسادهم عما قريب بإذن الله.

المبحث الثالث:

معركة طوفان الأقصى من منظور سنن الصراع بين الحق والباطل

شكّلت معركة طوفان الأقصى ملحمة نوعيّة في مسار المقاومة في قطاع غزّة، وتحوّلًا فريًدا على مستوى الصراع مع الكيان الصهيوني، من جهة اختيار التوقيت، والهجوم البرّيّ في المناطق المتاخمة لغزة، ونوعيّة الحجم والأسلوب، والخداع التكتيكيّ والإستراتيجيّ، والتطوّر الاستخباراتيّ للمقاومة، والتخطيط الإستراتيجيّ لأسر أكبر عدد من الجنود، وقدّمت جرأة وشجاعة غير مسبوقة، وحافظت على سرّيّة عالية جدًّا كأهمّ عوامل إنجاح عنصر المفاجأة للعدوّ وجيشه ومخابراته، وحطّمت معنويّات الجيش الصهيونيّ، وكسَّرت هيبته لدى الرأي العامّ العالميّ في يوم 7 أكتوبر تشرين الأوّل 2023، وكشفت زيف قوّته المزعومة، وهشّمت صورته الأسطوريّة، وفضحت حقيقته ككيان عنصريّ فاشيّ، قام على الحديد والنار والمجازر منذ اغتصابه أرض فلسطين قبل 75 عامًا. وهو اليوم يفتك بالمدنيّين بكلّ قسوة، ويمارس إبادة جماعيّة ضدّ الشعب الفلسطينيّ دون رادع من قوانين أمميّة أو أخلاقيّة.

وفي هذا المبحث تسليط الضوء على معركة الطوفان في ضوء سنن الصراع بين الحق والباطل على النحو الآتي:

المطلب الأول: سُنَّة الله في الماكرين.

المكر من سنن الصراع بين الحقّ والباطل، وقد بيَّن سبحانه وتعالى في مواضع عديدة من القرآن أنّ مكر الأقوام بأنبيائهم ورسلهم حالة مطّردة، وسُنَّة متّبعة على مَرِّ العصور، وطريقة قديمة في الكيد للدين، وأنّها من خلق الأوّلين، وليس كفّار مكّة بدعًا من الماكرين، فقال: }وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا{ [الرعد: 42]، وقوله: }وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ{ [إبراهيم: 46]، وذكر بعض مكر اليهود بقوله: }وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{ [آل عمران: 54] إلى غير ذلك من مكرهم([31]). وبيَّن في سورة الأنفال مكر كفّار مكّة برسوله -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: }وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{ [الأنفال: 30].

وقد تعرَّض الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لمراحل متعدّدة من الكَيْد والمكْر والخديعة، وذلك لحكمة أرادها الحقّ تبارك وتعالى، وهي أن يُوئس الكفّار من الانتصار عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فقد بيَّتوا له ودَبَّروا لقتله، وحَاكُوا في سبيل ذلك الخطط، وقد باءتْ خُطّتهم ليلة الهجرة بالفشل إلى غير ذلك من محاولات يائسة، ومكائد بائسة، دحضها الله، وكشف أمرهم، وخيَّب سعيهم، فلم ينجحوا فيها، ونصره عليهم([32])؛ لأنّه قال: }كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي{ [المجادلة: 21]. ويُعرَّف المكر بأنّه: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة([33])، أو التدبير الخفيّ المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب([34])، أو هو: تدبير إلحاق الضّرّ بالغير في خفية؛ لئلّا يأخذ حذره([35]).

والمكر قسمان:

مكر محمود: وهو أن يقصد فاعله إلى استدراج الممكور به إلى مصلحة له، كما يُفْعَل بالصَّبيّ إذا امتنع مِن تعلُّم خيرٍ، فهذا المكر الذي يقصد منه فعل الخير وتحقيق المصلحة خفية، يسمّى مكرَ خير أو مكرًا حسنًا، ووجه الحاجة للمكر الحسن أنّ من الناس من إذا علم بما يراد به من الخير، ويدبّر له من النفع؛ أفسد على الفاعل تدبيره؛ لجهله أو استعجاله، فيحتاج إلى أن يُحتال عليه ويُمكر به حتّى يتحقّق المقصود.

ومكر مذموم: وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه أو الضرر بالممكور به([36])، ويسمّى المكر السيّئ، وهو الأشهر والأكثر عند الناس؛ ولهذا غلب استعمال المكر في التدبير السيّئ؛ لأنّ من يدبّر للإنسان ما يسرّه وينفعه لا يكاد يحتاج إلى إخفاء تدبيره([37])، فالمكر لا يُمدح ولا يُذَمُّ لذاته، إنّما بالغاية من ورائه.

والمراقب لمجريات معركة طوفان الأقصى يرى ألوانًا وأشكالًا من المكر كبارًا على المستوى الدولي والإقليمي، والتواطؤ الجماعيّ لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وإنهاء حالة المقاومة، وفضِّ حاضنتها عنها، وإفراغ غزّة من أهلها بالتجويع والتهجير.

وقد مضت سنّة الله في الاجتماع البشريّ أنّ المكر السيّئ الذي يدبّره أعداء هذا الدين سيبطله، ويظهر زيفه، ويكشف أمره، ويعطّل تأثيره، ويبطل مفعوله، فلا يروج، ولا ينطلي على عباده، ولا ينخدع به أحد، ولا يؤتي ثماره، ولا يحقّق مبتغاه، ولا يبلغ مناه، ونهايته إلى بوار كحال صاحب التجارة أو السلعة التي يحاول ترويجها بالتزيين والتنميق والدعاية، فيتعرّض للكساد وعدم نفاق سلعته، فيخيب سعيه، ويخسر تجارته، وتفشل صفقته، فالله لهؤلاء الماكرين بالمرصاد سيفشل مكرهم، ويبطل كيدهم، }وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ{[فاطر:10]، وقد عبّر المولى سبحانه بضمير الفصل، الذي أفاد القصر، أي: مكرهم يبور دون غيره، وأنّ الله يمكر بهم مكرًا يصيب منهم المقاتل، ويقطع الختائل، وصيغة المضارع (يبور) للدلالة على استمرار بوارهم وعدم انقطاعه، مع ما ينتظرهم من العذاب الشديد في الآخرة جزاء مكرهم وكيدهم بدينه وعباده المؤمنين([38]).

وبيّنت سورة فاطر أنّ سنّة الله تعالى في المكر والماكرين إحاقة المكر السيّئ بأهله: }وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ{ [فاطر:43]، وهذا قانون ثابت، وسنّة مطّردة من سنن الله في حياة البشر بأنّ وبال المكر السيّئ يصيب أصحابه، ويحيط بهم إحاطة السوء، وينزل بساحتهم، ويرتّد إليهم، ويعود أثره عليهم، ويحدق بهم من كلّ جانب، وما يشعرون بأنّ عاقبة مكرهم تحيق بهم، وترجع إليهم؛ لجهلهم بسنن الله في خلقه، وسنن الله لا تتخلّف أَبَدًا، ولا تتبدَّل ولا تتحوَّل، ووقوعها يستلزم تحقّق أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها: }فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا{ [فاطر:43]، فسُنَّة الله ماضية بالانتقام من الماكرين بدينه، المكذّبين برسله الذين يتوهّمون أنّ مكرهم السيّئ سيقضي على الإسلام، ويصيب المؤمنين به، ويصدّ الناس عن الحقّ، ويحقّق لهم ما يصبون إليه من الفتنة، فليعلموا أنّهم ينتظرون في واقع الأمر حتفهم، ونهاية مكرهم بأن تجري عليهم سنّة الله الماضية التي حلَّت بالأمم السابقة من المكذّبين الأوّلين، وأدناها أن ينصر الله رسوله والمؤمنين به عليهم، ويحبط كيدهم، ويردّ مكرهم([39]).

وما يليق بأهل غزّة أن يطمئنّوا إلى أنّ الله يتولّى الصالحين، أو أنّه لا يصلح عمل المفسدين، ويراقبوا جريان سنّة الله في الماكرين، قال سبحانه:  }وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ{ [إبراهيم:47]، وأنّ هؤلاء الماكرين من اليهود وأعوانهم ضعاف مهازيل أمام مكر الله بهم مهما ملكوا من القوّة والدهاء والتزوير: }وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {[الأنفال:٣٠]، ومكرهم وبالٌ عليهم، وتدبيرهم تدمير لهم، وكأنّهم يوجّهون سهامهم نحو نحورهم؛ وقد قال الله سبحانه: }وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ{ [النمل:50-51].

المطلب الثاني: سُنَّة توهين كيد الكافرين

إنّ الله سبحانه وتعالى جعل الصراع بين الحقّ والباطل خاضع للسنن الإلهيّة المطّردة، وهي نافذة في خلقه، متحقّقة الوقوع، صارمة الحدوث، ثابتة لا تتبدّل، ولا تتخلّف، ولا تحابي أحدًا، ومعرفة السنن الحاكمة للاجتماع البشريّ يحيي الأمل وينفي العلل، ويحارب الكسل، ويدعو للعمل، ومن السنن الملهمة في هذا الصراع الدامي على أرض غزّة البطولة ما أكّدت عليه سورة الأنفال من توهين كيد الكافرين، }ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ{ [الأنفال: 18] }إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين{ [الأنفال: 19]، فكيد اليهود مهما بلغ قوّته، وإحكام خططه، وخطورة وسائله، وقوّته الناريّة، وفتكه بالإنسان، فإنّ سنّة الله الثابتة ستضعف شوكته، وتفلّ عزيمته، وتوهن قوّته، وتكسر شكيمته، وتبطل خطّته، وتحلّ عقدته، فإنّ ما يعتمد عليه العدوّ إنّما هو الأسباب المادّيّة والقوّة العسكريّة، وحبل الناس من قوى الشرّ في العالم، ودعمهم غير المحدود للعدوان، ومع ذلك لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم، وحسم المعركة لصالحهم؛ لأنّ سنّة الله قضت بتوهين كيدهم، وإبطال تدبيرهم؛ وتعطيل تأثيره: }ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ{ [الأنفال: 18] ومُوهِنُ-اسم الفاعل من أوهن يوهن، وفي قراءة أخرى (موهِّنٌ) اسم فاعل من (وهَّن) أي ضعّف، ووهَّن وأوهن بمعنى واحد، وقراءة التشديد تفيد التكرير والمبالغة فهو توهين بعد توهين، فهي سنّة إلهيّة ثابتة ومطّردة مع عباده المؤمنين في كلّ معركة يلتقي فيها الحقّ والباطل، ما دام أهل الحقّ قد أخذوا بالأسباب، وأعدّوا ما استطاعوا من القوى المادّيّة الممكنة، والقوّة المعنويّة الصلبة، فإنّ توهين كيد العدوّ يغدو أحد أهمّ ضمانات النصر ومعالم التأييد، ويحسم نتيجة المواجهة مع العدوّ لصالح المؤمنين([40])، ومن مظاهر توهين كيد الكافرين ما يأتي:

1-           إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، قال سبحانه: }سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ{ [الأنفال: 12].

2-           معيّة الله مع المؤمنين، قال تعالى: }وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين{ [الأنفال: 19].

3- الجبن والخور الكامن في قلوبهم، المغروس في أفئدتهم فلا يستطيعون القتال إلّا في القرى المحصّنة أو الدبّابات قال تعالى: }لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ{ [الحشر:14].

4-           ولاية الله لعباده المؤمنين وتأييده لهم، فهو يتولّى الصالحين، ويخذل من يناوئهم من الكافرين، }وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{ [الأنفال: 40].

5-           أنّ الكفّار أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين وقوّة الله معهم: }وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ{ [الأنفال: 59].

فالوهن الكامن في قلوب الأعداء، والضعف المخبوء في صفوفهم؛ لأنّهم أحرص الناس على حياة، ومعيّة الله وولايته لنا، ستجعل كيدهم في نحرهم، وتكون نتيجة الوهن تهيئتهم للهزيمة على أيدينا، وإفشال مخطّطاتهم، ودحر قوّاتهم، وانحصار مشروعهم، ومن كان له بصر بتاريخ الأمم، وسنن الله، لم تخدعه ظواهر القوّة، ولم يأسره مشهد الباطل المنتفش؛ فالكيد الإلهيّ بالكافرين قويّ متين، يمهل ولا يهمل، قد يطول الأمد، ويضعف السند، لكنّه حتمًا يأتي من مأمن، ويصيب في مقتل، ويهدم أركانهم، ويقوّض بنيانهم حتّى يتهاوى السقف على أهله، كما قال تعالى: }قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ{ [النحل:27]، والواجب علينا أمام هذا الكيد إيقاظ جذوة الإيمان في القلوب، وتجديد الثقة بربّنا، والاطمئنان إلى وعده، والاستمساك بحبله المتين، والاعتصام بالكتاب والسّنّة، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: “ومن سنّة الله: أنّه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحقّ الحقّ بكلماته، ويقذف بالحقّ على الباطل؛ فيدمغه؛ فإذا هو زاهق”([41]). وهكذا ينقلب كيدهم نقيض ما أرادوا وخطّطوا ودبّروا وموّهوا، كما حكى الله عاقبة كيد قوم إبراهيم  عليه السلام به، فقال: }فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ{ [الصافات: 98]

فلتطمئنّ الفئة المؤمنة الصامدة في أرض الرباط بأنّ الله لن يتركهم وحدهم، وأنّ الله معهم، وأنّهم هم المنصورون، وأنّ جندنا هم الغالبون الذين يحقّقون سنّته في الأرض، ويعلون كلمته في الناس، ويرفعون رايته وينطلقون باسمه، ويجاهدون لحماية دينه، وصيانة شعائره، وإزالة رجس اليهود وكفرهم من الأرض المقدّسة، ولن يفلت الخونة من عقابه.

المطلب الثالث: سُنَّة الله في إنفاق الكافرين.

إنّ محاولة أهل الباطل لاستئصال المسلمين وفتنتهم عن دينهم لم تتوقّف يومًا، وفي سبيل ذلك يبذلون أموالهم العزيزة على نفوسهم والغالية على قلوبهم من أجل الغلبة على المؤمنين، والصدّ عن سبيل الله، ويصرّون على التمسّك بباطلهم، ويستميتون في الدفاع عنه،  وصدق الله تعالى: }إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ{ [الأنفال: 36] فقد نزلت الآية تخبر عن استعداد قريش لمعركة بدر، وما سيكون بعدها من المعارك، فقد روى محمّد بن إسحاق عن الزهريّ وغيره قَالُوا: “لَمَّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ بِبَدْرٍ فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا فَفَعَلُوا”([42])، وأنفق أبو سفيان في تجهيز الجيش يوم أحد أربعين أوقيّة من الذهب، وكانت الأوقيّة يومئذ اثنين وأربعين مثقالًا، واستأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة، فقاتل بهم النبيَّ ﷺ([43])، واللفظ عامّ ينبئ عن سلوك الكافرين في كلّ زمان بما يؤكّد على سننيّة الإنفاق في الصراع، فإنّ صيغة المضارع في ينفقون تفيد دأبهم وسخاءهم في الإنفاق لقتال المسلمين، ومحاولة استئصالهم، وقد حصل الإنفاق في الماضي والحاضر، وسيحصل في المستقبل، ولام التعليل مشعرة باستمراريّة الإنفاق؛ لأنّه منوط بعلّة ملازمة لنفوسهم، وهي بغض الإسلام، وصدّهم الناس عنه([44]).

وإذا تتبّعنا حجم الإنفاق الإسرائيليّ على حرب غزّة، فإنّه في الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب أنفقت (إسرائيل) من الميزانيّة العامّة 30 مليار شيكل (8.3 مليارات دولار)، وفي شهر نوفمبر بلغت كلفة الحرب نحو 260 مليون دولار يوميًّا من الاقتصاد الإسرائيليّ، وأنّ الحرب أصبحت أكثر تكلفة بالنسبة لـ(إسرائيل) ممّا كان متوقّعًا في البداية، حيث إنّها تفرض ضغطًا على الماليّة العامّة، وقال بنك (إسرائيل) المركزي، إنه باع 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي في أكتوبر، ممّا أدّى إلى تراجع الاحتياطيّ إلى 191.2 مليار دولار([45]).

وأمّا عن الإنفاق الأمريكيّ لدعم الكيان ومساندته في الحرب على غزّة، فقد وافق مجلس النوّاب الأميركي على قانون لتقديم مساعدات بقيمة 14.3 مليار دولار لـ(إسرائيل)، وذلك برغم تأكيد الديمقراطيّين أنّه لن تتمّ المصادقة عليه في مجلس الشيوخ الذي يسيطرون عليه ([46]).

وفي 25 ديسمبر 2023م، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ الولايات المتّحدة أرسلت إلى الكيان الإسرائيليّ “أكثر من 230 طائرة شحن و20 سفينة محمّلة بذخيرة لسلاح الجوّ، وقذائف مدفعيّة بزنة 17 ألف طنّ، ومركبات مدرّعة وعتاد عسكريّ للجنود وصلت من الولايات المتّحدة إلى إسرائيل”([47])، بالإضافة إلى تزويدها بالتقنيات الدفاعيّة الأكثر تقدّمًا، بما في ذلك مجموعة من الطائرات المقاتلة الأميركيّة الصنع من طرازF-35، والتي تعدّ الطائرة المقاتلة الأكثر تقدّمًا في العالم، والدعم الأمريكي بكلّ أنواعه متواصل لم ينقطع منذ قيام الكيان المسخ.

وقد مضت سُنَّة الله في الكافرين أنّهم ينفقون أموالهم، ويبذلون جهدهم في فتنة الناس عن دينهم، والصدّ عن سبيل الله، ومغالبة المؤمنين، وإقامة العقبات في طريق الحقّ، ومحاولة إطفاء نور الله، وأنّ هذا الإنفاق سيضيع سدى، ويذهب عبثًا، ولن يجدي نفعًا، وسيعود عليهم حسرة وندمًا، فلن يحصلوا من إنفاقهم على نتيجة، ولن يصلوا إلى غاية، وسيبوؤون بالخيبة والخذلان، والهزيمة والخسران، وسيغلبون مرّة تلو مرّة، وينكسرون كرّة بعد كرّة، وينتصر الحقّ في الدنيا، وتعلو كلمته، وترتفع رايته، ويزهق الباطل، ويندحر البغي -إن شاء الله تعالى- ويحشر الله الذين كفروا بدينه وقاتلوا أولياءه في الآخرة إلى جهنّم، هي حسبهم وبئس المصير، والوعد دائم، والموعود حاصل([48]).

وإذا كان الكفّار ينفقون بسخاء في سبيل الباطل، فالمؤمنون أولى بالإنفاق والسخاء وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لأنّ لهم بها من حيث جملتهم سعادة الدارين، ومن حيث أفرادهم الفوز بإحدى الحسنيين، هكذا كان في كلّ زمان قام المسلمون فيه بحقوق الإسلام والإيمان، وهكذا سيكون، إذا عادوا إلى ما كان عليه سلفهم الصالحون.

المبحث الرابع: سنن الله في النصر

للنصر والهزيمة في حياة الأمم والشعوب سنن وقوانين لا تتبدل ولا تتخلف وفي هذا المبحث إشارة إلى بعضها في ضوء معركة طوفان الأقصى على النحو الآتي:

المطلب الأول: الابتلاء للتمييز بين الطيّب والخبيث

إنّ الابتلاء من سنن الله العامّة التي لا تتبدّل ولا تتخلّف: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{ [ الملك: 2]،  وكشف القرآن عن الغاية من سُنَّة الابتلاء، وهي التمييز بين الحقّ والباطل، والغثّ والسمين، الطيّب والخبيث، فقال تعالى: }لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{ [الأنفال: 37]، وقوله تعالى: }مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ{ [آل عمران: 179] وغيرها من الآيات التي تؤكّد على حتميّة سُنَّة الابتلاء.

إنّ الله تعالى يبتلي عباده بالشدائد والمحن والجهاد في سبيله؛ ليميّز النفوس، ويمحّص الصفوف، ويتبيّن الصادق من الكاذب، ويعلم المؤمن من المنافق، وقويّ الإرادة من ضعيفها، ويظهر الصابر المثابر، وينكشف البليد الخائر، فالشدائد هي التي تكشف معادن النفوس، وصدق العزائم، وحقيقة الإرادة، فبالشدائد تعرف الجماعة وزن قوّتها الحقيقي، وإخلاص رجالها، وصلابة أبطالها، وتقف عند نقاط الضعف، ومدى الترهّل في صفوفها، وحجم المنافقين المندسّين بينها، وضعفاء النفوس الذين لم تعركهم الشدّة، وتصقلهم الحوادث، وتُعرّف الأفراد بحجب الغرور، وتكشف المستور من ضعف الإيمان أو الأخلاق، وحبّ الدنيا وكراهية الموت، والتعلّق بالشهوات، وإيثار الملذّات([49]).

إنّ بقاء الجماعة والأفراد دون تمايز بين الحقائق والدعاوى ضرر يفتك بجسد الأمّة، ومرض قاتل صامت، وآفة خطيرة تهدّد وجودها، وتنخر صمودها؛ ولهذا مضت سنّة الله في تخليصها من هذه الأوبئة، بالتمييز بين الخبيث والطيّب وإظهار ما في الضمائر، وابتلاء السرائر، فيظهر معدن الذين صهرتهم التجربة والابتلاء الصامدون المثابرون الذين يحملون الأمانة، ويؤدّون الرسالة، ويستحقّون النصر، ويؤتمنون على الأمّة، ويحقّقون شهودها على العالمين، ويصدحون بالحقّ في كلّ الميادين، لا ترهبهم قوّة، ولا تخيفهم شدّة، ولا تضعفهم فتنة أو محنة.. ونهاية الصراع ونتيجة التدافع بعد تحقّق التمايز؛ انتصار الحقّ وزهوق الباطل في الدنيا، وأمّا في الآخرة فإنّ الله يجمع الخبيث على الخبيث، فيلقي به في جهنّم، وهي غاية الخسران.

وهذا المصير للكفر المتعاون، والنهاية للخبث المتراكم يطمئن العصبة المسلمة المجاهدة إلى أنّ الله مولاها ونصيرها، فلا غالب لها من الناس بحرب ولا بكيد، والله وليها الناصر المعين.

ومعركة طوفان الأقصى هي من ابتلاء الله تعالى عباده المؤمنين الصادقين بالجهاد في سبيله، وفيه صنوف من نقص الأموال بنقصها وهلاكها، واستشهاد الأنفس والجراحات والآلام الدامية؛ قال تعالى: }لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ [آل عمران: ١٨٦]، وقد كشفت هذه المعركة عن صمود عجيب وإيمان راسخ، وصبر منقطع النظير، وعزيمة لا تلين للشعب الفلسطيني ومقاومته، ورضى بقضاء الله وتسليم لأمره، بإرادة قوية ويقين ثابت.

ومحّصت معركة الطوفان كلّ ما حولنا، وميّزت بين القوى الحيّة في أمّتنا والفئات المترهّلة الضعيفة، والمنافقين والموالين للعدوّ الكافر، من الذين يحسبون كل صيحة عليهم، والذين سارعوا في إدانة الجهاد والمقاومة وتحميلها المسؤولية، وتبرئة العدو المجرم.

وكشفت عن العورات المستترة للأنظمة العربيّة المتخاذلة والنخب المثقّفة المنخورة، بل إننا لم نسمع من أي عاصمة عربية حديثاً حول حق الشعب المحتل في الدفاع عن نفسه، ومشروعية مقاومته ضد غاصبي الأرض والمقدسات، وعن دجل ما يُدعى النظام العالمي، وزيف أنظمة الغرب وسقوطها الأخلاقي، ودعمها اللامتناهي لدولة الاحتلال الصهيوني التي باتت نموذجا صارخا للطغيان والإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، وارتكاب الموبقات الإنسانية، دون خشية من قانون دولي أو محاسبة من أحد، فأسراب الطائرات والسفن المحملة بالأسلحة إلى كيان الاحتلال، لم تتوقف على مدار الشهور السابقة، في الوقت الذي يحرم فيه العالم المدنيين الواقعين تحت الاحتلال من الحصول حتى على أسلحة دفاعية، في مواجهة أقوى أسلحة العصر الحديث، وهذه الأنظمة الغربية لطالما نادت بالقيم الإنسانيّة وحقوق الإنسان، ها هي اليوم تقف مع الجلّاد ضدّ الضحيّة، وتمده بكل وسائل القتل والتدمير وتحميه في مجلس الأمن من مجرد الإدانة، ولا تزال كلّ الأقنعة تتساقط مع استمرار اشتعال المعركة.

المطلب الثاني: سُنَّة معيّة الله مع المؤمنين

جاء الحديث عن سُنَّة معيّة الله سبحانه وتعالى لعباده المرسلين وأوليائه المؤمنين الصادقين ثماني وثلاثين مرّة في القرآن، من ذلك قوله تعالى: }وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين{ [الأنفال:19]، وقوله: }وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [الأنفال: 46]، ودلّت الآيات القرآنيّة على ورودها على قسمين اثنين، هما:

المعيّة العامّة: والمراد بها أنّ الله مع جميع الخلق بعلمه، ومحيط بهم، ومطّلع عليهم، وعالم بهم، وشهيد على أعمالهم، فهي معيّة تشمل جميع الخلق، مثل قوله تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [سورة المجادلة: 7].

المعيّة الخاصّة: وهي بمعنى النُّصرة والتأييد والتوفيق لأنبيائه وأوليائه المؤمنين، وهذا النوع هو المراد في الموضعين من سورة الأنفال، أي: إنَّ الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده([50]).

وهذه المعيّة تبعث على الطمأنينة إلى أنّ الله مع المؤمن في كلّ لحظة لا ينساه ولا يقلاه، معه في ساعة العسرة، وساعة المحنة، وفي ميدان الحرب، يشعر على قدر إيمانه وتأصّل هذا الإيمان بأنّ الله معه، فيحسّ بالطمأنينة تسري في قلبه، وأنّه في أمان الله متحصّن بقوّة الله، ولو كادت له كلّ قوى الأرض، وأنّه لن يهزم ولن يهون، فالله أكبر من القوى والحصون والبشر والأموال والسلاح([51]).

والمعركة عندما تكون معيّة الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد، والكفّار لا مولى لهم ولا نصير، وليس معهم إلّا ناس من البشر من أمثالهم لن تكون متكافئة أبدًا؛ لأنّ المؤمنين- ومعهم الله- سيكونون في صفّ قويّ ومنيع لا يهزم، وستكون المعركة محسومة النتيجة مقرّرة المصير، وقد كان مشركو العرب يعرفون هذه الحقيقة([52])، فورد “أنّ خُفاف بن أيماء ابن رخصة الغفاري، أو أبوه أيماء بن رخصة الغفاري، بعث إلى قريش حين مرّوا به ابنًا له بجزائر (أي: ذبائح)، أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن نمدّكم بسلاح ورجال؛ فعلنا، قال: فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي عليك؛ فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل الناس؛ فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنّا إنّما نقاتل الله – كما يزعم محمّد-؛ فما لأحد بالله من طاقة”([53]).

ومن كان الله معه فلن يضلّ طريقه، فإنّ معيّة الله سبحانه تهديه وتكفيه، مصداقًا لقوله: }وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ{ [العنكبوت:69] ولكنّ معيّة الله لم يجعلها الله سبحانه جزافًا ولا محاباة، ولا كرامة شخصيّة، منقطعة عن أسبابها وشروطها، إنّ معيّة الله لمن يعبدونه حقّ العبادة ويحملون منهجه ونظامه، ويحملون دعوته، ويجاهدون في سبيله، ويسعون لتحقيق مرضاته([54]).

وقد تجلّت معيّة الله للمجاهدين ولأهل غزّة في معركة طوفان الأقصى أن مكّنَّهم من تحقيق هجوم مباغت للعدوّ، وتحقيق انتصار عسكريّ وأمنيّ أذهل العدوّ والصديق، وزلزلت الكيان الصهيوني، وأرغمت أنفه في الوحل والطين، وجعلته يتخبّط في ظلمات الهزيمة النكراء، وحطّمت معنويّات جيشه وشعبه، وسحقت صورة الجيش الذي لا يقهر، وأثبتت للعالم أنّ قوّته أوهن من بيت العنكبوت.

كما وتجلّت معيّة الله تعالى للمجاهدين في توفيقهم وهدايتهم لصناعة أسلحة نوعيّة، قليلة التكلفة المادّيّة تفتك بترسانة العدوّ الضخمة والمتطوّرة من الدبّابات وناقلات الجند، وثبّتهم في ميدان المواجهة فلم يفرّوا، ولم يتقهقروا، والتحموا مع العدوّ في كلّ محاور الجهاد دون خوف أو وجل، ولا زالت المواجهة مفتوحة، والمعركة مستمرّة، وجند الله في إقدام، وعدوّنا في هزيمة وإحجام.

وظهرت معيّة الله في معركة الطوفان بالثّبات المنقطع النظير لأهل غزّة وجندها الميامين، وصبرهم على أهوال الحرب وشدائدها، وتحمّلهم لتغوّل الصهاينة عليهم بالقتل والتدمير، ومحاولة التهجير، فلم تنكسر لهم إرادة، ولم تلن لهم قناة، ولم يسخطوا أو يتبرّموا من دفع ضريبة الكرامة، ولم يجزعوا من كثرة الشهداء والتضحيات، وضربوا أروع الأمثلة في الصبر والمصابرة، “وقد جرت سنّة الله أنّ الأعمال العظيمة لا تنجح إلّا بالثبات والدأب عليها، ومدار ذلك كلّه الصبر، فمن صبر فهو على سنّة الله والله معه، فيسهّل له العسير من أمره، ويجعل له فرجًا من ضيقه، ومن لم يصبر فليس الله معه؛ لأنّه تنكّب عن سنّته، فلن يبلغ قصده وغايته”([55]).

إنّ الله تعالى مع الذين جاهدوا في سبيله وتحمّلوا عناء الطريق، فلم ينكثوا ولم ييأسوا، وصبروا على قلّة المساندين، وكثرة المتخاذلين، وحملوا أعباء التحرير، ودفعوا ضريبة النصر من دمائهم، وأرواحهم، وفلذات أكبادهم، وقدّموا الغالي والرخيص في سبيل تحرير الأرض وتطهير المقدّسات، “أولئك لن يتركهم اللّه وحدهم، ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم، إنّه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم، وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم. وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء”([56]).

المطلب الثالث: سُنَّة الله في النّصر

ورد لفظ النصر ومشتقّاته مائة وثماني وخمسين مرّة في سبع وأربعين سورة، منها إحدى وثلاثون سورة مكّيّة، وستّة عشرة سورة مدنيّة، وكثرة ذكر النصر وتعدّد صيغه حتّى سمّيت سورة في القرآن بسورة النصر يدلّ على أهمّيّته كقانون وسُنَّة، وضرورة الاحتفاء به لما يحمله من بشرى للمؤمنين وشفاء لما في صدورهم وذهاب لغيظ قلوبهم، وطمأنة لنفوسهم، قال سبحانه: }وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [الأنفال: 10]، وقوله: }وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [الأنفال: 26]، وقوله: }وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين{ [الأنفال:62]، وقوله: }وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{ [الأنفال:40] وغيرها من الآيات كثير.

كشفت الآيات عن سُنَّة الله في نصر عباده المؤمنين وتأييده للمجاهدين على أعدائه الكافرين، وسنن الله مطّردة، فمع وجوب الأخذ بالأسباب وإعداد القوّة الممكنة من الوسائل المادّيّة والمعنويّة والتعبئة الروحيّة؛ لتحقيق النصر، فالأسباب الظاهرة ما هي إلّا ابتلاء من الله لعباده واختباره لهم؛ ليعملوا بمقتضى التكليف، ويلتزموا بالسنن الإلهيّة التي تربط الأسباب بمسبّباتها، ويوقنوا بأنّ الأسباب لا تترتّب عليها نتائجها إلّا بإذن الله، وأنّ الأمر كلّه بيد الله وحده، فلا يحدث في ملكه إلّا ما أراد، ولحكمة يعلمها الله؛ ليستقرّ في أعماق قلب المؤمن أنّ النصر بيد الله، يمنحه من يشاء في الوقت الذي يشاء، فهو وحده الناصر، وأنّ الوسائل مهما كانت كثيرة ووفيرة، فلا تعدو أن تكون ستارًا لقدر الله، فالله هو الذي يأذن بإعمال الأسباب وترتّب النتائج، فقال سبحانه: }وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [الأنفال: 10] والتعبير في الآية من أقوى أساليب الحصر وهو النفي بـ(ما) المتبوع بالاستثناء بـ(إلّا)، وهو يفيد هنا حصر النصر في الله وحده، فالنّصر يتنزّل بإذنِه سبحانه وحده، لا بعدد ولا عدّة حتّى يتعلّق قلب المؤمن بالله وحده، ويستشعر طلاقة القدرة الربّانيّة وفاعليّتها الكاملة في الكون، وأنّ الأسباب لا تفعل بذاتها، وهذا يحفظ على المسلم عقيدته وإيمانه، ويبصّره بحقيقة السُّنن الإلهيّة التي تحكم حركة الحياة([57]).

وإذا تخلّفت الأسباب أو ضعفت، فالله يمنحها مسبباتها، ويرتّب عليها نتائجها امتنانًا منه على من يشاء من عباده، فينصر الضعفاء على الأقوياء، والفئة القليلة على الفئة الكثيرة بما لا ينقض سننه الثابتة([58])، فالله أيّد المسلمين وساعدهم على بلوغ الهدف في معركة بدر، وأنزل ملائكته تقاتل معهم، وتثبّت أقدامهم، }إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ{ [الأنفال: 9]، وغشّاهم النعاس ليهدئ روعهم، ويذهب خوفهم، وأغاثهم بالمطر؛ ليطهّرهم من رجز الشيطان، ويثبّت الأرض تحت أقدامهم، وأفاض على نفوسهم بالسّكينة، وهذا المدد من عنده ما هو إلّا وسيلة للبشرى وطمأنة القلوب بوعده بالنّصر، }وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ{ [الأنفال: 10]، فسخّر الله السنن الكونيّة لنصرة عباده، وأنزل جنوده؛ لتثبيت المؤمنين، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، وضرب رقابهم؛ وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ولم تغنِ عنهم كثرتهم العدديّة وقوّتهم العسكريّة، وهزموا شرّ هزيمة بتدبير الله للمعركة في قتل أعدائهم والرمي عنهم }وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى{ [الأنفال: 17]، وخذل الله الكافرين، وأوهن كيدهم، وأضعف تدبيرهم، }ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ{ [الأنفال: 18]، فالذين كفروا أضعف من أن يعجزوا الله، أو يعجزوا عباده المؤمنين، والله معهم وناصرهم }وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونْ{ [الأنفال 60] فالله يتولّى الصالحين بالنّصرة والتأييد، ويخذل من يناوئهم من الكافرين }ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ{ [محمد: 11] فلا تفكّروا في ولاية أحد، ولا تطلبوا النصرة من غير الله، فهو القادر على نصركم وهو خير ناصر ومعين، }بَلِ الله مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ الناصرين{ [آل عمران: 150]، ولن يقوى أحد على هزيمتكم ما دمتم في ولاية الله، وتقاتلون معتمدين على نصرة الله، فهو نعم المولى ونعم النصير.

والآيات الواردة في سورة الأنفال للتعقيب على غزوة بدر تقرّر دستور النصر والهزيمة، وتكشف عن أسباب النصر وأسباب الهزيمة؛ الأسباب الحقيقيّة لا الأسباب الظاهرة المادّية، وغزوة بدر بأحداثها وتفاصيلها تشكّل كتابًا مفتوحًا تقرؤه الأجيال في كلّ زمان وفي كلّ مكان، لا تتبدّل دلالتها ولا تتغير طبيعتها، فهي آية من آيات اللّه، وسنّة من سننه الجارية في خلقه، ما دامت السماوات والأرض([59]).

ويؤكّد سيّد قطب: أنّها “قاعدة وسنّة، لا فلتة ولا مصادفة، قاعدة وسنّة أنّه حيثما انطلقت العصبة المسلمة في الأرض لتقرير ألوهيّة اللّه وحده، وإقامة منهج اللّه وحده، ثمّ وقف منها عدوّ لها موقف المشاقة للّه ورسوله، كان التثبيت والنصر للعصبة المسلمة، وكان الرعب والهزيمة للذين يشاقّون اللّه ورسوله، ما استقامت العصبة المسلمة على الطريق، واطمأنّت إلى ربّها، وتوكّلت عليه وحده، وهي تقطع الطريق”([60]).

وسُنَّة النصر من الله ذات البعد العقديّ، تحرّر المسلم من الارتهان للقوى الأرضيّة، والتعلّق بالأسباب المادّيّة الظاهرة، وتحرّره من ربقة الاستسلام لواقع الضعف، أو القبول بالذّلّ والتبعيّة، أو الانهزام أمام قوى البغي؛ لكثرة عددها وقوّة عتادها، وتربطه بالقوّة العظمى التي لا تهزم، والإرادة المطلقة التي لا تقاوم، والقدرة التي لا يصمد أمامها شيء؛ ليطلب العون والمدد منها، ويستجلب النصر من الله وحده، }إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ{ [آل عمران: 160].

كما أنّها تصحّح التصوّر للحياة، والنظر للقوانين الكونيّة، والأسباب المادّيّة، وكأنّها تعمل مستقلّة بذاتها، أو منفصلة عن إرادة الله، فيتعلّق القلب بالوسائل والأدوات، ويغفل عن الفاعل الحقيقيّ وهو الله، فالكثرة العدديّة والقوّة المادّيّة مؤثّرة في مسار المعركة، وهو جزء مهمّ من مفهوم القوّة، لكنّها لا تحسم نتيجة المعركة لصالح الأقوياء، فهي غير فاعلة بذاتها، فالقوّة المعنويّة، والعناية الربّانيّة، التي تكون بها القوّة الروحانّيّة، أحقّ بالنّصر من القوّة المادّيّة.

وقد تجلّت سُنَّة النصر للمؤمنين في معركة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023م، حيث أثخنت المقاومة في صفوف العدوّ قتلًا وأسرًا، وأسقطت منظومته الأمنيّة وهيبته العسكريّة، وأذاقتهم مرارة الهزيمة، ولم يستطع العدو بكل قوته وترسانته العسكرية وجبروته القضاء على المقاومة وتفكيك قواها، أو الوصول إلى قادة المقاومة، وعجز حتى اللحظة في تحرير أسراه الذين في قبضة المقاومة من خلال الآلة العسكرية، وهو بالمناسبة أكثر ملف ضاغط على عصب حكومة الاحتلال الإسرائيلي وحتى على الادارة الامريكية التي أرسلت فرقة دلتا المتخصصة بتحرير الرهائن والأسرى دون حدوث أي فارق يُذكر.

وهذا النصر الاستراتيجي للمقاومة يتمثل في الاحتفاظ بقوتها وقدرتها على تهديد العدو، وتثبيت وضعيتها السياسية وشرعيتها وإفشال العدو ومخططاته، وقدرتها على خوض معارك المدن والشوارع باقتدار وإبداع، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة ومكانتها التي تستحقها في قلوب الأمة وضميرها، ومقدمة القضايا التي تستحق الانتصار لها والتضحية في سبيلها، وأثبتت إمكانية هزيمة هذا العدو وسحقه، وأن التحرير ممكن، والنصر عليهم ليس مستحيلا.

إن المعركة الطوفان هي بداية الطريق نحو التحرير الذي تلوح بشائره في الآفاق، ومقدّمة الزحوف نحو تطهير المسجد الأقصى من دنس الصهاينة، فوعد الله قائم وسنّته ماضية، ونصره أكيد لعباده المؤمنين، وهزيمته لأعدائه من المجرمين.

وفي الختام: إنّ معركة طوفان الأقصى قد أضاءت فجرًا جديدًا، وفتحت آفاقًا بعيدة لمستقبل الأمّة، وبدّدت القتام الذي يحجب مستقبل التحرّر، ووضّحت الطريق نحو استعادة المسجد الأقصى.

خاتمة البحث:

بعد هذه القراءة لمعركة الطوفان في ضوء نماذج من السنن الإلهيّة نأمل من الله أن تكون نتيجة هذه المعركة إيذانًا ببدء معركة تحرير فلسطين ونهاية المشروع الصهيوني وتتبير علوّه في الأرض، وتطهير المسجد الأقصى من رجس هؤلاء الأوغاد، ومن أهم نتائج البحث ما يأتي:

1- ضرورة الوعي بالسنن الإلهيّة في الصراع بين الحق والباطل، فهي تبشّر بقرب زوال هذا الكيان المحتلّ، وتبعث الأمل في الأجيال بأنّ النصر قريب، وهزيمة العدوّ ممكنة، برغم قلّة العتاد والزّاد، فالنّصر منحة إلهيّة، وسنّة حتميّة لمن أخذ بمعاييرها، وسلك دروبها، وأخذ بأسبابها متوكّلًا على الله، معتمدًا عليه، متسلّحًا بالصبر والثبات، ملتجئًا إلى معيّته، فهو ملاذ المجاهدين، وحصن المدافعين عن حرمة الأوطان والدين، لا يتركهم وحدهم دون ظهير أو نصير، يمكر لهم كما يبطل مكر عدوّهم وهو خير الماكرين، ولن تغني عنهم قوّتهم ولا جيوشهم، وستبوء جهودهم بالفشل والهزيمة فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا.

2- إنّ اكتشاف السنن الإلهيّة، وكيفيّة التعامل معها وتسخيرها، وقراءة الأحداث في ضوئها، ضرورة ملحة، وواجب دينيّ، خاصّة سنن الصّراع بين الحقّ والباطل، وكيفيّة عملها في المجتمعات كفيل بحسم مادّة الشرّ، وتقليم أظافر الباطل. 3- كل الأمم والمجتمعات عبر تاريخ البشرية الطويل وما جرى فيها من تحولات وتغييرات إيجابية كان لأخذها بسنن النهوض الحضاري، وما تعرضت لهم من سقوط وانهيار كان بسبب غفلتها وسيرها عكس السنن.

4- ضرورة حشد الطاقات والإمكانات المادية لمواصلة تطوير أداء المقاومة ومراكمة القوة والخبرة العسكرية؛ لمدافعة مشروع العدو الصهيوني، وأن واجب الإعداد والإمداد يقع على عاتق الأمة بأسرها، ولا يعفى منه إلا العاجز.

 

المصادر والمراجع

الآمدي، سيف الدين علي بن أبي علي- الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت.

أمحزون، محمد- السنن الاجتماعية في القرآن الكريم، دار طيبة، الرياض، ط1، 2011م.

البخاري، محمد بن إسماعيل- صحيح البخاري، الرسالة ناشرون، 2018.

برغوث، الطيب- المدخل السنني إلى خريطة المقاصد الكلية في القرآن الكريم، كتاب مقاصد القرآن، مؤسسة الفرقان، ط1، 2016م.

البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبوية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2018م.

الجرجاني، علي- التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه‍.

حسنه، عمر عبيد- المنهج السنني أفق حضاري متجدد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 2009.

حوى، سعيد- الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، ط6، 1424ه.

خصاونة، عماد وقزق، خضر- السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل، مجلة المنارة، المجلد15، العدد 2، 2009م.

أبو داود، سليمان بن الأشعث- سنن أبي داود، المحقق: شعَيب الأرنؤوط – محَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة، 2009م.

الزحيلي، وهبة- الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر بدمشق: ط4.

زيدان، عبد الكريم – السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد، مؤسسة الرسالة، ط3، 2002م،

السعدي، عبد الرحمن- تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000م.

شريف الخطيب، السنن الإلهية في الحياة الإنسانية، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ط1، الرياض، 2004م.

أبو شهبة، محمد- الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، عالم المعرفة بجدة، 1413ﻫ/1983م.

الطبري، محمد بن جرير- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار هجر، مصر، ط1، 2001م.

ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، الدار التونسية، 1984م.

ابن عطية، عبد الحق بن عطية- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، وزارة الأوقاف، قطر، ط1، 2015م.

الفخر الرازي، محمد بن عمر- مفاتيح الغيب، دار الفكر، 1981م.

قطب، سيد- في ظلال القرآن، دار الشروق، ط41، 2014م.

ابن كثير، إسماعيل بن عمر- تفسير القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ه.

كهوس، رشيد- السنن الإلهية من الوعي النظري إلى التأسيس العملي، مركز جمعة الماجد، دبي، ط1، 2015م.

كنعان، أحمد- أزمتنا الحضارية في ضوء سنن الله في الخلق، كتاب الأمة، عدد26، الدوحة، 1991م، .

المراغي، أحمد- تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، 1365 هـ – 1946 م.

المناوي، محمد – التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق د. محمد رضوان الداية، عالم الكتب، ط1، بيروت، 1410هـ.

ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، دار صادر، ط1، بيروت.

الميداني، عبد الرحمن- معارج التفكر ودقائق التدبر، دار القلم، دمشق، ط1، 2002م.

ابن هشام، عبد الملك- السيرة النبوية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر،  ط2، 1955.

هيشور، محمد- سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996م.

المواقع الإلكترونية:

موقع الجزيرة نت: https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/11/12

موقع الجزيرة نت: https://www.aljazeera.net/news/2023/11/3/

موقع: https://www.aa.com.tr/ar/

  • ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، دار صادر، ط1، بيروت، ج13، ص220.
  • ابن منظور، محمد بن منظور، لسان العرب، 13/225.
  • الجرجاني، علي- التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه‍، ص161.
  • المناوي، محمد – التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق د. محمد رضوان الداية، عالم الكتب، ط1، بيروت، 1410هـ، ص198.
  • الآمدي، سيف الدّين علي بن أبي علي- الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1/156.
  • أبو شهبة، محمد- الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، عالم المعرفة بجدة، 1413ﻫ/1983م، ص 16.
  • الزحيلي، وهبة- الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر بدمشق: ط4، 1/ 52.
  • كنعان، أحمد- أزمتنا الحضارية في ضوء سنن الله في الخلق، كتاب الأمة، عدد26، الدوحة، 1991م، ص52
  • زيدان، عبد الكريم – السنن الإلهيّة في الأمم والجماعات والأفراد، مؤسّسة الرسالة، ط3، 2002م، ص13.
  • برغوث، الطيب- المدخل السنني إلى خريطة المقاصد الكلية في القرآن الكريم، كتاب مقاصد القرآن، مؤسسة الفرقان، ط1، 2016م، 2/434.
  • هيشور، محمّد- سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها، المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ، القاهرة، ط1، 1996م، ص27.
  • شريف الخطيب، السنن الإلهيّة في الحياة الإنسانيّة، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ط1، الرياض، 2004م، ص27.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشري في السيرة النبويّة، المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ، ط1، 2018م، ص192.
  • حسنه، عمر عبيد- المنهج السننيّ أفق حضاريّ متجدّد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 2009، ص29.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشريّ في السيرة النبويّة، ص196.
  • خصاونة، عماد وقزق، خضر- السنن الإلهيّة في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل، مجلّة المنارة، المجلّد15، العدد 2، 2009م، ص215.
  • كهوس، رشيد- السنن الإلهيّة من الوعي النظريّ إلى التأسيس العمليّ، مركز جمعة الماجد، دبي، ط1، 2015م، ص100-101.
  • البطيوي، عزيز- سنن العمران البشريّ في السيرة النبويّة، ص201.
  • رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 4/148،
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2425، حوى، سعيد- الأساس في التفسير، 7/3570، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 17/276.
  • ابن كثير- تفسير القرآن العظيم، 5/382.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2425.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 4/2425.
  • ابن عاشور- التحرير والتنوير، 4/100.
  • ابن كثير- تفسير القرآن العظيم، 42/110، رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 4/148، وسيد قطب- في ظلال القرآن، 3/1505، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 4/100.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1505، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 4/100.
  • الطبري- تفسير الطبري، 6/83.
  • صحيح البخاري، كتاب الجهاد، بابقَوْلِه: }قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ{ [التوبة: 52]، ح2804.
  • رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 4/148.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن،4/2213.
  • الطبري- تفسير الطبري، 13/ 580، الشنقيطي- أضواء البيان، 2/365، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 3/256،
  • قطب، سيد، في ظلال القرآن، 3/، 1501، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 9/327-328.
  • الراغب الأصفهاني، الحسين بن الفضل- مفردات ألفاظ القرآن، وزارة الأوقاف، قطر، ط1، 2017م، ص612.
  • تفسير المنار، 3/259.
  • ابن عاشور- التحرير والتنوير، 22/274.
  • الراغب الأصفهاني- الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص255.
  • تفسير المنار، 3/259.
  • ابن عاشور- التحرير والتنوير، 22/274-275.
  • قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/ 2949-2950، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 22/337، أمحزون، محمد- السنن الاجتماعية في القرآن الكريم، دار طيبة، الرياض، ط1، 2011م، 1/555.
  • ابن عطيّة- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 4/529، رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 9/518، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1490-1491.
  • ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم- مجموع الفتاوى،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبويّة، 1995م، 28/57.
  • الطبري- تفسير الطبري، 11/173، ابن كثير – تفسير القرآن العظيم، 4/48.
  • الطبري- تفسير الطبري، 11/170.
  • ابن كثير – تفسير القرآن العظيم، 4/47، ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، 9/340.
  • موقع:https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/11/12و https://www.aa.com.tr/ar/
  • موقعhttps://www.aljazeera.net/news/2023/11/3/https://www.aa.com.tr/ar/
  • نقلًا عن موقع:https://www.aa.com.tr/ar/
  • ابن كثير – تفسير القرآن العظيم، 4/47، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1506-1507، ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، 9/340-341،
  • ابن كثير – تفسير القرآن العظيم، 4/48، قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1507، ابن عاشور، محمد الطاهر- التحرير والتنوير، 9/343.
  • ابن كثير- تفسير القرآن العظيم، 4/528، الشنقيطي- أضواء البيان، 2/468.
  • بتصرف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن، 3/1491.
  • بتصرف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن، 3/1491.
  • ابن هشام، عبد الملك- السيرة النبوية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1955،  1/ 621.
  • بتصرّف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن،2/857.
  • رضا، محمّد رشيد، تفسير المنار، 2/30، المراغي- تفسير المراغي، 2/23.
  • قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/2752.
  • ابن عطية- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 4/512، رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 9/505، قطب، سيّد- في ظلال القرآن، 3/1483-1484، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 9/276.
  • رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 9/505.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1482.
  • قطب، سيد- في ظلال القرآن، 3/1486.