خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه والتابعين. أما بعد
فيصدر العدد الثامن من مجلتكم المرقاة، وقد انقضى شهر رمضان المبارك، وكان قد شهد هذا الشهر حالة من المقاومة والتصدي لقطعان المستوطنين وقوات الاحتلال الصهيوني في المسجد الأقصى المبارك، حالة من التصعيد في مواجهة هذا العدوان مع ارتفاع في وتيرة خطاب المقاومة التهديد للاحتلال بمواجهته بقوة في حال تم المساس بالمسجد الأقصى أو تدنيسه أو العدوان عليه، وقد كانت توقعاته الناس جميعا مرتفعة باتجاه إمكانية أن ترد المقاومة على هذا الاحتلال المجرم في ضوء أنه تم اقتحام الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك من قبل قطعان المستوطنين بأعداد غير مسبوقة، وقاموا بحركات تعبدية تلمودية يهودية لم تكن مسبوقة في المسجد الأقصى المبارك، بالإضافة إلى أعداد غير مسبوقة شاركت في مسيرة الإعلام حاول العدو من خلالها أن يظهر أنه حقق انتصارا في معركة فرض السيادة على القدس، وفي حقيقة الأمر أن هذه السيادة التي توهمها الاحتلال، ليست قائمة ولا يمكن أن تكون، فكيف يمكن أن تكون سيادة لهذا العدو المجرم على القدس والمسجد الأقصى وهو يسعى لرفع علمه بقوة مدججة بالسلاح من الجيش والشرطة بآلاف الأعداد. أية سيادة هذه تفرض بقوة السلاح؟
وقد جلّى أهلنا في بيت المقدس هذه الحقيقة بشكل واضح، بصدورهم العارية وارتفع علم فلسطين عاليا في سماء بيت المقدس فوق رؤوسهم في باب العمود وفوق أعلامهم من فضل الله تعالى. وقاوم شعبنا مقاومة شعبية تليق به، وإن كانت المقاومة المسلحة أو العسكرية بمعنى الاشتباك العسكري لم تتم، رغم التهديد والتلويح بها، فإن ظروفاً معقدة تحكمها، ومن الواضح أنه ترجح لدى قيادة المقاومة أن عدم الرد على ما جرى في مصلحة المقاومة والقضية، بغض النظر عن الاعتبارات والتحليلات، فليس الأمر عجزا أو تهاونا أو تفريطا في بيت المقدس ولا تنازلا عن فكرة السيادة وحماية المسجد الأقصى المبارك.
وفي ظل هذه الأجواء أيها الإخوة الباحثون والعلماء تتصاعد في خواطر الناس وتوقعاتهم ونفوسهم آمال زوال هذا الاحتلال وقرب إنهائه وكنسه من فلسطين خاصة مع تصاعد التصريحات من قادة هذا الاحتلال المجرم نفسه وتوقعاتهم أو تخوفاتهم من إمكانية أن تبلغ دولتهم المزعومة عقدها الثامن. والمشكلة هنا أن هذا يتناغم مع توقعات ونبوءات بعض الإخوة الباحثين بزوال ما يسمى دولة إسرائيل هذا العام. وأود بهذا الصدد أن أشير إلى أن هذا التفاؤل مطلوب وإشاعته مهمة، ولكن في نفس الوقت من المهم أن ندرك أن زوال الاحتلال لا يتم بالأماني ولا بالأحلام، وأن سنن الله تبارك وتعالى لا تتخلف ولا تتراجع فالله تبارك وتعالى لا يقاتل دفاعا عنا ولا يحرر فلسطين والمسجد الأقصى نيابة عنا. والله تبارك وتعالى وفق سننه وقوانينه أوكل هذه المهمة لنا نحن المسلمين، وإن لم نقم بواجبنا في اتجاهها خير قيام، ولم نأخذ بالأسباب ولم نحقق المقدمات المطلوبة لتحقيق النصر على هذا العدو وفق سنن الله تبارك وتعالى، فإن النتائج لن تتحقق ولن يزول الاحتلال، وسنن الله تبارك وتعالى في هذا لا تحابي أحدا حتى الأنبياء- بمن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- وبالتالي نحن مطالبين: بأن نبذل جهدنا، وأن نأخذ بالأسباب، وان نعد العدة، وان نلحق النكاية بهذا العدو المجرم، وأن نواصل مسيرة المقاومة والجهاد، وأن نبذل الغالي والنفيس، وأن نصلح أنفسنا، وأن نصلح ما بيننا وبين الله حتى يصلح ما بيننا وبين الخلق. وما لم نعد العدة على قاعدة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60] وما لم ننصر ربنا تبارك وتعالى في واقعنا وحياتنا حكاما ومحكومين، سياسةً واجتماعاً واقتصاداً وإعلاماً وثقافةً، أفراداً وأسراً، صغاراً وكباراً. مالم نصلح هذه العلاقة بيننا وبين الله وننصر ربنا تبارك وتعالى، بمعنى ما لم نقدم المقدمة (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ) فإن النتيجة لن تتحقق {يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وإن قدمنا ونصرنا الله تبارك وتعالى فإن النتيجة وفق وعد الله تبارك وتعالى الذي لا يخلف وعده ستتحقق.
وبالتالي نحن مدعوون لأن نقدم جهدنا، وأن نأخذ بالأسباب وأن نبذل غاية وسعنا في توفير المقدمات حتى تتحقق النتائج وفق سنن الله تبارك وتعالى بزوال هذا الاحتلال. وأنه من غير الصواب أن نتعلق بحبال الوهم وأن نحلم أحلام اليقظة، بأن هذا الاحتلال سيزول وحده، وبأن هذه الدولة المجرمة ستنهار وحدها ونحن جالسون في بيوتنا نتفرج، فهذا خلاف سنن الله تبارك وتعالى، والله تكفل أنه لن يغير سنته ولن يبدلها {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } [فاطر43].
بل إن من هذه السنن أننا إذا لم نقم بواجبنا في هذه المسألة على الوجه الذي يرضي ربنا تبارك وتعالى عنا، فإن الله تبارك وتعالى سيستبدل بنا ويأتي بخير منا {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
ومن المهم أن يدرك إخواني الباحثون وأن ندرك جميعاً، وأن تدرك أمتنا وأن يدرك شعبنا هذه الحقيقة، ونؤوب إلى سنن الله تبارك وتعالى، ونعمل وفقها ونترك الأوهام وحبال الوهم وأحلام اليقظة، ونعمل عملا واقعا وحقيقيا باتجاه التحرير، وأن نبذل نحن الباحثين والعلماء جهدنا في اتجاه ترشيد طروحاتنا، وترشيد تفكير الأمة وتثقيفها وتوعيتها باتجاه البوصلة الصحيحة والطريق السليم للتحرير، هذا تحد نضعه بين أيدي الباحثين، ونذكر أنفسنا وباحثينا وعلماءنا ومشايخنا به، لما لنا من دور في بث الوعي داخل أبناء الأمة. ومجلتكم المرقاة كانت وستبقى مشعلا من هذه المشاعل تستقبل إبداعاتكم ودراساتكم وقراءاتكم لهذا الحدث ولغيره، ولهذا الطريق ومتطلباته ومقدماته ونتائجه.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى تحقيق الغايات وتحقيق الأهداف، ونرى زوال هذا الاحتلال عاجلا غير آجل وأن يعيننا على الأخذ بالأسباب وبذل المقدمات لنحقق أمر الله تبارك وتعالى، ونرى نتائج هذا بزوال هذا الاحتلال وكنسه من فلسطين وما ذلك على الله بعزيز أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رئيس هيئة التحرير
أ.د. عبد الجبار سعيد
الدوحة 16/3/2022
لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :
https://drive.google.com/drive/folders/1-c8YNu0zYF0yOoCj8yal3v750UDO8fdj?usp=sharing