مقابلة د. ساجدة أبو فارس ‏

    

 20/11/2025

📍 السّيرة الذّاتيّة والمكانيّة

  1. إذا أراد علماء وعالمات وشابّات اليوم أن يتعرفوا على د. ساجدة أبو فارس حيث مساقط الذكريات الأولى …فعلينا أن نذهب معك إلى الزّمان، والمكان، والتنشئة، وسيرتِك؟

     أسرة صغيرة تتكون من والديْن وابنتين.

فلسطين منبت الوالد من قرية الفالوجة -قضاء غزة- التي وقعت تحت الاحتلال الصهيوني عام 1948 وجعلته نازحًا في مدينة الخليل؛ ثم لاجئًا عام 1967 إلى الأردن.

وأمي كردية صلاحية استقر أجدادها المهاجرون في الأردن في وادي الأكراد من مدينة السلط.

‎وهذا الوادي يُعزى تاريخه إلى وصول الأكراد مع جيش صلاح الدين الأيوبي عام 1173م لتحرير القدس. مؤسسين حارة لهم تُعرف بـ “محلّة الأكراد”، وظهرت كأحد الأحياء الرئيسة في المدينة ثم سمي “وادي الأكراد” خلال الفترات الزمنية المتعاقبة.

أخذت حب العلم – والفقه بالذات- من والدي – رحمه الله- حيث درس الشريعة الإسلامية في دمشق بداية الستينيات وأكمل الدكتوراه في أزهر مصر الشريف عام 1973 متخصصا في السياسة الشرعية؛ وكانت عنده مكتبة ضخمة فيها كثير من مصادر الكتب هي أحد أركان البيت الذي عشت فيه فتهب رياحها على عقلي وروحي كلما دخلتها لأنفض الغبار عن رفوفها؛ حين توكل لي أمي مهمّة تنظيفها، وكثيرا ما تجدني معلقة على سلم أتصفح عناوين الكتب التي وقعت عليها عيني فأثارت فضولي، غافلة عن المهمة الموكلة إليّ في تنظيفها.

أمّا عن أمي فقد درست اللغة الإنجليزية في معهد في رام الله (British Council) في منتصف الخمسينيات وعملت مديرة مدرسة في قرى السلط حيث تعرف إليها والدي الذي عُين في ذات المدرسة معلمًا؛ وقدر الله لهما تكوين أسرتي الصغيرة؛ التقت الجغرافيا في والدين كريمين امتدّت جذورهما في فلسطين منبتا وانتماء مما ساهم في تشكيل فكري واهتمامي بفلسطين.

  •  هل من حدث أثّر في مسار حياتكم وفتح عيونكم على قضية فلسطين ثم جعلها في صلب مشروعكم؟

     لن يختزل حدث بعينه مسار العيش لقضية كبيرة كفلسطين؛ وإنما تجد نفسك في صلب هذه القضية عبر مجموعة من الأحداث الفارقة والمعايشة المستمرة لما يجري فيها -رغم غياب الإعلام الواسع في فترة زمنية عاشتها فلسطين  دون أن يسمعها العالم كما هو اليوم-وذلك من خلال أجواء الأسرة ابتداء والحياة الاجتماعية التي أحاطت بنا؛ والمدرسة أيضًا، فأسرتي كانت تستقبل أبناء الضفة وغزة الذين درسوا في الجامعة الأردنية طلابا وطالبات خاصة لكون والدي يدرّس فيها بوصفه دكتورا- وكثير منهم من قادة المشروع المجاهد-وهؤلاء يترددون على البيت كثيرا بل وسكن عدد منهم في الطابق الثاني من البيت فخالطناهم في توليفة الجيرة الطيبة ومن خلال هذه المخالطة أسمعهم يتحدثون عن الأقصى بالذات والصلاة فيه وما يتعرض له المصلون، وكيف يعانون على الطرقات- قبل أن تخوض غزة حروبها مع محتليها- بعبارة موجزة: كان بيتنا محطة عبور وسكن واستضافة واهتمام بأبناء فلسطين نساء ورجالا مما خلق بيئة حاضنة للوعي ونافذة لرؤية فلسطين من خلال معاناة القادمين منها على يد المحتل.

أضف إلى ذلك أن والدي أحد الذين شهدوا تشكيل حركة المقاومة الإسلامية بصفته أحد قادة الإخوان المسلمين في الأردن وكان يعبّر بجرأة عن هذا التأسيس بجملة: حمااااس الجناح الضارب لحركة الإخوان المسلمين في العالم.

  • هل ترون أن الأمة مقصّرة في معرفة علمائها المجاهدين؟ ومن المسؤول؟

     يا للأسف قصرت كثيرا في ذلك؛ ولذلك أسباب كثيرة، منها:

*التركيز الإعلامي على المتحدثين في الدين الإسلامي بعيدا عن إحياء الجهاد في النفوس، وذلك عبر الإذاعات والفضائيات وغيرها ونشر تسجيلاتهم والمقاطع المرئية لهم؛ خاصة ممن توافق الأنظمة من البداية على ظهورهم أمام الناس؛ وهذا الظهور مسنود برؤوس أموال كبيرة غير مراقبة ولا مجرمة.

*الافتقار إلى أدوات التعريف بهؤلاء العلماء المجاهدين وثمارهم وإنجازاتهم.

المعرفة بهؤلاء العلماء يؤدي إلى الاقتداء بهم في فكرهم وجهادهم؛ وهذا الذي يخشاه أعداء الأمة على الشعوب؛ لذا يترصدون له كل وقيعة، ويحاصرونه أيّما محاصرة؛ حتى أن بعض الناس يرون أن هذه المعرفة تؤدي إلى التأثر والتأثير مما يجرّ إلى المشاركة في ساحات الجهاد التي تحاربها الأنظمة؛ فيؤثرون السلامة بإغلاق باب المعرفة في هذا الاتجاه.

وربما كان العالِم نفسه مسؤولا عن ذلك أحيانا؛ إذ يرى فيه دعاية له قد تشوب الإخلاص، فيتورع عنه تورعًا غير محمود، فيظل في دائرة الظل وهو شمس في جهاده، بينما يلاحق الظل فرسان القول لا فرسان الفعل.

  • هل زرتم فلسطين سواء الضفة أو غزة؟ وما الذي بقي أو سيبقى متعلقا وعالقًا أو ذكريات قادمة ترجونها؟

     وجود الاحتلال لم يمكنني من زيارة القدس والضفة؛ وأحتسب ذلك عند الله؛ أما عن غزة فقد زرتها مع ثلة من علماء ومفكرين من الأمة رجالا ونساء وذلك عام 2012 عبر مصر ومن خلال معبر رفح وهي أجمل رحلة في عمري كله؛ بل وأعظم الدروس التي تلقيتها في حياتي؛ ولعل أعظمها؛ رؤية الشباب المرابطين في الخطوط الأمامية، ومرافقة أعظم النساء المجاهدات فيها؛ ودخول بيوتها في الليل والكهرباء مقطوعة عنها؛ وفي وجوههم بشر وترحيب حميمين؛ والنوم في ليالي الإقامة فيها بكل سكينة رغم وجود الزّنّانات التي ترقب كل شيء فيها ليلا ونهارا.

وكلمات كريمات غاليات كتبها المجاهد الشهيد أبو العبد لوالدي يثني عليه ويذكر فضله؛ ممّا أثّر في والدي كثيرا حين أوصلتها إليه؛ والتي ما زالت معلقة في إحدى زوايا البيت.

  • القدس… صفي علاقتكِ بها كعالمة فلسطينية، خاطبيها كأنها ماثلة أمامك، قدمي لها عذرك وقهرك؟

     العشق للمقدس غير، كل أشواق العشق حالة تجعلك في حالة طهر روحي؛ ومشاعر عميقة تبكيك؛ كلما لامس الأذى ذلك المقدس تستعذب التضحية من أجله؛ وترى نفسك أهلا لأن تفعل.

فالفداء صنو المحبة الجليلة؛ كل تفاصيل المكان ترتقي بروحك؛ ويغدو ذلك المحراب ملاذ كرامة حقيقية تتذوق فيها معنى الاقتراب من الله الذي اختاره وجعله مباركا ومقدسا على قدر اقترابك من حالة الوعي لما يجري فيه تبتعد عن دنس الخذلان وخطيئة التخلي.

يا قدس هذا العشق لا يموت، بل يحيا في كل مرة أرنو فيه إليك، ولا ينطفئ، بل يُوقد زيتك المبارك في الأرجاء روحي بقناديل العطاء لك ولا ينكسر العزم في المسير نحوك على خطى التحرير حتى وإن عصف بك المكر العالمي وأظلمت حولك الخديعة.

📍 الأسئلة الّتي تحت الرّماد 🔥

  • طوفان الأقصى… هل كان قرارًا شرعيًا أم خطوة عسكرية متهورة كما يقول البعض؟

     الفصل بين العسكري والشرعي في قضية مثل فلسطين كالفصل بين الدين والدولة ومضمون مثل هذا الكلام هو تفكيك منظومة الشرعي عن العسكري؛ ويشير إلى بثّ الشك والحسرة في القلوب التي تحمل عقيدة الجهاد في سبيل الله، وتزيدها حزنًا. بل وتشابه أفكار المخذّلين عنه وسلوكهم؛ وإنّ أخطر هدف في نشر هذه الأقوال في أوساط المسلمين في العالم هو الإساءة إلى فكر الجهاد وتقبيح صورته؛ وتثبيط عزائم المناصرين له.

فواجب الوقت الذي حصل فيه الطوفان تعليم الناس الثقة بأهل الجهاد والثقة من قبل بقضاء الله وقدره، وعدم تصوير هذا الاقتحام المبارك على أنه مبتور عن العقيدة القتالية ومفتقر إلى الأدلة الشرعية، والحديث عنه على أنه اندفاعة بلا تأصيل شرعي ولا مآلات صحيحة. 

  • هل أخطأت المقاومة في إطلاق 7 أكتوبر؟ ما هو التكييف والواجب الشرعي المفروض أصلا؟

     ما حصل في 7 أكتوبر توفيق من الله وتسديد؛ واستبصار بنور الله على أيدي عباد الله من أولي البأس الشديد وتحطيم لجدار الجبروت الصهيوني بأطماعه التمددية؛ واستباق لمبادأة العدو لما هو أشد تنكيلا بالشعب الفلسطيني في غزة وسائر فلسطين؛ وفي شأن الحروب لا يكون انتظار الوقت المناسب خاضعًا لمعايير معلومة محددة للجميع؛ تقوم على اختيار اللحظة المواتية في مواجهة العدو بلا خسائر تُذكر!

إنّه ضرب من المستحيل.

ولو تأملت ما حصل في معركة بدر؛ لوجدته شاهدا على ما أقول:

فالصحابة لم يخرجوا لقتال عدو -تبين فيما بعد أنه يفوقهم أضعافا-وإنما خرجوا من أجل اعتراض القافلة لم يستعدوا بالسلاح ولم يستعدوا نفسيا وجسديا بطلب الطهارة وضوءا أو غسلا؛ وتحول الأمر في ساعة من نهار إلى مواجهة ومعركة صعبة؛ قال الله فيها:

“وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) ؟

إنّ الواجب الشرعي في إقامة الجهاد وإحقاق الحق لا ينتظر استفتاء شعبيا على انطلاقه وكيفية خوضه؛ بل المباغتة أحد أهم أركان فلاحه وقد كان؛ وإنك لتجد اليوم من يقول-من خارج الطيف الإسلامي-: إن انهيار دولة الكيان أصبح متصورا بعد 7 أكتوبر؛ ولله الحمد.

  • إذا كانت المقاومة عملت ما عليها وزيادة، ـ بصراحة ـ هل نتيجة المعركة تتحمله الأمة بالتقصير والإثم والخذلان؟

     لقد أعلن رسول الله نتيجة التقصير والخذلان الذي أنقض ظَهْر الأمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا الموقف: “مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، “وما تحلل من هذا الإثم وما استبرئ لدينه وعرضه إلا من قال عنه صلى الله عليه وسلم في تكملة الحديث:”

 وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ”.

لقد فاز المجاهدون وأهل غزة بالثبات والشهادة وفاز معهم من الأمة من كان معهم ينصرهم ويذبّ عنهم؛ أما الخاسرون المتخلّون المتآمرون فسيصيبهم سيئات ما كسبوا أضعافا من الحسرات والضنك.

  • هناك من يقول إن طوفان الأقصى دمّر مشروع التطبيع لكنه أيضًا فجّر الأوضاع الإنسانية في غزة… كيف يوازن الفقيه بين النصر السياسي والكلفة البشرية؟

قل لي بربك قبل الإجابة:

هل تدفع البشرية كلفة وجود الدكتاتور حين يحكمها بالبطش والقتل؟

وهل تدفع البشرية كلفة انشقاقاتها الداخلية وحروبها الأهلية آلافا من الأنفس والثمرات؟

وهل تدفع البشرية كلفة انهيار البورصات الرأسمالية وانكسار موازينها الاقتصادية -بسطوة المتنفذين في السوق العالمي- مليارات من الأموال؟

يدفع البشر على مرّ التاريخ كلفة بشرية ومالية باهظة من غير جهاد في سبيل الله-أنار القرآن بذكره دفتيه-فكيف يتصور المسلم ابتداء أن تكون كلفة الدفاع عن الحق الفلسطيني في مواجهة الصهيونية العالمية يسيرة بلا دماء ولا عناء؟

فكيف بالفقيه الذي يبلِّغ عن ربه الحق والذي أراد الله به خيرا إذ فقهه في الدين ألا يرى في القتل الذي نكره خيرا كثيرا كما قال رب العزة:

“كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”. }سورة البقرة، الآية 216{

والموازنة من الفقيه ليست بين الجهاد وعدمه؛ بل بين الحياة بالجهاد والحياة مع عدمه؛ فيخرج بفقه السيف والمصحف معًا: إن الموت في ساحة الجهاد حياة للأمة كافة واستبدال الهوان بالتمكين وأن ترك الجهاد موت معنوي وأخلاقي وسياسي؛ ولا يتوقف الموت الحقيقي معه، والطامّة أن يصاحب حالة الهجران للجهاد استضعاف وقتل وتدمير من غير نتيجة تصب في مصلحة الحق وأهله.

من وجهة نظري: يجب أن تكون هذه موازنته. 

📍 دور العلماء أمام الطوفان

  1. بصراحة أكثر. ما رأيك في أثر بيانات العلماء ومؤتمراتهم خصوصا المتعلقة بمعركة طوفان الأقصى؟

     البيانات الصادرة عن الهيئات والمؤتمرات لها أهمية من حيث الاستجابة لأحداث الطوفان ونشر فكرته؛ وتوجيه المجتمعات نحو القيم الإسلامية التي يحملها الطوفان.

ولكن النجاح المرجو لهذه البيانات المكتوبة والمسموعة أن تكون مقدمة للأفعال المطلوبة؛

غير أنها لم ترتق إلى التأثير على الانطباع العام للجماهير والتحفيز للتغيير في المواقف ميدانيا؛ خاصة لدى شريحة من العلماء الذين لم يتحركوا تحركا فاعلا تجاه الطوفان أو أولئك الذين صمتوا؛ وغيرهم ممن سلق المجاهدين بألسنة حداد.

  1. ما هي أهم المواقف أو الخطوات العملية التي أنجزها العلماء أو كنت ترجين تحققها في خدمة طوفان الأقصى؟

     كل مواقف العلماء التي تبنّت الطوفان وعبّرت عن رأي ثابت في دعمه وسط مدّ الخذلان الذي أحاط بالأمة، يُشكّل علامة فارقة في سيرة العالم ومن يقتدي به.

ولعل من أهم الطرق العملية التي تحققها في خدمة الطوفان:

  • كشف الحقائق المتعلقة بالطوفان إعلاميًا- مثل الحقائق المتعلقة بالحقد الصهيوني ودعاواه الباطلة.
  • قيادة الحراكات الشعبية في العالم التي توجه الناس للخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية والتصدي للاستكبار الدولي لما يجري في غزة.
  • استدامة مخاطبة الهيئات العالمية والشعبية في بلاد العالم، ورؤساء الدول المحايدة نحو استمالتها للطوفان.
  • تفعيل العمل بفتوى ضرب المصالح الصهيونية في العالم.
  • أن يهيئوا أنفسهم والمقربين إليهم على اعتياد أدوات النضال.
  1.  ما هي أهم الفتاوي ـ في دوركم الشرعي ـ التي تحرص د. ساجدة أبو فارس أن تصل للعلماء وللأمة كي تؤدي دورا (عمليا) حقيقيا في هذه المرحلة؟

     كل فتوى تصب في نصرة الجهاد وأهله أحرص على تبنيها ونشرها وتضمينها خطابي الدعوي؛ وعلى رأس هذه الفتاوى: وجوب النصرة وجوب الدعم المالي؛ وجوب المقاطعة؛ حرمة التطبيع؛ وأنّ فلسطين أرض وقف إسلامي؛ وجوب المطالبة بفتح المعابر وإرسال المساعدات بكافة أشكالها وإبطال معاهدات السلام مع المحتل.

ولأن النصرة عبادة كما أنّ إسراج قناديل الأقصى عبادة؛ فإنّ إلزام العالم نفسه باستدامة النصرة هو مسؤولية شرعية لا يخلعها من رقبته حتى يلقى الله عزّ وجلّ.

وكيف يفعل والله يضعه أمام هذه المسؤولية بقوله سبحانه:

“وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر”

وهذا يقتضي أيضا خروج النساء والأطفال للمشاركة في كل وسيلة تنتصر للجهاد وأهله.

  1. لماذا يصمت بعض العلماء حين تشتعل الساحات؟ أهو الخوف… أم اختلاف الرؤية؟

     الصمت في مقامٍ يستوجب التعبير وإظهار البيان هو عين الخذلان؛ ولا يفسر الصمت حينها إلا بالخنوع لضغط السلطة التي يعيش الصامتون في ظلها ويأكلون بأفواههم من فتاتها وتلك السلطة اتخذت موقفها من الطوفان برفضه، والتآمر عليه، وربما شاركت بأسلحتها وجنودها مع العدو في محاربته.

ولعل أجبن المواقف الصامتة تلك التي تنطلق من النظرة الضيقة لما يجري في فلسطين؛ على أنه شأنّ خاص بأهلها لا علاقة لأفراد الأمة به.

وما علموا أن التصور الكامل للفكرة التي تحمل الحق وتحيط بأبعادها أجلّ أسباب الثبات على الدين والحق.

ويبقى الخوف على النفس والمكتسبات هو الذي يجعل الإنسان – بصمته- يفرط بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية في نصرة الضعيف إيثارًا للحياة الدنيا!

  1. ماذا عن حاجة العلماء إلى مراجعة فقهية داخلية بعد كل مرحلة كبرى؟ وما هي أعمدة هذه المراجعة؟

     صحيح يحتاج العلماء إلى مراجعة فقهية في أمور مهمة في واقعنا الذي نعيشه؛ مثل مراجعة الخلافات والتأويلات بخصوص الخروج على الحاكم الذي يقف إلى جانب العدو الصهيوني ويدعمه ضد مجاهدي فلسطين وغزة مراجعة فقه التغلب ومراجعة في منفق في سبيل الله لتحصيل الدعم المالي المتعدد الوجوه في خدمة الجهاد.

ولكن علينا أن ننتبه إلى أنّ هذه المراجعات ليست من أجل النقد وحسب؛ بل من أجل زيادة في البيان والاستدلال. وأن يكون غرضها “الدين” وليس محاباة لأحد.

وحتى تستند هذه المراجعات على أرضية صلبة لا بد من فقه الواقع؛ والموازنة بين المصالح والمفاسد وفقه الأولويات أيضًا.

  1. فضيلة د. ساجدة أبو فارس بعد كل هذه التجارب ومعايشة العلماء والقضية، ما هي رسالتكم ووصيتكم للعلماء والعالمات الشباب الذين يقفون على الحياد أو الذين يضّحون ويستعدون لمعركة الأمة القادمة؟

     إلى الذين يقفون على الحياد: لا تكن “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”

وأقول لهم: أنظر إلى من يعادي هذه القضية العظيمة/ فلسطين ما صفاتهم؟

إنهم الظلمة والكذّابون والمفسدون فهل ترضى أن تكون بين أولئك؟ فتخون الدم الزكي في قضية واضحة للعدو فيها إرادة الإبادة والتهجير؟’

أين ذهبت فطرتك التي خلقك الله عليها؟ فإنك إن لم تكن ضد القتل فأنت مع القتل!

هل تعلم أيها الجامد بلا حراك لما يجري أنك أكثر قسوة؛ لأنك تؤيد الظلم ضمنيا وإخوان الدين والإسلام يرون ذلك منك فيشق عليهم؛ لأنهم عرفوا عدوهم واحتسبوا عند الله في مواجهته؛ فكيف يقع عليهم خذلانك لهم؟!

إلى العلماء العاملين: إن استشراف المستقبل لهذا الدين بإحياء الجهاد في النفوس لهو غاية وجودكم على هذه الأرض؛ وإنّ انتظار النصر بلا صبر أضغاث أحلام؛ وإنّ الله قد وهبكم عقولا فاستخدموها بفكر يحرك الناس معكم؛ ولا تبخلوا على أي فئة من الناس أن تتواصلوا معها وتزكوا شأنها بالإقدام والتقديم للدّين.

  1. كيف يمكن أن يتحول غضب الشباب اليوم إلى مشروع استراتيجي لفلسطين؟

     الحرص على العمل الجماعي وخاصة التطوعي؛ ضمن رؤية واضحة وعمل منظّم؛ وتواصل مع منظمات المجتمع المدني والقوى الشعبية الفاعلة؛ وتفعيل الطاقات وتشغيلها وتشكيل المبادرات واستدامة العمل على الإعلام والتكنولوجيا لتوظيفها لصالح الحق والنصرة والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الجماهيرية والتبني الفكري للمقاومة وتحريك الوعي فيه.

ويملك الشباب فوق هذا أن يوظّفوا المنصات الرقمية والورش الإلكترونية لإنتاج مشاريع عملية تخفف من آثار الحرب، وتعزز الصمود الفردي والجماعي لأهلنا في غزة.

  1. هل ترين نصرا من بعيد؟ وهل ترين بين مآذن الأقصى ومن بين ركام غزة نصرا يشرق؟

     أعذب ما يمكن أن تتذوقه روحك ذلك اليقين بالنصر والانفلات من قيود الهزيمة، ولقد رأيت النصر في نظرة فاقد لمعظم أفراد أسرته ولم يفقد ذكره لله والحمد له!

ورأيته في تكبير من رمى العدو من خلف خطوط العدو خالعًا نعليه لكنه يرتدي أرتالا من الإصرار مع كل خطوة!

ورأيته في ملامح الشاحبين من جنرالات العدو وقد سيئت وجوههم من فعل المجاهدين!

ورأيته فيمن خطى بالقرآن من صفوة الأمة نحو الخنادق وفيمن ارتقى به فهما وعملا في مواجهة العوائق.

ورأيته في السّنوار يرمي عصاه حين يُقتل لا يبالي مصرعه! وأراه فيمن أقام الصلاة هناك تحت المآذن مرابطا، وتدًا على أرض إسراء النبي محصنًا بآيات ربه حين يلقى في الساحات أرتال المقتحمين، وأراه فيمن يؤتي زكاة الدين مجاهدا ويذود عن حقه بثباته من غير لين.

يا أيتها المآذن الشامخة في الأقصى؛ قريبا سيعانق أهل غزة الشامخون صبرا واحتسابا في الساحات وتحت المآذن صلاة التحرير وسجود الاقتراب من الأرض بلا دنس ولا تنجيس.

🕯 خاتمة المقابلة:

     تنطفئ نار غزة ويعلو صوت مآذن الأقصى وترتسم ملامح النصر والتمكين، حين يؤمن العلماء بدورهم؛ فيكونوا علماء ربانيين عاملين، وحين تجد الأمة في علمائها طوفانًا جديدًا.

قد يعجبك أيضاً