سيرة، رؤية للطوفان والأقصى
15/9/2025

مقدمة :

السيرة الذاتية والمكانية :
1- إذا أراد علماء وشباب اليوم أن يتعرفوا على عدنان أبو هليل حيث مساقط الذكريات الأولى … فعلينا أن نذهب معك إلى الزمان والمكان والتنشئة وسيرتك الذاتية والمكانية ، وبعض قناعاتك التي تحتكم لها في مواقفك وفهومك للمجريات ؟
- أنا عدنان أبو هليل .
- من مدينة دورا قضاء الخليل بالضفة الغربية ولدت ونشأت وترعرعت فيها حتى نهاية المرحلة الثانوية ثم عدت إليها بعد غربة عشر سنوات ، قبل أن أنتقل إلى قطر للعمل في وزارة التربية والتعليم منذ 1998 .
- درست في المدينة المنورة ثم عملت إمام مسجد وتاجرا ومدرسا ثم موجها تربويا وهو موقعي الحالي ، وقد تخلل هذا أو رافقه العمل الإعلامي ( التلفزيوني ، والكتابي ) وقد كتبت مقالا سياسيا أسبوعيا لسبع عشرة سنة في جريدة الشرق القطرية .
- أما القناعات التي أحتكم إليها في فهمي ومواقفي ولدي حجة لها من نص ووقائع وفهم وبعد أن بلغت ال63 من عمري فيمكن تلخيص أهمها في عشرة هي :
- العقيدة هي أساس للالتزام الفردي ورسالة دعوة ؛ ولكنها ليست أساس المواقف السياسية أو العلاقات بين الدول .
- العبادات نوعان ؛ شعائر كالصلاة والزكاة والحج ( ومعناها وعددها محدود رغم مركزيتها في الإسلام ) ثم عبادات عامة وهي كل النشاط الإنساني إذا انحكم بثلاثة شرائط ( الإسلام ، والنية ، وموافقة الشرع ) أخذا من قوله تعالى ( ومن أراد الآخرة ) أي النية ( وسعى لها سعيها ) أي عمل بما يوافق الشرع ( وهو مؤمن ) أي وهو مسلم من أهل القبلة ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) أي مقبولا تحققت شروطه .
- العلم المجرد والنظري ليس هو معيار الاتصاف بالعلمية ( ولكن معيارها معه أن يفهم المنسوب للعلم واقع الأمة أو المسألة التي يحكم فيها بموضوعية علمية وبحثية عميقة ، وأن يمتلك أدوات ومهارات التنزيل الصحيح للأدلة على الوقائع ، وأن يكون مستقلا عن المؤثرات والضغوط غير الموضوعية .
- المذهبية والطائفية لم تُحَل إشكالاتها لأربعة عشر قرنا من حياة الأمة ؛ فلتكن موضع حوار ولكن موضعا باردا هادئا لا ميدان صراع غرائزي وتثوير طائفي .
- دولنا في ظل الهيمنات الخارجية وافتقاد نظمنا لأدوات التأثير الاستراتيجي ؛ هي أقرب لنموذج ( الحكم الذاتي ) منها لنموذج ( الدول المستقلة ) .
- النصر هو أن لا تعطي عدوك ما يقاتلك عليه .
- الحدود السياسية بين دولنا قسمة ضيزى ومظهر لتفكك الأمة ؛ ولكن يمكن توظيفها في حماية المكونات إذا استعدنا استراتيجية الأمة الواحدة .
- الأمة تجاوزت التحديات الاستراتيجية التاريخية التي كادت أن تعصف بها وتستأصلها ، فهجمة الصهيونازية الحديثة الطارئة ومهما كانت مدعومة من الغرب الصليبي ومنافقي المنطقة لن تهزم الأمة فضلا عن إزالتها .
- يتنافس مشروعنا – نحن أهل السنة والجماعة – مع ثلاثة مشاريع في المنطقة ؛ هي : مشروع الشيعة ، ومشروع المتطرفين السنة ، والمشروع الأمريكصهيونازي ) ، والمشروع الشيعي يشترك معنا بالدين ، وبالعدو المشترك ، وبمنسوب الحذر ، ثم ضعف الخطورة والتهديد ، أما التطرف فهو مجرد عابر ومطية للآخر يحذر ولا يُخاف منه ، وأما أبعد هذه المشاريع والذي يجب أن يظل بعيدا فهو الأمريكصهيونازي لشدة خطورته وشمولية غاياته وكثرة إمكاناته ورواج تسويقاته .
- كثير من الصراعات التي تخوضها الأمة اليوم هي صراعات صارفة عن المصالح العليا للأمة ومشوِّهة لثقافتها .
2- هل من حدث أثّر في مسار حياتكم وفتح عيونكم على قضية فلسطين ثم جعلها في صلب مشروعكم ؟
- ليس هناك حدث بذاته أثّر في مسار حياتي بهذا الاتجاه ؛ ولكنها البيئة الثقافية التي تربيت فيها وعشت في كنفها ؛ ففي بيتنا كان والدي كان رئيس بلدية ما يجعله في صلب الشأن العام ، وكان وكثيرا ما يتناول في مجالس أسرتنا التحديات والمعالجات التي يواجهها في ذلك ، وكان والدي ذات فترة من حياته في محاضن ( الإخوان المسلمون ) فصار هذا الاسم يتردد أحيانا في بيتنا ، وكان يحفظ القرآن الكريم وكانت لديه مكتبة بسيطة لكنه كان مهتما بالإضافة لها القراءة لفيها ؛ ما جعل اتجاه بيتنا وثقافته دينية ووطنية جيدة .. ذلك فضلا عن تحديات كوني فلسطينيا ، له قضية ظلت دائما مركز أحداث المنطقة وعلاقاتها ..
- كل هذا وجهني للاهتمام بالشأن العام ، وسحبني إلى التدين ، وصولا لدراسة الشريعة والثقافة الإسلامية في المدرسة الشرعية بالخليل ، ثم التخصص في الدراسة الجامعية فصقلت ثقافتي بالشأن الإسلامي والشأن العام .
3- هل ترون أن الأمة مقصّرة في معرفة علمائها المجاهدين ؟ من المسؤول ؟
- تقصير الأمة في حق علمائها العاملين المجاهدين حقيقة ماثلة وواقع أليم ، والرأي العام يكاد لا يعرف هؤلاء العلماء ؟ تقصيرا من الرأي العام نعم ! ولكن ثمة سياسة رسمية وعامة في معظم نظمنا لإعجاز العلماء العاملين المجاهدين عن التأثير ، وذلك بإبعادهم عن الوظائف العامة ، وعن الترميز ، وبطمسهم والتعمية عليهم ، وبتخويفهم وإيذائهم وعزلهم ، وبالتحريض عليهم ، وفي بعض الحالات الأقرب للاستثنائية باعتقالهم وإشاعة قلة السوء عليهم وأحيانا بقتلهم وإعدامهم بمحاكمات شكلية .. وما شابه .
- نتيجة ذلك أن العلماء انعزلوا وعُزلوا عن الرأي العام ، فنقص وعيهم التشاركي تجاه سياسات الدول ومقايساتها والحكم الكلي على مواقفها ، وتجاه استراتيجيات المواجهة وكيفياتها وانحرافاتها ورخصها وأولوياتها ؛ ثم صاروا يا وحدهم ! وخسرت الأمة صوتهم المخلص وميزان علمهم ووعيهم إلى حد بعيد بقدر ما صاروا غرباء على الزمان والمكان والأحداث ، وصاروا إن تكلموا فكأنهم يغردون في غابات معزولة !
- فإن تساءلنا عن أسباب هذا الاتجاه الرسمي – الغالب – الذي أضعف دور العلماء وعزلهم ففي الأعم الأغلب يمكن جمعها في ثلاثة أسباب يتعلق كل منها بجهة مؤثرة ومتأثرة في المشكلة :
- أحدها : هو النظم ذاتها ؛ لكونها تقوم على العلمانية الخصيمة للدين والتدين وغير المحايدة في التعامل معه ، ولأنها تتقارب وتتقاطع مع ثقافات الأجنبي المهيمن على المنطقة ويستوفي مصالحه الاستعمارية منها ؛ ذلك جعل النظم في مواجهة شبه دائمة مع معطيات الإسلام والثقافة الإسلامية ورموزها ، تحاول إضعاف وعي الأمة بهذا المكون ، وصنع حالة من التوتر والاستفزاز واستخدام كل فريق في الجهتين إمكاناته المتوفرة لنقد وإضعاف الآخر بعيدا عن النسبيات ومقايسات المصالح العامة .
- ثانيها : هو العلماء أنفسهم فمنهم من يعتريهم الضعف والخوف والتنافس ( وو ) فيخضعون لعوامل الاحتواء الرسمي وينخرطون في المنظومة الثقافية للنظم الرسمية ، ثم ينهجون تصيد الأدلة لتسكيت ضمائرهم الدينية والأخلاقية ، ولتطفو على سطح تأثيرهم ثقافة النفاق والتحريف والتزييف ووو ؛ ومن العلماء من قدموا الحزبية والانتماء الجهوي على هوية العلم ورأى الرأي العام فيهم ذلك فصاروا يعبرون عن ذاتهم ومصالحهم وكولساتهم على حساب هوية العلم والدين فضعف أثرهم وزادت فُرقتهم وتبددت قدويتهم وأفرغ واحترامهم .
- ثالث أسباب المشكلة يتعلق بالرأي العام ، وهو نتيجة من ناحية وسبب من ناحية أخرى ؛ أما أنه نتيجة ؛ فلموقف النظم وانفكاك وجاهة العلماء ذلك تحصل منه ابتعاد الرأي العام عن العلماء وتجاهلهم ، وأما أنه سبب فلأن ذلك يزيد من جسارة النظم على العلماء والمزيد من مصادرة مواقفهم والاستفراد بهم .
- ولا شك أن هذه الحالة التي يعيشها علماء الأمة تضع الأمة في مدى أسئلة حقيقية عن دينها ووعيها وقدرتها على التزام بوصلة توجهات صحيحة ؛ ومدى أسئلة حول وطنية ووعي وقوة نظمها واستقلالاتها ، وعن قدرة العلماء على فهم الواقع وتقديم نصائح وحلول تصحح مساراتها !
4- هل زرتم فلسطين ؟ وما الذكريات القديمة والقادمة العالقة في وجدانكم ؟
- نعم زرت فلسطين بل كنت من سكانها طفولة وشبابا ثم رجعت إليها خمس سنين بعد عودتي من الغربة الأولى ، وأما الذكريات ؛ فأتذكر ناسها ومؤسساتها بل وشوارعها وحجارتها وترابها ، وأشتاق لهوائها وشمسها وبردها ودفئها وريحها وسكونها ؛ وأكثر ما يخطر لي في هذه اللحظة حوار دار بيني وبين محقق عسكري من العدو حيث كنت معتقلا أول عودتي لفلسطين ، وأجري معي تحقيق ل36 يوما .. أما الحوار فكان كالتالي :
- المحقق : أنتم في حماس ؛ لماذا لا تقبلون السلام معنا ؟
- قلت : صحّح سؤالك لأجيبك عليه !
- المحقق : أقصد أنتم العلماء !
- قلت : الآن صار سؤالك صحيحا ؛ ثم قصصت عليه قصة البقرة التي طلب النبي موسى عليه السلام من قومه أن يذبحوها استجابة لأمر الله تعالى وحلا لمشكلة القتيل ولخصت له تلك القصة !
- ثم قلت له : أتعرف كيف كانت استجابة آبائك وأجدادك الذين هم سلف اليهود – والذين وُصفوا – بأنهم الأحسنُفي زمانهم ؟
- المحقق : كيف ؟
- قلت : أرأيت لو ذبحوا أي بقرة هل سيكونون أتموا ما طلب منهم ؟
- المحقق : نعم ؛ سيكونون أتموا واستجابوا .
- قلت : ولكن أجدادك لم يفعلوا بل راحوا يسألون عن لون البقرة ! وعن عمرها ! وعما إن كانت اشتغلت في الحرث والزرع والسقي ! فاقتضى ذلك من موسى عليه السلام وهو الذي لم يخطر له أنهم سيسألون عن ذلك .. اقتضى منه أن يسأل جبريل عن ذلك ! وأن يسأل جبريل عليه السلام رب العزة ليجيبهم عن كل أسئلتهم ! ثم ذبحوها مترددين متمردين ! وما كادوا يفعلون !
- المحقق : ماذا تقصد بهذه القصة ؟
- قلت : إذا كان سلفكم وهم أحسنُكم هكذا تعنتوا في الاستجابة ، وهكذا كلفوا جبريل أن يروح للسماء ويعود للأرض كل هذه المرات ، في حال أن طالب البقرة هو الله تعالى الذي يؤمنون به ربا ويعبدونه إلها ، وكان وسيط الطلب هو النبي موسى عليه والسلام الذي يؤمنون بنبوته ، وكان القصد من كل ذلك حلَّ مشكلة وتحقيقَ مصلحة تعود عليهم ! وكان والمكلفون بالطلب أكثر ناسكم إيمانا واستقامة .. ثم فعلتم كل هذا العنت والجدل والتمرد ؛ فكيف نثق أنكم ستعطوننا فلسطين لمجرد أننا نطلبها منكم أو نفاوضكم عليها ؟ وهي فلسطين الخضراء الجميلة ! وكيف تعطوننا ما نطلب ولسنا ربكم الذي تؤمنون به ؟ وكيف نصدق أنكم ستعطوننا شيئا والوسيط بيننا هي أمريكا حليفتكم ؟ وكيف إذا كان القصد هو تحقيق مصلحتنا لا مصلحتكم ؟
- المحقق : أرخى ظهره لكرسيه ؛ وابتسم ؛ ثم قال (( صحيح ؛ وحياة ديني إحنا هيك )) !
5- القدس… صف علاقتك بها كعالم فلسطيني ، خاطبها كأنها ماثلة أمامك ، قدم لها عذرك وقهرك ؟
- إن تهويد القدس وهدم الأقصى وبناء الهيكل استراتيجية بدأت تدخل المرحلة النهائية فبعد كل الممارسات الاحتلالية والتهويدية قد تغير الكثير من معالم المدينة ، وها هم أعضاء الكنيست ( البرلمان الصهيونازي ) وها هم المستوطنون والأحبار صاروا يدخلون على غير ما كان من قبل إلى باحات المسجد الأقصى ؛ ليؤدوا طقوسهم التوراتية والتلمودية وينظموا انتهاكها لطلاب المدارس والجامعات شبه أسبوعيا !
- قبل فترة زعم اليهود وجود آثار لهم فيها خلافا لكل البحوث العلمية والحفريات التي بدأت منذ ال67 .. وها هم يستولون على بيوت المقدسيين ويهدمون أحياء كاملة في القدس ويمنعون البناء ويقيمون بدلها أحياء يهودية .. أما عن إهانة رفات وقبور شهداء الصحابة وعن الضرائب الباهظة على الناس وعن تردي خدمات الصحة والتعليم والأمن والبنية التحتية وسحب هويات المقدسيين إلى آخر هذه السلسلة غير المتناهية من الاعتداءات اليومية بل اللحظية ذات البعد الاستراتيجي فحدث ولا حرج !
- وأخاطب القدس فأقول :
- يا قدس ؛ إن رأيتِ طائفة من علمائنا وبعض شعوبنا لاهثين وراء تسوية كاسدة بليدة ! أو رأيت دولنا لا تتحرك في المجامع الدولية نصرة لك ولشعبك ولما تبقى من قضيتك في الحد الأدنى والممكن والمتاح ، ورأيتِها لا تُفعّل في نصرتك أدواتِها الرسميةَ والديبلوماسية والنخبوية والمؤسسية والثقافية والأهلية ؛ أو رأيتِ في الأمة من عقدوا المؤتمرات وأسموا لأنفسهم لجانا وهيئات بلا فعل ماض ولا آت ؛ أو سمعتِهم يرددون شعارات ” يا جبل ما يهزك ” و” اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة ” و ” على القدس رايحين شهداء بالملايين ؟ دون أن يكون لها مضمون واقعي ، أو رأيت في الأمة من يُعيّر الشعب الفلسطيني بأنهم شتات الرومان ليروجوا أن الصهاينة المحتلين أحق بك وأهلُك ؛ فإننا نأسف أن يصلك كل ذلك ! واعلمي أنك في قلوب أحرار الأمة وعلمائها الحقيقيين ، وأن لك رصيدا من الاحترام والوفاء والولاء لا ينافسه أو يقارنه إلا حرما مكة والمدينة ، وأننا نرى وبالوقائع والتحولات أنك سيصير لك شأن كبير وقريبا إن شاء الله !
- اعلمي يا قدس ؛ أن المقصرين فينا بتقصيرهم إنما يقللون شأن أنفسهم واستقلالاتهم وشرعياتهم ، وأنهم بذلك يحرّضون شعوبهم على انتزاع لبوس الشرعية عنهم ! اصبري فقد رأيتِ كيف تحررتِ من الصليبيين ، وكيف أُخرجوا منك أذلة يجرجرون أذيال الخيبة ! ثم ها هو الطوفان قد قرّب البعيد ، وأعاد الاهتمام بك بعد أن كاد الناس – حتى المخلصين منهم – ينسوك .
- ما بعد الطوفان – يا قدس – غيرُ ما قبله ؛ ولقد رأى الناس بعيون رؤوسهم ومنافذ قلوبهم حقيقة المحتل وخدع دعاوى السلام ، ورأوا نذالة معاونيه والمسوّقين له من أبناء جلدتنا ، ورأوا خذلانَهم أمتَهم بتطبيعهم الولائي لعلاقاتهم وتعاوناتهم مع هذا العدو الكافر .
- يا قدس لقد سمعنا حججهم الباردة البليدة التي لا تنطلي علينا بل لا تنطلي على طفل يحبو ؛ وإن أعداءك وأذيالهم من المتصهينين مهما تظاهروا بالقوة والكثرة فإنما هم شرذمة قليلون ؛ وإنما يُكثرهم الإعلام المشبوه المنتشر بما له من سطوة السلطة والرسمية ! ولكن ذلك لن يحجب حقيقة أن في الأمة بقية خير ! وأن فيها من سددوا فسدوا ، ومن قاربوا فاقتربوا ، ومن كاسروا العدو فكسروه ، وغيروا وجه تاريخ القضية !
أسئلة تحت الرماد
6- طوفان الأقصى… هل كان قرارًا شرعيًا أم خطوة عسكرية متهورة كما يقول البعض؟ بصيغة أخرى ( هل أخطأت المقاومة في إطلاق 7 أكتوبر ؟ وما هو التكييف والواجب الشرعي المفروض أصلا ) ؟
- طائفة من المنسوبين للعلم الشرعي يدفعون دعوى شرعية الطوفان بعدم اكتمال الشروط ، ثم ذكروا شرطي ( إذن ولي الأمر ، واكتمال الإعداد ) ورتبوا على ذلك الحكم بأن قرار إطلاق الطوفان هو قرار غير شرعي بالتعبير الديني وخطوة متهورة بالتعبير السياسي ..
- هنا نقول :
- أولا : هذا رأي طائفة منسوبة للعلم الشرعي وهي تمثل فئة بعينها صارت معالم وصفها واتجاهاتها واضحة وجلية هي طائفة ( المداخلة والجامية ) وهؤلاء يدورون في فتاواهم عموما حول تقديس الحكام وتحريم مخالفتهم أو الاعتراض عليهم ؛ وعلى ذات النسق نسألهم (( إذا كان في كل بلد ولي أمر يأخذ أحكام ولي الأمر الشرعي الكامل سواء جاء بالانتخاب أو بالتغلب أو بالوراثة أو بالدعوم الخارجية – حسب فهمكم – فإن ولي الأمر في غزة ؛ هو ولي أمر صحيح حتى بميزان حكمكم ذاته ؛ بل هو أكثر شرعية من كل ولاة الأمر التي تواليها هذه الطائفة ؛ فمن فولي أمر غزة اكتسبوا شرعيتهم بالانتخاب من جهة ، وبقوة التغلب من جهة ثانية ، ثم بقوة شرعية الإنجاز والقيام بواجب الجهاد سدادا عن الأمة )) ، وعليه فالجهة التي اتخذت القرار وأطلقت الطوفان ؛ هي جهة ولي الأمر الشرعي المفوّض والمعنيّ والمخول به ، مثلهم في ذلك مثل أي نظام في أي بلد من بلدان الأمة يملك قرارات بلده السيادية ولديه تفويض إدارة السلم والحرب فيها !
- وإذا كان مدار الحديث هنا هو الموضوعية العلمية وتحكيم الموازين المنضبطة فلا يقبل قول البعض إن ( محمود رضى عباس ) هو ولي الأمر الشرعي ؛ فالحقيقة أنه في رئاسة السلطة بالانقلاب على انتخابات 2006 ، وهو لا يزال يرفض إجراء انتخابات تُحدّث الشرعيات الفلسطينية منذ انتهاء ولايته في 2009 ، وحتى باعتماد شرعية التغلّب التي تكافح بها طائفة المداخلة والجامية عادة ؛ فمحمود عباس مغلوب وليس غالبا فضلا عن مفسدة بل مهلكة علاقاته ومشروعه بالحفاظ على الكيان وتجريف الحالة الوطنية .
- ولا وجاهة للطعن في شرعية ولاية المقاومة بصغر مساحة غزة أو بقلة عدد سكانها ؛ فدولة المدينة المنورة كانت أصغر منها ولم يقترن حقها بحكم أو بمساحة وعدد سكان ؛ ثم إن هذه المسألة تتبع إقرار أحكام ولي الأمر لكل حاكم داخل حدود بلده في بلادنا التي وزعت في 57 دولة ، فضلا عن إن هذا الاعتراض لا يقر به من يطرحون هذا الاستشكال في أي دولة أخرى سوى غزة التي تملك أدوات سيادة لا تملكها دول أخرى لا خلاف على شرعية واستقلال ولاية أمرها لدى تلك الطائفة .
- ثانيا : وأما الكلام على شرعية القدرة فيجاب عليه بأن من قرروا إطلاق الطوفان قد امتلكوا القدرة على إطلاقه ، وامتلكوا الصواب في اتجاهه واستثماره وطنيا ؛ وكل ذلك مقرر في نص وتأويل قول الله تعالى ( وأعدوا ) أي أيها المسلمون ، ( لهم ) أي لمواجهة الكافرين ، ( ما استطعتم من قوة ) قدر ما تستطيعون .
- وبالنظر لفتك من أطلقوا الطوفان بالعدو أول الأمر ثم استمرارهم في المواجهة لسنتين حتى الآن دون أن يتمكن العدو من هزيمتهم ؛ وهو الذي جهزه أعداء الأمة بكل أنواع ومستويات الأسلحة ليهزم كل الدول العربية في آن معا ، بل قد سبق أن هزم كل المنظومة العربية عندما كانت قوته عشر معشار قوته الحالية ؛ واستولى منها الدول العربية في سنة 1967 من القرن الماضي على أكثر من 67 ألف كم2 في ستة أيام فأي قدرة أكثر من ذلك تشترط لشرعية الإطلاق .
- إن اشتراط امتلاك قوة مكافئة لقوة العدو الغازي هو تعطيل للجهاد قولا واحدا ، فكل غاز أجنبي وكل عدو محتل هو بالقطع والتأكيد أقوى من الجهة التي يعتدي عليها ، ولك أن تتخيل لو عمم على الزمان والمكان ، هل سيبقى للأمة دولة حرة أو شعب حر وكل قوى الكفر أقوى من دولنا ونظمنا وشعوبنا في ظل التفكك وانمحاء معنى الأمة في هذا الزمان تحديدا ! فإن قيل ولكن الخسائر كثيرة وإن الجهة الفاعلة في مواجهة العدو لم تستطع حماية جمهورها وحاضنتها ؛ فهذا مردود بأن الجهاد في فلسطين هو مدافعة للمحتل الغازي وعليه فهو جهاد دفع لا يشترط فيه إذن الإمام ولا أن تكون قوة الدفع مكافئة لقوة العدو ؛ وفيه يقول الله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) البقرة 194 ، وفي المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول صلى الله عليه وسلم ” من قتل دون مظلمته فهو شهيد ” وورد عن ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى قوله ” فأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا ” حتى يقول ” فلا يشترط إذن الإمام بل يدفع بحسب الإمكان ” مجموع الفتاوى 28 / 358 .
- وبالنظر لكل ثورات التحرر عبر التاريخ فإن الشعوب – الإسلامية منها وغير الإسلامية ، والعربية وغير العربية – تجتهد على التحرر ولو خسرت الكثير ؛ فعلى سبيل المثال ؛ خسر اليابانيون في معركة طوكيو وحدها ( 400 ) ألفا ، وخسر الفيتناميون 3 – 5 مليونا ، وكانت طائرات البي 52 الأمريكية تلقي في الطلعة الواحدة 40 طنا من المتفجرات لمدة عشر سنوات ولكنهم انتصروا .. وفي أمتنا من المسلمين نتذكر ثورات الجزائر والأفغان والصومال وو ونتذكر فتاوى علماء السلفية بوجوب قتال ودعم قتال النظام الأفغاني الموالي للروس ولم يشترطوا قوة مكافئة ولا مقاربة .
7- إذا كانت المقاومة عملت ما عليها وزيادة ، ـ بصراحة ـ هل نتيجة المعركة تتحمله الأمة بالتقصير والإثم والخذلان؟
- بالتأكيد نعم ؛ فالأمة عليها واجب النصرة ولو نهضت لذلك لما تمادى العدو كل هذا التمادي ، والأمة تستطيع الكثير لو أرادت ذلك ، وحتى لو تجاوزنا المواجهة العسكرية مع الاحتلال – رغم أن ذلك غير مقبول بأي اعتبار – فإن الأمة قادرة على الكثير لو أرادت .. على الصعد الديبلوماسية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية .. ولكنا فوجئنا بأن الدول الأجنبية تقوم بالكثير في حين استخذت دولنا ..
- أليس عجيبا ومعيبا أن من دولنا من تدعم العدو وهو يبيد غزة ، بالدعم الديبلوماسي والأمني والاقتصادي تحت مظلة المصالح الاستراتيجية ! وأن تتبرع بعض دولنا بصد هجمات إيران واليمن الصاروخية ، وأن تسمح باستخدام مجالها الجوي في ذلك ، وأن تمرر معلومات استخبارية ضد أعداء الكيان ! أليس عجيبا ومعيبا أن الدول المطبعة لا تزال تقيم التطبيع الولائي الكامل مع الكيان ولم تغلق سفاراته في حين أن دولا أجنبية أغلقتها أو قلصت تمثيلها الديبلوماسي مثل ( بوليفيا ونيكاراغوا وكولومبيا وتشيلي وجنوب إفريقيا !! ) .
- أليس عارا على نظمنا أن الدولة الوحيدة التي ترفع الشكوى لمحكمة العدل الدولية على العدو وجرائمه هي دولة جنوب إفريقيا غير العربية وغير الإسلامية ، وأن لا ينضم لها مجرد انضمام إي من دولنا أو نظمنا ؛ اللهم إلا طلبات انضمام تقدمت بها مصر وتركيا وفلسطين لا سواها .. فأين بقية دول الأمة ؟! أين ال54 دولة الأخريات ؟!
- أما إن سألت عن الشعوب ؛ فاسأل أولا عن النخب السياسية والثقافية والأحزاب السياسية ، وحتى عن الحركات الإسلامية الدعوية وعن الرموز العشائرية ؛ فستجدهم بين غافل ومتغافل ومتذرع أو متأول أو معارض بشبهة اصطنعها لتسكيت ضميره أو مخادعة أتباعه ومن يحسنون به الظن ..
- فإن تساءلنا عن طائفة من منسوبي العلم الشرعي الذين يتحدثون عن كل مشاكل المسلمين في جهات الدنيا الأربع ، فسنجدهم قد اتخذوا موقفا أوليات بإدانة إطلاق الطوفان ، وقاموا يرتبون على ذلك عدم استحقاق أهل فلسطين النصرة ؛ فهذا مردود عليهم بأصل في دين الإسلام هو أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعدا ، وأن المؤمنين إخوة ، وأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ، والله تعالى يقول ( وإن استنصروكم في الدين فعلكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) الأنفال 72 ؛ فهو أصل إذن أن المسلم إذا اعتدي عليه أو استُضعف فإن له الحق أن يستنصر إخوانه وعلى الأمة واجب النصر ، ولا تُعلَّق نصرةُ المسلم المظلوم على صحة اجتهاده أو خطئه في القتال ، لأن النصرة هذه تتعلق برد العدوان وليس بتقييم القرار السياسي .
- وعلى من يجادلون في ذلك أن لا ينسوا أن قرار إطلاق الطوفان هو قرار داخل إطار ( جهاد الدفع ) وليس الطلب ؛ وأن العدوان والاحتلال الصهيونازي قائم قبل الطوفان وبعده وفوقه وتحته ! ومما جاء في ( جهاد الدفع ) عن ابن تيمية رحمه الله قوله في المجموع 540 / 28 : ” والمسلمون إذا اعتدى عليهم عدو وجب على الجميع دفعه والواجب في دفع الصائل أن يدفع بقدر الإمكان وإن كان فيهم فاسق أو ظالم فإنه يقاتَل معه الكفار لدفع شرهم وعدوانهم ولا يشترط في ذلك عدالة الإمام ولا غيره ” ، وقال النووي في شرح مسلم – كتاب اليقين ” أجمع العلماء على أنه إذا نزل الكفار بساحة بلد تعين على أهله قتالهم .. ” لاحظ أنه وابن تيمية لم يقيد النصرة بصوابية الاجتهاد .
- ولا شك أن الطوفان قد كشف عوار هذه الأمة في هذه الفترة من عمرها تجاه نقصين أو انحرافين على الأمة أن تعالجهما قبل أن يفتكا بالكثير من إنجازاتها التاريخية ، فما يترتب عليهما يتجاوز إلى مستقبل هذه الأمة وتهديد الكثير من معاني استقرارها واستقلالها ووجودها ذاته .. وإليك التوضيح :
- كانت الأمة عبر تاريخها تعتصم بحبلين من أسباب القوة ، حبل الله تعالى وقوته وقدره المستنزل بالتزام دينه وتجسيد رسالة النبوة ، ثم حبل الناس من اجتماعهم في أمة واحدة بسلمها وحربها واستغنائها وقرارها ..
- ولكن هذا كله قد تغير بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وما نتج عن اتفاقية ( سايكس بيكو ) التي قسمت الأمة في 57 دولة ب57 علم و57 ولي أمر و57 ولاء وبراء و57 جيش ، ثم دُحر الإسلام كمكون أساس للثقافة والاتجاه والغاية ، وصار أعداء الأمة يتحكمون في مقدراتها واتجاهاتها ، ثم قامت في الأمة نظم في معظمها لا تشكل أكثر من نماذج للحكم الذاتي ؛ بل الذاتي المنقوص ، ولا تملك قرار سلم ولا قرار حرب ، وتعادي في الغالب كل اتجاه للتصحيح أو التغيير ، وتجرف القيم الوطنية والثورية والدينية .. ما جعل الأمة مستباحة .
- وإن على الأمة أن تبادر لعلاج نقصها وانحرافها وانفكاكها قبل أن يكون ذلك مغريا لأعداء الأمة بالمزيد من انتهاكها والاستيلاء على مقدراتها ؛ وإنما أخشى أن تتحول حالة الخذلان هذه إلى خذلان متكرر وخذلان متبادل وإلى شماتة داخلية بين دول وشعوب الأمة .. وقد سمعنا مبعوث أمريكا للبنان ( توم برّاك ) وهو يعتبر الحدود بين الدول لا تعني شيئا أمام ” حق ( إسرائيل ) في حماية مواطنيها وحدودها ” .
8- الكثيرون يسعون لتثبيت المقاومة والبعض يعمل ولو بغير قصد على التثبيط ، ما هي رسالتك للفريقين ( أثناء ) استمرار الحرب والبطولات والإبادة وكذلك ( بعد ) انتهاء الحرب ؟
- أما تثبيت المقاومة ؛ فهو الموقف الشرعي والصحيح دينا وخلقيا ، فالمعركة مستمرة ولا شك أن ارتفاع المعنويات هو أحد لوازم الصمود ؛ فالمقاتل في الميدان بحاجة لمن يثبته لا من يلومه ويخوفه ؛ أرأيت قول الله تعالى ( وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم ) لاحظ قوله ( ولتطمئن به قلوبكم ) فالمسألة إذن ليست مجرد مواساة عاطفية لأن الله تعالى أنزل الملائكة حال المعركة لا بعدها ؛ تأكيدا لدورهم في تثبيت القلوب وصولا للنصر ، وتأكيدا لهذا المعنى فقد أتبع سبحانه الحديث عن تثبيت القلوب بالحديث عن النصر في قوله تعالى ( وما النصر إلا من عند الله ) فاطمئنان القلوب طريق للنصر وهو المطلوب من كل مخلص اليوم ؛ فضلا عن أن الحرب هناك لا تزال قائمة وتدور ولم تظهر كل نتائجها لتكون جزءا من الحكم على الصواب أو الخطأ ؛ ومن هنا فالصواب هو ما يقوم به المخلصون من تثبيت المقاومة .
- أما الذين يثبطون وإن كان فيهم مخلصون – وأنا شخصيا – أعرف بعضهم وأثق بصلاح قلوبهم ؛ إلا أن ما يقومون به من تثبيط المجاهدين هو كبيرة من الكبائر وسلوك في مسارب المنافقين من حيث لا يدرون أو لا يدرون ، ومن يريدون أو لا يريدون .
- هنا أُذكر بآيتين لكل من يتفاعل مع أحداث غزة ليأخذ كل منا منهما ما يشاء من الموقف قياسا على مضمون قصة الآيتين .. والآيتان متعلقتان بيوم الأحزاب الذين أحاطوا بالمدينة المنورة ليسحقوا الإسلام فيها ؛ حتى بلغت القلوب الحناجر .. اسمع الآتين :
- الآية الأولى ؛ تصور موقف فئة المؤمنين الصادقين فتقول : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) الأحزاب 22 ؛ فالآية تقول إن المؤمنين لما رأوا الأحزاب تذكروا وعدا كان قد سبق التنزيل به هو مواجهة الأعداء ومقارعتهم انتهاء بالنصر ؛ فلما رأى المؤمنون الأحزاب والأعداء ورأوا البلاء عرفوا أن هذا مقدمة ضرورية للنصر ، فاستبشروا بأن الأمور تسير وفق وعد الله تعالى ؛ تخيل معي ما سيقوله هؤلاء الواثقون من موعود الله تعالى من التثبيت والحفاظ على معنويات الأمة حال القتال !
- أما الآية الثانية ؛ فتصور موقف المنافقين وانعكاس هجوم الأحزاب على المدينة في نفوسهم ذلك اليوم ؛ جاء فيها قوله تعالى ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) الأحزاب 12 ؛ فالمنافقون تذكروا وعدا آخر هو الوعد بالنصر وبكنوز كسرى وقيصر وقصورهما ؛ لأن هذا ما يحدثون أنفسهم به وما يدورون حوله وتقف عنده مخيلتهم ؛ ليس حماية الدين ولا مجالدة الأعداء ولا الاشتراك في البذل وتحقيق النصر ؛ ولكنه انتظر المكسب البارد البليد والتمتع والشهوات .. فلما رأوا الأحزاب جاءهم الخوف ففقدوا صوابهم وميزانهم فظنوا وعد الله ورسوله مجرد غرور وكذب .. ولك أن تتخيل ما سيقوله هؤلاء المهزومون وما سيشيعونه في الصف بعد أن يقع في قلوبهم كل هذا الخوف والتكذيب من تثبيط وتخذيل .
- وأقول للفريقين أخيرا ..
- انظروا المشهد كله فكل خسارة لدينا ونحزن ونغضب لأجلها يوجد مثلها بل أضعافها لدى العدو ؛ فمن يريد الحقيقة فلينظر في الجهتين وليتذكر أن المعالي لا تغتنم بالتمنيات ، والاستقلالات الحقيقية لا تشترى بباخس الثمن ، وإنما نحن والعدو كما قال الله تعالى ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ) النساء 104 .
- ولا شك أن في كل حدث وتجربة عبرة مستقاة ، ولكن العبرة بالكل لا بالجزء لأن الجزء يعبر عن بعض الحقيقة التي قد يعاكسها بعض آخر ؛ أرأيتم كلمة التوحيد ؛ ( لا إله ؛ إلا الله ) إنها من شقين ؛ فلو أخذنا الأول منهما دون الثاني فإنما هو عين الإلحاد .
- وأقول لهم احذروا الخدع النفسية التي يروجها العدو لهدم الجدار النفسي للمجاهدين ؛ فهو لا يقتل المدنيين لأن بينهم مجاهدون – كما يقول – ولا يهدم المستشفيات والمساجد وو لذلك ؛ ولكن ليهدم قدرة المقاومة على الصمود والاستمرار وليشكل رأيا عاما نابذا للمقاومة تحت طائل أنها تجلب الدمار ، وإن العدو ليخطط أن يبني خوفا منه يرمم ردعه المتهرئ ويصنع حسابات الخسارة عندنا جزءا هاما من استراتيجيته الأمنية للمرحلة القادمة ! فلا يكونن أحد عنصرا بغفلة وتسرع أو بحرص وإخلاص في غير موضعه أو وقته جزءا من المعادلة الاحتلالية الصهيونازية.
9- في دوركم الشرعي ـ ما هي أهم الفتاوي التي يحرص عدنان أبو هليل أن تصل للعلماء وللأمة كي تؤدي دورا ( عمليا ) حقيقيا في هذه المرحلة ؟
- من أهم ما أوصي به نفسي وإخواني العلماء أن لا يكتفوا بإلقاء خطبة أو قول كلمة ؛ ولكن أن ينطلقوا إلى فضاء التأثير العملي ، وحتى يصلوا لذلك ؛ أن يكون وجاهات في مرابعهم ، وأن يتفاعلوا مع الرأي العام في كل القضايا حتى لا يكون وجودهم أحيانيا أو يصنف اتجاها جزئيا ، وأن يخرجوا من عباءات الجهوية والحزبية قدر الإمكان ، وأن يحرصوا على التجرد للحكم الشرعي المنزل صحيحا من الدليل على الوقائع بعيدا عن حزازات الأقران ، وهن مجاملات وتوافقات العقل الجمعي .
- كما أوصيهم بأن يستثمروا الحال القائم في هذه الفترة ( في فلسطين وانعكاساته على الرأي العام ) ليوطدوا فكرة الإسلامية والحل الإسلامي ، وليرسموا سلم أولويات مستقل عن إرادات العدو والمستجيبين له ، وأن يبحثوا عن التوافقات بين المسلمين في أوسع المساحات المشتركة بعيدا عن التثويرات العرقية والجهوية والطائفية ، وأن يطلقوا مؤسسات تعمل على المدى القادم لمحاصرة المد الصهيونازي الذي يتوقع أن ينطلق وينداح في المنطقة ، مؤسسات حقوقية وإعلامية توعوية .
- وأوصي علماءنا الأجلاء أن يطرحوا القضايا الحساسة في مجامعهم ونواديهم ولجانهم دون خوف أو وجل فالله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه ، وكل ذلك مع مراعاة أن لا يستفزوا الموانع والحوائل أو يستثيروا ضغائن وذرائع منعهم ، ومن القضايا التي أرشح الاهتمام بها والفتوى فيها ( فضح وتفكيك المنظومة الثقافية لتلك الطائفة القليلة عددهم المستشري ظلمهم الذين أسميهم ” دروز أهل السنة ” الذين يدّعون التوحيد فيما يقدسون الحاكم ويرفعون طاعته والرجاء منه وخوفه على طاعة الله تعالى ورجائه وخوفه ؛ على غرار ما فعل دروز الباطنية الذين ألّهوه ، وأوصي بالحذر من فتنة أقطع بأنهم سيسوقونها في ظل هجمة التطبيع الولائي القادمة ، وهي فتنة التثويرات الطائفية بين السنة والشيعة ، وأنصح هنا تحديدا بتغيير منطق التعامل مع هذه الفتنة عبر نقلها من الصراع إلى الحوار الهادئ ومن البحث عن التناقضات إلى إحياء المشتركات ، وأنصح بالحكم صراحة على تحريم وتجريم التطبيع الولائي الذي يفتت الأمة ويبعثر ولاءها ويشجع العدو على المزيد من التوغل في دمائها ، وبناء هذا التحريم والتجريم على الفارق بين معنى التطبيع الولائي ومضمونه وبين التصالح الذي يجمد الصراع – رغم أن هذا أيضا غير جائز لمافيه من التخلي عن المستضعفين ويثبت معنى القسمة الضيزى في الحدود ، كما أنصح بتسمية ( اتفاقيات أبرام ) وكشف غاياتها ومدياتها .. ) .
10- عدنان أبو هليل بعد كل هذه التجارب ومعايشة العلماء والقضية ، ما هي رسالتكم ووصيتكم للعلماء الشباب الذين يقفون على الحياد أو الذين يضّحون ويستعدون لمعركة الأمة القادمة ؟
- معركة الأمة هي ماضية وواقعة وقادمة وهي حال دائم ؛ فأمتنا منذ وجدت بل وقبل ذلك النبوات السابقة كلها كان لها خصوم وأعداء ، ذلك أن الباطل لا ينتظر أن يستفزه الحق ؛ فهو يؤمن بأن وجود الحق – مجرد وجوده – هو تهديد لكيانه ومصالحه ، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كم كان مسالما متسامحا خيّرا ، وكان الكفار أهله وهو ابنهم وأخوهم وصهرهم .. ومع ذلك عاندوه ومنعوه وحاصروه وقتلوا أصحابه ، حتى إذا هجرهم وابتعد عنهم قاموا يتآمرون عليه ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، وصولا لشن الحروب وتحريض اليهود والمنافقين عليه ، وهو ما جاءهم إلا بالهدى والرحمة ..
- وأنوه هنا ونحن نتحدث عن الصراع بين الحق والباطل لتصويب مفهوم ساد عندنا وراج بيننا وحتى على ألسن مثقفينا ذلك قولهم ( فلسطين هي أساس الصراع في المنطقة ) وتوصل البعض من ذلك إلى أن تجاوز قضية فلسطين والمرور من فوقها للتطبيع ينهي مشكلته والتحديات لديه ، فخابوا وخسروا .. أما الصحيح فهو أن الصراع هو أساس القضية الفلسطينية فإذا انتهى الصراع حلت القضية ، وعليه فلا بد من مواجهة الصراع وكسره أو تفكيكه لتحل القضية لا أن يتم تجاوزها ..
- وأخشى أن المعركة القادمة وقريبا ستكون في محاور : ( التطبيع يخدمه ويرافقه تثوير طائفي يصرف الحذر والجهد عن مواجهة التطبيع الولائي مع العدو الصهيونازي إلى الانشغال بعدو مصطنع داخل الأمة ، والهيمنة الصهيونازية على المنطقة ، وتبني القوى الخارجية للأقليات بإثارة ورعاية نزعات الانفصال لديها ، وتقسيم الدول العربية الكبرى لفتافيت صغيرة مهيضة ، وإذلال الحدود السياسية ونزع حرمتها السياسية الاعتيادية والقانونية ، والعمل على تهجير أهل فلسطين ، والاستثمار في توابع طوفان الأقصى في دواخلنا نحن .. ) .
