خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فها هي الذكرى التاسعة والستون لنكبة أمتنا وشعبنا الفلسطيني تطل من جديد حاملةً جراحها الغائرة وذكرياتها الأليمة وترسم أمام الذهن مشاهد المجازر المروعة التي اقترفها الصهاينة وقوافل اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم لينتشروا في منافي الأرض حاملين أرضهم وبلادهم في قلوبهم عنواناً لا يتيهون عنه هم وأبناؤهم وأحفادهم من بعدهم، وبأيديهم مفاتيح البيوت شاهدةً على إرادة العودة التي ضحّى لأجلها شعبنا بقوافل كبرى من الشهداء على مدار تسعة وستين عاماً وما زال يقدّمهم في سبيل الله تعالى وحرية الأرض وتطهير المقدسات وكرامة الإنسان وعزة الأمة كلها.
وإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج في الذكرى التاسعة والستين للنكبة نؤكد على الآتي:
أولاً: إن قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية الأمة كلها حكاماً وشعوباً ومؤسسات، وإن نكبة فلسطين كانت البوابة التي مرّت منها النكبات المتتالية التي عانت منها الأمة، ممّا يوجب على الجميع شرعاً وعقلاً التحرك بالوسائل كافة وجمع الجهود لمواجهة عدونا الذي رصّ صفوفه رغم أن قلوبه شتى وأهواءه متصادمة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} الصف4
ثانياً: إن فلسطين أرض إسلامية لا يجوز لأحد مهما كانت صفته ومكانه أن يتنازل عن ذرة منها أو يقرّ بادّعاء حق اليهود الصهاينة فيها، ولا يجوز شرعاً عقد أية اتفاقية مع العدو الصهيوني تقرّ أو تعترف بحقه في إقامة كيانه المغتصب على أرضنا المباركة.
ثالثاً: إنّ عودة اللاجئين حق وواجب شرعي في آن واحد معاً، فلا يجوز لأي لاجئ أو مسؤول أو كيان أن يتنازل عن عودة اللاجئين أو أبنائهم وذرياتهم إلى أرض فلسطين، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب جريمة بحق أهلنا وأمتنا وديننا.
رابعاً: يجب على اللاجئين من أبناء فلسطين العمل بكل ما لديهم من طاقة وإمكانات على إحياء ذاكرة الأجيال وربطهم بدينهم وعقيدتهم وأرضهم ووطنهم وقضيتهم.
خامساً: إن من واجب الدول التي انتشر فيها اللاجئون الفلسطينيون أن تقدم لهم الرعاية والعدالة الحقيقية وأن تمكن القوى الفلسطينية الحية الفاعلة من العمل في أوساطهم دعوةً وإرشاداً واستنهاضاً وتحفيزاً وإحياءً، وهذا من أدنى صور التعاون على البر الذي أمر الله عزّ وجل به في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة2 وكذلك هو من الإعداد الواجب بين يدي التحرير.
سادساً: إن الطريق إلى تحرير فلسطين هو طريق الجهاد في سبيل الله والمقاومة بأشكالها المختلفة وصورها المتعددة، وإن كل جهد يصبّ في تحرير فلسطين هو من الجهاد المبرور الواجب فعله ودعمه وتيسير سبيله من قبل الجهات المختلفة، وهو التجارة الرابحة المنجية التي لا تبور، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} الصف
سابعاً: يجب شرعاً الإعداد لتحرير فلسطين امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} الأنفال60 وهذا الوجوب يشمل قوى الأمة وشبابها جميعاً، وفي مقدمتهم أبناء فلسطين داخلها وخارجها، وهم رأس الحربة في مشروع التحرير، والإعداد الواجب يشمل الأنواع المختلفة، فإعداد الجيل مادياً ومعنوياً وعسكرياً وتربوياً وثقافياً وغير ذلك وهو من أوجب واجبات الوقت.
ثامناً: ندعو أبناء شعبنا الفلسطيني وفصائله العاملة المجاهدة إلى وحدة الصف وجمع الكلمة ونبذ الخلافات وتركيز الجهود على مقاومة المحتل الصهيوني، ونؤكد أن أي جهد يُبذل في غير ذلك -لا سيما في المناكفات السياسية أو ترصّد المقاومة- يصبّ في فائدة الاحتلال ويطيل أمده.
تاسعاً: إن القدس -وفيها المسجد الأقصى المبارك- هي عنوان الصراع ومهوى الأفئدة ومحط أنظار المجاهدين، فمن الواجب بذل المستطاع كله دفاعاً عنها وتصدياً لمحاولات تهويدها وتثبيتاً للمرابطين على ثراها.
ختاماً: في هذا اليوم نحيي شعبنا المرابط في أنحاء فلسطين كلها وشعبنا القابض على حقه في منافي الأرض ومخيمات اللجوء.
نحيي مجاهدينا ومقاومينا الأبطال الذين أحدثوا النكاية بالعدو ولقنوه من الدروس ما لن ينساه أبداً.
نحيي أسرانا البواسل وجرحانا الأبطال وحرائرنا المرابطات في ساحات الأقصى المبارك، وإن تحرير فلسطين قادم لا محالة، وإن الصبح صبح النصر والتحرير والتمكين وعودة اللاجئين يطلّ حثيثاً، أليس الصبح بقريب؟!
والحمد لله رب العالمين
هيئة علماء فلسطين في الخارج
18/8/1438هـ
15/5/2017م