خاص هيئة علماء فلسطين
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ • أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} الحج: 38، 39

الحمد لله رب العالمين، ناصر المستضعفين، ومُذلّ الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمرّ اليوم الذكرى الثانية لطوفان الأقصى المبارك، السابع من أكتوبر، يوم العبور المجيد، اليوم الذي أعاد للأمة بوصلتها، وأشعل جذوة الكرامة في قلوب الأحرار، وفتح صفحةً جديدةً في تاريخ الصراع مع الاحتلال الصهيوني، يوم عبَر فيه أبناء فلسطين من جراحهم إلى ميادين العزّ، ومن حصارهم إلى معارج المجد، ليكتبوا بدمائهم أنَّ القدس لا تُستعاد إلا بالمقاومة، وأنَّ الأمة ما زالت قادرة على النهوض من بين الركام.
سنتان مضتا على هذا الحدث المفصلي، والعالم كلّه يشهد أطول فصول المجازر والجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحقّ شعبٍ أعزل إلا من إيمانه.
سنتان من الإبادة الممنهجة والقصف الوحشي، والحصار الجائر، والتجويع والتهجير والتدمير، وسط صمتٍ دوليٍّ مريبٍ، وتواطؤٍ غربيٍّ مخزٍ، وخذلانٍ عربيٍّ وإسلامي مؤلمٍ يندى له جبين الإنسانية.
ومع كلّ هذا الخراب والدمار ما زال شعبنا صامدًا كالطود الشامخ رابطًا على جراحه، ممسكًا بثوابته، متمسكًا بحقّه المشروع في المقاومة والتحرير، موقنًا أنَّ النصر وعدٌ إلهيٌّ لا يخلف، وأنّ التضحية طريق العزّة، وأنّ الحرية لا تُوهب بل تُنتزع.
سنتان قدّمت فيهما فلسطين قوافل الشهداء من أبنائها وقادتها سائرين على درب المجد من غزة المحاصرة إلى الضفة المنتفضة، ومن مخيمات الشتات إلى ساحات القدس، حتى ارتقى في ركب الشهداء قادةٌ عظامٌ حملوا لواء الطوفان، وسطروا بدمائهم أعظم معاني الثبات والفداء.
نسأل الله أن يتقبلهم في عليين، وأن يُلحقنا بركبهم ثابتين على العهد، أوفياء للقضية.
إننا في هيئة علماء فلسطين، ونحن نُحيي هذه الذكرى الجليلة، نؤكد ما يلي:
أولًا: إنّ طوفان الأقصى تحوّل استراتيجي في وعي الأمة وموازين الصراع، أعاد التأكيد أنَّ المقاومة واجب شرعيٌّ وإنسانيٌّ وحضاريّ لا بديل عنه حتى التحرير.
قال تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” البقرة: 190
ثانيًا: إنّ صمود الشعب الفلسطيني طيلة سنتين من القتل والتجويع والدمار هو آية من آيات الله تعالى في الثبات، وشهادة على شعب حيٍّ لا يموت.
ثالثًا: إنّ الواجب الشرعي على الأمة جمعاء هو نصرة فلسطين وأهلها بكل ما تملك من وسائل القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية، ورفض كل أشكال التطبيع أو التواطؤ أو الصمت
قال تعالى: “وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ” الأنفال: 72
رابعًا: إن الكيان الصهيوني قد تجاوز كلّ حدود التوحش، وبلغ من الإجرام ما يوجب على الأمة الوقوف وقفة رجل واحد لردّ العدوان، ومحاسبته على مجازره أمام محاكم العدل والضمير الإنساني.
قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَان” النساء: 75
خامسًا: نهيب بعلماء الأمة ودعاتها ومفكريها أن يجعلوا من هذه الذكرى منبرًا لتجديد العهد مع الله تعالى على نصرة المظلومين، وتذكير الأمة بأنّ القدس أمانة في أعناقها، وأنّ المقاومة فريضة وكرامة، وأنّ السكوت عن الجريمة جريمةٌ أخرى.
سادسًا: ندين بشدّة الاقتحامات المتكرّرة للمسجد الأقصى المبارك التي يمارسها الاحتلال ومستوطِنوه في ظلّ حماية جيشه، وانتهاك حرمة أقدس مقدسات الأمة، في تحدٍّ سافرٍ لمشاعر مليار مسلم، واعتداءٍ على عقيدتهم ومسرى نبيّهم صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا” البقرة: 114
وإننا نؤكد أنّ الواجب الشرعي على الأمة الإسلامية هو الدفاع عن المسجد الأقصى بكل الوسائل المشروعة، وأنّ على الدول التي تتولى الإشراف على المقدسات مسؤوليةً عظيمة أمام الله والأمة والتاريخ، تفرض عليها التحرك السياسي والدبلوماسي والميداني لحماية الأقصى من التهويد والاعتداء، وتثبيت حقّ المسلمين الخالص فيه.
سابعًا: إنّ ما شهدناه من تكالبٍ عالميٍّ وتآمرٍ غربيٍّ وصمتٍ دوليٍّ أمام جرائم الإبادة في غزة، يكشف زيف شعارات العدالة وحقوق الإنسان، ويؤكد أنّ العالم المادي فقد إنسانيته، واصطفّ مع الباطل في مواجهة شعبٍ أعزل إلا من إيمانه.
قال الله تعالى: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” البقرة: 217
لكنّنا نُبشّر الأمة أنّه رغم هذا التواطؤ، فإنّ أسطول الصمود الفلسطيني لم ينكسر وأنّ الشعوب الحرّة في أرجاء الأرض قد انتفضت نصرةً لغزة، فامتلأت الشوارع والميادين بأصوات الأحرار، ورفرفت الأعلام في العواصم.
وإنّنا نُحيّي كلّ الشعوب الحيّة والأحرار في العالم، من العواصم العربية والإسلامية إلى المدن الغربية الحرة، الذين أعلنوا تضامنهم، ورفعوا صوتهم، وواجهوا القمع من أجل كلمة الحق، هؤلاء الأحرار هم صوت الأمة وضميرها الحيّ، وشركاء في معركة الوعي والكرامة فلهم منا التحية والدعاء والثناء
يا أهلنا في غزة، يا من حملتم الجراح وسامًا، والثبات شعارًا: اعلموا أنكم في قلب الأمة ودعائها، وأنّ الدم لا يضيع عند الله تعالى، وأنّ نصر الله قريبٌ، وليعلم المحتل الغاصب أنّ كلّ بيتٍ هُدم، وكلّ طفلٍ استُشهد، وكلّ دمعةٍ سالت، ستتحول إلى نارٍ تحرقه، ورياحٍ تقتلع كيانه من جذوره.
رحم الله الشهداء، وشفى الجرحى، وفكّ الأسرى، وثبّت المجاهدين، وحرّر الأقصى، وجمع الأمة على كلمةٍ سواء، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ”
هيئة علماء فلسطين
الثلاثاء: 15 ربيع الآخر 1447هـ
الموافق: 07 أكتوبر 2025

