خاص هيئة علماء فلسطين
قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله) سورة الحج:٣٩-٤٠.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن هيئة علماء فلسطين تتابع بغضب بالغ، ووعي يقرأ السنن الإلهية في مشاهد الابتلاء والتمكين، ما أعلنه جيش الاحتلال الصهيوني من أوامر بإخلاء مدينة غزة كاملةً من سكانها المدنيين العزّل، في خطوة عدوانية جديدة في حرب الإبادة المستمرة التي لم يعرف لها التاريخ الحديث نظيرًا في الوحشية والاستئصال.
هذا الإخلاء لا يُشبه ما سبقه، فهو لا يُراد به فقط إفراغ المكان، بل إبادة المدينة ومسحها عن وجه الأرض، وقطع أواصر الحياة فيها، بعد أن تمزّقت جغرافيتها، وتحوّلت أحياؤها إلى مقابر من الركام، ولم يتبقَ للناس إلا بقع ضيقة لا تتسع لأجسادهم التي أضناها التجويع والقتل،
وإننا من منطلق واجب البيان الشرعي، نؤكد الآتي:
أولًا: إن تهجير أهل غزة من مدينتهم جريمة نازية مكتملة الأركان، تخالف الشرائع والمواثيق، ويقترفها العدو أمام أعين العالم الصامت، وهي عند المؤمنين باب جديد من أبواب الجهاد ومواجهة الباطل والصبر والثبات، فإن الثبات في وجه الطغيان عبادة، والتشبث بالأرض جهاد عظيم، والتواصي بعدم الذعر إيمان راسخ.
ثانيًا: نُهيب بأهلنا الصامدين في غزة أن يُثبت بعضهم بعضًا وأن لا يهوّلوا على بعضهم، وأن يجعلوا من قلوبهم حصونًا، ومن ألسنتهم دعاءً، ومن تعاونهم طوق نجاة، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً مهما اشتد الخطب، وهذا ما يحصل الآن في مسيرة الأكفان التي خرجت في قلب مدينة غزة تعبيراً عن التمسك بالحق ورفضاً للنزوح والخضوع لأوامر المحتل النازي.
ثالثًا: على أصحاب المبادرات والدعم والعون أن يُبادروا إلى البذل، فالأجساد تنهك والأطفال يجوعون والنساء تُشرّد، والبطون خلت إلا من الوجع، فافتحوا خزائن الخير، وسدّوا ثغور الحاجة وكونوا عونًا لإخوانكم، فإنّ العطاء في زمن الكربات من دلائل الصدق مع الله تعالى.
رابعًا: ندعو أبناء الضفة الغربية إلى التحرك واستهداف الصهاينة في كل المحاور، فإن ذلك يخفف عن أهل غزة، ويجبر المحتل على نقل عدد من قواته إلى الضفة، كما حصل بعد عملية الأمس، كما ندعو أبناء الداخل المحتل إلى إغلاق الطرق في الداخل الفلسطيني وإشعال النار وحرق الإطارات في مواجهة مفتوحة ضد أوامر الاحتلال بإخلاء غزة، مما يربك جبهته الداخلية ويشتته.
خامسًا: ندعو العلماء إلى أن يصدعوا بالحق وأن يُبيّنوا للأمة أن ما يجري في غزة جهاد في سبيل الله، وأن دعم المجاهدين فريضة لا نافلة، كما ندعو الدعاة والخطباء أن يجعلوا المنابر صوتاً لغزة، وأن يغرسوا في النفوس عقيدة العزة والشجاعة بعيداً عن منطق التهوين والتيئيس.
سادسًا: ندعو الشباب في الأمة كلها إلى أن يتحركوا ويضغطوا على مصالح الاحتلال وأعوانه في كل مكان ليوقف هذه الجريمة التاريخية، وأن يحتشدوا في الميادين دفاعًا عن الحق، وأن يُشعلوا المنصات ويُسخّروا كل وسيلة لنصرة غزة وأهلها، ليؤدوا واجب النصرة ويُثبتوا أن للأمة كرامة لا تُداس.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
هيئة علماء فلسطين
16 ربيع الأول 1447
9 سبتمبر 2025