خاص هيئة علماء فلسطين
الحمد لله الذي جعل العدل أساس الملك، وجعل نصرة المظلوم فريضة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فقد اطّلعت هيئة علماء فلسطين على القرار الذي اعتمده مجلس الأمن بخصوص قطاع غزة، وتؤكد أنّ هذا القرار قرارٌ جائرٌ وظالم، يفتقر إلى الحدّ الأدنى من العدالة، ويتناقض مع أوضح مبادئ حقوق الإنسان والشرعية الدولية، فضلًا عن تعارضه الصارخ مع الوحي ومقاصد الشريعة وأخلاق الأمة.
وبناءً عليه، تبين الهيئة الآتي:
أولًا: إن القرار يغضّ الطرف عن جريمة الإبادة التي عاشها قطاع غزة لعامين كاملين، ويتجاهل مئات آلاف الشهداء والجرحى والمشرّدين، ويقارب الكارثة بوصفها ملفًا إداريًا وليست أكبر جريمة عرفتها البشرية في القرن الحادي والعشرين؛ وهذا النهج يمثل انهيارًا أخلاقيًا وقانونيًا لا ينسجم حتى مع نصوص القانون الدولي التي تزعم الأمم المتحدة حمايتها.
ثانيًا: يتضمن القرار إنشاء آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهذا في جوهره تشريع جديد لاحتلال متعدد الجنسيات، يغطّي الاحتلال الأصلي بغطاء أممي، ويمهّد لمحاصرة غزة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا تحت شعار “الحماية” و”الإدارة”.
وهذا المسار مرفوض شرعًا وعقلًا وقانونًا، لأن الوصاية في حقيقتها انتزاع للسيادة، وحرمانٌ للشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه في إدارة أرضه، وتمهيدٌ لإعادة صياغة الجغرافيا بما يخدم مصالح الاحتلال.
قال تعالى: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” النساء: 141 ، وهذا القرار يسعى لخلق سبيلٍ جديد على المؤمنين عبر بوابة “الشرعية الدولية”.
ثالثًا: إن هذا القرار يمثل التفافًا خطيرًا على حق المقاومة، الذي أقره الوحي قبل أن تعترف به المواثيق الدولية.
قال تعالى: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ” الحج: 39
وإن محاولة نزع سلاح المقاومة عبر قوة دولية أو وصاية أممية اعتداءٌ مباشر على حقّ مشروع، بل اعتداء على حق الوجود ذاته لشعبٍ يواجه احتلالًا مستمرًا منذ أكثر من سبعة عقود.
ومن هنا فإننا نشد على يد المقاومة الباسلة في رفضها تسليم سلاحها أو التنازل عنه، ونطالب الأمة جمعاء أن تكون في صف المقاومة دعماً وتثبيتاً ومجابهة لكل محاولات نزع سلاحها
رابعًا: إن القرار يعطي الاحتلال فرصة جديدة لفرض أجندته من خلال “الآليات الدولية”، ويحوّل الأمم المتحدة إلى أداة ضغط على الشعب الفلسطيني بدل أن تكون مظلةً لحمايته، وبذلك يصبح القرار تبييضًا سياسيًا لجريمة الإبادة، وغطاءً دوليًا لسياسات التهجير والفصل والتجويع.
خامسًا: المساعدات الإنسانية حقٌّ أصيل، ولا يجوز أن تُسلَّع أو تُربط بأية شروط أمنية أو سياسية، وإن مسار القرار يحوّل الإغاثة إلى أداة للابتزاز، ويبقي غزة في دائرة “التجويع المُدار” بدل الإغاثة الحقيقية، وهذا منافٍ لكل مبدأ من مبادئ الرحمة الإنسانية، فضلًا عن مخالفته لقول الله تعالى: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” المائدة: 32
سادسًا: إن هيئة علماء فلسطين تؤكد أن شعب غزة لا يحتاج وصاية دولية ولكنّه يحتاج إلى حماية دولية من الاحتلال، ولا يحتاج قوة أممية لملاحقته وإنّما يحتاج قرارًا حقيقيًا بوقف العدوان، ويحتاج إلى ممرات إغاثة مفتوحة، ومحاكمات لمرتكبي الإبادة، وضمانًا لحق تقرير المصير.
سابعًا: تدعو الهيئة الأمة وعلماءها وشعوبها إلى رفض هذا القرار بكل وضوح، والضغط عبر كل المسارات السياسية والحقوقية والإعلامية لإسقاطه، لأنه يمثل سابقة خطيرة في شرعنة نظام وصاية عالمي على أرض محتلة، ويهدد بتكرار النموذج على شعوب أخرى.
كما نهيب بشعوب أمتنا القيام بواجب الإسناد والإغاثة لأهلنا المكلومين في غزة في ظل تنكر المجتمع الدولي لهم
ختامًا: إن هذا القرار ظلمٌ دولي، وانحيازٌ صارخ، وعبثٌ بمفاهيم العدالة، لا يزيد شعب فلسطين إلا تمسّكًا بحقه، ولا يزيد غزة إلا ثباتًا على طريق حريتها؛ ونحن نذكّر العالم بقول الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} هود: 113
ونؤكد أنّ العدالة لا تُصنع في أروقة السياسة ولكنّها تُصنع بدماء الصابرين، وصمود المظلومين، وبقاء الحق حيًا في ضمير الأمة؛ والله وليّ المستضعفين.
هيئة علماء فلسطين
27/جمادى الأولى/1447هـ
18/نوفمبر/2025م